مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثاني (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1936م لغاية 26 أكتوبر سنة 1939م) - صـ 421

جلسة 3 نوفمبر سنة 1938

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وحامد فهمي بك ومحمد كامل الرشيدي بك وأحمد مختار بك المستشارين.

(140)
القضية رقم 36 سنة 8 القضائية

تضمينات. ضرر ناشئ عن تقصير المقاول في أعمال البناء المجاور. لا مسئولية على مالكه. مسئولية المقاول. (المادة 151 مدني)
لا يجوز لصاحب بناء اعترى بناءه خلل بسبب تقصير المقاول في أعمال البناء المجاور أن يوجه دعواه بالتعويض إلى مالك هذا البناء لمجرّد كونه مالكاً، إذ ما دام التقصير قد وقع من المقاول وحده فإن المسئولية عن ذلك لا تتعدّاه.


الوقائع

تتضمن وقائع هذا الطعن - على ما جاء بالحكم المطعون فيه وباقي الأوراق المقدّمة من الطرفين والتي كانت مقدّمة لمحكمة الموضوع - أن المدعى عليهما في الطعن يملكان قطعة أرض كائنة بناحية مصر الجديدة شارع مصر رقم 13 تبلغ مساحتها 900 متر تقريباً، وقد أقاما عليها منزلاً للاستغلال. وبجوار هذه الأرض قطعة أخرى ملك الطاعنين تبلغ مساحتها نحو ألف متر أرادوا أن يقيموا عليها منزلاً واتفقوا فعلاً مع أحد المقاولين بعقد ثابت التاريخ في 12 من يونيه سنة 1933 على عملية البناء... الخ. ولما باشر هذا الأخير رفع الأتربة لوضع الأساسات ظهر له أن آبار أساسات منزل المدّعى عليهما في الطعن قد دخلت في ملك الطاعنين تحت الأرض دخولاً يتراوح بين 10 و20 سنتيمتراً. فرفع هؤلاء دعوى مستعجلة قالوا فيها إن هذا البروز أضرهم لأنه يضطرهم إلى تغيير تصميم بناء منزلهم وتقليل منفعته. ولذلك طلبوا ندب خبير لإثبات الحالة وتقدير ما يستحقونه من التعويض، وقيدت هذه الدعوى تحت رقم 465 سنة 1933 مستعجل مصر. وقد حكمت المحكمة بتعيين الخبير حسين سامي بك لأداء هذه المأمورية. فأثبت هذا الخبير في تقريره وجود البروز المدّعى به وقدر التعويض بمبلغ 585 جنيهاً.
وقد كان المدعى عليهما كلفا شركة دي فارو الإيطالية التبعية بعمل أساسات منزلهما، وحملاها كل مسئولية تنشأ عن عملها. لذلك رفعا من جانبهما دعوى مستعجلة أخرى أمام محكمة مصر المختلطة ضدّ الطاعنين وشركة دي فارو وطلبا تعيين خبير لإثبات الحالة، وقيدت القضية تحت رقم 11243 سنة 58 قضائية، وحكمت المحكمة المختلطة بندب خبير، فقرر الخبير أن شركة دي فارو مسئولة عن هذا البروز، وقدّر قيمة التعويض بمبلغ 99 جنيهاً و725 مليماً.
رفع الطاعنون دعوى الموضوع أمام محكمة مصر الابتدائية الأهلية بتاريخ 4 من سبتمبر سنة 1933 وطلبوا فيها الحكم لهم بمبلغ 1200 جنيه على سبيل التعويض.
ورفع المدّعى عليهما في الطعن دعوى أخرى عن الموضوع نفسه أمام محكمة مصر المختلطة ضدّ الطاعنين وشركة دي فارو وطلبا فيها أصلياً رفض دعوى الطاعنين واحتياطياً الحكم لهم بما يستحقونه من التعويض على شركة دي فارو مباشرة، ومن باب الاحتياط الكلي الحكم لهما (المطعون ضدّهما) على شركة دي فارو بما عسى أن يحكم به عليهما لمصلحة الطاعنين.
