مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السادس (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1942 لغاية 29 أكتوبر سنة 1945) - صـ 673

جلسة 2 إبريل سنة 1945

برياسة حضرة صاحب السعادة سيد مصطفى باشا رئيس المحكمة وحضور حضرات: جندي عبد الملك بك وأحمد محمد حسن بك وأحمد علي علوبة بك وأحمد فهمي إبراهيم بك المستشارين.

(536)
القضية رقم 271 سنة 15 القضائية

سقوط الدعوى. المادة 281 تحقيق. مدلولها. المدّة المقرّرة لسقوط العقوبة. تبتدئ من الوقت الذي يكون فيه للنيابة أن تنفذ العقوبة على اعتبار أن الحكم الصادر بها لم يعد بحسب ظاهره قابلاً للطعن فيه من المحكوم عليه. لا يصح القول بسريان مدّة سقوط الدعوى في هذه الحالة. حكم ابتدائي باعتبار المعارضة كأنها لم تكن. عدم استئنافه في الميعاد القانوني. وجوب اعتباره حكماً نهائياً قابلاً للتنفيذ. مدّة السقوط التي تسري في خصوصه هي مدّة سقوط العقوبة. استئناف المحكوم عليه إياه بعد مضي الميعاد وقبول استئنافه للأعذار القهرية التي أبداها. مدّة سقوط العقوبة تستمرّ إلى يوم صدور الحكم بقبول الاستئناف. مدّة سقوط الدعوى العمومية لا تبدأ إلا من تاريخ الحكم بقبول الاستئناف.
(المادة 281 تحقيق)
إن المادة 281 من قانون تحقيق الجنايات إذ نصت على أنه: "إذا سقطت العقوبة بالمدّة الطويلة صار الحكم الصادر بها قطعياً، ولذلك لا يجوز في أي حال من الأحوال للمحكوم عليه غيابياً الذي سقطت عقوبته بمضي المدّة أن يحضر ويطلب إبطال الحكم الصادر في غيبته وإعادة النظر فيه"، وإذ لم تفرّق - كما هو المستفاد من عبارة نصها بالفرنسية - بين المحكوم عليه غيابياً في مواد الجنايات (par Contumace) وبين المحكوم عليه غيابياً في مواد الجنح والمخالفات (par defaut)، فقد دلت بجلاء على أن المدّة المقرّرة لسقوط العقوبة تبتدئ من الوقت الذي يكون فيه للنيابة أن تنفذ العقوبة على اعتبار أن الحكم الصادر بها لم يعد في ذاته وبحسب ظاهره قابلاً للطعن فيه من المحكوم عليه بأي طريق من الطرق. وفي هذه الحالة لا يصح القول بسريان المدّة المقرّرة لسقوط الدعوى العمومية ما دامت النيابة تكون إزاء حكم هو في نظرها - بناء على ما تم في الدعوى من إجراءات - قابل للتنفيذ وليس أمامها إلا المبادرة إلى تنفيذه. وكون مدّة سقوط الحق في تنفيذ العقوبة هي التي تسري في هذه الحالة لا يصح الاعتراض عليه بالصور التي يكون فيها عند المحكوم عليه أسباب خاصة تخوّله الطعن في الحكم، فإن هذه الأسباب، الخافية بطبيعتها على النيابة لكونها متعلقة بالمحكوم عليه وحده وله - دون غيره - الشأن في إثارتها والتمسك بها وعليه إقامة الدليل على صحة أساسها، لا يصح أن يكون من شأنها وقف صيرورة الحكم نهائياً وعدم إجراء آثار هذه النهائية. على أن تلك المادة لم يفتها أن تلحظ هذه الصور الاستثنائية إذ هي على تقدير احتمال حصول الطعن من المحكوم عليه في الحكم الصادر ضدّه في أثناء مدّة سقوط العقوبة قد أوردت في نصها حكماً يحظر هذا الطعن بعد انقضاء المدّة التي تسقط بها العقوبة، ولم تر في أمر سقوط الدعوى بمضي المدّة ما يقتضي منها في هذا الصدد أن تعرض له. ثم إن الطعن في أثناء مدّة سقوط العقوبة إنما أجيز على سبيل الاستثناء من القواعد العامة، وقبوله يقتضي أن مدّة سقوط الدعوى تعود سيرتها الأولى ومدّة سقوط العقوبة بصرف النظر عنها بطبيعة الحال. وهذا هو عين المقرّر للأحكام الغيابية في مواد الجنايات، بفارق أنه عام مطلق في الجنايات واستثنائي في مواد الجنح والمخالفات، بمعنى أن الحكم الغيابي إذا كان في جناية فإنه يسقط دائماً وحتماً بالقبض على المحكوم عليه قبل سقوط العقوبة، أما إذا كان في