أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 4 - صـ 233

جلسة 25 من ديسمبر سنة 1952
(38)
القضية رقم 249 سنة 20 القضائية

برئاسة حضرة المستشار الأستاذ عبد الحميد وشاحي وبحضور حضرات الأساتذة: سليمان ثابت ومحمد نجيب أحمد وعبد العزيز سليمان وأحمد العروسي المستشارين.
(1) إثبات. محكمة الموضوع. سلطتها في تقدير الأدلة. عدم إجابتها طلب تقديم الدفاتر التجارية أو إحالة الدعوى على التحقيق. هذا من حقها متى كانت قد كونت عقيدتها من الأدلة التي اطمأنت إليها.
(2) بيع. فسخ. حكم. تسبيبه. تقريره أن للمشتري عند تأخير البائع في تسليم المبيع الخيار بين طلب التنفيذ العيني أو الفسخ مع التضمينات وأنه إذا رفع دعواه بطلب التسليم أن يعدل عنه إلى طلب الفسخ وليس في رفع الدعوى بأي الطلبين نزولاً عن الطلب الآخر. ما قرره الحكم صحيح في القانون.
(3) بيع. مسئولية. حكم. تسبيبه. دفع البائع مسئوليته عن تأخره في تسليم المبيع بأن المشتري لم يقم بدفع الثمن قبل التسليم وفقاً لشرائط العقد. إطراح الحكم هذا الدفاع لأن البائع لم يظهر استعداده لتسليم المبيع بينما أنذره المشتري بأنه مستعد لدفع الثمن عند التسليم. لا مخالفة فيما قرره الحكم للقانون ولا قصور.
(1) لمحكمة الموضوع بما لها من سلطة التقدير أن تطرح طلب تقديم الدفاتر التجارية أو الإحالة على التحقيق متى كانت قد كونت عقيدتها في الدعوى من الأدلة التي اطمأنت إليها.
(2) إذا كانت المحكمة قد قررت أن للمشتري عند تأخير البائع في التسليم الخيار بين طلب التنفيذ العيني أو طلب فسخ البيع مع التضمينات في الحالتين، كما له لو كان رفع دعواه بطلب التسليم أن يعدل عنه إلى طلب الفسخ، وليس في رفع الدعوى بأي من هذين الطلبين نزولاً عن الطلب الآخر، فإن هذا الذي قررته المحكمة هو صحيح في القانون.
(3) لذا كان الطاعن قد اعتمد في دفاعه على أن عدم قيامه بتسليم المبيع يرجع إلى أن المطعون عليه لم يبد استعداده لدفع الثمن إلا بعد التسليم مع أنه متفق في العقد على دفع الثمن قبل التسليم وبذلك يكون المطعون عليه هو المقصر وتقع عليه تبعة التقصير، وكانت المحكمة إذ أطرحت هذا الدفاع قد قررت أن محل التمسك به هو أن يكون الطاعن قد أظهر استعداده لتسليم المبيع، أما وهو لم يفعل ذلك فلا يحق له أن يطالب المطعون عليه بدفع الثمن قبل التسليم، هذا فضلاً عن أن المطعون عليه قد قرر بإنذاره الذي أعلنه للطاعن أنه على استعداد لدفع كامل الثمن عند تسلمه المبيع بالسعر المتفق عليه كما اشترط في الاتفاق، ومع ذلك لم يقم الطاعن بتنفيذ التزامه، فإن هذا الذي قررته المحكمة هو استخلاص سليم ولا مخالفة فيه للقانون كما لا يشوبه قصور.


