مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) - صـ 554

جلسة 26 يونيه سنة 1941

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك المستشارين.

(285)
القضية رقم 1624 سنة 11 القضائية

تضامن. تعويض. انتواء كل من المتهمين ضرب المجني عليه. اعتداء كل منهم عليه بالضرب في حضرة زميله. مسئولية كل منهم قبله عن تعويض الضرر الذي أصابه من فعله هو ومن فعل زميله.
إذا كان الثابت بالحكم أن المتهمين وقت أن اعتدى كل منهما بالضرب على المجني عليه كانا في مكان الحادثة مع آخرين من فريقهما، وكان كل منهما منتوياً الاعتداء على المجني عليه وفريقه على إثر نزاع نشأ بين بعض أفراد الفريقين، وتنفيذاً لذلك ضربا المجني عليه، فإن كلاً منهما يكون مسئولاً قبله عن تعويض الضرر كله، ما أحدثه هو وما أحدثه زميله. ذلك لأن ارتكاب كل منهما فعلته في حضرة الآخر المتحد معه في القصد إنما كان بناءً على وجود زميله على مرأى منه وتوافقه معه على فكرة واحدة هي إيذاء المجني عليه مما شجعه وشدّ أزره وبعث في نفسه الإقدام على فعلته، الأمر الذي يقتضي اعتبار كل منهما مسئولاً عن نتيجة ما وقع على المجني عليه لما باشره هو وباشره زميله من الاعتداء الذي لم يكن ليقع لولا تآزرهما.


المحكمة

وحيث إن الطاعن الثاني اقتصر في وجه الطعن على ما قضت به محكمة الجنايات في موضوع الدعوى المدنية، ويقول إن المحكمة قدّرت التعويض الذي حكمت به للمدعي المدني على أساس أنه تخلف بعينه اليمنى عاهة مستديمة، وأنها نشأت عن فعل الطاعن الأوّل وحده؛ ولم تنسب إليه (الطاعن الثاني) الاشتراك في هذا الفعل سواء بصفته فاعلاً أصلياً أو شريكاً وإنما أسندت إليه إحداث إصابة أخرى بالمدّعي المدني عاقبته من أجلها. وبما أن التضامن في المسئولية المدنية طبقاً لأحكام المادتين 150 و151 مدني إنما يكون عند اشتراكه في الفعل الذي نشأ عنه الضرر للمجني عليه الأمر الذي لم يقله الحكم المطعون فيه كما سبق البيان. كما أن اتحاد شخص المجني عليه وزمان ومكان ارتكاب الجريمتين لا يترتب عليه التضامن في المسئولية المدنية. ومن ثم يكون كل واحد من الطاعنين مسئولاً عن فعله هو لا فعل الطاعن الآخر، وتكون محكمة الجنايات قد أخطأت في قضائها بإلزامه بالتضامن مع الطاعن الأوّل بدفع التعويض المدني الذي قدّرته عن العاهة المستديمة وأتعاب المحاماة، ويجب إذن نقض الحكم المطعون فيه فيما قضي به بالنسبة له.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أثبت أن وقائع الدعوى تتحصل في أن نزاعاً دب بين المجني عليهم المذكورين وبين نصيف بشاي عبد النور وصمويل فلتس الشهير بفانوس وقسطندي روفائيل وعطية فلتس وهم المتهمون الأوّل والثاني والثالث والرابع بسبب أن خادمة تركت منزل مخدومها وخدمت عند آخر من أفراد المتهمين وبسبب ما يحدث بين أولادهم من المشاغبات، ولم يكن الصلح ليجدي بين الفريقين. ففي يوم 30 إبريل سنة 1939 الموافق 10 ربيع الأوّل سنة 1358 بدائرة قسم مصر الجديدة من أعمال محافظة القاهرة رأي نجيب مرقس أفندي أن يتدخل لحسم النزاع بينهما، وكان المتهم الأوّل ممن حضروا مجلس الصلح ولكن لم يتم شيء في ذلك المجلس. وبينما كان نجيب أفندي داخل المنزل إذ سمع هرجاً في الخارج سببه أن ولداً يسمى قلدس ناروز اعتدى بالضرب على يوسف بن وهيب خليل من المجني عليهم فخرج الوالد مسرعاً ليستطلع الخبر، ولما تبين له أن ولده قد اعتدى عليه نهر الولد المعتدى وطلب إليه أن يبارح المكان فكان هذا دافعاً للمتهمين أن يعتدوا على من صادفهم من فريق المجني عليهم، فضرب المتهمان الثاني والرابع وهيب خليل. ولما سمع أمين جيد مسيحة أفندي ما حصل في الخارج خرج هو الآخر، وما أن رآه المتهم الأوّل حتى ضربه بعصاه التي يحملها على وجهه فأصبت عينه اليمنى بالإصابة الموصوفة بالتقارير الطبية والتي تخلفت عنها عاهة مستديمة وهي نقص في قوّة إبصار العين، كما ضربه المتهم الثاني بالعصا على ذراعه الأيسر فأحدث به الإصابة التي أوردها التقرير الطبي وقد أعجزته عن أعماله الشخصية مدة تزيد على العشرين يوماً. ثم دخل المتهم الأوّل منزله وأبدل ملابسه وخرج مسرعاً للبحث عن وسيلة يستعين بها على أن يباعد بينه وبين الجريمة وتصادف أن خرجت أسترة إسكاروس زوجة وهيب خليل فوجدت أمين جيد مسيحة أفندي ملقى على الأرض ومصاباً فأظهرت تألمها لهذا الحادث فضربها المتهم الثاني والرابع فأحدثا بها الإصابات التي تضمنها التقرير الطبي. ولما وصل خبر المشاجرة إلى جندي المنطقة محمد عبد الرحيم إبراهيم أسرع إلى مكانها وسأل أمين أفندي قبل نقله إلى المستشفى عن المعتدين فذكر له أسماء المتهمين فأخذ الشرطي يبحث عنهم في منازلهم فلم يجدهم فذهب إلى القسم وأبلغ بالحادثة ثم أبلغت النيابة فتولت التحقيق".
وحيث إنه يبين من ذلك أن الطاعنين وقت أن اعتدى كل منهما على المجني عليه كانا في مكان الحادثة مع آخرين من فريقهما، وأنهما عقدا النية على الاعتداء على فريق المجني عليه على إثر النزاع الذي نشأ بين بعض أفراد الفريقين، وتنفيذاً لذلك ضرب كل منهما المجني عليه بحضور الآخر وعلى مرأى منه. ومتى كان الأمر كذلك فإن كلاً منهما يكون مسئولاً قبل المجني عليه عن تعويض الضرر الذي أحدثه هو وزميله، وذلك لأن ارتكاب كل منهما فعلته في الظروف المتقدّمة لم يكن إلا بناءً على وجود زميله معه وتوافق خاطرهما على فكرة واحدة مما شجعه وشدّ أزره وبعث في نفسه الإقدام على الاعتداء الأمر الذي يتعين معه اعتبار كل منهما مسئولاً عن فعله الذي باشره هو وعن فعل زميله الذي لم يقع إلا بمؤازرته له على الصورة المتقدّمة.