أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الرابع - السنة 17 - صـ 1552

جلسة 20 من أكتوبر سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق اسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد عبد اللطيف، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد أبو حمزة مندور، ومحمد صدقى البشبيشى.

(217)
الطعن رقم 384 لسنة 33 القضائية

( أ ) بيع. "التزامات البائع". "ضمان العيوب الخفية". إثبات. "عبء الإثبات".
العيب الخفى بالمبيع. افتراض عدم علم المشترى به. ضمان البائع هذا العيب ما لم يثبت على المشترى بالعيب وقت تسليم المبيع. على البائع عبء هذا الإثبات.
(ب) عقد "فسخ العقد". بيع. "التزامات البائع". "ضمان العيوب الخفية".
طلب المشترى استرداد ما عجله من الثمن وبراءة ذمته من الباقى لوجود عيب خفى جسيم فى البيع. احتواؤه ضمنا على طلب فسخ العقد.
1 - ما دام الحكم قد انتهى إلى أن العيب الذى لحق المبيع كان خفيا فإنه إذ ألقى على البائع عبء إثبات أن المشترى كان يعلم وقت استلام المبيع بهذا العيب وأجاز له إثبات ذلك بكافة الطرق وإذ ألزام البائع بضمان هذا العيب بعد أن عجز عن إثبات هذا العلم فإن الحكم لا يكون مخالفا للقانون ذلك أنه متى كان العيب خفيا فيفترض أن المشترى لا يعلم به فإذا أراد البائع التخلص من الضمان فعليه هو عبء إثبات أن المشترى كان يعلم بالعيب وقت تسليم المبيع [(1)].
2 - إذا كان المشترى قد طلب الحكم له باسترداد ما عجله من الثمن وببراءة ذمته من السند المحرر بالباقى من هذا الثمن بسبب وجود عيب خفى جسيم فى المبيع فإنه يكون قد طلب ضمنا فسخ العقد، وإذ كان مقتضى إجابته إلى هذا الطلب إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل العقد فيسترد المشترى ما عجله من الثمن وتبرأ ذمته من الباقى على منه على أن يكون للبائع استرداد المبيع فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى للمشترى بطلباته لا يكون قد خالف القانون.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - فى أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 27 سنة 1961 تجارى كلى دمنهور وانتهى فيها إلى اختصام الطاعن - وطلب الحكم بالزام الأخير بأن يرد له مبلغ 635 ج و520 م وببراءة ذمته من قيمة السند المحرر عليه لصالح الطاعن بتاريخ 6 يوليه سنة 1959 بمبلغ 374 ج و400 م والمستحق الوفاء فى 10 أكتوبر سنة 1959 وشطب البروتستو المعلن له فى 10 أكتوبر سنة 1959 وإلزام الطاعن بمبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض وقال المطعون ضده شرحا لدعواه انه بمقتضى عقد مؤرخ 6 يوليه سنة 1959 اشترى من الطاعن 1600 بطارية جافة استلم منها فى يوم 6 يوليه سنة 1959، 1960 بطارية ثمنها 1009 ج و920 م دفع منه مبلغ 635 ج و520 م وحرر بالباقى وقدره 374 ج و400 م سندا لصالح الطاعن يستحق الوفاء فى 10 أكتوبر سنة 1959 ولما قام ببيع هذه البطاريات لتجار التجزئة والمستهلكين اتضح لهؤلاء وأولئك أنها غير صالحة للاستعمال فأخذوا يردونها إليه فاتصل بالطاعن لردها بدوره إليه. وقد قبل مندوب الطاعن دفعتين منها فى 12 يوليه و31 أغسطس سنة 1959 ولكن الطاعن رفض استلام باقى البطاريات فظل مخزونا فى محلات المطعون ضده وتجار التجزئة وفى مخازن محطة سكك حديد القبارى مما حدا بالمطعون ضده على توجيه إنذار إلى الطاعن فى 4 أكتوبر سنة 1959 مسجلا عليه فساد تلك البطاريات ومطالبا برد معجل الثمن والسند المؤرخ 6 يوليه سنة 1959 والمستحق الوفاء فى 10 أكتوبر سنة 1959 ولكن الطاعن مضى فى اتخاذ إجراءات المطالبة بقيمة هذا السند فأعلن المطعون ضده ببروتستو عدم الدفع وأقام ضده الدعوى رقم 33 سنة 1960 إفلاس دمنهور يطلب شهر إفلاسه - كما استصدر بالسند المؤرخ 6 يوليو سنة 1959 أمر أداء بإلزام المطعون ضده بمبلغ 374 ج و400 م - وكان المطعون ضده بدوره قد أقام الدعوى رقم 276 سنة 1959 مستعجل دمنهور بطلب إثبات حالة تلك البطاريات وبعد أن قدم الخبير تقريره أقام على الطاعن الدعوى رقم 27 سنة 1961 تجارى كلى دمنهور بطلباته سالفة الذكر كما رفع المعارضة رقم 50 سنة 1962 كلى دمنهور طالبا إلغاء أمر الأداء الصادر ضده لصالح الطاعن وفى 11 يونيه سنة 1962 قضت