أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 17 - صـ 1399

جلسة 16 من يونيه سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق اسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: ابراهيم الجافى، ومحمد صادق الرشيدى، وابراهيم علام، وسليم راشد أبو زيد.

(193)
الطعن رقم 150 لسنة 33 القضائية

( أ ) نقض. "أسباب الطعن". "الأسباب المتعلقة بالنظام العام".
التمسك أمام محكمة النقض لأول مرة بسبب من الأسباب المتعلقة بالنظام العام. شرطه: أن تكون تحت نظر محكمة الموضوع عند الحكم فى الدعوى جميع العناصر التى تتمكن بها من الالمام بهذا السبب والحكم فى الدعوى على موجبه. مثال.
(ب) تزوير. "التوقيع على بياض". إثبات. "الإثبات بالبينة".
توقيع المطعون عليه الورقة على بياض. حصول الطاعن على الورقة ممن سلمت إليه بطريقة ما وإثباته فيها الاقرار المدعى بتزويره. اعتبار الواقعة تزويرا لا خيانة أمانة. لا يشترط لاعتبار الواقعة تزويرا الحصول على الورقة الموقعة على بياض بطريق الاحتيال. يكفى الحصول عليها بأية طريقة كانت. جواز إثبات التزوير المدعى به الاثبات كافة.
1 - جرى قضاء محكمة النقض بأنه يشترط لجواز التمسك أمام محكمة النقض لأول مرة بسبب من الأسباب المتعلقة بالنظام العام أن يكون تحت نظر محكمة الموضوع عند الحكم فى الدعوى جميع العناصر التى تتمكن بها من الإلمام بهذا السبب والحكم فى الدعوى على موجبه؛ فإذا تبين أن هذه العناصر كانت تنقصها فلا سبيل للتمسك بهذا السبب. فإذا كان الحكم الجنائى - ببراءة الطاعن من التزوير - قد صدر بعد صدور الحكم المطعون فيه ولم يكن فى وسع محكمة الموضوع أن تتبينه فإن التحدى به يكون غير مقبول.
2 - متى كان الحكم المطعون فيه قد إنتهى من أقوال الشهود التى اعتمد عليها فى قضائه إلى أن المطعون ضده لم يسلم الورقة التى وقعها على بياض باختياره إلى الطاعن وإنما سلمها لموظف إدارة التجنيد ليحرر عليها طلبا باعفائه من الخدمة العسكرية وأن الطاعن حصل عليها بطريقة ما وأثبت فيها الإقرار المدعى بتزويره فإن الواقعة على هذه الصورة تعتبر تزويرا طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 340 من قانون العقوبات لا خيانة أمانة ومن ثم يجوز إثبات التزوير المدعى به بطرق الإثبات كافة وذلك لأن الفقرة الأخيرة من المادة 340 من قانون العقوبات سالفة الذكر لا تشترط لإعتبار الواقعة تزويرا أن يكون الحصول على الورقة الموقعة على بياض بطريق الاحتيال وإنما يكفى أن يحصل عليها المتمسك بها بأية طريقة كانت [(1)].


