مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السادس (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1942 لغاية 29 أكتوبر سنة 1945) - صـ 62

جلسة 14 ديسمبر سنة 1942

برياسة حضرة صاحب العزة سيد مصطفى بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات: منصور إسماعيل بك وجندي عبد الملك بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزائرلي بك المستشارين.

(42)
القضية رقم 1921 سنة 12 القضائية

معارضة. الحكم باعتبارها كأن لم تكن. متى يصح؟ عدم حضور المعارض. المعارض الذي يحضر ثم يتخلف. وجوب الفصل في موضوع معارضته سواء أكان قد تقدّم بدفاع أم لم يتقدّم. دفع المعارض أمام المحكمة الاستئنافية ببطلان الحكم الابتدائي القاضي باعتبار معارضته كأنها لم تكن لأنه حضر في بعض الجلسات التي كانت محدّدة لنظر معارضته. رفض هذا الدفع والقضاء في موضوع الدعوى. خطأ. وجوب القضاء ببطلان الحكم وإعادة الدعوى إلى محكمة الدرجة الأولى لنظر موضوعها.
إن المادة 133 من قانون تحقيق الجنايات إذا كانت، بعبارة مطلقة، قد رتبت الحكم باعتبار المعارضة كأنها لم تكن، على عدم حضور المعارض، فإن العلة الأساسية في ذلك هي أن الشارع أراد توقيع جزاء على المعارض الذي لا يهتم بمعارضته ولا يتتبعها. فالمعارض الذي يحضر، سواء أتقدم بدفاع أم لم يتقدم، ثم يتخلف، يجب أن يقضى له وفي موضوع دعواه، لعدم استحقاقه لذلك الجزاء. وإذن فإذا كان المتهم قد دفع أمام المحكمة الاستئنافية ببطلان الحكم الابتدائي القاضي باعتبار معارضته كأنها لم تكن لأنه حضر في بعض الجلسات التي كانت محدّدة لنظر المعارضة فرفضت المحكمة هذا الدفع وقضت في موضوع الدعوى، فإنها تكون قد أخطأت، إذ كان الواجب عليها أن تحكم ببطلان الحكم الابتدائي وتعيد الدعوى إلى محكمة أول درجة لنظر موضوعها لا أن تتعرّض هي لموضوع الدعوى فتفوّت على المتهم درجة من درجات التقاضي.


المحكمة

وحيث إن الوجه الأوّل من وجهي الطعن يتحصل في أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بتأييد الحكم الابتدائي القاضي باعتبار المعارضة كأنها لم تكن قد أخطأ. لأن الثابت أن الطاعن حضر في إحدى جلسات المعارضة وكان يتعين على محكمة أوّل درجة إذن أن تبحث موضوع الدعوى وتفصل فيه بناء على المعارضة المرفوعة لها من الطاعن عن الحكم الغيابي الذي صدر عليه.
وحيث إن واقعة الحال كما يتضح من مراجعة محاضر الجلسات والأحكام الصادرة في الدعوى أن محكمة أوّل درجة حكمت على الطاعن غيابياً فعارض وحضر محاميه في الجلسة التي حدّدت لنظر المعارضة وقدّم شهادة بأنه مريض، وبناء على هذه الشهادة أجلت الدعوى لمرضه. ثم حضر المعارض في الجلسة التالية ولكنه لم يحضر في باقي الجلسات. فحكم في الجلسة الأخيرة باعتبار المعارضة كأنها لم تكن. فاستأنف الطاعن وقضت المحكمة الاستئنافية غيابياً بتأييد الحكم المستأنف فعارض ودفع عند نظر المعارضة ببطلان الحكم الابتدائي القاضي باعتبار المعارضة كأنها لم تكن لأنه حضر في بعض الجلسات التي كانت محدّدة لنظر المعارضة، ولكن المحكمة الاستئنافية قضت برفض هذا الدفع وفي موضوع الدعوى بتعديل العقوبة المحكوم بها على الطاعن، وقالت إن المادة 133 من قانون تحقيق الجنايات إذ نصت على "اعتبار المعارضة كأنها لم تكن إذا لم يحضر المعارض" لم تحدّد ذلك بجلسة دون أخرى، فيجب إذن توقيع هذا الحكم في أية جلسة لم يحضر فيها المعارض، ثم قالت إن الاستئناف منصب على الحكمين: الحكم الغيابي والحكم الصادر في المعارضة، وإنها تري أن الحكم الأوّل في محله من حيث ثبوت التهمة للأسباب التي بني عليها إلا أنها تأخذ المتهم بالرأفة.
وحيث إن المادة 133 من قانون تحقيق الجنايات إذ كانت قد رتبت الحكم باعتبار المعارضة كأنها لم تكن بطريقة مطلقة على المعارض الذي لم يحضر فإن العلة الأساسية في ذلك هي أن الشارع أراد ترتيب جزاء على المعارض الذي لا يهتم بمعارضته ويتتبعها. وتفهم القاعدة على هذا الأساس يجعل حالة المعارض الذي يحضر جلسة أو أكثر من الجلسات المحدّدة للمعارضة لا تلتقي مع فكرة الجزاء المذكور مما يتعين معه التمييز بينه وبين المعارض الذي لم يحضر مطلقاً، فالمعارض الذي يحضر سواء تقدّم بدفاع أو لم يتقدم ثم يتخلف بالنسبة له أن يقضي في موضوع دعواه. ومتى تقرّر ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع الذي تمسك به الطاعن بصدد بطلان الحكم الصادر من محكمة أوّل درجة باعتبار معارضته كأنها لم تكن يكون قد أخطأ. إذ ما دام الطاعن قد حضر أمام محكمة أوّل درجة في بعض جلسات المعارضة فإنه كان من المتعين عليها أن تنظر الدعوى وتفصل في موضوعها. أما وهي لم تفعل وقضت باعتبار المعارضة كأن لم تكن فإن ذلك كان يقتضي من المحكمة الاستئنافية أن تحكم في استئناف الطاعن ببطلان ذلك الحكم وتعيد الدعوى إلى محكمة أوّل درجة لنظر موضوعها. وبما أنها لم تحكم بذلك ثم تعرّضت هي لموضوع الدعوى ففوّتت على الطاعن درجة من درجات التقاضي فإنه يتعين قبول الطعن المرفوع من الطاعن ونقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى المحكمة الاستئنافية للحكم فيها مجدّداً من دائرة استئنافية أخرى. وذلك من غير حاجة للبحث في باقي أوجه الطعن.