مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والعشرون (من أول أكتوبر سنة 1981 الى آخر سبتمبر سنة 1982) - صـ 531

(75)
جلسة 8 من مايو سنة 1982

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد صلاح الدين السعيد نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد محمد عبد المجيد ومحمد عزيز أحمد على وعادل عبد العزيز بسيونى وأبو بكر دمرداش أبو بكر - المستشارين.

الطعن رقم 1312 لسنة 26 القضائية

مهندسين - تكليف - انهاء خدمة.
مؤدى ما نص عليه القانون رقم 54 لسنة 1976 فى شأن المهندسين المصريين خريجى الجامعات والمعاهد المصرية الذى عمل به اعتبارا من نشره فى 24 يونيو سنة 1976 الزام المهندسين المكلفين والمعينين بالحكومة وبالقطاع العام وقت العمل بالقانون القيام بأعباء وظائفهم وعدم جواز الامتناع عن أداء واجباتهم لمدة حددها بست سنوات فقط تبدأ من تاريخ استلامهم العمل ما لم تنته خدمتهم لأحد الأسباب التى عينها القانون - بانقضاء السنوات الست يحق للمهندسين الامتناع عن أعمال وظائفهم دون تطلب موافقة جهة العمل مؤدى ذلك: اعتبار خدمة هؤلاء المهندسين منتهية حتما وبقوة القانون بمجرد امتناعهم عن العمل ولا يقتضى الأمر والحال كذلك صدور قرار من السلطة الرئاسية التى يتبعها المهندس بإنهاء خدمته اذ لا يعدو مثل هذا القرار فى حالة صدوره أن يكون إجراءا تنفيذيا كاشفا لمركز قانونى تحقق فعلا نتيجة امتناع المهندس عن أداء أعمال وظيفته وليس منشئا له - أساس ذلك - تطبيق.


اجراءات الطعن

فى يوم السبت الموافق 28 من يونية سنة 1980 أودع الأستاذ عزيز أنيس ميخائيل المستشار بادارة قضايا الحكومة نائبا عن السيد وزير الرى بصفته قلم كتاب المحكمة الادارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1312 لسنة 26 القضائية فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بمدينة أسيوط بجلستها المنعقدة فى 6 من مايو سنة 1980 فى الدعوى رقم 234 لسنة 6 القضائية المرفوعة من النيابة الإدارية ضد السيد/ ....... الذى قضى بمجازاته بالفصل من الخدمة وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه، والحكم على المطعون ضده بعقوبة أخرى مناسبة.
وبعد أن تم اعلان تقرير الطعن الى ذوى الشأن على النحو المبين فى الأوراق أودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 24 من ديسمبر سنة 1980 وفى 27 من يناير سنة 82 قررت الدائرة إحالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا - الدائرة الرابعة - وحددت لنظره أمامها جلسة 20 من فبراير سنة 1982 وفيها سمعت المحكمة ما رأت لزوما لسماعه من إيضاحات ذوى الشأن وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات والمداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق فى أنه فى 29 من سبتمبر سنة 1979 أودعت النيابة الادارية قلم كتاب المحكمة التأديبية بمدينة أسيوط تقرير اتهام ضد السيد/ ........ المهندس بالادارة العامة لمشروعات رى أسيوط المنتدب للإدارة العامة لمشروعات المنيا - درجة خامسة - وزارة الرى - لأنه بتاريخ 3 من ديسمبر سنة 1977 وحتى 28 من مارس سنة 1979 بالادارة العامة لمشروعات رى أسيوط، خالف الأحكام المنظمة للإجازات بأن انقطع عن عمله بغير اذن وفى غير الأحوال المرخص بها. وبذلك يكون قد ارتكب المخالفة الإدارية المنصوص عليها فى المادة 42 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1971 والمادة 62 من القانون رقم 47 لسنة 1978 بإصدار نظام العاملين المدنيين بالدولة. وطلبت النيابة الادارية محاكمته بالمادتين سالفتى الذكر وبالمادتين 80 و82 من القانون رقم 47 لسنة 1978 المشار اليها والمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن اعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية والمادتين 15 و19 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة.