المحكمة برفض دعوى المطعون ضده رقم 27 سنة 1961 تجارى كلى دمنهور وبرفض معارضته رقم 50 سنة 1962 وتأييد أمر الأداء المعارض فيه - فاستأنف المطعون ضده هذا الحكم لدى محكمة استئناف الاسكندرية طالبا إلغاءه والقضاء له بطلباته وقيد استئنافه برقم 365 سنة 18 ق وفى 13 نوفمبر سنة 1962 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض الدعوى رقم 27 سنة 1961 وبإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضده مبلغ 635 ج و520 م معجل الثمن وببراءة ذمة الأخير من قيمة السند المؤرخ 6 يوليه سنة 1959 وبالغاء الحكم المستأنف فيما قضى به فى المعارضة رقم 50 سنة 1962 - وبإلغاء أمر الأداء المعارض فيه - طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة رأت فيها رفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب يتحصل أولها فى أن الحكم المطعون فيه شابه قصور فى التسبيب وفساد فى الاستدلال ذلك أنه إذ انتهى إلى أن البطاريات المبيعة كانت أصلا فاسدة وغير صالحة للاستعمال، فقد خالف الثابت فى تقرير خبير دعوى إثبات الحالة - كما أن الحكم استدل على فساد هذه البطاريات بواقعة قبول عبد الحميد يونس مندوب الطاعن استرداد دفعتين من البطاريات المعادة من المشترين فى 12 يولية و31 أغسطس سنة 1959 مع أن هذه الواقعة لا تنهض دليلا على أن البطاريات كانت فاسدة أصلا إذ أن الطاعن على ما ورد بتقريرات الحكم قد رفض استلام باقى البطاريات المعادة والمعقول أن يفسر قبوله لهاتين الدفعتين على أنه دليل على حسن نيته ومن قبيل التسامح الذى يجرى به العرف بين التجار. ويرى الطاعن أن الحكم المطعون فيه وقد اعتمد على واقعة قبوله بعض البطاريات المعادة والتفت عن باقى الوقائع الجوهرية الأخرى التى تناقضها وتفقدها دلالتها يكون مشوبا بالقصور وفساد الاستدلال.
وحيث إن هذا النعى غير سديد ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه جاء به فى هذا الصدد قوله "ولما كان الثابت من الإطلاع على المستندات المقدمة من المستأنف (المطعون ضده) أنه أعاد إليه 14 بطارية فى 12/ 7/ 1959 و54 بطارية فى 31/ 8/ 1959 بموجب إيصالين موقع عليهما من مندوب المستأنف عليه (الطاعن) السيد/ عبد الحميد يونس وهى واقعة غير منكورة وكان تاريخ إعادة تلك البطاريات إلى محل الوكالة البائعة يدخل فى فترة صلاحية البطاريات المنتهية ما بين 3/ 9/ 1959 إلى 9/ 10/ 1959 فإنه يؤخذ من ذلك أن تلك البطاريات كانت فاسدة أصلا وغير صالحة للاستعمال" كما ذكر الحكم فى موضع آخر منه "أن المشترى وقت أن تسلم المبيع فى 9/ 7/ 1959 لم يكن ميعاد استهلاك البطاريات قد حل بعد ولم يسكت المشترى بمجرد أن علم بوجود هذا العيب فى البضاعة المشتراه بل بادر بإعادتها عقب استلامه لها بخمسة أيام كما بادر بإنذار المستأنف عليه مسجلا هذا الفساد بتاريخ 4/ 10/ 1959" وهذا الذى قرره الحكم المطعون فيه مفاده أنه استدل على أن البطاريات كانت فاسدة أصلا من واقعة قبول مندوب الطاعن استرداد دفعتين منها بعد اكتشافه لهذا الفساد ومن مبادرة المطعون ضده بإنذار الطاعن مسجلا عليه فساد البطاريات المبيعة قبل فوات فترة صلاحيتها للاستعمال وهو استدلال سائغ ومن شأنه أن يؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها الحكم - كما أن هذا الحكم لم يخالف الثابت فى تقرير الخبير إذ ورد فى هذا التقرير أن الخبير وجد البطاريات غير صالحة للاستعمال إلا بنسبة ضئيلة جدا لا تزيد عن 5 % وليس فى التقرير ما يقطع بأن البطاريات المبيعة كانت صالحة للاستعمال خلال المدة المحددة للبدء فى استعمالها.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الثانى الخطأ فى تطبيق القانون وفى بيان ذلك يقول الطاعن أن ذلك الحكم أخطأ إذ طبق أحكام العيب الخفى وحمل الطاعن عبء إثبات أن المشترى - المطعون ضده - كان يعلم بالعيب ويرى الطاعن أنه كان على المحكمة أن تطبق أحكام التزامات المشترى التى تلزمه بالتحقق من سلامة المبيع وقت استلامه كما أن المحكمة خلصت إلى إعفاء المطعون ضده من الآثار التى ترتبها فى حقه هذه الأحكام دون أن تركن فى هذا الإعفاء إلى دليل معقول بل إن الثابت فى تقرير الخبير يناقض ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه.
