أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 23 - صـ 349

جلسة 9 من مارس سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم الصراف، وعثمان زكريا، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن.

(55)
الطعن رقم 65 لسنة 37 القضائية

( أ ) إثبات. "القرائن القانونية". حكم. "حجية الحكم".
الحكم الذي يجيز الإثبات بطريق معين لا يحوز حجية الأمر المقضي إلا إذا كان قد حسم النزاع بين الخصوم على وسيلة الإثبات بعد أن تجادلوا في جوازها من عدمه. قضاء الحكم بإحالة الدعوى إلى التحقيق استناداً إلى اشتمال تحقيقات الشكوى على مبدأ ثبوت بالكتابة. عدم مجادلة الخصم في ذلك. اعتباراً لحكم غير منه للخصومة كلاً أو بعضاً. عدم جواز الطعن فيه إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الموضوع. م 378 مرافعات سابق.
(ب) محكمة الموضوع. "سلطتها في مسائل الواقع". نقض. "مسائل الواقع". إثبات.
تقدير ما إذا كانت الورقة المتمسك بها من الخصم تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة. من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع. النزاع في ذلك جدل في فهم الواقع لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
(ج) إثبات. "الإقرار غير القضائي". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الإقرار غير القضائي".
الإقرار غير القضائي. خضوعه لتقدير القاضي. له تجزئته كما أن له اعتباره دليلاً كاملاً أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة أو لا يأخذ به أصلاً.
(د) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "البينة". نقض. "مسائل الواقع". بيع.
تقدير الدليل والاطمئنان إلى أقوال الشهود هو من إطلاقات محكمة الموضوع. استخلاص الحكم من أقوال الشهود أن العقد موضوع النزاع لم يقصد به البيع ولم يدفع فيه ثمن. النعي عليه في هذا الشأن. جدل موضوعي لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
1 - الحكم الذي يجيز الإثبات بطريق معين من طرق الإثبات لا يحوز - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - حجية الأمر المقضي في خصوص جواز الإثبات بهذا الطريق إلا إذا كان قد حسم النزاع بين الخصوم على وسيلة الإثبات بعد أن تجادلوا في جوازها أو عدم جوازها. وإذ كان يبين من الرجوع إلى الحكم الصادر بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي سداد0 ثمن المبيع أنه أجاز للمطعون عليه بعد أن قدم صورة من تحقيقات شكوى إدارية، أن يثبت بالبينة أن الطاعن لم يسدد له ثمن المبيع، واستند الحكم في ذلك إلى أن ما جاء بالشكوى الإدارية من أقوال يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة، وكان الطاعن لم يجادل في وسيلة الإثبات أمام محكمة الاستئناف فإن الحكم المذكور لا يكون قد أنهى الخصومة كلها أو في جزء منها، مما لا يجوز معه الطعن فيه إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الموضوع، عملاً بنص المادة 378 من قانون المرافعات السابق.
2 - تقدير ما إذا كانت الورقة المتمسك بها من الخصوم تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة هو من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الدعوى، ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً في فهم الواقع لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
3 - الإقرار غير القضائي يخضع لتقدير القاضي الذي يجوز له تجزئته والأخذ ببعضه دون البعض الآخر، كما أن له مع تقدير الظروف التي صدر فيها أن يعتبره دليلاً كاملاً أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة أو لا يأخذ به أصلاً، وإذ أخذت محكمة الموضوع بإقرار الطاعن غير القضائي بأن عقد البيع كان مودعاً لدى أمين وطرحت ما عداه من ادعاء بوفاء الثمن، ورأت في هذا الإقرار وما أدلى به المودع لديه من أن الإيداع كان لذمة الوفاء بثمن المبيع، ما يجعل الادعاء بعدم الوفاء بثمن المبيع أمراً قريب الاحتمال، مما يجيز الإثبات بالبينة، فإنها لا تكون قد خالفت القانون.