وبجلسة 6 من مايو سنة 1980 حكمت المحكمة بمجازاة المتهم ........ بالفصل من الخدمة. استنادا الى أنه انقطع عن عمله دون اذن اعتبارا من 3 من ديسمبر سنة 1977 مخالفا بذلك أحكام القانون رقم 58 لسنة 1971 بنظام العاملين المدنيين بالدولة والقانون رقم 47 لسنة 1978 المذكور وأن استمرار انقطاعه عن عمله يكشف عن عزوفه عنه وكراهيته لوظيفته الأمر الذى يستوجب فصله.
ومن حيث ان مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه خالف القانون اذ قضى بمجازاة المطعون ضده بعقوبة الفصل من الخدمة لأن مجازاته بهذه العقوبة لا يتفق مع أحكام القانون ويتنافى مع مصلحة المرفق الذى يعمل به ولا يحقق المصلحة العامة ذلك أن الجزاء يجب أن يراعى فيه حاجة المرفق العام الى خدمات العامل، وتوقيع عقوبة الفصل على العامل تحرم المرفق من عمله وهو فى أشد الحاجة اليه.
ومن حيث ان الثابت فى الأوراق أنه صدر قرار السيد وزير الرى رقم 1359 لسنة 1968 فى 2 من ديسمبر سنة 1968 بتكليف السيد المهندس........ بالعمل لمدة سنتين قابلة للامتداد بمشروعات أسيوط وذلك اعتبارا من 7 من ديسمبر سنة 1968 - وتنفيذا لهذا القرار استلم المهندس المذكور عمله اعتبارا من هذا التاريخ. وفى 25 من سبتمبر سنة 1969 صدر قرار السيد وزير الرى رقم 1047 لسنة 1969 بمد مدة تكليفه لمدة سنتين آخريين، ثم صدر قرار السيد وكيل وزارة الرى رقم 1129 لسنة 1971 بتعيينه فى وظيفة مهندس من الدرجة السابعة التخصصية لمدة سنة تحت الاختبار بتفتيش عام الصرف بالوجه القبلى اعتبارا من تاريخ صدور هذا القرار فى 20 من ابريل سنة 1971 وفى 24 من يولية سنة 1974 انتدب للعمل بالإدارة العامة لمشروعات الصرف بالمنيا واستلم عمله بها فى 17 من أغسطس سنة 1974، ثم انقطع عن عمله بها اعتبارا من 3 من ديسمبر سنة 1977، وقدم استقالة مؤرخة فى 10 من ديسمبر سنة 1977.
ومن حيث ان القانون رقم 54 لسنة 1976 فى شأن المهندسين المصريين خريجى الجامعات والمعاهد المصرية الذى عمل به اعتبارا من نشره فى 24 من يونية سنة 1976 قد قضى فى المادة الثالثة منه بأن يحظر على المهندسين المشار اليهم فى المادة الأولى الامتناع عن تأدية أعمال وظائفهم لمدة ست سنوات تبدأ من تاريخ استلامهم العمل ما لم تنته خدمتهم بأحد الأسباب المنصوص عليها فى المادة 70 من القانون رقم 58 لسنة 1971 باصدار نظام العاملين المدنيين بالدولة والمادة 64 من القانون رقم 61 لسنة 1971 باصدار نظام العاملين بالقطاع العام، وذلك فيما عدا الاستقالة سواء أكانت صريحة أو ضمنية فتعتبر كأن لم تكن. ومع ذلك يجوز للوزير المختص أو من يفوضه فى ذلك قبول الاستقالة اذا وجد من الأسباب ما يبرر ذلك ويسرى الحكم المتقدم على المهندسين المعينين والمكلفين بأجهزة الحكومة والقطاع العام وقت العمل بأحكام القانون رقم 54 لسنة 1976 والمعنى المتبادر من هذا النص أن المشرع ارتأى الزام المهندسين المكلفين والمعينين بالحكومة وبالقطاع العام وقت العمل بالقانون رقم 54 لسنة 1976 المذكور القيام بأعباء وظائفهم وعدم جواز الامتناع عن أداء واجباتهم لمدة حددها بست سنوات فقط تبدأ من تاريخ استلامهم العمل ما لم تنته خدمتهم لأحد الأسباب التى عينها القانون، وأطلق لهم بذلك بعد انقضاء هذه السنوات الست الحق فى الامتناع عن أعمال وظائفهم واذ أباح المشرع على ما تقدم للمهندسين الحق فى الامتناع عن تأدية أعمال وظائفهم بعد انقضاء السنوات الست المشار اليها دون تطلب موافقة جهة العمل وكانت اباحة الامتناع