أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 23 - صـ 376

جلسة 9 من مارس سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، وعثمان زكريا، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن.

(59)
الطعن رقم 143 لسنة 37 القضائية

( أ ) حكم. "الطعن في الحكم". استئناف. "الأحكام غير الجائز استئنافها".
حكم ندب خبير، تناوله في أسبابه ما لم يكن محل جدل بين الخصوم. عدم اعتباره منهياًً للخصومة في هذا الشأن. الطعن فيه على استقلال غير جائز وفقاً للمادة 378 مرافعات مدني.
(ب) عقد. "تكييف العقد". محكمة الموضوع. "سلطتها في تكييف العقد". نقض. "سلطة محكمة النقض".
العبرة في تكييف العقد هي بما حواه من نصوص. لمحكمة النقض مراقبة محكمة الموضوع في هذا التكييف.
(ج) مقاولة. "عناصر عقد المقاولة". عقد. "تكييف العقد". وكالة.
عقد المقاولة. ماهيته. اتفاق الطاعنين مع المطعون عليه على إقامة مبنى فوق أرض مملوكة للطرفين على الشيوع نظير أجر يتقاضاه. خلو الاتفاق مما يدل على قيامه بالعمل تحت إشرافهما أو بوصفه تابعاً لهما أو نائباً عنهما. اعتبار العقد مقاولة. تكييف الحكم المطعون فيه لهذا العقد بأنه عقد وكالة. خطأ في القانون.
1 - متى كان ما قرره حكم ندب الخبير الصادر من محكمة أول درجة في أسبابه يدل على أن النزاع بين الطرفين كان منحصراً في مدى مطابقة البناء للمواصفات المتفق عليها، وأن الأسعار المحددة في الاتفاق لم تكن محل جدل بينهما، فإن ما ورد فيه من بعد عن سريان تلك الأسعار حتى ولو زادت عن التكاليف الفعلية أو سعر السوق لا يعتبر منهياً للخصومة في هذا الشأن، ومن ثم لا يجوز الطعن في هذا الشق من الحكم بطريق الاستئناف إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الموضوع، عملاً بالمادة 378 من قانون المرافعات السابق. وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، وقضى برفض الدفع بعدم قبول الاستئناف، فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
2 - العبرة في تكييف العقد، والتعرف على حقيقة مرماه، وتحديد حقوق الطرفين فيه هي بما حواه من نصوص، ولمحكمة النقض أن تراقب تكييف محكمة الموضوع للعقد.
3 - عرفت المادة 646 من القانون المدني المقاولة بأنها عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين بأن يصنع شيئاً أو أن يؤدي عملاً لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الآخر. وإذ كان يبين مما تم الاتفاق عليه في العقدين - موضوع الدعويين الأصلية و الفرعية - أن الطرفين قد أفرغا فيهما جميع عناصر عقد المقاولة، إذ وقع التراضي بينهما على الشيء المطلوب من المطعون عليه صنعه، وهو إقامة المبنى والأجر الذي تعهد به الطاعنان بوصفهما رب عمل، ولم يرد بأي منهما ما يدل على قيام المطعون عليه بالعمل تحت إشراف الطاعنين، أو بوصفه تابعاً لهما أو نائباً عنهما وكان ما تعهد المطعون عليه بالقيام به في كلا العقدين لم يتجاوز العمل المادي. وهو محل المقاولة، في حين أن محل الوكالة هو دائماً تصرف قانوني - على ما أفصحت عنه المادة 699 من القانون المدني - فإنه لا يصح اعتبار العقدين سالفي الذكر عقدي وكالة، ولا يغير من ذلك كون الطرفين يملكان العقار على الشيوع، إذ ليس من شأن هذه المشاركة أن تغير من صفة العقدين، وأن تضفي على المطعون عليه صفة الوكيل مع صراحة نصوصهما في أن نية الطرفين قد اتجهت إلى إبرام عقدي مقاولة. