مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) - صـ 315

جلسة 22 فبراير سنة 1934

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك ومحمد نور بك المستشارين.

(164)
القضية رقم 49 سنة 3 القضائية

( أ ) موظف: العاهة المستديمة التى تجعل الموظف مستحقا للمكافأة. ماهيتها.
(ب) قرار القومسيون عدم لياقة الموظف للخدمة. سببه نقص فى قوّة إبصاره. النقص غير مترتب على حادث أصابه بسبب العمل. المكافأة التى يستحقها الموظف.
(المادة 13 من لائحة مستخدمى المجالس البلدية والمادتان 12 و21 من لائحة المعاشات الملكية الصادرة فى 15 أبريل سنة 1905)
1 - المقصود بالعاهة المستديمة التى يصاب بها المستخدم التابع للمجالس البلدية فتجعله مستحقا للمكافأة المنصوص عليها فى الفقرة الثانية من المادة 13 من لائحة مستخدمى المجالس البلدية هى العاهة المستديمة التى تحدث له بسبب أعمال وظيفته، كما تدل على ذلك المادتان 12 و21 من لائحة المعاشات الملكية الصادرة فى 15 أبريل سنة 1905.
2 - إذا قرّر القومسيون الطبى عدم صلاحية مستخدم للخدمة بسبب نقص فى قوّة إبصاره، غير مترتب على حادث أصابه بسبب أعمال وظيفته، فانه لا يكون مستحقا إلا للمكافأة المنوّه عنها بالفقرة الأولى من المادة 13 من لائحة المجالس البلدية.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - حسب الوارد بالحكم المطعون فيه والمذكرات والمستندات المودعة فى ملف الطعن - فى أن عبد العزيز محمد أفندى بتاريخ 22 يونيه سنة 1930 رفع دعوى أمام محكمة اسكندرية الأهلية تقيدت تحت رقم 624 سنة 1930 ضدّ مجلس مديرية البحيرة ووزارتى الداخلية والمالية قال فيها إنه تعين فى سنة 1903 فى ورشة مصر الصناعية بصفة معلم سروجية، ثم نقل فى سنة 1908 رئيسا لورشة السروجية بمدرسة الفيوم الصناعية، ثم نقل فى سنة 1909 لمدرسة دمنهور الصناعية رئيسا لورشتها الصناعية. وبسبب مرض أصابه فى عينيه قرّر القومسيون الطبى فى 25 فبراير سنة 1926 عدم لياقته للخدمة، فقرّر مجلس المديرية، اعتمادا على هذا القرار، فصله من الخدمة فى 11 مارس سنة 1926 وطلب إليه تسليم ما بعهدته دون أن يقدّر له مكافأة عن مدّة خدمته ولا سلمه شهادة خلو طرف، لذلك يطلب الحكم على المدّعى عليهم بأن يدفعوا له مبلغ 965 جنيها: من ذلك مبلغ 302 جنيه مكافأة له عن مدّة خدمته من سنة 1903 لغاية 11 مارس سنة 1926 باعتبار مرتب شهر عن كل سنة من سنى خدمته ومبلغ 663 جنيها قيمة مرتبه عن المدّة من أوّل مارس سنة 1926 لغاية أوّل يونيه سنة 1930 وما يستجد من هذا المرتب لغاية تسليم شهادة خلو طرفه من الخدمة مع إعطائه شهادة خلو طرف والمصاريف والأتعاب مع النفاذ.
وبتاريخ 25 أبريل سنة 1931 حكمت المحكمة الابتدائية حضوريا برفض دعوى المدّعى فيما زاد عن مبلغ 31 جنيها و495 مليما مع إلزامه بالمصاريف وأمرت بالمقاصة فى أتعاب المحاماة، لأن لائحة المستخدمين لمجلس مديرية البحيرة لا تسمح باعطاء مكافأة للمدّعى أكثر من مرتب ثلاثة أشهر عرضها المجلس عليه بعد خصم ما بعهدته، ولأنه المتسبب فى عدم إعطائه شهادة خلو الطرف لأنه لم يتقدّم للمجلس ويقدّم ما بعهدته.