عن أداء أعباء الوظيفة باطلاق ليست فحسب وجها من أوجه إنهاء الخدمة وصورة من صورها وانما هى أيضا أثر من آثار انهاء الخدمة وفرع منه يرتبطان معا ارتباط النتيجة بالسبب فان مؤدى ذلك ولازمه اعتبار خدمة هؤلاء المهندسين منتهية حتما وبقوة القانون بمجرد امتناعهم عن العمل ولا يقتضى الأمر والحال كذلك صدور قرار من السلطة الرئاسية التى يتبعها المهندس بانهاء خدمته اذ لا يعدو مثل هذا القرار فى حالة صدوره أن يكون اجراءا تنفيذيا كاشفا لمركز قانونى تحققه فعلا نتيجة امتناع المهندس عن أداء أعمال وظيفته وليس منشئا له. ولقد تجلت إرادة المشرع فى الأخذ بهذا النظر فيها أفصحت عنه الأعمال التحضيرية لهذا القانون فقد ذهبت المذكرة الايضاحية لمشروع القانون الذى تقدمت به الحكومة الى أن بعض الوزارات استغلت قانون تكليف المهندسين فيما قضى به من تكليف المهندسين لمدة عامين قابلة للتجديد ومنع المهندسين حتى الدرجة الثالثة من الاستقالة فقيدت حرية المهندسين العاملين بها وجددت أوامر تكليفهم بصفة أبدية ومنعتهم من العمل فى مجال تخصصهم مما كان له أسوأ الأثر على الانتاج وعزوف البعض عن العمل الجاد، الأمر الذى دأب بسببه المهندسون على الشكوى من تقييد حرياتهم فى وقت كفلت فيه الحريات لجميع فئات الشعب لذلك فقد لزم إصدار تشريع جديد يكفل بعض الحرية للمهندسين دون الاضرار بالصالح العام كما ضمنت لجنة القوى العاملة بمجلس الشعب تقريرها فى شأن هذا المشروع أنها رأت عند مناقشة تعديل بعض مواده ليتمشى مع الصالح العام ولتحقيق أكبر قدر من الحرية للمهندسين ومن هذا المنطلق رأت اللجنة المساواة بين المهندسين المعينين والمكلفين فأضافت الى المادة الثالثة من مشروع الحكومة أن يسرى حكمها على المهندسين المعينين والمكلفين بأجهزة الحكومة والقطاع العام وقت العمل بأحكام هذا القانون. كما رأت اللجنة الغاء المادة الخامسة التى وردت فى المشروع المقدم من الحكومة والتى كانت تقضى بأن يرفع التكليف عن المهندس الذى يمضى على تكليفه ثمانى سنوات - والتى خفضتها اللجنة الى ست سنوات - من بدء تكليفه فى الحكومة والقطاع العام ما لم يوافق على التعيين خلال هذه المدة وقد أخذ مجلس الشعب بما انتهت اليه اللجنة وبه صدر القانون ومفاد هذا الالغاء أن انهاء تكليف المهندس بعد انقضاء مدة تكليفه وهى ست سنوات لم يعد معلقا على ثمة اجراء لرفعه بل يتم بحكم القانون بمجرد افصاح المهندس صراحة أو ضمنا عن رغبته فى هجر عمله، وذلك دون ثمة ترخص أو تدخل من جانب السلطة الرئاسية فى هذا الشأن وقد عبر السيد مقرر اللجنة بصراحة عن هذا الاتجاه أمام مجلس الشعب فيما قال به من أن مشروع القانون يهدف الى أن لا تمتد أوامر التكليف الا لمدة أقصاها ست سنوات يستطيع المهندس بعد انقضائها أن يكون متحررا من أمر التكليف وتحرر المهندس المكلف من الخدمة على هذا النحو والذى لم يعد مقصورا على المهندس المكلف بل التزاما بحكم الفقرة الأخيرة التى أضافتها اللجنة للمادة المذكورة يتأبى مع أى قيد يضيق من نطاقه، ويحد من اطلاقه. وبهذه المثابة لا يسوغ الرجوع بالنسبة للمهندسين الى القيود التى نص عليها قانون العاملين بالدولة أو قانون العاملين بالقطاع العام فى شأن قبول الاستقالة التى نصت عليها نظم العاملين وتتعارض معها ولو كان المشرع اتجهت ارادته الى غير ذلك لاكتفى بالنص على سريان القواعد العامة الخاصة بالعاملين المدنيين بالدولة أو القطاع العام حسب الأحوال على المهندسين بعد انقضاء ست سنوات على خدمتهم.
