مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) - صـ 410

جلسة 31 مايو سنة 1934

برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك ومحمد نور بك المستشارين.

(187)
القضية رقم 89 سنة 3 القضائية

اختصاص. مناط اختصاص المحاكم الأهلية. نظرية الصالح المختلط. حدودها. شراء أجنبى جزءا من عقار متنازع عليه بين طرفين خاضعين للمحاكم الأهلية. عدم تأثيره فى اختصاص المحاكم الأهلية.
(المادتان 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية و13 من لائحة ترتيب المحاكم المختلطة)
إن مناط اختصاص المحاكم الأهلية وفقا للفقرتين الأولى والثانية من المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية المعدّلتين بالقانون رقم 27 لسنة 1929 إنما هو - بصفة مبدئية - كون خصوم الدعوى مصريين أو أجانب غير خاضعين للمحاكم المختلطة. فكلما تحققت هذه الصفة تحقق اختصاص المحاكم الأهلية. ويجب أن تثبت المحاكم الأهلية على التقرير باختصاصها كلما تحقق لها الاختصاص بالضابط المتقدّم ذكره وألا تقيم وزنا لنظرية الصالح المختلط إلا فى حدود المادة 13 من لائحة ترتيب المحاكم المختلطة. وإذن فشراء الأجنبى عقارا متنازعا فيه قضائيا بين طرفين خاضعين للمحاكم الأهلية لا يكون سببا لتخلى المحكمة الأهلية - المختصة أصلا بنظر الدعوى - عن نظرها. والحكم الذى تصدره المحكمة الأهلية فى مثل هذه الحالة يكون حجة على من يخلف أحد طرفى الخصومة أثناء قيامها، أجنبيا كان أو غير أجنبى.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى، بحسب ما هو واضح فى الحكم المطعون فيه وباقى الأوراق والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة، فى أن وزارة الأوقاف رفعت الدعوى رقم 175 سنة 1925 أمام محكمة دمنهور الجزئية الأهلية ضدّ سالم أفندى كتات طلبت فيها الحكم بتبعية 2 متر و80 سنتيا المبينة الحدود والمعالم بعريضة الدعوى إلى وقف سيدى هواش وتسليمها للوزارة مع إلزام سالم أفندى كتات المذكور بدفع مبلغ 60 جنيها و854 مليما قيمة ريع الجزء المغتصب والتعويض نظير فتح الباب من تاريخ الاغتصاب لغاية يوليه سنة 1924 بواقع جنيه و14 مليما لغاية التسليم والنفاذ، فقضت المحكمة المذكورة بتاريخ 12 ديسمبر سنة 1931 بتبعية 2 متر و80 سنتيمترا إلى وقف سيدى هواش وكف منازعة المطعون ضدّه فيها وتسليمها للوزارة مع إلزامه بدفع مبلغ 30 جنيها و840 مليما قيمة ريع الجزء المغتصب لغاية 5 يوليه سنة 1924 مع ما يستجد بواقع 514 مليما شهريا مع التسليم والمصاريف والأتعاب والنفاذ.
فاستأنف سالم أفندى كتات هذا الحكم أمام محكمة اسكندرية الابتدائية الأهلية بالاستئناف رقم 89 سنة 1933 وطلب الحكم بقبول استئنافه شكلا وفى الموضوع أصليا بعدم اختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى واحتياطيا برفض دعوى الوزارة مع إلزامها بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين.
وبتاريخ 17 مايو سنة 1933 قضت المحكمة المشار إليها آنفا بقبول الاستئناف شكلا وبعدم اختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى وألزمت وزارة الأوقاف بالمصاريف ومائتى قرش أتعابا للمحاماة.
أعلن هذا الحكم لوزارة الأوقاف فى 30 أغسطس سنة 1933 فطعنت فيه بطريق النقض فى 26 سبتمبر سنة 1933 وأعلن تقرير الطعن للمدعى عليه فى 3 أكتوبر سنة 1933، وقدّمت الطاعنة مذكرتها الكتابية فى الميعاد القانونى ولم يقدّم المطعون ضده شيئا مّا، وقدّمت النيابة مذكرتها فى 26 أبريل سنة 1934.
وبجلسة يوم الخميس 17 مايو سنة 1934 المحدّدة لنظر هذا الطعن سمعت المحكمة الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم تأجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن مبنى هذا الطعن هو أن المحكمة الاستئنافية إذ حكمت بعدم اختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى لوجود صالح أجنبى فيها قد أخطأت فى تطبيق القانون لأن المادة 15 من لائحة ترتيبها تقضى باختصاصها بنظر كافة الدعاوى التى ترفع بين وطنيين. على أنه فوق كون ذلك الصالح الأجنبى المزعوم لا يؤثر على اختصاص المحاكم الأهلية بنظر هذه الدعوى فانه لم يوجد إلا فى سنة 1928 أى بعد رفعها بأربع سنوات، ولذلك يكون القضاء بعدم اختصاص المحاكم الأهلية فى غير محله.