4 - تقدير الدليل والاطمئنان إلى أقوال الشهود هو من إطلاقات محكمة الموضوع. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد اطمأن إلى أقوال شهود الإثبات، ورجحها على أقوال شهود النفي، واستخلص منها استخلاصاً سائغاً النتيجة التي انتهى إليها من أن العقد موضوع النزاع لم يقصد به البيع، ولم يدفع فيه ثمن، فإن النعي بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً، مما لا يجوز التحدي به أمام محكمة النقض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن عبد العاطي محمد فواز أقام الدعوى رقم 40 سنة 1963 مدني كلي سوهاج ضد محمود الشهير بمظهر رفاعي يطلب الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر له من المدعى عليه، وذلك بالنسبة لتسعة قراريط منه موضحة بالصحيفة مقابل ثمن قدره 274 ج و500 م، وقال شرحاً لدعواه إنه بموجب عقد عرفي مؤرخ 3/ 5/ 1961 اشترى هو وآخرون من المدعى عليه فداناً بثمن قدره 735 ج يخصه منه 9 ط ويخص زميله حسين جيلاني 11 ط وعبد العظيم مصطفى 4 ط وإذ امتنع المدعى عليه عن التوقيع على العقد النهائي الصالح للشهر فقد انتهى إلى طلب الحكم له بطلباته، ودفع المدعى عليه الدعوى بأنه لم يقبض ثمن المبيع، وأن العقد أودع أمانة لدى وكيل أشغال حتى يدفع المدعي الثمن، ولكنه تمكن من اختطاف العقد من المودع لديه. مما دعاه إلى تقديم شكوى قيدت برقم 705 سنة 1963 جرجا. وبتاريخ 14/ 1/ 1964 حكمت المحكمة بإثبات صحة التعاقد المؤرخ 3 مايو سنة 1961 بالنسبة إلى 9 ط مقابل ثمن قدره 274 ج و 500 م استناداً إلى دفاع المدعى عليه لا يقوم على أساس لأن ما جاء بالشكوى رقم 705 إداري جرجا سنة 1963 المقدمة من هندي شاكر مدعياً أن المدعي وأخاه خطفا منه العقد ولم يقم عليه دليل بعد إنكار المدعي، وأنه لا يجوز إثبات الصورية بين المتعاقدين إلا بالكتابة، واستأنف المدعى عليه هذا الحكم أمام محكمة استئناف أسيوط (مأمورية سوهاج) طالباً إلغاءه والحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها، وقيد هذا الاستئناف برقم 57/ 39 ق، وبتاريخ 8/ 11/ 1965 حكمت المحكمة حضورياً وقبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المستأنف بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة أن المستأنف عليه لم يسدد ثمن قطعة الأرض المبيعة إليه بالعقد المؤرخ 3/ 5/ 1961، وللمستأنف عليه النفي بذات الطرق، وبعد سماع شهود الطرفين عادت وبتاريخ 7/ 12/ 1966 فحكمت بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض دعوى المستأنف عليه وإلزامه بالمصروفات عن الدرجتين وبمبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة، وطعن الطاعن في هذا الحكم وفي الحكم الصادر بتاريخ 8/ 11/ 1965 بطريق النقض للأسباب المبينة في التقرير ودفع المطعون عليه بسقوط حق الطاعن في الطعن بالنقض في الحكم الصادر بإحالة الدعوى إلى التحقيق، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الدفع وبرفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظر الطعن أمام هذه الدائرة حضر وكيل الطاعن وطلب التأجيل ليقدم توكيلاً يخوله التنازل عن الطعن، وبالجلسة التالية لم يحضر، كما لم يحضر المطعون عليه، وصممت النيابة على ما جاء بمذكرتها، وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن مبنى الدفع المبدى من المطعون عليه بسقوط حق الطاعن في الطعن في الحكم الصادر في 8/ 11/ 1965 أن هذا الحكم قد فصل قطعياً في شأن اعتبار ما ورد من أقوال في تحقيقات الشكوى الإدارية مبدأ ثبوت بالكتابة يجوز تكملته بالبينة، مما كان يتعين معه الطعن فيه بالنقض على استقلال، وإذ لم يقرر الطاعن الطعن فيه بالنقض خلال الميعاد المقرر قانوناً فقد سقط حقه فيه.