فاستأنف عبد العزيز أفندى الحكم فى 5 أكتوبر سنة 1932 طالبا قبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المستأنف والحكم له بطلباته الأصلية. وفى 29 مارس سنة 1933 حكم استئنافيا بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف وإلزام المستأنف عليهم متضامنين بأن يدفعوا للمستأنف مبلغ 96 جنيها و688 مليما والمصاريف المناسبة عن الدرجتين. أعلن هذا الحكم للمجلس فى 2 مايو سنة 1933 فطعن فيه بطريق النقض فى أوّل يونيه سنة 1933 ثم أعلن تقرير الطعن وقدّمت المذكرات والمستندات من طرفى الخصومة فى المواعيد القانونية وقدّمت النيابة مذكرتها فى 14 نوفمبر سنة 1933.
وبجلسة يوم الخميس الموافق 7 ديسمبر سنة 1933 المحدّدة لنظر هذا الطعن كلفت المحكمة طرفى الخصومة والنيابة بتقديم مذكرة تكميلية عن المقصود من الإصابة التى تؤدّى إلى العاهة المستديمة وأجلت الدعوى لجلسة أوّل فبراير سنة 1934 وقدّمت المذكرات.
وبالجلسة المذكورة صمم كل من طرفى الخصومة والنيابة على ما جاء بمذكراته، ثم أجل النطق بالحكم لجلسة 8 فبراير سنة 1934 ومنها لجلسة اليوم لعدم إتمام المداولة.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
بما أن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وبما أن الطعن بنى على وجهين محصلهما أن المحكمة قد أخطأت فى تطبيق المادة الثالثة عشرة من لائحة المستخدمين لمجلس مديرية البحيرة المعدّلة بقرار مجلس المديرية الصادرة فى 16 يناير سنة 1918. ومظهر ذلك أنها قضت باستحقاق موظف المجلس الذى يحال على المعاش، لأن القومسيون الطبى قرّر عدم صلاحيته للخدمة، مكافأة، وطبقت عليه الفقرة الثانية من المادة المذكورة بدل الأولى مع أن نص تلك المادة صريح فى "أنه ليس لموظفى المجلس الحق فى طلب معاش أو مكافأة من المجلس عن المدّة التى أمضوها فى خدمته. إنما للمجلس الحق فى أن يمنح مكافأة للمستخدم الذى يرفت من وظيفته بسبب غير الاختلاس أو سوء السلوك ولمن يثبت صحيا بمعرفة قومسيون طبى الحكومة أنه غير قادر على العمل..... وهذه المكافأة تكون معادلة لمرتب نصف شهر عن كل سنة من مدّة خدمة المستخدم بشرط أن لا تزيد المكافأة المذكورة فى أى حال من الأحوال عن مرتب ثلاثة أشهر.
أما إذا أصيب المستخدم بعاهة مستديمة وثبت بمعرفة قومسيون طبى الحكومة أنها تمنعه عن الكسب.... وكانت العاهة بسبب أعمال وظيفته فيجوز فى هذه الحالة أن تصرف له مكافأة لا تقل عن مرتب شهر واحد ولا تزيد عن مائة جنيه مهما كانت مدّة خدمته". فالخطأ الأوّل أن الحكم جعل المكافأة حقا للموظف على خلاف صريح النص الدال على أنها منحة من حق المجلس أن يعطيها أو لا يعطيها. والخطأ الثانى أن حالة المدّعى عليه فى الطعن تنطبق على الفقرة الأولى؛ وعلى فرض انطباقها على الفقرة الثانية فان المكافأة التى للمجلس حق منحها له تدور بين مرتب شهر على الأقل وماية جنيه على الأكثر، فاذا قدّر له المجلس مرتب ثلاثة أشهر يكون فى حدود سلطته، ولا يجوز للمحكمة أن تقدّر له أكثر من ذلك بما أنه ليس حقا بل منحة.
وبما أنه لا محل لبحث ما إذا كانت المكافأة حقا للموظف أو منحة، للمجلس أن يعطيها أو لا يعطيها حسب إرادته، ما دام المجلس قد قرّر إعطاء عبد العزيز أفندى محمد مكافأة بعد الاستغناء عنه لعدم صلاحيته للخدمة.
وبما أن الخلاف بين المجلس وعبد العزيز أفندى محمد أصبح منحصرا فى هل حالته تنطبق على الفقرة الأولى من المادة 13 من اللائحة كما يقول المجلس أو الثانية كما يقول عبد العزيز أفندى ومحكمة الاستئناف معه.