الوقائع

في يوم 26 من يوليو سنة 1950 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف الإسكندرية الصادر في 7 من مايو سنة 1950 في الاستئناف رقم 136 سنة 5 ق - وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه مؤقتاً حتى يفصل في الطعن والحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع أصلياً بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون عليه واحتياطياً بنقض الحكم وبإحالة القضية إلى دائرة أخرى للفصل فيها مجدداً وفي الحالتين بإلزام المطعون عليه بجميع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وفي أول أغسطس سنة 1950 أعلن المطعون عليه بتقرير الطعن وفي 9 منه أودع الطاعن أصل ورقة إعلان المطعون عليه بالطعن وصورة مطابقة للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداته. وفي 3 من سبتمبر سنة 1950 أودع المطعون عليه مذكرة بدفاعه مشفوعة بمستنداته طلب فيها رفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وفي 20 من مارس سنة 1952 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات.
وبجلسة 16 من أكتوبر سنة 1952 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث صمم محاميا الطرفين والنيابة العامة على ما جاء بمذكراتهم والمحكمة أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير حضرة المستشار المقرر ومرافعة المحاميين عن الطرفين والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع، حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 290 لسنة 1947 تجاري محكمة الإسكندرية الابتدائية بطلب الحكم بإلزام الطاعن بأن يسلمه خمسين بالة من الدخان حسن كيف وبأن يدفع إليه مبلغ ألف جنيه بصفة تعويض: بمقولة إنه اشترى منه هذا المقدار في 25 من سبتمبر سنة 1947 بسعر الكيلو 35 قرشاً، وأنه امتنع عن التسليم في الميعاد المتفق عليه وهو أول أكتوبر سنة 1947 لنصف الصفقة و15 من أكتوبر سنة 1947 لنصفها الآخر، كما اشترط في هذا الاتفاق أن يكون دفع الثمن عند تسليم البضاعة. ودفع الطاعن بعدم قبول الدعوى لأنها رفعت عليه بصفته وكيلاً عن محل أخوان نظارتيان، وبأن بيعاً لم ينعقد بينه وبين المطعون عليه إذ لم يكن إلا وسيطاً بعمولة بينه وبين محل "ايشن تركيا بنك" المالك للبضاعة، وبأنه يفرض قيام البيع فإنه لم يلحق الطاعن أي ضرر من عدم نفاذه، وبجلسة 19 من فبراير سنة 1948 قال الطاعن أنه مستعد لأن يورد للمطعون عليه كمية الدخان المتفق عليها بسعر 35 قرشاً للكيلو بصفته سمسار المحل "أيشن تركيا بنك" ورفض المطعون عليه هذا العرض لفوات الميعاد المحدد للتسليم. وبجلسة 4 من ديسمبر سنة 1948 عدل المطعون عليه طلباته إلى طلب الفسخ والتعويض.
وفي 28 من مايو سنة 1949 قضت المحكمة بفسخ البيع وبإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون عليه مبلغ 563 جنيه، واستأنف الطاعن هذا الحكم، وقيد استئنافه برقم 136 لسنة 5 ق - تجاري محكمة استئناف الإسكندرية، التي قضت بتأييده للأسباب التي بني عليها وللأسباب التي أضافتها إليها. وقرر الطاعن الطعن في الحكم المذكور بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بني على تسعة أسباب يتحصل أولها في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون - لذلك أن الدعوى رفعت على "أرتين نظارتيان عن محل إخوان نظارتيان" أي على الطاعن بصفته وكيلاً - مع أنه كان يجب رفعها على "محل نظارتيان"، بما له من شخصية معنوية، وحتى يمثله من له حق تمثيله، ولكن المحكمة خلطت بين مسئولية الأصيل إذا تعاقد عنه وكيل وبين مقاضاة الوكيل عن هذا الأصيل.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن المحكمة - إذ رفضت دفع الطاعن بعد قبول الدعوى لرفعها عليه بصفته وكيلاً عن محل إخوان نظارتيان، مع أنه كان يجب رفعها على هذا المحل باعتباره هو الأصيل - استندت إلى أن عبارة "أرتين نظارتيان عن محل إخوان نظارتيان" التي وردت بصحيفة الدعوى تفيد أنها رفعت الدعوى على الطاعن بصفته ممثلاً لمحل إخوان نظارتيان وليس بصفته وكيلاً عنه، وأن الطاعن لم يقدم ما ينفي تمثيله لهذا المحل، بل أن كافة تصرفاته تدل على أنه الممثل له والقائم بأعماله، وإلا لبادر بالإرشاد عن مديره تؤيد ذلك توقيع الطاعن على الخطاب المؤرخ في 18 من أكتوبر سنة 1947 بصفته ممثلاً للمحل المذكور، هذا فضلاً عن إقراره بهذه الصفة في صحيفة الاستئناف أو مذكرته الختامية. وهذا الذي قررته المحكمة هو استخلاص سائغ ومن شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها ولا مخالفة فيه للقانون.