وحيث إن هذا الدفع مردود، ذلك أن الحكم الذي يجيز الإثبات بطريق معين من طرق الإثبات لا يجوز - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - حجية الأمر المقضي في خصوص جواز الإثبات بهذا الطريق إلا إذا كان قد حسم النزاع بين الخصوم على وسيلة الإثبات بعد أن تجادلوا في جوازها أو عدم جوازها، وإذ كان يبين من الرجوع إلى الحكم الصادر في 8/ 11/ 1965 بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي سداد ثمن المبيع أنه أجاز للمطعون عليه بعد أن قدم صورة من تحقيقات الشكوى الإدارية أن يثبت بالبينة أن الطاعن لم يسدد له ثمن المبيع، واستند الحكم في ذلك إلى أن ما جاء بالشكوى الإدارية من أقوال يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة، وكان الطاعن لم يجادل في وسيلة الإثبات أمام محكمة الاستئناف، إذ كان ذلك فإن هذا الحكم لا يكون قد أنهى الخصومة كلها أو في جزء منها، مما لا يجوز معه الطعن فيه إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الموضوع عملاً بنص المادة 378 مرافعات، ومن ثم يتعين رفض الدفع.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الأول على الحكم الصادر بإحالة الدعوى إلى التحقيق في 8/ 11/ 1965 القصور في التسبيب من وجوه (أولها) أنه تمسك في دفاعه بأنه من غير المعقول أن يقر المطعون عليه في عقد البيع بقبضه الثمن ويودع العقد طرف هندي شاكر دون أن يحصل من المشترين على إقرار كتابي بأنهم لم يدفعوا الثمن، ولم يرد الحكم على ذلك (وثانيها) أنه فات الحكم أن مهنة المودع لديه هي أنه وكيل أشغال أمام مأمورية الشهر العقاري مما يفيد أن إيداع العقد طرفه كان من أجل قيامه بإجراءات التسجيل لا من أجل تحصيل ثمن المبيع (ثالثها) أغفل الحكم الدلالة المستمدة من الشهادة المستخرجة من مكتب الشهر العقاري والمتضمنة أن عقد بيع الفدان جميعه تقدم للشهر العقاري في 24/ 1/ 1963 باعتبار أن المشتري هو عبد العظيم عبد العظيم عبد السميع وحده وقد تواطأ الأخير مع البائع ووكيل الأشغال على تأخير عقد الطاعن حتى يتمكن عبد العظيم من الحصول على أسبقية تسجيل لعقده، مما حدا الطاعن لاسترجاع عقده وإقامة دعواه (ورابعها) أن الحكم لم يعتد بالتناقض البادي بين أقوال هندي شاكر في الشكوى الإدارية بخصوص سبب إيداع العقد طرفه واسترجاعه وبين أقوال المطعون عليه في محاضر الجلسات ومذكراته (وخامسها) لم يبين الحكم كيف أن إيداع عقد البيع طرف الكاتب العمومي يجعل الادعاء بعدم دفع ثمن المبيع قريب الاحتمال.