جنحة أو في مخالفة فإنه يعتبر نهائياً بفوات ميعاد المعارضة والاستئناف محسوباً من اليوم المقرّر لذلك في نص القانون، ولكن يكون للمحكوم عليه حق الطعن فيه إذا ما أثبت بأن عذراً قهرياً منعه من الطعن في الميعاد المقرّر بالنص. وإذن فإذا كان الحكم الابتدائي القاضي باعتبار المعارضة كأنها لم تكن قد صدر في 18 مارس سنة 1941 ولم يستأنف في ميعاد العشرة الأيام التالية لصدروه، فإنه يجب في القانون اعتباره حكماً نهائياً قابلاً للتنفيذ، كما هو الشأن في سائر الأحكام التي على شاكلته. ومدّة السقوط التي تسري في خصوصه تكون مدّة سقوط العقوبة. ولا يمنع من ذلك أن يكون المحكوم عليه قد استأنفه بعد مضي ميعاد الاستئناف المقرّر ثم قبل استئنافه للأعذار القهرية التي تقدّم بها وأقام الدليل على ثبوتها؛ ومدّة السقوط هذه تستمرّ إلى يوم صدور الحكم بقبول الاستئناف، ومن تاريخ هذا بالحكم تبدأ مدة سقوط الدعوى العمومية.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن المقدّم من النيابة العمومية هو أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ قضى بسقوط الدعوى العمومية بمضي المدّة لأن هناك من الإجراءات ما يجب معه القول بقطع المدّة المقرّرة لسقوط الحق في إقامة الدعوى.
وحيث إن واقع الحال هو أن النيابة العمومية أقامت الدعوى على المتهم صالح حميدة زيدان لأنه في يوم 11 يوليه سنة 1940 بمنشأة أبو صير: (أوّلاً) سرقة كمية من الذرة مبينة بالمحضر من زراعة حسن عبد الحميد عبد المجيد. (ثانياً) لم يسلك سلوكاً مستقيماً بأن اتهم في القضية المذكورة رغم سابقة إنذاره مشبوهاً برقم 83 الواسطى بتاريخ أوّل أكتوبر سنة 1930. ومحكمة أوّل درجة حكمت غيابياً في 24 ديسمبر سنة 1940 بحبس المتهم سنة مع الشغل عن التهمة الأولى وبوضعه تحت مراقبة البوليس في المكان الذي يعينه وزير الداخلية لمدّة سنة واحدة تبتدئ من تاريخ إمكان التنفيذ عليه، وذلك عن التهمة الثانية. فعارض في هذا الحكم وحكم في 18 مارس سنة 1941 باعتبار المعارضة كأنها لم تكن لعدم حضوره الجلسة. فاستأنف في 26 يناير سنة 1944، ومحكمة ثاني درجة حكمت حضورياً في 14 مايو سنة 1944 بإلغاء الحكم المستأنف وإعادة القضية إلى محكمة أوّل درجة للفصل في المعارضة. وذلك لما تبين لها من أن المتهم كان مريضاً ومقيماً في مستشفى الجزام من 10 فبراير سنة 1941 إلى 13 مايو سنة 1943، ومحكمة أوّل درجة حكمت بتاريخ 29 يونيه سنة 1944 بقبول المعارضة شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المعارض فيه بالنسبة إلى التهمة الأولى وحبس المتهم ستة شهور مع الشغل وتأييده بالنسبة إلى التهمة الثانية مع جعل ابتداء مدة المراقبة من تاريخ انتهاء عقوبة الحبس. فاستأنف هذا الحكم يوم صدوره. والمحكمة الاستئنافية قضت بتاريخ 14 أغسطس سنة 1944 بحكمها المطعون فيه بإلغاء الحكم المستأنف وسقوط الدعوى العمومية بمضي المدّة وبراءة المتهم مما أسند إليه مستندة في ذلك إلى ما قالته من أنه تبين من مقارنة تواريخ الأحكام أن الحكم الغيابي الأول قد صدر ضد المتهم وعارض فيه بتاريخ 12 يناير سنة 1941 ثم صدر الحكم باعتبار المعارضة كأن لم تكن في 18 مارس سنة 1941 وقد قضت المحكمة الاستئنافية ببطلان هذا الحكم فأصبح بذلك عديم الأثر وبالتالي فهو لا يعتبر حكماً نهائياً ولا قاطعاً لمدّة السقوط. والمعوّل عليه عند احتساب سريان هذه المدّة هو الحكم الغيابي الأوّل الذي لم تتخذ بعده إجراءات إلا عند استئناف المتهم الأوّل بتاريخ 26 يناير سنة 1944 أي بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات هلالية على الحكم الغيابي الأوّل التي سقط على أثرها هذا الحكم بمضي المدّة.