ومن حيث إن الأسباب الثاني والرابع والخامس تتحصل في أن الحكم خالف القانون وأخطأ في الاستدلال وشابه القصور في التسبيب من أربعة أوجه (أولها) إذ استندت المحكمة في تقريرها بأن بيعاً قد انعقد بين الطاعن والمطعون عليه إلى بيان محرر في 2 من أكتوبر سنة 1947 نسب صدوره من الطاعن وإلى خطاب أرسله المطعون عليه إلى الطاعن في 13 من أكتوبر سنة 1947 وإلى الإنذار المعلن إلى الطاعن في 29 من أكتوبر سنة 1947 وإلى سكوت الطاعن عن الرد على ما جاء في هذه الأوراق - مع أن الطاعن أنكر البيان المشار إليه وقال إن وسيط المطعون عليه هو الذي حرره لتقديمه إلى محل "أيشن تركيا بنك" - وأن الطاعن قد رد بالخطاب المحرر في 18 من أكتوبر سنة 1947 على خطاب 13 من أكتوبر سنة 1947 وطلب فيه حضور المطعون عليها لاطلاعه على حقيقة الأمر - وأن عدم الرد على الإنذار يرجع إلى ضيق الوقت - وأن هذه الأوراق جميعاً لا تفيد أن الصفقة قد تمت (والوجه الثاني) إذ أطرحت المحكمة دفاع الطاعن بأن حقيقة الأمر هي أن وسيطاً عن المطعون عليه طلب من الطاعن في يوم 25 من سبتمبر سنة 1947 أن يتوسط لدى "أيشن تركيا بنك" ليبيع إليه كمية من الدخان، ولكنه لم يعد إليه في اليوم التالي كما يقضي العرف التجاري، ثم حضر إليه يوم 2 من أكتوبر سنة 1947 طالباً البيع بسعر 35 قرشاً للكيلو، فذهب معه إلى البنك، وإذا بالسعر قد ارتفع ولم تتم الصفقة لهذا السبب - وذلك دون أن تبين المحكمة علة إطراح هذا الدفاع (والوجه الثالث) إذ اعتمدت المحكمة على أن الأمر في المسائل التجارية هو أمر مرجعه إلى القرائن، وأن القرائن المقدمة من المطعون عليه تثبت حصول البيع - مع أن العرف التجاري يقضي بوجوب عودة وسيط المطعون عليه إلى الطاعن في اليوم التالي ولكنه لم يحضر إلا بعد عشرة أيام - ومع تمسك الطاعن بذلك فإن المحكمة لم ترد عليه (والوجه الرابع) إذ استند الطاعن في دفاعه بأنه وسيط بالعمولة إلى أن إجراءات محل "أيش تركيا بنك" توجب ألا يباع الدخان إلا بعد دفع الثمن، الأمر الذي يدل على عدم صحة قول المطعون عليه بأنه تعاقد مع الطاعن على أن يكون تسليم الدخان إليه بمخازنه - وإذ قدم الطاعن دليلاً على ذلك شهادة من البنك تفيد أنه ليس إلا سمساراً يعمل لحسابه بالعمولة وإذا استدل الطاعن على صحة دفاعه بما تفيده الأوراق الخاصة بصفقة أخرى تمت أثناء سير الدعوى من أن المطعون عليه قام بدفع ثمنها قبل أن تسلم إليه في مخازنه - ولكن المحكمة لم ترد على هذا الدفاع.