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن إستوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن الطاعن أقام الدعوى رقم 62 سنة 1962 مدنى كلى بور سعيد على المطعون ضده طالبا الحكم بصحة ونفاذ الإقرار المؤرخ 6 نوفمبر سنة 1960 الخاص ببيع العقار المبين الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى وجعله بمثابة سند ناقل للملكية وقابل للشهر وقال شرحا للدعوى أنه بمقتضى ذلك الإقرار أقر له المطعون ضده بأن عقد البيع النهائى المؤرخ 5 أغسطس سنة 1960 والمشهر برقم 552 سنة 1960 - والصادر إلى المطعون ضده من شنوده ميخائيل عبده وزوجته لبيبه عيسى عبده والمتضمن بيعهما له إثنى عشر قيراطا على الشيوع فى كامل أرض وبناء المنزل الكائن بشارع 25 بور سعيد - هذا البيع فى حقيقته إنما صدر لمصلحة الطاعن ولحسابه وأنه هو الذى دفع الثمن من ماله الخاص وأن المطعون ضده تعهد بالتوقيع على عقد نقل ملكية هذا القدر إلى الطاعن ولكنه إمتنع عن تنفيذ تعهده فرفع الطاعن هذه الدعوى عليه وقد ادعى المطعون ضده بتزوير هذا الإقرار تأسيسا على أنه وقع على ورقة بيضاء وسلمها إلى موظف بإدارة التجنيد يدعى طه الحبشى بعد أن أوهمه الأخير هو وابن الطاعن بلزوم هذه الورقة لإستخراج شهادة بإعفائه من التجنيد وأن الطاعن حصل على هذه الورقة بعد ذلك وملأها بعبارات الإقرار المنسوب للمطعون ضده. وفى 19 ديسمبر سنة 1961 قضت المحكمة بقبول شواهد التزوير وبإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعى عليه (المطعون ضده) بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة أنه وقع الإقرار المدعى بتزويره على بياض وأن (المدعى الطاعن) قام بتحرير مضمون هذا الإقرار بعد ذلك - دون علم المدعى عليه وصرحت للمدعى بالنفى بذات الطرق - وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين قضت فى أول مايو سنة 1962 برفض الإدعاء بالتزوير واعتبار الورقة المدعى بتزويرها صحيحة منتجة لآثارها القانونية وبصحة ونفاذ الإقرار المؤرخ 6/ 11/ 1960 الصادر من المدعى عليه (المطعون ضده) الخاص ببيعه للمدعى (الطاعن) الحصة المبينة به وبصحيفة الدعوى فاستأنف المطعون ضده هذا الحكم لدى محكمة استئناف المنصورة (مأمورية بور سعيد) طالبا إلغاءه ورفض الدعوى وقيد إستئنافه برقم 51 سنة 3 ق وفى 9 فبراير سنة 1963 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبرد وبطلان الإقرار المؤرخ 6 نوفمبر سنة 1960 وبرفض الدعوى. طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أيدت فيها الرأى برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى تطبيق القانون وفى بيان ذلك يقول الطاعن إن هذا الحكم إذ إعتبر الواقعة تزويرا ورتب على ذلك جواز إثبات عكس ما هو ثابت فى الورقة بغير الكتابة قد أخطأ فى القانون ذلك وإن كان للمدين الحق فى أن يثبت أنه سلم توقيعه على بياض للدائن وأن هذا الأخير قد خان الأمانة فكتب فوق التوقيع غير المتفق عليه بينهما فإنه لا يجوز للمدين إثبات ذلك إلا بالكتابة.
وحيث إن هذا النعى غير سديد ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه إنتهى من أقوال الشهود التى إعتمد عليها فى قضائه إلى أن المطعون ضده لم يسلم الورقة التى وقعها على بياض باختياره إلى الطاعن وإنما سلمها لموظف بإدارة التجنيد ليحرر عليها طلبا بإعفائه من الخدمة العسكرية وأن الطاعن حصل عليها بطريقة ما وأثبت فيها الإقرار المدعى بتزويره فإن الواقعة على هذه الصورة تعتبر تزويرا طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 340 من قانون العقوبات لا خيانة أمانة ومن ثم يجوز إثبات التزوير المدعى به بطرق الإثبات كافة.