مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1965 الى آخر مايو سنة 1965) - صـ 1405

(127)
جلسة 22 من مايو 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد شلبى يوسف وعادل عزيز وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدى المستشارين.

القضية رقم 439 لسنة 7 القضائية

أ - موظف - بدل سفر - اوضاع استحقاق بدل السفر - حكمة تقريره - الأصل فى منحه انه لا يجوز أن يكون مصدر ربح للموظف أو المستخدم.
ب - موظف - بدل سفر - تأديب - مخالفة القواعد والاحكام المنصوص عليها بلائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال - يستوجب انزال الجزاء التأديبى - مثال قبض الموظف بدل سفر عن أيام لم يؤد فيها عملا للدولة أو عن أيام لم يقضها فى استراحة الحكومة فى حين ثبت يقينا أنها لم تكن مشغولة.
1 - حددت لائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال الصادر بها القرار الجمهورى رقم 41 فى يناير سنة 1958، فى مادتها الأولى بدل السفر بأنه الراتب الذى يمنح للموظف مقابل النفقات الضرورية التى يتحملها بسبب تغيبه عن الجهة التى يوجد بها مقر عمله الرسمى فى الاحوال المنصوص عليها فى اللائحة وجاء فى المذكرة المرفوعة الى السيد رئيس الجمهورية من وزير المالية والاقتصاد ان المادة (55) من قانون نظام الموظفين تنص على ان للموظف الحق فى استرداد المصروفات التى يتكبدها فى سبيل الانتقال لتأدية مهمة حكومية، وله الحق فى راتب بدل سفر يقابل النفقات الضرورية التى يتحملها بسبب تغيبه عن الجهة التى يوجد بها مقر عمله الرسمى، وذلك على الوجه وبالشروط والاوضاع التى يصدر بها قرار مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية والاقتصاد بعد أخذ رأى ديوان الموظفين.
وجاء فى المادة الثالثة من اللائحة انه: (يخفض بدل السفر بمقدار الربع فى حالة الاقامة بمنزل مما اعدته الحكومة أو سلطة أو هيئة محلية واستراحات البنوك والشركات، ويدخل فى مدلول عبارة (منازل الحكومة) عربات السكك الحديدية التابعة لسكك حديد الحكومة والخيام والبواخر وكل ما عداها مما تكون الحكومة مالكة أو مستأجرة لها).
وفى المادة الرابعة من هذه اللائحة: (على الموظف أن ينزل أثناء المهمة التى يندب لها فى استراحة الوزارة أو المصلحة التى يتبعها كلما أمكن ذلك، وفى الأحوال التى تكون فيها الاستراحات مشغولة يجب عند تقديم استمارة بدل السفر أن يقرر بها الموظف أن الاستراحة لم تكن خالية). ومفاد ذلك أن الحكمة من تقرير بدل السفر هى خدمة الدولة. والبدل يقابل المصاريف الفعلية والضرورية التى يصرفها الموظف فى سبيل أداء واجبه الوظيفى والأصل فى منح هذا البدل أنه لا يجوز أن يكون مصدر ربح للموظف أو المستخدم.
2 - ان الوظيفة العامة تكليف للقائمين بها، يساهمون عن طريقها فى تسيير جهاز الدولة مستهدفين فى أدائهم أعمال وظائفهم خدمة الشعب. وقد نصت المادة 52 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة على أن (الوظائف العامة تكليف للقائمين بها، هدفها خدمة المواطنين تحقيقا للمصلحة العامة طبقا للقوانين واللوائح والنظم المعمول بها.) وجاء فى المادة (55) منه أنه يجب على العامل مراعاة الأحكام المالية المعمول بها ويحظر عليه مخالفة القواعد والأحكام المالية المنصوص عليها فى القوانين كما يحظر عليه مخالفة القوانين واللوائح الخاصة بالمناقصات والمزايدات والمخازن والمشتريات وكافة القواعد المالية - وهنا تدخل ولا شك لائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال الصادر بها القرار الجمهورى رقم (41) لسنة 1958 - فكل عامل يخالف الواجبات المنصوص عليها فى هذا القانون أو يخرج على مقتضى الواجب فى أعمال