وحيث إن هذا النعي مردود في جملته بأنه يبين من الرجوع إلى الحكم المطعون فيه الصادر بإحالة الدعوى إلى التحقيق أن المطعون عليه دفع الدعوى بأن ثمن المبيع لم يدفع على عكس ما جاء بعقد البيع، واستدل على ذلك بأن العقد المذكور أودع لدى أمين حتى يتم استيفاء الثمن، وأن واقعة الإيداع أقر بها الطاعن في تحقيقات الشكوى الإدارية وتعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة على عدم دفع الثمن يخوله إثبات ذلك بالبينة، وقد أخذ الحكم بهذا الدفاع استناداً إلى قوله "إن المشرع لم يشترط نوعاً معيناً من الكتابة، وقد ذهب الفقه والقضاء إلى اعتبار محاضر التحقيق يصح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة إذا احتوت أقوالا صادرة من الخصوم يجعل ما يراد إثباته قريب الاحتمال" وأنه "بالاطلاع على الشكوى 705 سنة 1963 إداري جرجا المقدمة صورة طبق الأصل منها في المحافظة رقم 7 ملف ابتدائي تبين الوقائع الآتية (أولاً) تقدم هندي شاكر عوض إلى السيد مأمور مركز جرجا بشكواه في 24/ 1/ 1963 بطلب استرجاع العقدين اللذين كانا لديه أمانة لعدم سداد كامل الثمن، وذلك من المستأنف عليه (الطاعن) الذي استلمهما بموجب إيصال تحت يده (ثانياً) قرر المستأنف عليه (الطاعن) أنه حقيقة أخذ العقدين وبالذات العقد موضوع النزاع من هندي شاكر عوض والذي كان لديه بصفة أمانة إلا أن الثمن تسدد بالكامل وأيده أخوه عبد الراضي فواز فيما قرره" وأنه "يستخلص من الوقائع السابقة أن العقد موضوع الدعوى كان لدى أمين خلاف المتعاقدين، وهو أمر يجعل ما يقوله به المستأنف من أن السبب في هذا هو عدم سداد المشترين للثمن المسمى في العقد قريب الاحتمال يجوز معه الإثبات بالبينة". ومن ذلك يبين أن الحكم عول في قضائه بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات عدم الوفاء بالثمن على ما ثبت من أقوال الطاعن بالشكوى الإدارية من أن العقد كان مودعاً لدى أمين، وعلى ما قرره هذا الأمين بالشكوى المذكورة من أن إيداع العقد طرفه كان مرده عدم وفاء المشتري بالثمن، واعتبر هذا الذي جاء بالشكوى على لسان المشتري ولسان الأمين مبدأ ثبوت بالكتابة يجعل واقعة عدم أداء ثمن المبيع قريبة الاحتمال مما يجوز معه تكملته بالبينة. وهذا الذي أقيم عليه الحكم هو استخلاص سائغ. إذ كان ذلك وكان تقدير ما إذا كانت الورقة المتمسك بها من الخصم تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة هو من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الدعوى، فإن النعي بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً في فهم الواقع لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن إقرار الطاعن في الشكوى الإدارية بإيداع العقد طرف الكاتب العمومي قد اقترن بالقول بأن الثمن قد دفع في مجلس العقد وقد جزأ الحكم هذا الإقرار وهو منه خطأ ومخالفة للقانون، إذ أنه لا يجوز قانوناً تجزئة الإقرار الموصوف، وأنه إذا ما طرح هذا الإقرار لعدم جواز تجزئته فيكون على المطعون عليه عبء إثبات عدم الوفاء بالثمن على عكس الثابت بعقد البيع، وهو أمر لا يجوز إثباته إلا بالكتابة، وقد تمسك الطاعن بذلك أمام محكمة أول درجة التي أقرته على دفاعه وقضت لصالحه. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن إقرار الطاعن بالشكوى الإدارية هو إقرار غير قضائي يخضع لتقدير القاضي الذي يجوز له تجزئته والأخذ ببعضه دون البعض الآخر، كما أن له مع تقدير الظروف التي صدر فيها أن يعتبره دليلاً كاملاً أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة أو لا يأخذ به أصلاً، وإذ أخذت محكمة الموضوع بإقرار الطاعن غير القضائي بأن عقد البيع كان مودعاً لدى أمين وطرحت ما عداه من ادعاء بوفاء الثمن، ورأت في هذا الإقرار وما أدلى به المودع لديه من أن الإيداع كان لذمة الوفاء بثمن المبيع ما يجعل الادعاء بعدم الوفاء بثمن المبيع أمراً قريب الاحتمال مما يجيز الإثبات بالبينة، فإنها لا تكون قد خالفت القانون.