ومن حيث إن هذه الأسباب مردودة جميعاً بما قررته المحكمة: من أن دفاع الطاعن بأن صفقة لم تتم بينه وبين المطعون عليه وبأنه لم يكن إلا وسيطاً لدى محل "أيش تركيا بنك" لحساب المطعون عليه هو دفاع تنقضه المستندات المقدمة من المطعون عليه ومنها البيان الصادر من محل الطاعن في 2 أكتوبر سنة 1947 وصورة الخطاب المرسل إليه من المطعون عليه في 13 من أكتوبر سنة 1947 والخطاب المرسل من الطاعن إلى المطعون عليه في 18 من أكتوبر سنة 1947 رداً على الخطاب المذكور والإنذار المعلن إلى الطاعن في 19 من أكتوبر سنة 1947، إذ تفيد هذه المستندات أن المطعون عليه اتفق مع الطاعن على أن يشتري منه خمسين بالة من الدخان حسن كيف بسعر الكيلو 35 قرشاً على أن يكون دفع الثمن عند تسليم المبيع بمخازن المطعون عليه وذلك على دفعتين إحداهما في 1 من أكتوبر سنة 1947 والأخرى في 15 منه وأن الطاعن عدل عن الصفقة لتوالي الأسعار في الارتفاع: وأنه يبين من المطبوعات والكشوف الفواتير المقدمة أن للطاعن مصنعاً للسجاير والدخان مقيداً بالسجل التجاري ويشغل بأصناف مختلفة دون أن يرد فيها ما يدل على أنه يشتغل في السمسرة: وأنه يتضح من المكاتبات التي تبودلت بين الطرفين قبل رفع الدعوى أنه على الرغم من أن المطعون عليه تمسك فيها بحصول الاتفاق على البيع فإن الطاعن سكت بل إنه في خطابه المرسل في 18 من أكتوبر سنة 1947 طلب من المطعون عليه الحضور إلى مصنعه بالإسكندرية مع أنه لو كان ادعاء المطعون عليه غير صحيح لبادر الطاعن بإنكار حصول البيع ولذكر صراحة أنه ليس إلا سمساراً بعمولة: وأنه يؤيد ذلك ما هو ثابت "بفاتورة" مقدمة من المطعون عليه من أنه اشترى من الطاعن صفقة أخرى أثناء سير الدعوى: وأن الشهادة الصادرة من محل "أيش تركيا بنك" والمقدمة من المطعون عليه لا تؤيد دفاع الطاعن بأنه سمسار بالعمولة، وأما ما جاء فيها من أن محل نظارتيان ليست له صفة في إلزام البنك قبل موافقته وأن البيع لا يعتبر تاماً إلا بعد دفع الثمن فإنه أمر لا شأن للمطعون عليه به: وأن مجادلة الطاعن في هذه الأدلة غير مجدية لأن للعرف والقرائن ومنها قرينة السكوت حجية في المسائل التجارية: وأنه كان واجباً على الطاعن وقد أعذره المطعون عليه مرتين بتنفيذ بيع يتعلق بسلعة يتغير سعرها في السوق أن يسارع بإنكار حصول هذا البيع لو كان مختلفاً عليه، هذا إلى أن البيان المحرر في 2 من أكتوبر سنة 1947 هو عبارة عن "فاتورة" معنوية بعنوان محل نظارتيان واشتملت على تفصيل دقيق للبضاعة المبيعة، ولو كانت مزورة لما سكت ولما طالب المطعون عليه باستدعائه للتفاهم معه في ظروف لا تسمح بالتفاهم لو كان دفاعه صحيحاً - وهذا الذي قررته المحكمة هو استخلاص سائغ في مسألة تجارية يجوز الإثبات فيها بكافة الطرق ومن شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها في خصوص قيام التعاقد بين الطاعن والمطعون عليه وفي إطراح دفاع الطاعن الآنف بيانه والجدل فيه لا يعدو كونه جدلاً موضوعياً ومن ثم فلا مخالفة فيه للقانون كما لا يشوبه الخطأ في الاستدلال أو القصور في التسبب.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم مشوب بالخطأ في القانون والقصور في التسبيب - ذلك أن الطاعن طلب من المحكمة أن تأمر بتقديم دفاتر المطعون عليه التجارية وأن تحيل الدعوى على التحقيق لإثبات دعوى المطعون عليه - ولكنها لم تلق بالاً إلى هذين الطلبين.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأنه للمحكمة بما لها من سلطة التقدير أن تطرح طلب تقديم الدفاتر التجارية أو الإحالة على التحقيق متى كانت قد كونت عقيدتها من الأدلة التي أطمأنت إليها كما هو الحال في الدعوى.