أخذت الدعويان مجراهما. فحضر المدّعى عليهما في الطعن أمام محكمة مصر الأهلية ودفعا بعدم اختصاص المحكمة الأهلية بنظر الدعوى لوجود صالح أجنبي. وتأييداً لهذا الدفع أدخلا في جلسة المرافعة دي فارو على أنه ضامن لهما، فقبلت منهما محكمة مصر الأهلية هذا الدفع، وقضت بعدم اختصاص المحكمة الأهلية بنظر الدعوى.
استأنف الطاعنون هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر.
وبتاريخ 21 من إبريل سنة 1935 قضت تلك المحكمة بإلغاء الحكم الابتدائي وباختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى وإعادتها لمحكمة مصر الابتدائية لنظرها في الموضوع.
بعد صدور هذا الحكم، وقبل أن تفصل محكمة مصر الابتدائية الأهلية في الموضوع، حكمت محكمة مصر الابتدائية المختلطة في الدعوى التي أقامها أمامها المدّعى عليهما في الطعن برفض الدفع الذي تمسك به الطاعنون من عدم اختصاص المحاكم المختلطة معتمدة في ذلك على أن دعوى الضمان هي دعوى جدّية اقتضاها النزاع، وقضت في الموضوع بإلزام دي فارو بأن يدفع للطاعنين مباشرة 99 جنيهاً و725 مليماً التي قدّرها الخبير المختلط.
فاستأنف الطاعنون هذا الحكم أمام محكمة الاستئناف المختلطة.
عادت دعوى الموضوع الأهلية من جديد إلى محكمة مصر تنفيذاً لحكم محكمة الاستئناف الصادر في الدعوى رقم 5 سنة 52 قضائية بتاريخ 21 من إبريل سنة 1935 فدفع المدعى عليهما بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها من المحكمة المختلطة بالحكم المشار إليه آنفاً واحتياطياً إيقاف الدعوى لحين الفصل في الاستئناف المنظور أمام محكمة الاستئناف المختلطة، فرفضت محكمة مصر الابتدائية هذين الدفعين، وقضت في الموضوع بإلزام المدّعى عليهما (الخواجة جبرائيل صالحاني وزوجته) بمبلغ 312 جنيهاً و286 مليماً.
استأنف الطاعنون هذا الحكم وطلبوا تعديله إلى مبلغ 1200 جنيه، كما استأنفه المدعى عليهما مجدّدين طلباتهما الأصلية أي عدم جواز نظر الدعوى أو إيقافها مع باقي الطلبات الموضوعية (إلغاء الحكم ورفض الدعوى).
نظرت المحكمة المذكورة الاستئنافين سالفي الذكر. وبتاريخ 31 من أكتوبر سنة 1937 فصلت في الدفوع الفرعية المتقدّمة بتأييد الحكم المستأنف الخاص بها أي برفضها. ثم حكمت بتاريخ 30 من يناير سنة 1938 في الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض دعوى الطاعنين وألزمتهم بجميع مصاريف الدرجتين وبمبلغ عشرة جنيهات أتعاب محاماة عنهما على اعتبار أن المقاول هو المسئول مباشرة أمام الطاعنين عن الضرر الذي لحقهم.
أعلن هذا الحكم للطاعنين في 14 من مارس سنة 1938 فطعنوا فيه بطريق النقص بتاريخ 12 من إبريل سنة 1938 بتقرير أعلن إلى المدعى عليهما في الطعن في 19 من الشهر المذكور الخ.