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، وكيف العقدين بأنهما عقدا وكالة، وأقام قضاءه في الدعويين الأصلية والفرعية على هذا الأساس، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن سعيد عبد العال عثمان، وعائشة أحمد مصطفى (الطاعنين) أقاما الدعوى رقم 543 سنة 1963 كلي الإسكندرية ضد عبد المجيد أبو زيد عبد الله (المطعون عليه) طالبين (أولاً) الحكم بندب خبير هندسي معماري لتقدير قيمة المباني المقامة على الأرض المملوكة للطرفين المتنازعين بشارع ممفيس رقم 41 تنظيم وهل تساوي من الثمن 24000 ج على أساس سعر المتر 10 ج و500 م أم لا ومقدار ما تساويه، وبيان ما إذا كانت التشطيبات التي تمت من النوع اللوكس الفاخر أم لا، وهل بها نقص وتقدير قيمته، وإذا لم تكن من النوع اللوكس الفاخر يقدر الفرق بين قيمتها وقيمة التشطيبات اللوكس الفاخر وفقاً للأسعار في شهر فبراير سنة 1962 (ثانياً) الحكم على المدعى عليه بما يظهره الخبير من فروق، وقالا في بيان دعواهما إن المدعي الأول والمدعى عليه اشتريا قطعة أرض مساحتها 330.45 متراً مربعاً مناصفة بينهما، واتفقا على أن يقوم المدعى عليه ببنائها طبقاً للشروط والمواصفات المبينة بالرسم الهندسي المقدم لبلدية الإسكندرية وبسعر المتر المسطح في كل دور بالنسبة للمباني والتشطيبات اللوكس 10 ج و500 م، وعلى أن يحسب المسطح في كل دور على أساس المساحة الإجمالية 330.45 متراً مربعاً، ودفع له المدعي الأول 8000 ج تحت حساب الإنشاءات والتشطيبات على أن تجرى المحاسبة عند الانتهاء من التشطيبات جميعها، ثم باع المدعى عليه 6 ط من حصته للمدعية الثانية، واتفق معها على إنشاء المباني وفقاً للشروط السابقة وعلى أن تكون قيمتها 24000 ج، ودفعت له 4000 ج تحت الحساب على أن تدفع الباقي وقدره 2000 ج عند الطلب، وإذ تبين أن المباني التي أنشأها تخالف المواصفات، كما أن التشطيب ليس من اللوكس الفاخر، فقد أقاما هذه الدعوى بطلباتهما السابقة، ودفع المدعى عليه بأن البناء مطابق لما تم الاتفاق عليه، وفي 30/ 5/ 1963 حكمت المحكمة بندب الخبير الهندسي صاحب الدور لمعاينة العمارة وتقدير قيمة المباني المقامة على الأرض المملوكة للطرفين وهل تساوي 24000 ج على أساس سعر المتر 10 ج و500 م أم لا ومقدار ما تساويه وبيان ما إذا كانت التشطيبات التي تمت من النوع اللوكس الفاخر أم لا وما إذا كانت ناقصة مع تقدير قيمة التشطيبات الناقصة وإذا لم تكن من النوع اللوكس الفاخر فيقدر الفرق بين قيمتها وقيمة تشطيبات هذا النوع وذلك وفقاً لأسعار شهر فبراير سنة 1962، وقدم الخبير تقريراً انتهى فيه إلى أن ثمن المباني المقامة على الأرض طبقاً للسعر المتفق عليه 10 ج و 500 م للمتر يبلغ 20278 ج و350 م، وأن ثمنها حسب معاينته 25279 ج و425 م على أساس سعر المتر 12 ج و750 م، وأن الأعمال التي تمت والتشطيبات من أعمال الدرجة الأولى والثانية العادية وتنفذت حسب نصوص العقد، وأن ما قصده الطرفان من عبارة لوكس فاخر أن تكون أعمالاً جيدة، وحدد التشطيبات الناقصة وقدر قيمتها بمبلغ 240 ج، كما قدر الفرق بين السوكولو لأرضيات الغرف من بياض وخشب بمبلغ 320 ج وذلك طبقاً