وحيث إن السبب السادس يتحصل في أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون - ذلك أن المحكمة قضت بفسخ البيع المدعى به - مع أن المطعون عليه رفع دعواه بطلب تسليم البضاعة، وأن الطاعن عرضها عليه بجلسة 14 من فبراير سنة 1948 وبذلك يكون قد صدر من المطعون عليه إيجاب صادفه قبول من الطاعن، ويكون عدول المطعون عليه عن طلب التسليم إلى طلب الفسخ غير جائز قانوناً.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بما قررته المحكمة: من أن للمشتري عند تأخير البائع في التسليم الخيار بين طلب التنفيذ العيني أو طلب فسخ البيع مع طلب التضمينات في الحالتين، كما له لو كان قد رفع دعواه بطلب التسليم أن يعدل عنه إلى طلب الفسخ، وليس في رفع الدعوى بأي من هذين الطلبين نزولاً عن الطلب الآخر - وهذا الذي قررته المحكمة صحيح في القانون.
ومن حيث إن السببين السابع والثامن يتحصلان في أن الحكم أخطأ في القانون وشابه القصور في التسبيب - ذلك أن المحكمة قضت بالفسخ وبإلزام الطاعن بالتعويض، تأسيساً على أنه قد قصر في التزامه بتسليم المبيع - مع أن البيع الذي ادعاه المطعون عليه لو كان قدم تم حقيقة هو بيع سلعة متفق فيه على دفع الثمن قبل تسليمها - وأن المطعون عليه في خطابه المحرر في 13 من أكتوبر سنة 1947 لم يبد استعداده لدفع الثمن إلا بعد التسليم - كما أنه في إنذاره المعلن في 29 من أكتوبر سنة 1947 لم يعرض الثمن عرضاً حقيقياً، بذلك يكون هو المقصر وتقع عليه تبعة التقصير، كما يكون البيع مفسوخاً من تلقاء نفسه دون أن يترتب عليه أي تعويض.
ومن حيث إن هذين السببين مردودان بما قررته المحكمة: من أن دفاع الطاعن بأن المطعون عليه لم يبد استعداده لدفع الثمن قبل تسليم المبيع هو دفاع غير جدير بالالتفات، إذ محل التمسك به أن يكون الطاعن قد أظهر استعداده لتسليم المبيع، أما وهو لم يفعل ذلك فلا يحق له أن يطالب المطعون عليه بدفع الثمن قبل التسليم، هذا فضلاً عن أن المطعون عليه قد قرر بخطابه المرسل في 13 من أكتوبر سنة 1947 وإنذاره المعلن في 29 من أكتوبر سنة 1947 أنه على استعداد لدفع كامل الثمن عند تسلمه المبيع بالسعر المتفق عليه كما اشترط في الاتفاق، ومع ذلك لم يقم الطاعن بتنفيذ التزامه - وهذا الذي قررته المحكمة هو استخلاص سليم ولا مخالفة فيه للقانون كما لا يشوبه القصور.