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه الصادر في الموضوع بتاريخ 7/ 12/ 1966 بالفساد في الاستدلال وبالاستخلاص غير السائغ من أقوال الشهود، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أخذ بأقوال شهود المطعون عليه رغم أنها لا تؤدي عقلاً إلى النتيجة التي خلص إليها، إذ شهد حسين كيلاني وعبد العظيم عبد السميع بأن عقد البيع تحرر وأودع ضماناً لرد عقود رهن، ومن غير المتصور عقلاً أن يوقع المطعون عليه البائع على عقد بيع يتضمن قبضه الثمن البالغ 732 ج ليكون هذا العقد ضماناً لرد عقود رهن قيمتها 440 ج، هذا إلى أن أقوال هذين الشاهدين أمام المحكمة تتعارض وما قرره هندي شاكر في تحقيقات الشكوى الإدارية من أن عقد البيع أودع لديه لذمة قيام المشترين بسداد الثمن، وما كان للمحكمة أن تعول على أقوال شاهد الإثبات عبد العظيم عبد السميع لما له من مصلحة في الإدلاء بها بعد أن تواطأ والمطعون عليه على شراء الفدان المبيع وحده دون الطاعن بدليل الطلب المقدم للشهر العقاري في 24/ 1/ 1963، وانتهى الطاعن إلى القول بأن الحكم استبعد شهادة شاهدي الطاعن بحجة أن أولهما شقيقه وثانيهما ابن عمه وأقواله غير معقولة، في حين أن هذين الشاهدين حضرا مجلس العقد كما جاء بأقوال شهود الإثبات.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه بعد أن أورد أقوال شهود الإثبات والنفي طبقاً لما هو ثابت بمحضر التحقيق المقدمة صورة رسمية منه، أقام قضاءه في الدعوى على قوله "إن المحكمة تطمئن إلى شهادة شهود المستأنف وذلك لأن الأولين وهما حسين كيلاني وعبد العظيم عبد السميع أقارب المستأنف عليه ابنا عمه وشريكاه في عقد البيع موضوع الدعوى ومع ذلك فقد شهدا بأن العقد لم يكن مقصوداً به البيع، وإنما كان المقصود منه هو إعطاء ضمان للمستأنف عليه حتى يعيد المستأنف عقد الرهن بعد عرضه على مصلحة الضرائب، ولأن الثالث هو كاتب العقد الذي ارتضاه أطرافه لحفظه حتى يعيد المستأنف عقد الرهن، أما شاهدا المستأنف عليه فإن أولهما شقيقه والثاني ابن عمه وتبدو شهادة الأخير غير مقبولة لأنه من غير المألوف أن يخرج البائع إلى الطريق ليبحث عن شاهد لكي يشهده على عقد فضلاً عن أنه لم يشهد بأنه رأى المستأنف عليه يدفع ثمن القدر المبيع، وأنه متى كان ذلك وكانت شهادة شهود المستأنف قد أجمعت على أن عقد البيع موضوع الدعوى لم يقصد به البيع وإنما كان الغرض من تحريره تأمين المستأنف عليه وزميليه على قيام المستأنف بإرجاع عقد الرهن إليهم بعد عرضه على مصلحة الضرائب، كما أن ثمناً لم يدفع لقاء هذا البيع فإن العقد المذكور يكون قد أبرم بطريق الصورية المطلقة وفقد أهم أركانه وهو الثمن، ومن ثم فإنه يكون معدوماً ولا أثر له باعتباره بيعاً. وحيث إنه بالبناء على ما تقدم فإن دعوى المستأنف عليه بطلب الحكم بصحة هذا العقد تكون غير سليمة وتضحى متعينة الرفض". إذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد اطمأن إلى أقوال شهود الإثبات، ورجحها واستخلص منها استخلاصاً سائغاً النتيجة التي انتهى إليها من أن العقد موضوع النزاع لم يقصد به البيع ولم يدفع فيه ثمن، وكان تقدير الدليل والاطمئنان إلى أقوال الشهود هو من إطلاقات محكمة الموضوع، فإن النعي بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا يجوز التحدي به أمام محكمة النقض.


[(1)] نقض 16/ 11/ 1967 مجموعة المكتب الفني. السنة 18. ص 1699.