للأسعار المعمول بها في فبراير سنة 1962 ولما اعترض المدعيان على التقرير حكمت المحكمة في 27/ 2/ 1964 بندب الخبير الحكومي بمكتب الخبراء الحكوميين بالإسكندرية لبحث اعتراضات المدعيين. على التقرير وبيان الصحيح منها والرد على غير الصحيح وتحقيق دفاع الطرفين. وقدم الخبير تقريراً انتهى فيه إلى أن جميع اعتراضات المدعيين على التقرير غير صحيحة وغير متمشية مع العقد المؤرخ 29/ 1/ 1962 وقدر الأعمال الناقصة عن اللوكس بمبلغ 300 ج بخلاف 320 ج نظير التشطيبات والعيوب الناقصة بالعمارة التي قدرها الخبير الأول، وأضاف أن المدعى عليه قام بأعمال زائدة عن المتفق عليه في العقد، وبجلسة 15/ 12/ 1964 طلب المدعى عليه إلزام المدعيين بأن يدفعا له مبلغ 3509 ج و360 م قيمة الزيادة في تكاليف البناء و500 ج قيمة أتعابه عن مباشرة البناء وتنفيذه وطلب المدعيان إلزام المدعى عليه بأن يدفع لأولهما 1205 ج و825 م وللثانية 155 ج ورفض دعوى المدعى عليه قبلهما وفي 28/ 10/ 1965 حكمت المحكمة (أولاً) وفي الدعوى الأصلية بإلزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعى الأول مبلغ 310 ج وبأن يدفع للمدعية الثانية مبلغ 155 ج (ثانياً) وفي الدعوى الفرعية برفضها، واستأنف المدعى الأول هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية طالباً تعديله بإلزام المدعى عليه بأن يدفع له مبلغ 895 ج و825 م زيادة عما حكم به، وقيد استئنافه برقم 534 سنة 21 ق، كما استأنفه المدعى عليه طالباً إلغاءه ورفض الدعوى الأصلية والحكم بطلباته في الدعوى الفرعية، وقيد استئنافه برقم 576 سنة 21 ق، ودفع المستأنف عليه الأول في الاستئناف الثاني بعدم قبوله لرفعه بعد الميعاد استناداً إلى أن الحكم الصادر من محكمة أول درجة في 30/ 5/ 1963 قطع في السعر الذي يحتسب على أساسه ثمن العمارة، ولم يطعن عليه المستأنف في الميعاد وبعد أن قررت المحكمة ضم الاستئناف الثاني للأول حكمت في 22/ 1/ 1967 (أولاً) وفي الاستئناف رقم 534 لسنة 21 ق بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به في الدعوى الأصلية (ثانياً) وفي الاستئناف رقم 576 سنة 21 ق برفض الدفع بعدم قبوله وبقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به في الدعوى الفرعية وبإلزام سعيد عبد العال عثمان بأن يدفع للمستأنف 1639 ج و217 م وبإلزام عائشة أحمد مصطفى بأن تدفع للمستأنف 319 ج و856 م، وطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة بالتقرير، وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصر الطاعنان على طلب نقض الحكم، ولم يحضر المطعون عليه ولم يبد دفاعاً، وأصرت النيابة على رأيها الذي أبدته بمذكرتها وطلبت نقض الحكم.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه خالف القانون، إذ أن حكم محكمة أول درجة الصادر في 30/ 5/ 1963 بندب الخبير قد تضمنت أسبابه قضاءً قطعياً في مدى حجية الاتفاق والسعر المتفق عليه فيه، وأنه لا يجوز المطالبة بما يزيد عليه بعد أن دار النزاع بينهما حوله ولم يطعن المطعون عليه في هذا الحكم في الميعاد، وأنهما لذلك دفعا بعدم قبول استئنافه وسقوط الحق فيه إلا أن الحكم المطعون فيه قد ذهب إلى أن النزاع لم يكن قد أثير في هذا الشأن، وأن ما جاء بالحكم المذكور ليس إلا تزيداً