وظيفته أو يظهر بمظهر من شأنه الاخلال بكرامة الوظيفة يعاقب تأديبا. والأخطاء التأديبية قد ترتكب أثناء أداء الوظيفة أو بمناسبة أدائها، وذلك بمخالفة ما تفرضه من واجبات ايجابية أو نواه، يستوى فى ذلك أن ترد هذه الواجبات أو النواهى فى نصوص صريحة أو أن تفرضها طبيعة العمل الوظيفى ذاته. ولا شك انه مما يتنافى مع الأمانة فى أداء العمل ويؤدى الى المسئولية أن يسئ العامل استعمال وظيفته أو ندبه، كما فعل الطاعن فى الطعن الراهن، فيسخر الانتداب لصالحه الخاص ويستحل لنفسه أن يقبل قروشا من خزانة الدولة باسم بدل السفر عن أيام أو ليال لم يؤد فيها عملا للدولة أو عن ليال لم يقضها فى استراحة الحكومة فى حين أنه ثبت يقينا أنها لم تكن مشغولة يوم أن قبض عنها بدلا كاملا، للدولة فيه الربع، وان كان يسيرا. ولقد فات الطاعن أن المشرع قد قدر أنه ليس من المصلحة ترك المكافآت أو بدل السفر الذى يحصل عليه العامل المنتدب دون ضابط أو رابط، فوضع لذلك شروطا وقيودا وحدودا قصوى لا يجوز اغفالها أو التجاوز عنها، قاصدا من ذلك، لا فحسب، الحرص على أموال الخزانة من البعثرة والضياع، وانما أيضا تخفيف حدة التكاليف، التى تئن اليوم الدولة منها، على الأعمال الاضافية والانتدابات وما ينجم عنها حتما من نقص الانتاج فى العمل الأصلى، وهو ما أخذته النيابة الادارية على الطاعن فى مستهل تحقيقاتها معه، وضعف القيم الخلقية لدى العاملين. ومن آيات ذلك الضعف، تلك الشراهة البادية فى جميع الأجور الاضافية وتحصيل المكافآت والتهالك على بدل السفر ولو أدى ذلك الى التحايل على أحكام اللوائح والأغراض فى تأويل النصوص.


اجراءات الطعن

فى 29 من ديسمبر سنة 1960 أودع السيد المحامى عن على ابراهيم السوهاجى سكرتيرية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم (439) لسنة 7 القضائية فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لموظفى وزارة الخزانة والاقتصاد والصناعة والزراعة والتموين بجلسة 30 من أكتوبر سنة 1960 فى الدعوى التأديبية المقيدة بالسجل العام برقم (105) لسنة 2 القضائية المقدمة من النيابة الادارية ضد على ابراهيم السوهاجى، مفتش المالية بمصلحة الأموال المقررة من الدرجة الرابعة، والذى قضى: (بمجازاة الموظف المتهم على ابراهيم السوهاجى، بخصم شهر من مرتبه). وطلب السيد المحامى عن الطاعن للأسباب التى أستند اليها فى تقرير طعنه: (الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه وببراءة الطاعن من التهم المسندة اليه.). وقد أعلن هذا الطعن الى النيابة الادارية فى 18 من يناير سنة 1961 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 19 من أكتوبر سنة 1963 وفيها طلب الحاضر عن الطاعن التأجيل لحين ضم المفردات وطلب الحاضر عن الحكومة رفض الطعن وبجلسة 14 من ديسمبر سنة 1963 طلب الطاعن التأجيل لضم ملف الخدمة وصممت الحكومة على رفض الطعن. وبجلسة 28 من ديسمبر سنة 1963 صممت الحكومة على طلب الحكم برفض الطعن، ولفتت دائرة فحص الطعون نظر من يهمه الأمر الى أن التحقيقات رقم (486) لسنة 1959 خزانة، موضوع المحاكمة التأديبية الخاص بهذا الطعن مرفقا بالجزء الرابع بملف الخدمة فى الطعن رقم (1316) لسنة 8 القضائية. وقال الحاضر عن الطاعن أمام دائرة فحص الطعون أن الاتهام الأول الخاص بحصول السوهاجى على بدل سفر عن (19) ليلة بدون وجه حق مردود بأنه قضى تلك الليالى فى الفيوم بعيدا عن مقر عمله الأصلى فى مدينة بنى سويف وانه كان منتدبا للعمل فى الفيوم وانه كان يقوم فعلا بالعمل فى تلك الليالى وبين هذه الـ (19) ليلة خمس ليالى (جمعة) فقط. والتعليمات تقضى أن يكون رئيس القسم المالى ووكيل القسم المالى والمفتش المالى