ومن حيث إن السبب التاسع يتحصل في أن الحكم أخطأ في القانون كما شابه القصور والتناقض في التسبيب - ذلك أن المحكمة قضت بإلزام الطاعن بالتعويض تأسيساً على تحقق الضرر بواقع خمسة وعشرين للكيلو من الدخان المقول بيعه - مع أنه لم يلحق المطعون عليه أي ضرر، إذ لم يدفع أي مبلغ مقابل الصفقة، كما أنه لم يخسر شيئاً من عدم إتمامها - وأنه بفرض وقوع هذا الضرر فإن تعويض ما كان ليتجاوز خمسة قروش عن الكيلو الواحد لأن سعر الدخان في الوقت الذي عرض عليه فيه الطاعن أن يتوسط لدى محل "أيشن تركيا بنك" في شراء القدر المطلوب، أي في وقت التقصير في تنفيذ الالتزام المدعى به، لم يرتفع إلا إلى أربعين قرشاً، ومع تمسك الطاعن بهذا القول فإن المحكمة لم ترد عليه، وكل ما اعتمدت عليه في هذا الخصوص هو أن الطاعن سلم بحدوث الارتفاع في الأسعار، مع أنه لم يسلم به، هذا فضلاً عن أنه بينما عابت محكمة الاستئناف على محكمة الدرجة الأولى أخذها بفرق متوسط الأسعار، إذا بها قد بررت قضاءها في هذا الخصوص بأنها قصدت أن يكون أساس تقدير الضرر رجحان ما كان سيربحه المطعون عليه من الصفقة، في حين أنها قد رفضت القضاء للمطعون عليه بأي تعويض مقابل ما كان سيربحه من تصنيع الدخان.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بما قررته محكمة الدرجة الأولى في خصوصه: من أن الطاعن قد اعترف في مذكرته بأن الأسعار كانت متجهة إلى الصعود لقلة الوارد من الصنف: وأنه لو كانت الصفقة قد تمت في المواعيد المتفق عليها لأفاد المطعون عليه من هذا الصعود في الأسعار: وبذلك يكون قد حرم من كسب مرتقب، وهو ضرر له أن يطالب بتعويض عنه، وتقدر المحكمة هذا التعويض على أساس متوسط الأسعار بعد ارتفاعها بواقع ستين قرشاً للكيلو، وبذلك يكون الفرق هو 25 قرشاً ويكون ما يستحقه المطعون عليه من التعويض هو مبلغ 563 جنيهاً - وهذا الذي قررته المحكمة وأخذ به الحكم المطعون فيه لا مخالفة فيه للقانون ولا يشوبه القصور، إذ ما اعتمدت عليها من تقدير التعويض هو أساس مقبول ومستمد من أوراق الدعوى، ولمحكمة الموضوع سلطانها المطلق في تقدير التعويض في حدود الطلبات المعروضة عليها من طرفي الخصومة دفعاً ورداً، وليس في الحكم المطعون فيه ما يناقض هذا التقدير بل فيه ما يؤيده، إذ جاء فيه أن التعويض الذي قدرته محكمة الدرجة الأولى هو مقابل ما فات المطعون عليه من رجحان كسب كان يجنيه لو قام المطعون عليه بتنفيذ التزامه وسلمه البضاعة المتفق عليها، وأما ما جاء في الحكم الابتدائي في خصوص ما ضاع على المطعون عليه من كسب من تصنيع الدخان فقد أوردته محكمة الدرجة الأولى لتبرير عدم الاعتداد بهذا العنصر ضمن عناصر التعويض المطالب به، وهو ما لم يخالفه الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ومن ثم يتعين رفضه.