عن موضوع قيمة المباني فلا تلتزم المحكمة بهذه القيمة، وهذا من الحكم المطعون فيه محاولة لتجريد الحكم من حجيته رغم تسليمه بأن ما ورد بأسبابه قد تضمن قضاءً قطعياً عندما أفصح عن أن الهدف مما ورد فيها أن تلتزم به المحكمة بعد تنفيذه، ومن ثم فإن قضاءه برفض الدفع بعدم قبول الاستئناف يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه بالرجوع إلى حكم محكمة أول درجة الصادر في 30/ 5/ 1963 يبين أنه بعد أن حصل وقائع الدعوى وطلبات المدعيين فيها أقام قضاءه على قوله "... إن الخلاف بين الطرفين ينحصر في مدى قيام المدعى عليه بالتزامه في بناء العمارة طبقاً للمواصفات المحددة في الاتفاق، فبينما يقول المدعي إن المدعى عليه قد أخل بهذا الاتفاق وأن المباني والأدوات والمواصفات جميعها أقل مما اتفق عليه إذا بالمدعى عليه ينكر ذلك ويقرر أن البناء مطابق لما اتفق عليه، وأن الخلاف في حقيقته ليس فيما تساويه هذه المباني والأعمال، إذ أن قيمتها متفق عليها والأسعار فيها محددة بين الطرفين فهي تسري عليهما ولو كانت تزيد عن التكاليف الفعلية أو عن السعر في السوق طالما أن الاتفاق شريعة المتعاقدين، وإنما ذلك كله مشروط بهذه المطابقة، فإن قام خلاف ثبت معه أن هناك نقصاً عن المتفق عليه فإنما يجب تقويمه بالنسبة إلى السعر المتفق عليه، أي تقدير ما يساويه هذا النقص لو أنه كان قد تم ولم ينتقص، وهو ما يمكن أن يظهره الخبير الهندسي الذي طلب المدعيين ندبه، ومن ثم لا ترى المحكمة مانعاً من ندب خبير هندسي لأداء المأمورية المبينة بمنطوق هذا الحكم" وهذا الذي قرره الحكم يدل على أن النزاع بين الطرفين كان منحصراً في مدى مطابقة البناء للمواصفات المتفق عليها أما بالنسبة لما قرره عن سريان الأسعار المحددة في الاتفاق حتى ولو زادت عن التكاليف الفعلية أو سعر السوق، فإنه لا يعتبر منهياً للخصومة في هذا الشأن، ذلك أن هذه الأسعار لم تكن محل جدل بينهما حتى يقال بأن الحكم قد حسم النزاع فيها. إذ كان ذلك فإنه لا يجوز الطعن في هذا الشق من الحكم بطريق الاستئناف إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الموضوع عملاً بالمادة 378 من قانون المرافعات السابق. وإذ التزم الحكم هذا النظر وقضى برفض الدفع بعدم قبول الاستئناف، فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنان في السبب الثاني على الحكم المطعون فيه أنه كيف العقدين اللذين استندا إليهما في رفع الدعوى والمبرمين بينهما وبين المطعون عليه بأنهما عقدا وكالة، ورتب عليه عدم التزام المطعون عليه بأجر المقاولة المتفق عليه وإلزامهما بمبالغ تزيد عليه ورفض استئناف الطاعن الأول، وهو منه خطأ في تطبيق القانون إذ أن محل عقد الوكالة هو دائماً تصرف قانوني أما العقدان موضوع النزاع فهما عقدا مقاولة يتضمنان التزام المطعون عليه بعمل مادي هو إنشاء عقار لقاء الأجر المتفق عليه في كل منهما والمحدد تحديداً إجمالياً بالنسبة للطاعنة الثانية وعلى أساس سعر الوحدة بالنسبة للطاعن الأول تحديداً لا يجوز العدول عنه حتى ولو تجاوزته تكاليف المبنى.