فى مقر عملهم ولذلك فانه كان يخصص ثلاثة أيام من كل أسبوع لكل مدينة، وكان يهتم بمدينة الفيوم لأنها تحتاج الى عمل أكثر نظرا لخلوها من السيد رئيس القسم المالى الذى كان غائبا فكان الطاعن يضطر لذلك الى البقاء فى الفيوم، وقال فضلا عن ذلك أن استمارات بدل السفر لا بد من أن تعتمد من الجهات الادارية والحسابية والفنية حتى يتم الصرف. أما عن الاتهام الثانى وحاصله انه قبض بدل سفر كامل عن (51) يوما التى عمل فيها بمديرية الفيوم وكان يبيت فى منزله عند أسرته بالفيوم ولم يستعمل الاستراحة الحكومية فهذا الاتهام أيضا مردود بأن الموظف المنتدب له أن يبيت فى الاستراحة الحكومية اذا كانت خالية فعلا. وفى هذه الحالة يخصم منه ربع بدل السفر، وان لم تكن خالية فيصرف له بدل السفر كاملا. ويقول الطاعن أن الاستراحة لم تكن فى ذلك الوقت خالية وأن الموظف المختص أشر بذلك ووافق قلم الحسابات على صرف بدل السفر اليه بالكامل فأما عن الاتهام الثالث الخاص بأنه استعمل استمارة سكة حديد من بلدة (بوش) الى الفيوم لغير عمل مصلحى فمردود أيضا بأن الطاعن كان ببلدة (بوش) التابعة لمديرية بنى سويف وكان اليوم الثانى هو بداية عطلة عيد الأضحى، فقام من (بوش) الى الفيوم ليقضى عطلة العيد بين أسرته لأن الفيوم بلده ثم يستمر بعد ذلك بالفيوم فى الأيام التى خصصت للفيوم. ولكنه وجد أثناء عطلة العيد انه من الأفضل أن يعود عقب عطلة العيد الى بنى سويف لأن مدير القسم المالى فى اجازة لمدة أسبوع. ووجد وكيل القسم موجودا ببلدته أسيوط وقد لا يتمكن من الحضور ففضل العودة الى بنى سويف لأن القسم سوف يكون خاليا من الرؤساء وخلص الطاعن من دفاعه أمام دائرة فحص الطعون بطلب احالة طعنه الى المحكمة الادارية العليا لالغاء الحكم المطعون فيه والقضاء ببراءته مما هو منسوب اليه، وفى ختام تلك الجلسة (28/ 12/ 1963) قررت الدائرة احالة هذا الطعن الى الدائرة الأولى للمرافعة بجلسة أول فبراير سنة 1964 وفيها طلب الطاعن التأجيل لحضور محاميه الأصلى فقررت المحكمة التأجيل لجلسة 22 من فبراير سنة 1964 وفيها قررت المحكمة اصدار الحكم بجلسة 4 من أبريل سنة 1964 وعلى الحكومة تقديم دفتر الاستراحة الخاص بالليالى موضوع المحاكمة التأديبية. وبالجلسة المذكورة قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة 9 من مايو سنة 1964 لتنفيذ القرار السابق. وبالجلسة المذكورة قررت المحكمة اعادة الطعن الى المداولة وكلفت هيئة مفوضى الدولة بتقديم دفتر الاستراحة وكذلك ضم تحقيق النيابة الادارية فى الدعوى التأديبية رقم (486) لسنة 1959 خزانة، الخاصة بالمحاكمة التأديبية موضوع هذا الطعن. وبجلسة 6 من يونية سنة 1964 قررت المحكمة التأجيل بناء على طلب الطاعن للاطلاع على المستندات المقدمة من الحكومة بتلك الجلسة. وبجلسة 26 من ديسمبر سنة 1964 طلب الحاضر عن الطاعن التأجيل للاطلاع على التحقيقات والمستندات المقدمة أخيرا. وبجلسة 27 من فبراير سنة 1965 قال الحاضر عن الطاعن أن الليالى التى تقاضى عنها الطاعن بدل سفر ليست (19) يوما ولكنها فقط (5) ليالى قضاها بالفيوم للتفتيش على السينما من جهة ولضرورة بقائه الى جانب مدير القسم المالى بالفيوم وقد قدم الطاعن شهادة تثبت ذلك ثم استطرد الطاعن يقول ان الاستراحة سواء كانت مشغولة فعلا أم كانت خالية فلا مسئولية على الطاعن لأنه لا يد له فى هذا، فالموظف المختص هو الذى يتحقق من خلو الاستراحة ويدون ذلك على الاستمارة. ثم قررت المحكمة التأجيل لجلسة 10 من أبريل سنة 1965 لضم ملف الخدمة المرفق بالطعن رقم (1316) لسنة 8 أمام الدائرة الثانية بالمحكمة العليا وبجلسة أول مايو سنة 1965 قررت المحكمة ارجاء النطق بالحكم الى جلسة اليوم..