ومن حيث ان الثابت على ما سلف ان المهندس........ كان قد كلف للعمل بمشروعات رى أسيوط اعتبارا من 7 من ديسمبر سنة 1968 وظل يعمل بها حتى انقطع عن عمله اعتبارا من 3 من ديسمبر سنة 1977 ثم قدم استقالة مؤرخة فى 10 من ديسمبر سنة 1977 ومن ثم فقد كان من تاريخ انقطاعه عن العمل من المخاطبين بأحكام القانون رقم 54 لسنة 1976 المشار اليه واذا كان قد أتم فى الخدمة مدة تزيد على ست سنوات حين انقطع عن ممارسة عمله وتقدمه باستقالته فانه بذلك يكون قد أفصح عن رغبته فى عدم الاستمرار فى الخدمة وبالتالى تعتبر خدمته منتهية على التفصيل السابق بحكم القانون اعتبارا من تاريخ انقطاعه وبالتالى لا يشكل هذا الانقطاع ثمة مخالفة يمكن مسألته عنها. وبناء عليه تكون المخالفة المنسوبة إليه غير قائمة على أساس سليم من الواقع والقانون. ويتعين لذلك براءته منها. واذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب وانتهى الى ادانته عن المخالفة المذكورة وقضى بمجازاته عنها بالفصل من الخدمة فانه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تأويله وتطبيقه.
ومن حيث انه ولئن كان المهندس....... قد ارتضى الحكم المطعون فيه ولم يطعن فيه وكان الطعن الماثل قد أقامته وزارة الرى وطلبت فيه مجازاة المذكور بعقوبة أخرى غير عقوبة الفصل تأسيسا على أن المخالفة المنسوبة اليه ثابتة فى حقه الا أنه وقد تبين - على ما سلف ذكره - براءة المذكور من تلك المخالفة فقد تعين القضاء ببراءته وفقا لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الطعن فى الأحكام التأديبية الصادرة فى الدعاوى التأديبية سواء أكان مقاما من النيابة الادارية أم من السلطات الادارية التى عينها القانون - قانون مجلس الدولة - يتيح للمحكمة الادارية العليا أن تؤيد الحكم المطعون فيه أو تلغيه أو تعدله سواء ضد المتهم أو لمصلحته وذلك استهداء بأحكام قانون الاجراءات الجنائية التى تتسق مع المحاكمات التأديبية باعتبار أن كلا من المحاكمات الجنائية والتأديبية تستهدف تطبيق شريعة العقاب كل فى مجاله وانه ليس من المصلحة العامة فى شئ أن يحكم على برئ بالادانة اذا ما تكشفت أسبابه براءته.
ومن حيث أنه لما كان الأمر كما تقدم فقد تعين القضاء بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وببراءة المطعون ضده مما نسب إليه.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وببراءة المطعون ضده مما نسب إليه.