مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) - صـ 268

جلسة 20 يونيه سنة 1938

برياسة حضرة عبد الفتاح السيد بك وبحضور حضرات: محمود المرجوشي باشا ومحمد كامل الرشيدي بك وأحمد مختار بك وسيد مصطفى بك المستشارين.

(242)
القضية رقم 1527 سنة 8 القضائية

تفتيش:
( أ ) التفتيش المحظور قانوناً. تفتيش بواسطة رجال البوليس أثناء البحث عن مرتكب جريمة وجمع الاستدلالات. متى يكون غير محظور. سيارة واقفة في الطريق. تفتيشها لضبط مخدّر. جوازه.
(ب) تلبس. ذكر حالاته حصراً في القانون. التوسع فيها بطريق القياس أو التقريب. لا يجوز.
(حـ) سيارة. تفتيشها لضبط مادة مخدّرة. تأسيسه على أن المتهم كان في حالة تلبس بسرقة السيارة. لا يجوز.
(المواد 8 و15 و18 و30 تحقيق)
1 - إن التفتيش الذي يحرّمه القانون على رجال الضبطية القضائية إنما هو التفتيش الذي يكون في إجرائه اعتداء على الحرّية الشخصية أو انتهاك لحرمة المساكن، وذلك فيما عدا أحوال التلبس والأحوال الأخرى التي أجاز لهم القانون ذلك بنصوص خاصة. أما التفتيش الذي يقوم به رجال البوليس أثناء البحث عن مرتكبي الجرائم وجمع الاستدلالات الموصلة إلى الحقيقة ولا يقتضي إجراؤه التعرّض لحرّية الأفراد أو لحرمة المساكن فغير محظور، ويصح الاستشهاد به كدليل في الدعوى. فالتفتيش الذي يقع في سيارة واقفة في الطريق لا يحرمه القانون، والاستدلال به جائز.
2 - إن القانون قد ذكر حالات التلبس على سبيل الحصر لا على سبيل البيان والتمثيل، فلا يصح التوسع فيها بطريق القياس أو التقريب. وإذاً فلا يجوز لرجال الضبطية القضائية - ما دام المتهم لم يكن في إحدى حالات التلبس المذكورة - إجراء التفتيش استناداً إلى أن حالته أقرب ما تكون إلى حالة التلبس الاعتباري.
3 - لا يجوز قانوناً تبرير التفتيش بمقولة إن المتهم كان في حالة تلبس بجريمة سرقة ما دام لم يكن هناك تحقيق عن واقعة السرقة المقول بها ولم يكن التفتيش حاصلاً على أساس أن هناك جريمة سرقة، بل على أساس وجود مادة مخدّرة يراد ضبطها.