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق، وسماع الايضاحات، وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل فى أن النيابة الادارية أقامت الدعوى التأديبية رقم (105) لسنة 3 القضائية ضد على ابراهيم السوهاجى، مفتش المالية بمصلحة الأموال المقررة، من الدرجة الرابعة، وذلك بايداعها الأوراق سكرتيرية المحكمة التأديبية لموظفى وزارة الخزانة والاقتصاد فى 10 من مارس سنة 1960 وذلك لأنه، وفى المدة من 31/ 3/ 1959 الى 30/ 6/ 1959 حين كان منتدبا للعمل بمديرية الفيوم ارتكب المخالفات الآتية:
أولا - حصل بدون وجه حق على بدل سفر عن (19) ليلة.
ثانيا - حصل على بدل سفر كامل عن الايام التى عمل بها بمديرية الفيوم وقدرها (51 ليلة) مع أنه كان يبيت بمنزله الخاص، ولم يستعمل الاستراحة الحكومية.
ثالثا - استعمل استمارة سكة حديد حكومية من (بوش) الى الفيوم لغير عمل مصلحى، وذلك على النحو المبين بتحقيق النيابة الادارية فى القضية رقم (486) لسنة 1959 خزانة.
وبناء عليه يكون الموظف المذكور قد ارتكب المخالفات المنصوص عليها فى المواد 73، 82 مكرر، 83 من القانون رقم 210 لسنة 1951... وطلبت النيابة الادارية محاكمته بالتطبيق للمواد سالفة الذكر والمادة (31) من القانون رقم 117 لسنة 1958.
وتتحصل وقائع هذه الدعوى، حسبما جاء بكتاب مصلحة الأموال المقررة رقم 2/ 9/ 9 م 6 المؤرخ 29/ 7/ 1959 والأوراق المرفقة به فى انه نظرا لخلو وظائف مفتشى المالية ببعض المديريات، ومن بينها مديرية الفيوم، فقد انتدبت المصلحة، الطاعن (على ابراهيم السوهاجى) مفتش المالية بمديرية بنى سويف للقيام بأعمال مفتش المالية بهذه المديرية علاوة على عمله الاصلى بمديرية بنى سويف، وذلك اعتبارا من 21/ 3/ 1959 وقد تبين للمصلحة أن المفتش المذكور صرف بدل سفر عن (44) يوما فى المدة من 23/ 3/ 1959 الى 18/ 5/ 1959 وقد أجرت المصلحة تحقيقا معه انتهى الى مساءلته عن المخالفات الآتية:
(1) تأخير انجاز نصف المسائل التى أحيلت عليه فى المديريتين من 23/ 3/ 1959 لغاية 18/ 5/ 1959، وقد قرر انه انجزها بعد ذلك.
(2) عدم تقسيم أيام العمل بالتساوى بين المديريتين أو زيادة احداهما عن الأخرى بأيام معقولة فقد تبين أن معظم الليالى وأغلب الأيام قضاها بالفيوم.
(3) مسئول عن صرف (19) ليلة بدل سفر بدون وجه حق.
(4) بعد استبعاد الـ (19) ليلة التى صرفت بدون وجه حق، يبقى (51) ليلة صرف بدل سفر عنها بالكامل مع أنه كان يبيت بمنزله الخاص، ولم يستعمل الاستراحة، وبذلك أضيرت الحكومة بمقدار ربع بدل السفر عن تلك الليالى وقدرها (51) ليلة، أو على الاقل الليالى التى لم يقدم فيها اقرارات بأن الاستراحة مشغولة.
(5) استعماله استمارة سكة حديد من (بوش) ببنى سويف الى الفيوم مع أنه منحها فى اجازة العيد، وليس له حق فى استعمال هذه التذكرة.
وخلصت مصلحة الأموال المقررة الى طلب اجراء تحقيق بواسطة النيابة الادارية لوزارة الخزانة وتحديد مسئولية مفتش المالية المذكور.