المحكمة

ومن حيث إن مبنى السبب الأوّل من أسباب الطعن أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم مسئولية المدعى عليهما في الطعن عن الضرر الذي أصاب الطاعنين، وأن المسئولية تقع مباشرة على المقاول، ناقض الحكم الصادر من نفس المحكمة بتاريخ 21 من إبريل سنة 1935 في دعوى الاستئناف رقم 5 سنة 52 قضائية عن نفس الدعوى، فقد نصت فيه المحكمة على أن حق المستأنف عليهما (المدعى عليهما في الطعن) في الرجوع على المقاول الأجنبي لا يخرج الدعوى من اختصاص المحاكم الأهلية وهما وشأنهما مع المقاول أمام المحكمة المختلطة بدعوى على حدتها لا شأن للمستأنفين (الطاعنين) بها. ويرى الطاعنون أن مؤدى هذا الحكم أن العلاقة القانونية عن هذا الضرر يجب أن تكون قائمة بينهم وبين المالكين للأرض المجاورة، ولهذين الأخيرين أن يرجعا على المقاول بدعوى أخرى لا شأن للطاعنين فيها. وهذا الحكم الذي أصبح نهائياً ملزم للمحكمة، ويجب أن تتقيد به في دعوى الموضوع.
ومن حيث إن كل ما قالته المحكمة في الحكم الصادر بتاريخ 21 من إبريل سنة 1935 هو "وحيث إن الدعوى مرفوعة من المستأنفين ضدّ المستأنف عليهما وهم جميعاً خاضعون لاختصاص المحاكم الأهلية فلا تخرج الدعوى من اختصاصها، وإن للمستأنف عليهما حق الرجوع على المقاول الأجنبي بل هما وشأنهما معه أمام المحكمة المختلطة بدعوى على حدتها لا شأن للمستأنفين بها". وظاهر أن المحكمة أوردت هذه الأسباب في صدد البحث في مسألة الاختصاص. وغرض المحكمة أنه إذا صح وجود حق للمالكين على المقاول فهما وشأنهما معه.
وحيث إن السببين الثاني والثالث من أسباب الطعن يتلخصان في أن الحكم المطعون فيه أخطأ القانون عند تقريره أن صاحب البناء إذا عهد أمر العمارة كلها إلى مقاول، وتعاقد معه جزافاً وتنازل عن حق الرقابة والإرشاد أو التدخل في التعديل والتنفيذ في تصميم البناء، ووضع ذلك كله في صك المقاولة، فإن المسئولية عن الضرر الذي يلحق الجيران إنما تقع مباشرة على المقاول. ووجه الخطأ في ذلك على ما يقول الطاعنون أن مسئولية المقاول مقصورة على الحوادث التي تقع للغير من عمال المقاول أو الأشياء التي في حيازته، وأما المسئولية التي تنشأ عن تنفيذ عمل المقاولة نفسها والبناية والتعدّي على ملك الغير، فالمسئول عنه قِبل الجيران هو المالك وحده، وهو وشأنه في الرجوع على المقاول. وكذلك أخطأ الحكم القانون إذ اعتبر عقد المقاولة المحرّر بين المدعى عليهما ومقاولهما ملزماً للطاعنين مع أن الاتفاقات التي تعمل بين الأشخاص لا تقيد إلا المتعاقدين فيها.
وحيث إنه يبين مما تقدّم عند سرد الوقائع أن الضرر المدعى به نشأ عن بروز بعض أساسات منزل المدعى عليهما في أرض الطاعنين عدة سنتيمترات (بين 10 و20 سنتيمتراً)، وهذا الفعل كما رأته محكمة الاستئناف داخل في عمل المقاول ولا شأن للمالكين فيه. وأما الاستطراد الذي بحثت فيه المحكمة مسئولية المقاول وصك المقاولة وقيمته قانوناً فإنه في الواقع جاء تدعيماً لرأي المحكمة فيما قضت به من عدم مسئولية المالكين عن هذا الخطأ. فلا سبيل إذن للاعتراض على الحكم المطعون فيه ويتعين رفض الطعن.