وحيث إن هذا النعى مردود بأنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه انتهى إلى أن ما لحق البطاريات المبيعة من فساد يعتبر عيبا خفيا ما كان فى استطاعة المطعون ضده - المشترى - أن يتبينه ودلل الحكم على ذلك بأسباب سائغة من شأنها أن تؤدى إلى هذا النظر - وما دام الحكم قد انتهى إلى أن العيب كان خفيا فإنه إذ ألقى على الطاعن - البائع - عبء إثبات أن المشترى كان يعلم وقت استلام المبيع بهذا العيب وأجاز له إثبات ذلك بكافة الطرق وإذ ألزم الطاعن بضمان هذا العيب بعد أن عجز عن إثبات هذا العلم فإن الحكم لا يكون مخالفا للقانون ذلك أنه متى كان العيب خفيا فيفترض أن المشترى لا يعلم به فإذا أراد البائع التخلص من الضمان فعليه هو عبء إثبات أن المشترى كان يعلم بالعيب وقت تسليم المبيع.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه قد شابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال ذلك أن محكمة الموضوع افترضت وبغير دليل أن البطاريات التى قام المطعون ضده بردها والتى فحصها الخبير هى التى تم التعاقد عليها وذلك على خلاف الثابت من تقرير الخبير - كما أن المحكمة قضت بإلزام الطاعن بقيمة الصفقة محل العقد جميعها مع أن كمية البطاريات التى فحصها الخبير تقل عن الكمية التى تم التعاقد عليها.
وحيث إن هذا النعى غير سديد ذلك أنه جاء بالحكم المطعون فيه فى شأن ما يثيره الطاعن بالشق الأول من هذا السبب ما نصه "أما إدعاء المستأنف عليه (الطاعن) بأن البطاريات المرتجعة ليست هى المبيعة منه للمستأنف (المطعون ضده) فهو ادعاء متأخر لا دليل عليه فى الأوراق ولو كان جادا فيه لأخطر به المستأنف بعد أن أنذره الأخير بفساد البطاريات أو لكان على الأقل أثاره أمام الخبير الذى يؤخذ من تقريره أن البطاريات جميعها من ماركة" "زماج" وارد يوغوسلافيا. ويبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه على خلاف ما يزعم الطاعن قد أورد القرائن التى استدل بها على أن البطاريات المعادة هى بذاتها المشتراة من الطاعن. ولما كانت هذه القرائن من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها وكان لا يوجد فى تقرير الخبير ما يستفاد منه أن البطاريات التى فحصها تغاير البطاريات المتعاقد عليها فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الشق يكون على غير أساس - أما ما يثيره الطاعن فى الشق الآخر من النعى فإنه لما كان المطعون ضده قد طلب الحكم له باسترداد ما عجله من الثمن وببراءة ذمته من السند المحرر بالباقى من هذا الثمن بسبب وجود عيب خفى جسيم فى المبيع فإنه يكون قد طلب ضمنا فسخ العقد وإذ كان مقتضى إجابته إلى هذا الطلب إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل العقد فيسترد المشترى ما عجله من الثمن وتبرأ ذمته من الباقى عليه منه على أن يكون للبائع استرداد المبيع، فإن الحكم الطعون فيه إذ قضى للمطعون ضده المشترى بطلباته لا يكون قد خالف القانون.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته غير سديد ويتعين رفضه.


[(1)] راجع نقض 14/ 6/ 1962 مجوعة المكتب الفنى س 13 ص 808.