قامت النيابة الادارية لوزارة الخزانة بالتحقيق ابتداء من 15/ 8/ 1959 وقد اطلعت على طلب مقدم من (على ابراهيم السوهاجى) مفتش المالية بمديرية بنى سويف - الطاعن - يذكر فيه أنه قد استولى على بدل السفر أثناء انتدابه بمديرية الفيوم (بحسن نية) وقرر أن المسئول عن هذا الخطأ انما هو قلم الحسابات المختص بهذه العملية، ودلل على حسن نيته أنه قام بتسديد مبلغ (19 جنيه و350 مليم) لخزانة مديرية الفيوم وذلك بالايصال رقم (289496) فى 22/ 7/ 1959 وهذا الايصال مرفق بملف هذا الطعن. وبذلك فانه قد رد قيمة المبالغ المستولى عليها بغير وجه حق واحتفظ لنفسه بحق استرداد ما يتبقى من هذا المبلغ بعد استيفاء حق الحكومة. - وقد قامت النيابة الادارية باستجواب الطاعن بمحضر التحقيق المرفق بجلسة 15/ 11/ 1959 - ص 4 تحقيقات النيابة - فقال ان المسائل التى كانت متأخرة لديه هى خاصة بأراضى محجوز عليها حجزا عقاريا ومحالة عليه لتقدير الثمن المناسب وكل مسألة منها فى ناحية فكان يأخذ من المسائل ما هو فى خط سيره حتى لا يكلف المصلحة مصاريف كثيرة فى الانتقال. وبمواجهته بما تكشف عنه التحقيق الذى أجرى معه بواسطة المصلحة من أنه فى حالة انتدابه بمديرية الفيوم بالاضافة الى عمله بمديرية بنى سويف فانه لم يقم بتقسيم العمل بالتساوى بين المديريتين أو زيادة احداهما على الأخرى بأيام مقبولة اذ تبين من الأوراق ان معظم الأيام والليالى قضاها بالفيوم حيث توجد أسرته فى بلدته فأجاب على ذلك بأنه قسم أيام الأسبوع بالتساوى بين المديريتين فكان فى معظم الاسابيع يقضى أيام السبت والاحد والاثنين فى بنى سويف مقر عمله الأصلى، وباقى أيام الأسبوع فى الفيوم محل انتدابه للعمل هناك. وأضاف انه كان يفضل البقاء بمديرية الفيوم اذ كانت هناك ظروف خاصة كغياب مدير القسم المالى بأجازات فكان هو - الطاعن - ينوب عنه. اذ أن المديرية قد خلت من وكيل قسم مالى منذ بدء انتدابه بها حتى أوائل يونية - لأن وكيل القسم المالى كان قد نقل من مديرية الفيوم واستلم عمله شخص آخر، وان هذا الآخر قد قام فورا بأجازة اعتيادية لاحضار عائلته وأثاث منزله. ولكنه أتبعها بأجازة مرضية وان التعليمات المصلحية تقضى بأن لا تخلو المديرية من اثنين من ثلاثة هم مدير ووكيل القسم المالى ومفتش المالية. فلهذه الأسباب كان الطاعن يفضل القيام بأعمال مدير القسم المالى بالفيوم فى حالة غيابه. وذلك على العكس فى مديرية بنى سويف فلم يحصل مدير القسم المالى فيها على اجازات فى تلك الفترة.
- وبمواجهته بالاتهام بأنه قد صرف بدل سفر عن (19) ليلة بدون وجه حق وذلك على النحو الموضح بالتحقيقات قرر انه منسوب اليه أنه قد صرف بدل سفر مساء يومى (الخميس والجمعة 26، 27 مارس سنة 1959) وأنه لم يؤد عملا فى مساء اليومين المذكورين وعلل الطاعن ذلك بأنه كان يقوم بالعمل فى المديريتين وأن كلا منهما يعتبر مقرا لعمله وأنه مطلق الحرية فى توزيع أيام الأسبوع بحسب ظروف العمل، وأضاف أن المصلحة لم تفرض عليه توزيعا معينا لأيام الأسبوع ولا هى كلفته بضرورة المبيت فى بنى سويف أيام الجمع من كل أسبوع. وبمواجهته بأن الواجب كان يقتضيه عدم المطالبة ببدل السفر عن هذين اليومين ما دام أنه لم يؤد فيهما عملا مصلحيا بالفيوم قرر أنه كان يفضل وجوده الى جانب مدير القسم المالى بالفيوم نظرا لعدم وجود وكيل للقسم المالى هناك. وبمواجهته بأن هذه الظروف لا تبرر حصوله على بدل سفر عن هذين اليومين ما دام لم يؤد عملا والا لكان الأمر يتطلب منه البقاء دائما بمديرية الفيوم قرر أنه كان يقسم الأسبوع بين