وحيث إن المادة 281 من قانون تحقيق الجنايات إذ نصت على أنه: "إذا سقطت العقوبة بالمدّة الطويلة صار الحكم الصادر بها قطعياً ولذلك لا يجوز في أي حال من الأحوال للمحكوم عليه غيابياً الذي سقطت عقوبته بمضي المدّة أن يحضر ويطلب إبطال الحكم الصادر في غيبته وإعادة النظر فيه"، وإذ كان قصدها "بالمحكوم عليه غيابياً" - كما هو مستفاد من عبارة النص بالفرنسية - المحكوم عليه غيابياً في مواد الجنايات (Par Conturance) والمحكوم عليه غيابياً في مواد الجنح والمخالفات (Par defaut) قد دلت بجلاء على أن المدّة المقرّرة لسقوط العقوبة تبتدئ ويصرف النظر عن سريان المدّة المقررة لسقوط الدعوى العمومية كلما كان للنيابة الحق في تنفيذ العقوبة على أساس أن الحكم الصادر بها في ذاته وبحسب ظاهره لم يعد قابلاً للطعن فيه بأي طريق من الطرق من جانب المحكوم عليه، ففي هذه الحالة، والحكم في نظرها - بناء على الإجراءات القانونية التي تمت في الدعوى - قابل للتنفيذ ولم يكن أمامها إلا المبادرة إلى تنفيذه، لا يصح القول في حقها بأن مدّة سقوط الدعوى لا تزال جارية، وإنما الذي يصح القول به هو أن مدّة سقوط الحق في تنفيذ العقوبة هي التي تسري. ولا يرد على ذلك بالحالات التي يكون فيها عند المحكوم عليه أسباب خاصة تخوّله إذا ما تمسك بها حق الطعن في الحكم، فإن هذه الأسباب الاستثنائية التي تجهلها النيابة والتي هي من شأن المحكوم عليه وحده أن يثيرها ويتمسك بها ويقيم الدليل على صحتها لا يمكن أن تؤثر في النظر المتقدّم. ولذلك فإن المادة قد تناولت في حكمها هذه الحالة فافترضت في النص الذي جاءت به جواز الطعن من المحكوم عليه في الحكم الصادر ضدّه في أثناء مدّة سقوط العقوبة لا مدّة سقوط الدعوى، ففي هذه الحالة يجوز الطعن استثناء من القواعد العامة، فإذا ما قبل فإن مدّة سقوط الدعوى تعود سيرتها الأولى ويصرف النظر بطبيعة الحال عن مدّة سقوط العقوبة. وهذا هو عين المقرّر للأحكام الغيابية الصادرة في مواد الجنايات. غير أنه عام مطلق في الجنايات واستثنائي في مواد الجنح والمخالفات، بمعنى أن الحكم الغيابي في جناية يسقط حتماً في جميع الأحوال بالقبض على المحكوم عليه. أما الحكم الغيابي في جنحة أو مخالفة فيعتبر نهائياً بفوات ميعاد المعارضة والاستئناف محسوباً من اليوم المقرر لذلك في النص، وفقط يكون للمحكوم عليه حق الطعن في فيه بعد ذلك إذا ما أثبت أن عذراً قهرياً منعه من الطعن في الميعاد المذكور.
وحيث إنه متى تقرر ذلك وكان الثابت بالأوراق أن الحكم الابتدائي القاضي باعتبار المعارضة كأنها لم تكن قد صدر في 18 مارس سنة 1941 ولم يستأنف في ميعاد العشرة الأيام التالية لصدوره فإنه يجب في القانون اعتباره حكماً نهائياً قابلاً للتنفيذ كما هو الشأن قانوناً في سائر الأحكام التي على شاكلته، ومدّة السقوط التي تسري في خصوصه تكون إذن مدّة سقوط العقوبة. ولا يمنع من ذلك أن المحكوم عليه قد استأنفه بعد مضي ميعاد الاستئناف المعتاد ثم قبل استئنافه بناء على الأعذار القهرية التي تقدّم بها وأثبتها للمحكمة الاستئنافية ومدّة السقوط هذه قد استمرّت حتى يوم 14 مايو سنة 1944 حيث صدر الحكم بقبول الاستئناف وبإعادة القضية إلى محكمة أوّل درجة ومن تاريخ هذا الحكم فقط عادت مدّة سقوط الدعوى العمومية. ولما كانت مدّة سقوط العقوبة لم تنقض حتى صدور هذا الحكم لأنها بدأت يوم 29 مارس سنة 1941 عقب اليوم العاشر من تاريخ صدور الحكم القاضي باعتبار المعارضة كأنها لم تكن، ولما كانت مدّة سقوط الدعوى العمومية التي ابتدأت يوم أن صدر الحكم الاستئنافي المذكور لم تنقض أيضاً، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببراءة المتهم على أساس سقوط الدعوى بمضي المدّة يكون قد أخطأ ويتعين إذن نقضه.