وبما أن نص الفقرة الأولى من المادة 13 من لائحة مجلس مديرية البحيرة هو: "تمنح مكافأة... لمن يثبت صحيا بمعرفة قومسيون طبى الحكومة أنه غير قادر على العمل........".
ونص الفقرة الثانية منها هو: "أما إذا أصيب المستخدم بعاهة مستديمة وثبت بمعرفة قومسيون طبى الحكومة أنها تمنعه عن الكسب وكانت العاهة بسبب أعمال وظيفته........".
وبما أن المقارنة بين النصين تدل بوضوح على أن غرض المشرع من الفقرة الأولى صيرورة المستخدم غير قادر على العمل ولو لم يكن به عاهة مستديمة بسبب السنّ أو بسبب مرض عادى. أما الفقرة الثانية فواضح من عبارة "أصيب" أن العاهة التى لحقته هى نتيجة حادث (Accident) بسبب أعمال وظيفته، كأن أصيب ببتر ذراعه بسبب إصابته أثناء إدارة مكنة نجارة أو حدادة أو بفقد نظره نتيجة إصابة من مكنة يشتغل بها، بدليل أن المكافأة فى الحالة الأولى عادية وتختلف باختلاف مدّة خدمته بحيث لا تزيد عن مرتب ثلاثة أشهر للموظف مهما طالت مدّته، والمكافأة فى الحالة الثانية لا تقل عن مرتب شهر ولا تزيد عن مائة جنيه بقطع النظر عن مدّة الخدمة، إذ ملحوظ فى المكافأة الثانية أنها استثنائية والغرض منها تعويض الضرر الذى أصابه من الحادث الناتج من أعمال وظيفته.
وبما أن الذى يؤيد أن المقصود من الإصابة بعاهة مستديمة هو الإصابة بسبب حادث (Accident) أن لائحة مجلس المديرية صدّق عليها فى سنة 1913، ولا بدّ أن يكون المجلس قد رجع فى المادة 13 منها إلى قانون المعاشات الملكية الصادر فى 15 أبريل سنة 1909. فقد قسمت المادة 12 منه المعاشات والمكافآت إلى ستة أنواع، الثالث منها المكافآت الممنوحة بسبب عاهات أو أمراض، والسادس المكافآت الاستثنائية. وبينت المادة 21 منه الفقرة الثالثة "بأن كل موظف أو مستخدم أصبح غير قادر على خدمة الحكومة بسبب عاهات أو أمراض أصابته فى أثناء خدمته". وبينت المادة 33 من القانون المذكور أن المكافآت الاستثنائية تمنح للموظفين الذين يصبحون غير قادرين على الخدمة بسبب حوادث قد نشأت عن أعمال وظيفتهم، وجاءت المادة 34 منه مبينة أن القصد من الحوادث هو ما يسمى (Accident).
وبما أنه متى ثبت أن الغرض من الفقرة الثانية من المادة 13 من اللائحة هو العاهات الناشئة عن حوادث عرضية نتجت فى أثناء قيام الموظف بعمله، وكان الثابت أن عدم صلاحية عبد العزيز أفندى محمد للخدمة بسبب مرض لا بسبب حادث فى العمل، فالفقرة الأولى تكون هى المنطبقة على حالته، وعليه يكون تطبيق الفقرة الثانية من المادة 13 على حالته خطأ، وتكون محكمة الاستئناف قد أخطأت فى تطبيق القانون، ويتعين قبول الطعن ونقض الحكم.
وبما أن الطاعنين طلبوا الحكم فى الموضوع والقضية صالحة للحكم لأن المجلس قرّر مكافأة لعبد العزيز أفندى محمد طبقا للفقرة الأولى من المادة 13 من لائحته وهى مرتب ثلاثة أشهر أى نهاية ما تسمح به الفقرة الأولى من المكافأة وقدرها 39 جنيها.
وبما أنه ثابت من الحكم المطعون فيه أن قيمة ما بعهدة عبد العزيز أفندى محمد للمجلس هو مبلغ 3 جنيهات و312 مليما يجب خصمه من المكافأة المستحقة له فيكون الباقى له من المكافأة هو مبلغ 35 جنيها و688 مليما. لهذا يجب تعديل الحكم الابتدائى إلى هذا المبلغ.