المديريتين وأن لائحة بدل السفر تنص على أن هذا البدل يمنح للموظف مقابل النفقات الضرورية التى يتحملها بسبب تغيبه عن الجهة التى يوجد بها مقر عمله الرسمى. وبمواجهته بما هو فى الأوراق من أنه توجه الى الفيوم مساء الاثنين 30/ 3/ 1959 وعاد الى بنى سويف صباح أول أبريل سنة 1959 وحصل على بدل سفر عن هذه الليلة، قرر أنه قضى ببنى سويف السبت والأحد والاثنين ثم سافر مساء الاثنين ليقضى الفترة الخاصة بمديرية الفيوم حسب تقسيمه وترتيبه، فقضى بها يوما واحدا وهو الثلاثاء ثم ذهب الى بنى سويف صباح الأربعاء أول أبريل سنة 1959 وذلك ليقبض مرتبه وباشر العمل فى بنى سويف ثم عاد الى الفيوم مساء اليوم ليتم الفترة الخاصة بالفيوم فقضى بها الخميس والسبت. وباستيضاحه عما اذا كانت حالة العمل بالفيوم تتطلب منه أن يسافر اليها مساء الاثنين ليعود منها صباح الأربعاء الى بنى سويف ليقبض مرتبه أجاب الطاعن بأن الأعمال كانت تتطلب ذلك. وبسؤاله عن الأعمال التى كانت تتطلب منه الحضور الى الفيوم فى يوم 31/ 3/ 1959 أجاب بأنه باشر أعمالا مكتبية وأنجز المسائل المعروضة عليه. وبسؤاله عما اذا كانت لهذه الأمور صفة الاستعجال والأهمية التى تتطلب منه الانتقال خصيصا تلك الليلة الى الفيوم ويتقاضى عنها بدل سفر قرر أن القانون لا يمنع من توزيع العمل بين المديريتين كيفما يشاء وحسب مصلحة العمل. وبمواجهته من أنه تقاضى بدل سفر عن مساء 4/ 4/ 1959 قرر أنه كان ينتظر بالفيوم وذلك لحرمان المديرية من السيد/ وكيل القسم المالى وخشية حدوث طوارئ بالمديرية فيكون الى جانب السيد/ المدير الذى يعمل وحده بالفيوم. وأضاف الطاعن أن الـ (19) ليلة التى تقاضى عنها بدل السفر هى عبارة عن ليلتى يومى الجمعة والسبت أثناء فترة انتدابه، وذلك ناشئ عن تقسيمه العمل بجعله ثلاثة أيام من الأسبوع فى مديرية بنى سويف وأربعة أيام من كل أسبوع لمديرية الفيوم وانه كان يفضل البقاء بالفيوم أيام الجمع ليكون جانب السيد/ مدير القسم المالى - وبمواجهته بأنه فى يوم 6/ 5/ 1959 كان بالقاهرة لتأدية شهادة بالنيابة الادارية وسافر فى مساء اليوم نفسه الى الفيوم. وأنه فى يوم 7/ 5/ 1959 صباحا سافر الى بنى سويف وبذلك يكون قد حصل على بدل سفر ليلة 7/ 5/ 1959 بدون وجه حق، وكان الواجب يقتضيه السفر مباشرة من القاهرة الى بنى سويف مقر عمله الرئيسى والأصلى قرر أنه شعر "بدوخان وألم شديد" فسافر الى الفيوم بلده الأصلى لعمل الاسعافات اللازمة ثم سافر صباحا بعد ذلك الى بنى سويف مقر عمله الأصلى - وبمواجهته بأن مديرية بنى سويف هى مقر عمله الأصلى وهى المديرية الواجب أن تكون فيها اقامته أما أعمال مديرية الفيوم فهى مضافة اليه ولا ينتقل اليها الا لحاجة العمل فقط وليقوم بهذا العمل فعلا حتى يستحق بدل السفر عن الايام التى يقضيها بالفيوم، قرر أنه يعتقد أن كلتا المديريتين (بنى سويف أو الفيوم) على حد سواء بالنسبة اليه وانه يوزع العمل حسبما يشاء وانه كان على كل حال حسن النية وانه قام بسداد المبالغ التى حصلها ونسب اليه انه قد قبضها كبدل سفر دون وجه حق - وبمواجهته بأنه قد استعمل استمارة سفر حكومية درجة أولى وذلك عند سفره من مركز (بوش) بمديرية بنى سويف الى الفيوم مساء الأحد 14/ 6/ 1959 وهو آخر أيام العمل قبل وقفة واجازة عيد الأضحى الذى يبدأ من 15/ 6 وينتهى فى 19/ 6/ 1959 وأنه كان متوجها فى مساء ذلك اليوم الى الفيوم لقضاء تلك الاجازة وليس للعمل بالمديرية، قرر الطاعن أنه كان قد قضى فى بنى سويف يومى (13، 14) من يونية ثم بدأت عطلة عيد الاضحى من 15/ 6 فسافر