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه أقام قضاءه في هذا الخصوص على قوله "وحيث إنه لا خلاف على أن طرفي الخصومة شركاء على الشيوع في الأرض المبينة بالصحيفة كل بحسب نصيبه وأن المدعى عليهما في الدعوى الفرعية اتفقا مع شريكهما المدعى عليه على أن يقوم هذا الأخير بإقامة بناء مشترك على الأرض المذكورة من ستة أدوار، وقام كل منهما بإبرام اتفاق مستقل معه، وقد جاء الاتفاق المبرم مع المدعى عليه الأول خلواً من ذكر أي سعر للعقار المزمع إنشاؤه، بل تضمن سعراً للوحدة على أساس سعر المتر 10 ج و500 م في كل دور على أن يحتسب مسطح ثابت في كل دور قدره 330.45 متراً، وجاء بالبند الرابع منه أنه نظير قيام الطرف الأول (المدعى عليه) بهذه الأعمال فقد دفع له الطرف الثاني مبلغ 8000 ج تحت حساب قيمة التكاليف، وإذ لزم الأمر واحتاج الطرف الأول لمبالغ أخرى لتكملة التشطيبات يقوم الثاني بدفعها له، كما جاء بالبند الخامس من العقد على أن تجرى المحاسبة بين الطرفين عند الانتهاء من تشطيب العمارة، وأما الاتفاق الذي أبرم مع المدعية الثانية فلم يتضمن أي مواصفات للعقار واشتمل على تحديد قيمة المباني بمبلغ 24000 ج يخص المدعية الثانية منها الربع، ومما هو جدير بالملاحظة أن العقدين المذكورين وإن كانا محررين في ذات التاريخ، إلا أن كل الدلائل تشير إلى أن الثاني قد أبرم في تاريخ لاحق على الأول وأثناء تنفيذ العملية، إذ لا يعقل أن تبلغ قيمة المباني 20278 ج على أساس الوحدة بواقع 10 ج و500 م للمتر الواحد بالنسبة لأحد الشركاء و24000 ج بالنسبة للشريك الآخر لأن المنطق يقتضي توحيد سعر التكاليف بالنسبة لجميع الشركاء طالما أن حصة كل منهم في العقار محددة في الاتفاق، الأمر الذي يدل دلالة قاطعة على أن الاتفاقين المذكورين لم يتضمنا سوى تقدير تكاليف مبدئية للمباني المزمع إنشاؤها على أن تسوى قيمتها النهائية بعد التشطيبات على ما جاء بالبند الأخير من العقد الأول، ومما يؤكد هذا النظر هو قيام أحد الشركاء بدفع أحد عشر ألفاً من الجنيهات تحت حساب المباني، على حين أن نصيبه منها بواقع النصف لا يتجاوز عشرة آلاف جنيه فيما لو قدر البناء على الأسس التي يدعيها بواقع 10 ج و500 م للمتر الواحد، وكذا قيام الشريكة الثانية بواقع الربع بدفع نصيبها في المباني على أساس 24000 ج عن ذات العمارة ومن ثم فلا يستقيم القول بأن الاتفاق قد انعقد بين الأطراف على تحديد سعر المباني بصفة نهائية غير قابلة للزيادة، سيما وأن الاتفاق المذكور كما أجمع على ذلك الخبراء لا يصلح إطلاقاً للتعاقد، إذ تنقصه جميع الشروط الواجب توافرها في عقد عمارة تزيد تكاليفها عن عشرين ألفاً من الجنيهات من جميع الوجوه". وأن "المدعي يعتبر وكيلاً عن شريكه في إقامة البناء، وقواعد الوكالة هي التي تحكم النزاع دون سواها، ومن المستقر عليه أن للوكيل أن يجري كافة الأعمال التي تدخل بطبيعتها ضمن العمل المصرح به وتكون نتيجة لازمة له وذلك كله في حدود الوكالة وهو ما قام به المدعي فعلاً، وإن كانت التكاليف قد تجاوزت التقديرات المبدئية التي وردت بكل اتفاق فإن ذلك مرجعه أن الوكيل حسبما وصفه الخبير الثاني في تقريره لم يكن مقاولاً غرضه الكسب، بل كان شريكاً أي أنه تهمه حالة المنزل وتشطيبه، بدليل أن هناك أعمالاً كثيرة زيادة عن الاتفاق أي أنه يعقل أن يقوم المدعى عليه بعمل مبان تزيد قيمتها عن المتفق عليه لأنه مالك فيها ويهمه أن يقوم بالبناء على خير وجه على أساس أن المحاسبة الأخيرة عن التشطيب النهائي