وحيث إنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه وأوراق الدعوى اتضح أن وزارة الأوقاف رفعت هذه الدعوى فى سنة 1925 على المطعون ضدّه أمام محكمة دمنهور الجزئية لاغتصابه 2 متر و80 سنتيا وطلبت فيها تثبيت ملكية وقف سيدى هواش الذى فى نظارتها للقدر المذكور والتسليم والريع. وبعد أن سارت القضية ردحا من الزمن ندبت المحكمة فى أثنائه خبراء لتطبيق مستندات الخصوم، وبعد أن قدّم الخبراء تقريرهم، جاء المطعون ضدّه فدفع بعدم اختصاص المحكمة لأن الجزء المتنازع فيه داخل ضمن حدود أرضه المقام عليها وابور حليج امتلك بنك الخصم والتوفير الإيطالى التبعية النصف فيه شائعا بموجب حكم مرسى مزاد من المحكمة المختلطة بتاريخ 18 أبريل سنة 1928.
وبما أنه قد سبق لهذه المحكمة أن قضت بحكمها الصادر بتاريخ 10 مايو سنة 1934 فى الطعن المقيد بجدولها رقم 90 سنة 3 قضائية بأن مناط اختصاص المحاكم الأهلية طبقا للفقرتين الأولى والثانية من المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية المعدّلتين بالقانون رقم 27 سنة 1929 إنما هو - بصفة مبدئية - كون خصوم الدعوى مصريين أو أجانب غير خاضعين للمحاكم المختلطة، فكلما تحققت هذه الصفة تحقق اختصاص المحاكم الأهلية، وأن الواجب أن تثبت المحاكم الأهلية على التقرير باختصاصها كلما تحقق لها الاختصاص بالضابط المتقدّم ذكره وألا تقيم وزنا لنظرية الصالح المختلط إلا فى حدود المادة 13 من لائحة ترتيب المحاكم المختلطة التى تنص على أن مجرّد إنشاء رهن عقارى لمنفعة أحد الأجانب أيا كان واضع اليد أو المالك يجعل المحاكم المختلطة مختصة بالنظر فى صحة الرهن وفى جميع ما يترتب عليه.
ومن حيث إن الدعوى الحالية نشأت بين طرفين مصريين خاضعين للمحاكم الأهلية وسارت مدّة طويلة أمامها وندبت المحكمة فى أثنائها خبراء للتثبت من صحة الدعوى وعدم صحتها؛ وبعد أن قدّم الخبراء تقريرهم دفع المطعون ضّده بعدم اختصاص المحكمة الأهلية بنظر الدعوى لوجود صالح أجنبى فيها ناشئ من أن بنك الخصم والتوفير امتلك النصف شائعا فى وابور الحلاجة القائم على الأرض التى فيها موضوع النزاع.
وحيث إن شراء الأجنبى لجزء من العقار الداخل فيه موضوع النزاع بين الطرفين لا يكون سببا لتخلى المحكمة الأهلية - المختصة أصلا بنظر الدعوى - عن نظرها لأن مثل هذه الحالة لا تدخل فى حدود المادة 13 من لائحة ترتيب المحاكم المختلطة السالفة الذكر. وفضلا عن ذلك فان امتلاك الأجنبى للجزء المذكور أثناء قيام النزاع بين وزارة الأوقاف والمطعون ضدّه لدى المحكمة الأهلية لا يؤثر مطلقا على اختصاص هذه المحكمة، بل إن المبادئ القانونية العامة تقضى بأن لا تأبه المحكمة لهذا التصرف وبأن تستمر فى نظر الدعوى وبأن الحكم الذى تصدره فى مثل هذه الحالة يكون حجة على من يخلف أحد طرفى الخصومة أثناء قيامها أجنبيا كان أو غير أجنبى. ولو كان الأمر بخلاف ذلك لأمكن لكل مصرى ترفع عليه دعوى أمام المحكمة الأهلية التابع هو لها - عند ما ييأس من كسب دعواه - أن يحتال على سلب هذا الاختصاص منها بأن يبيع جزءا من العين موضوع الدعوى لأجنبى ليتذرّع بعد ذلك بالدفع بعدم اختصاص المحكمة لوجود صالح أجنبى فى الدعوى؛ وهذا أمر غير مقبول قانونا، بل الواجب مبدئيا فى مثل هذه الأحوال أن تبقى المحكمة الأهلية مختصة بنظر الدعوى وأن يكون حكمها الصادر بين مصريين واجب الاحترام. هذا هو الحق بصفة نظرية مبدئية. أما أن يكون هذا الحكم غير مأخوذ به فى العمل فهذا أمر آخر لا شأن للمحاكم الأهلية به.
وحيث مما تقدّم تكون المحكمة الاستئنافية بقضائها بعدم اختصاص المحاكم الأهلية بنظر هذه الدعوى اعتمادا على وجود صالح أجنبى طارئ على الدعوى قد أخطأت فى تطبيق القانون مما يجعل حكمها هذا متعين النقض.