المحكمة

وحيث إن الأسباب التي يبني عليها الطاعنان طعنهما تتحصل في أن الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون. وفي بيان ذلك يقول الطاعنان إن الحكم الابتدائي قضى بالبراءة لعدم مشروعية تفتيش السيارة الحكومية التي كانت في حيازة أوّلهما، وجاء حكم محكمة الدرجة الثانية فبحث نفس النظرية وانتهى إلى القول بأن حيازة السيارة كانت حيازة غير مشروعة بل هي جريمة سرقة فيكون تفتيشها لذلك قد وقع صحيحاً. ولتأييد هذا النظر الخاطئ ذكر الحكم أيضاً أن ظروف الحادث تجعل الحالة أقرب ما تكون إلى حالة التلبس الاعتباري. ويقول الطاعنان إن الحكم مع ذلك سلم بأن الطاعن الأول سائق للسيارة التي تتبع مصلحة المساحة وإنه لذلك تكون حيازته لها حيازة شرعية لا يسأل عنها إلا أمام الجهة الإدارية التي عهدت إليه بها على اعتبار أنه أخطأ في استعمال السيارة في غير الأغراض الموكولة إليه من أجلها، ويده عليها إنما هي كيد المالك فهي واجبة الاحترام لأن الحيازة في المنقولات إنما هي مظهر من مظاهر الملكية، وحتى يثبت عكس ذلك فلا شك في قانونية الحيازة وشرعيتها. وفضلاً عن ذلك فإن ما ذكره الحكم أن حالة الطاعنين أقرب إلى حالة التلبس الاعتباري لا أساس له لأن حالات التلبس وردت في القانون على سبيل الحصر، والتلبس الاعتباري ليس مما يعرفه القانون.
وحيث إن التفتيش الذي يحرّمه القانون على رجال الضبطية القضائية إنما هو التفتيش الذي يكون في إجرائه اعتداء على الحرّية الشخصية أو انتهاك لحرمة المساكن اللهم إلا في أحوال التلبس والأحوال الأخرى التي يجوز لهم القبض فيها قانوناً. أما التفتيش الذي يقوم به رجال البوليس أثناء البحث عن مرتكبي الجرائم وجمع الاستدلالات الموصلة إلى الحقيقة ولا يقتضي إجراؤه التعرّض لحرّية الأفراد أو لحرمة المساكن فغير محظور ويصح الاستشهاد به كدليل في الدعوى.
وحيث إن واقعة الحال في هذه الدعوى - حسب الثابت في الحكم المطعون فيه - هي أن الكونستابل السيد فراج كان قاصداً إلى مقر عمله بمركز البوليس فرأى السيارة الأميرية التابعة لمصلحة المساحة والمعهود بقيادتها إلى الطاعن الأول واقفة أمام دار الإسعاف. ونظراً لأنه سبق أن وصل إلى علمه من مصادر سرية أن سائقها قد اعتاد التردّد كثيراً على تلا لشراء مادة الهيروين التي يتعاطاها، أمر رجل البوليس السري العسكري عبد الفتاح صالح بمراقبتها ووقف هو يلحظ حالتها أيضاً. غير أنه ما كاد يقف فترة قصيرة حتى رأى السائق (الطاعن الأول) وزميله الطاعن الثاني الذي كان معه ينزلان من السيارة قاصدين إلى البلد فظل واقفاً في مكانه يرقب الحالة وسار عسكري المباحث المذكور في أثرهما. وبعد نصف ساعة عاد الطاعنان إلى السيارة يتبعهما العسكري واتخذ السائق مكانه فيها وجلس زميله بجواره، فقصد العسكري إليهما في السيارة غير أنه قبل أن يصل إلى بابها الأمامي نزل الاثنان منها والتقيا به، فأتى بهما إلى الكونستابل فساقهما إلى المركز لتفتيشهما، بعد أن كلف أومباشي المرور عطية زهرة بمراقبة السيارة إلى أن يعود إليها سائقها، وفتشهما فلم يجد معهما شيئاً. ثم عاد الكونستابل إلى السيارة ومعه الطاعن الثاني يرافقهما عسكري المباحث حيث فتش الكرسي الأساسي الذي كان السائق (الطاعن الأول) وزميله الطاعن الثاني جالسين عليه فعثر في الفاصل الكائن بين الوسادة المكسوة بالجلد وخشب القاعدة بالجهة اليمنى التي كان بها هذا الأخير على لفتين من الورق الشفاف الأبيض وجدت بهما التذاكر المضبوطة فعاد بهما إلى المركز. وقد ثبت من تقرير المعمل الكيماوي أن المادة المضبوطة هي كلوريدرات الهيروين. وقد أدان الحكم الطاعنين مستنداً إلى ضبط المادة المخدّرة على النحو المتقدّم. وذكر أن الدفاع طعن في التفتيش بالبطلان لحصوله بغير إذن من السلطة القضائية، وأن هذا الدفع أخذت به محكمة أول درجة وقضت لذلك بالبراءة، ولكنه لا يأخذ به لأن الطاعن الثاني كان يركب السيارة قيادة الطاعن الأول وهي لم تكن مملوكة لأحدهما بل هي للحكومة ويدهما عليها يد غاصب مختلس بل سارق، فحيازتهما لها وقت ارتكابهما للجريمة كانت غير مشروعة لا يحميها القانون. وبعبارة أخرى فإنهما يعتبران قد ضبطا متلبسين بجريمة يعاقب عليها القانون وهي سرقتهما للسيارة التي لا يصح معها القول بأن البوليس انتهك حرمتها بالتفتيش الذي أجراه بغير إذن، ولأنه من جهة أخرى قد ضبط الطاعنان بحالة من شأنها في الواقع أن تسوّغ القول بأنها حالة قد تكون أقرب ما يكون إلى حالة التلبس الاعتباري الذي يمكن إدخاله في عداد ما أشير إليه في المادة الثامنة من قانون تحقيق الجنايات. فقد رؤيا إثر ارتكابهما فعلتهما بفترة يسيرة في ظروف من شأنها أن تجعل رجال البوليس الملكي على حق في الاعتقاد الجازم بارتكاب جريمة الإحراز إثر عودتهما من المكان الموصل إلى دار عبد السلام بدير الشهير بالاتجار في المخدّرات. وهذه حالة كانت تبيح القبض فالتفتيش السريع بدون إذن.
وحيث إنه يظهر من الواقعة الثابتة في الحكم أن الطاعنين لم يكونا في إحدى حالات التلبس الواردة في القانون، إذ لم يرهما أحد يحرزان أو يشتريان المادة المخدّرة، ولم يكونا كذلك في إحدى الحالات التي تجيز القبض قانوناً، وأن التفتيش الذي حصل في السيارة التي كانت في حيازة الطاعنين هو الذي كشف عن وجود المادة المخدّرة في حيازتهما.
وحيث إن الحكم المطعون فيه وإن أصاب القول بعدم قيام حالة التلبس بالجريمة في هذه الدعوى إلا أنه قد أخطأ فيما ذهب إليه من القول بأن حالة الطاعنين كانت تبيح التفتيش لأنها أقرب ما تكون إلى حالة التلبس الاعتباري. ووجه الخطأ في ذلك أن القانون ذكر حالات التلبس على سبيل الحصر لا على سبيل البيان والتمثيل فلا يصح التوسع فيها بطريق القياس أو التقريب.
وحيث إن ما ذهب إليه الحكم من أن الطاعنين كانا في حالة تلبس بجريمة سرقة السيارة، وأن هذه الحالة تجيز التفتيش الذي حصل - ما ذهب إليه الحكم في ذلك مردود، لأن رجال الضبطية القضائية لم يفتشوا السيارة على أساس أن هناك جريمة سرقة، ولم يكن هناك تحقيق عن واقعة السرقة التي ذكرها الحكم بل فتشوها للبحث عن المادة المخدّرة.
وحيث إنه رغم الخطأ الذي وقع فيه الحكم المطعون فيه عند الرد على ما دفع به الطاعنان من بطلان التفتيش فإن ذلك التفتيش الذي انتهى بضبط المادة المخدّرة في السيارة لم يكن باطلاً كما يزعم الطاعنان، لأن التفتيش وقع في سيارة في الطريق وهي ليست بمسكن حتى يكون لها حرمة المساكن، كما أنه لم يكن فيما حصل من تفتيش فيها تعرّض لحرّية الطاعنين الشخصية.