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الثانى القصور فى التسبيب وفساد الاستدلال والخطأ فى القانون وفى بيان ذلك يقول إنه يشترط لإعتبار الطاعن خائنا للأمانة بالنسبة للورقة الموقعة على بياض فى خصوص النزاع الحالى حصول تحايل منه على المطعون ضده للوصول إلى توقيعه على بياض وأن الثابت من أقوال شهود المطعون ضده أنهم التقوا به مصادفة فأخبرهم بأنه مطلوب للتجنيد فتوجهوا معه بغير تدبير سابق إلى مكتب التجنيد حيث وجدوا ابن الطاعن الذى طلب إلى زميله فى العمل بهذا المكتب - المدعو طه الحبشى - معاونة المطعون ضده فى استخراج طلب إعفائه من التجنيد وأن المطعون ضده وقع على ورقة بيضاء وسلمها إلى هذا الموظف وأن الحكم المطعون فيه سكت عن استظهار ما يفيد حصول اتفاق بين الطاعن وإبنه على الحصول من المطعون ضده على توقيعه على بياض وهى واقعة كان يتغير بها وجه تقديره لأقوال الشهود فشابه القصور فى التسبيب وفساد الاستدلال. كما أن الحكم شابه قصور آخر إذ لم يوضح الضرورة التى ألجأت المطعون ضده إلى ترك توقيعه على بياض، وأضاف الطاعن أنه تمسك أمام محكمة الموضوع بوضع يده على العقار المبيع وظهوره بمظهر المالك له دون المطعون ضده وقد أغفل الحكم هذا الدفاع الجوهرى فشابه القصور أيضا.
وحيث إن هذا النعى بجميع وجوهه غير سديد ذلك إنه يبين من الحكم المطعون فيه إنه إستعرض أقوال شهود الطرفين واطمأن إلى الأخذ بشهادة شهود المطعون ضده التى تفيد أنهم ذهبوا معه إلى إدارة التجنيد ورأوه يوقع على ورقة بيضاء ويسلمها إلى موظف بهذه الإدارة يدعى طه الحبشى كان إبن الطاعن قد أوصاه بمعاونة المطعون ضده فى إستخراج طلب إعفائه من التجنيد وأن الطاعن تمكن بوسيلة ما من الحصول على هذه الورقة الموقعة على بياض وملاها بعبارات الإقرار للمدعى بتزويره. وهذا الذى قرره الحكم يكفى لإعتبار الواقعة تزويرا طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 340 من قانون العقوبات إذ أنها لا تشترط لإعتبار الواقعة تزويرا أن يكون الحصول على الورقة الموقعة على بياض بطريق الاحتيال وإنما يكفى أن يحصل عليها الطاعن بأى طريقة كانت وما دامت المحكمة قد أقامت قضاءها بتزوير الورقة على أسباب تسوغ النتيجة التى إنتهت اليها فإنه لا يكون عليها بعد ذلك أن تتعقب الخصوم فى جميع مناحى دفاعهم وترد عليها إستقلالا.
وحيث إن الطاعن أبدى بجلسة المرافعة سببا جديدا قال إنه متعلق بالنظام العام، حاصله أنه بعد صدور الحكم المطعون فيه برد وبطلان الإقرار المؤرخ 6 نوفمبر سنة 1960 أقامت النيابة العامة الدعوى الجنائية ضد الطاعن متهمة إياه فى الجنحة رقم 1810 سنة 1963 جنح الشرق، بالاشتراك مع مجهول فى تزوير الإقرار المؤرخ 6 نوفمبر سنة 1960 وبإستعمال هذا الإقرار مع علمه بتزويره وقد قضت محكمة الجنح المستأنفة فى أول مارس سنة 1961 ببراءة الطاعن وأقامت قضاءها على الشك فى نسبة التهمتين إليه - وأن لهذا الحكم الجنائى النهائى حجية أمام المحاكم المدنية فى الدعاوى التى لم يفصل فيها نهائيا ويرى الطاعن أن الدعوى الحالية لم يفصل فيها نهائيا لأنها لا زالت معروضة على محكمة النقض وأنه يجب على هذه المحكمة أن تتقيد بذلك الحكم الجنائى.
وحيث إن هذا النعى مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أنه يشترط لجواز التمسك أمام محكمة النقض لأول مرة بسبب من الأسباب المتعلقة بالنظام العام أن يكون تحت نظر محكمة الموضوع عند الحكم فى الدعوى جميع العناصر التى تتمكن بها من الإلمام بهذا السبب والحكم فى الدعوى على موجبه فإذا تبين أن هذه العناصر تنقصها فلا سبيل للتمسك بهذا السبب - ولما كان الثابت أن الحكم الجنائى الذى يتحدى به الطاعن قد صدر فى أول مارس سنة 1966 بعد صدور الحكم المطعون فيه ولم يكن فى وسع محكمة الموضوع تبينه فإن هذا السبب يكون غير مقبول.
وحيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن برمته غير سديد ويتعين رفضه.


[(1)] راجع نقض 9 مارس سنة 1961 بمجموعة المكتب الفنى س 12 ص 212.