مساء يوم 14/ 6 بهذه الاستمارة حيث كان ينوى قضاء الفترة التى تلى أجازة العيد بالفيوم. ولكنه أثناء عطلة العيد وجد انه من الأوفق أن يقضى النصف الأول من الأسبوع الذى يعقب العيد فى بنى سويف، وذلك لقيام مدير القسم المالى فى بنى سويف بأجازة لمدة أسبوع بعد العيد فكان لزاما عليه أن يقوم بعمله، وانه يخشى أن يقوم وكيل القسم المالى بأجازة عارضة هو الآخر عقب أجازة العيد. وبسؤاله عما اذا كان لم يكن على علم بهذه الأسباب عند قيامه باستعمال استمارة حكومية فى سفره الى الفيوم لقضاء أجازة العيد مساء 14/ 6/ 1959 أجاب بانه (ساعة ما قطعت التذكرة كنت على غير علم بهذه الاسباب.) وبسؤاله، عن كيفية علمه بها أثناء أجازة العيد أجاب بأنه قد علم بها بعد ركوبه القطار. وباستيضاحه عن كيفية علمه بهذه الاسباب أثناء ركوبه القطار أجاب بأنه لا يذكر ذلك. - وبمواجهته باستعمال استمارة سفر حكومية فى انتقاله من (بوش) الى الفيوم مساء 14/ 6/ 1959 بدون وجه حق، قرر انه لم يكن فى ذلك سيئ النية وأنه قد قام برد قيمتها بموجب ايصال حافظة رقم (289496) مجموعة رقم (15) بثمن هذه الاستمارة فى 25/ 7/ 1959 - وأخيرا بمواجهته بأنه قد صرف بدل سفر بالكامل عن ليالى المبيت بالفيوم مع وجود استراحة للمالية، وتقضى التعليمات بنزوله بها لخصم ربع بدل السفر لحساب الحكومة وحتى لا تضار الخزانة بسبب نزوله بمنزله الخاص أو كان الواجب يقتضيه أن يرفق اقرارات من المديرية تفيد أن الاستراحة مشغولة، قرر الطاعن انه كان يكتب الاستمارة ويرسلها مع الكاتب المختص الى قلم الحسابات وكان الواجب على قلم الحسابات أن يطلب ما يراه لازما من الاستيفاءات. وبمواجهته بما هو ظاهر من الاوراق انه قد صرف بدل سفر عن ليلتى (21، 22 مايو سنة 1959) ولم يرد بالتقرير المقدم منه أنه قد أدى أعمالا فى يومى (23، 24/ 5/ 1959 وانه قد قرر فى التحقيق الادارى بانه قام بالتفتيش على السينما ولكنه قد (سهى عليه) اثباتهما فى التقرير، قرر الطاعن أن الليلتين المذكورتين هما ليلتا الجمعة والسبت. وبمواجهته بانه قد خرج على مقتضى الواجب فى أداء وظيفته وذلك بحصوله على بدل سفر بدون وجه حق وكذلك باستعماله استمارة سكة حديد حكومية لغير العمل المصلحى قرر أنه كان فى ذلك حسن النية وأنه قام بسداد كل ما اعتبره التحقيق الادارى أنه صرف اليه بدون وجه حق وكذلك قام بسداد ثمن الاستمارة الخاصة بسفره من بوش الى بنى سويف.
وبجلسة 30 من أكتوبر سنة 1960 حكمت المحكمة التأديبية لموظفى وزارات الخزانة والاقتصاد بمجازاة الموظف المتهم على ابراهيم السوهاجى بخصم شهر من مرتبه، مراعية فى توقيع الجزاء أن ما وقع على هذا الموظف المتهم خلال مدة خدمته لا يعدو أن يكون انذارين. وقد أدانته المحكمة التأديبية عن التهمة الأولى على أساس أن التسعة عشر ليلة كانت جميعها ليالى الجمعة والسبت وأن الطاعن لم يؤد فيهما عملا. وقالت انه لا حجة فيما دفع به الطاعن من أنه كان يفتش على السينما وانه كان مضطرا الى البقاء الى جانب مدير القسم المالى بسبب غياب وكيل القسم المالى بالفيوم لأن الطاعن لم يكن منتدبا ليشغل منصب وكيل القسم المالى وانما كان منتدبا ليعمل مفتشا للمالية بالفيوم. ثم أدانته المحكمة التأديبية عن التهمة الثانية لأنه لم يستعمل الاستراحة الحكومية الموجودة بالفيوم وقد ثبت من الأورق انها كانت غير مشغولة، وانه لو استعمل الاستراحة لوفر على الحكومة ربع قيمة بدل السفر الذى قبضه. كما أدانته المحكمة التأديبية لأنه استعمل استمارة سكة حديد حكومية من بوش الى الفيوم لغير عمل مصلحى.