للعمارة، والدليل على ذلك أنه في نفس تاريخ الاتفاق تم الاتفاق الآخر على أساس سعر العمارة 24000 ج. ومن حيث إنه لما كان ذلك وقد ثبت من تقريري الخبيرين أن التكاليف النهائية للعمارة المشتركة بلغت قيمتها 25279 ج و425 م فيكون من حق الوكيل الذي تولى إنشاءها أن يتقاضى من شريكه فرق الزيادة، وبذلك يكون الحكم المستأنف قد أخطأ فيما انتهى إليه من رفض دعواه الفرعية ويتعين إلغاؤه في هذا الخصوص "وهذا الذي قرره الحكم المطعون فيه وأقام عليه قضاءه غير صحيح في القانون، ذلك أن الثابت من مطالعة العقدين المؤرخين 29/ 1/ 1963 واللذين استند إليهما الطاعنان في رفع الدعوى والمبرم أولهما بين الطاعن الأول والمطعون عليه والمبرم ثانيهما بين هذا الأخيرة والطاعنة الثانية أن المطعون عليه تعهد في كل منهما بإقامة منزل مكون من ستة أدوار على الأرض الموصوفة بهما للطاعن الأول نصفه ولكل من الطاعنة الثانية والمطعون عليه ربعه، وذلك طبقاً للشروط والمواصفات المبينة بالرسم الهندسي المقدم لبلدية الإسكندرية ونظير أجر حدد في أولهما بمبلغ 10 ج و500 م للمتر المسطح، وعلى أن يحسب المسطح في كل دور على أساس المساحة الإجمالية للعقار وقدرها 330.45 متراً مربعاً وعلى أن يكون التشطيب (لوكس فاخر) وحدد في ثانيهما بمبلغ 6000 ج، وهو ما يوازي ربع تكاليف إقامة المبنى جميعه التي حددت بمبلغ 24000 ج، وقد دفع له الطاعن الأول عند تحرير العقد مبلغ 8000 ج تحت حساب قيمة التكاليف، كما دفعت له الطاعنة الثانية مبلغ 4000 ج من قيمة ما يخصها في تكاليف المبنى وعلى أن تدفع الباقي وقدره 2000 ج وقت الطلب. لما كان ذلك، وكانت العبرة في تكييف العقد والتعرف على حقيقة مرماه وتحديد حقوق الطرفين هو بما حواه من نصوص وكان لمحكمة النقض أن تراقب تكييف محكمة الموضوع للعقد، وكانت المادة 646 من القانون المدني قد عرفت المقاولة بأنها عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين بأن يصنع شيئاً أو أن يؤدي عملاً لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الآخر، وكان يبين مما تم الاتفاق عليه في العقدين والسالف الإشارة إليه أن الطرفين قد أفرغا في العقدين جميع عناصر عقد المقاولة إذ وقع التراضي بينهما على الشيء المطلوب من المطعون عليه صنعه، وهو إقامة المبنى والأجر الذي تعهد به الطاعنان بوصفهما رب عمل، ولم يرد بأي منهما ما يدل على قيام المطعون عليه بالعمل تحت إشراف الطاعنين أو بوصفه تابعاً لهما أو نائباً عنهما، وكان ما تعهد المطعون عليه بالقيام به في كلا العقدين لم يتجاوز العمل المادي، وكان محل المقاولة عملاً مادياً، في حين أن محل الوكالة هو دائماً تصرف قانوني على ما أفصحت عنه المادة 699 من القانون المدني، ومن ثم فلا يصح اعتبار العقدين المبرمين بين الطرفين عقدا وكالة، بل عقدا مقاولة، ولا يغير من ذلك كون الطرفين يملكان العقار على الشيوع، إذ ليس من شأن هذه المشاركة أن تغير من صفة العقدين وأن تضفي على المطعون عليه صفة الوكيل مع صراحة نصوصهما في أن نية الطرفين قد اتجهت إلى إبرام مقاولة، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وكيف العقدين بأنهما عقدا وكالة، وأقام قضاءه في الدعويين الأصلية والفرعية على هذا الأساس، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.