وفى 29 من ديسمبر سنة 1960 طعن الموظف المحكوم عليه فى الحكم التأديبى وطلب القضاء بالغائه وببراءته من التهم المسندة اليه. وأقام تقرير طعنه على أن ادانته عن التهمة الأولى بنيت على أساس يخالف الثابت بالأوراق فى شطره الأول، ولا يصلح ردا على دفاع الطاعن فى شطره الأخير مما يعيب الحكم ويبطله - وأما عن التهمة الثانية فان الحكم الطعون فيه لم يستوثق من المصدر الذى استقى منه المحقق قوله ان الاستراحة لم تكن مشغولة، ودون أن تفطن المحكمة التأديبية الى أن ذلك لو صح فانه يستتبع مسئولية الموظفين المختصين المنسوب اليهم تغيير الحقيقة دون الطاعن، الذى لا شأن له مطلقا باثبات تلك البيانات ولا سبيل له الى التحقق من صحتها. واما عن التهمة الثالثة فان الحكم المطعون فيه قد أهدر دفاع الطاعن بغير مبرر وحاصل هذا الدفاع أن الطاعن بعد أن ركب القطار أبلغه كاتب المالية بمركز بوش أن مدير القسم المالى فى بنى سويف سيقوم بأجازة عقب عطلة العيد مباشرة من يوم 20/ 6/ 1959 فلم يجد الطاعن بدا من العودة الى بنى سويف على حسابه الخاص، وفى ذلك دليل على حسن نيته خصوصا وان قيمة تلك الاستمارة لا تزيد على (320) مليما وقد بادر الطاعن على أية حال بردها عند سؤاله أمام النيابة الادارية عن مبلغ (19 جنيها و350 مليما) قيمة ما رأى المحقق أنه يمثل ما استولى عليه الطاعن بغير وجه حق من بدل السفر.
ومن حيث أن أوجه الطعن الثلاثة مردود عليها جملة وتفصيلا مما سجلته محاضر التحقيقات الادارية وأوراق النيابة الادارية وقد استعرضتها هذه المحكمة العليا وراجعت أوراقها واستخلصت منها أن الحكم المطعون فيه لم يخطئ عندما ذكر فى أسبابه أن التسعة عشرة ليلة التى قضاها الطاعن فى الفيوم كانت كلها ليالى (جمعة وسبت) فالطاعن قد أقر بذلك فى مذكراته التى قدمها الى جهات الادارة وفى أقواله التى وقع عليها بمحاضر التحقيقات وبرر ذلك بأنه ناشئ من تقسيمه العمل بين المديريتين: بنى سويف والفيوم فخص مكان عمله الأصلى بنى سويف بثلاثة أيام من كل أسبوع وميز عمله المنتدب اليه بمديرية الفيوم بأربعة أيام من كل أسبوع وأقر أن أسرته تقيم بالفيوم التى هى بلده الأصلى. وفى معرض الدفاع عن تصرفه أثار الطاعن أعذارا لعلها تبرر ما قد نسب اليه فى مجال المساءلة الادارية فقال فى ذلك أنه كان يقوم بالتفتيش على السينما فى تلك الليالى وفاته أن ذلك غير ثابت فى التقارير التى قدمها عن عمله بالمديرية المنتدب اليها (الفيوم)، وعندما سئل عن مثل هذا الاغفال لنشاطه الرسمى قال ان ذلك قد (سهى عليه). ومن الأعذار ما زعمه من أن الضرورة كانت تقضى ببقائه بالفيوم الى جانب السيد/ مدير القسم المالى لغياب وكيله عن الفيوم. وهذه ذريعة داحضه أمام قرار ندبه الذى جاء فيه: (أنه نظرا لخلو وظائف مفتشى المالية ببعض المديريات، ومن بينها مديرية الفيوم، فقد انتدبت مصلحة الأموال المقررة السيد/ على ابراهيم السوهاجى، مفتش المالية بمديرية بنى سويف للقيام بأعمال مفتش المالية لمديرية الفيوم علاوة على عمله الأصلى بمديرية بنى سويف وذلك ابتداء من 21/ 3/ 1959) - المستند رقم 44 ملف خدمته جزء رابع - ومن الأعذار أنه كان يقوم بكتابة التقارير الاسبوعية ليالى الخميس والجمعة ليرسلها صباح السبت الى المصلحة وكل هذه تعلات لا أساس لها ولا دليل عليها فى الأوراق، فضلا عن أنها لا تبرر حصول الطاعن على بدل سفر حددته لائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال الصادر بها القرار الجمهورى رقم (41) فى يناير سنة 1958، وبخاصة فى مادتها الأولى (بأنه الراتب الذى يمنح للموظف مقابل النفقات الضرورية التى يتحملها بسبب تغيبه عن الجهة التى يوجد بها مقر عمله الرسمى فى الأحوال المنصوص عليها فى اللائحة) وجاء فى المذكرة المرفوعة الى السيد رئيس الجمهورية من وزير المالية والاقتصاد أن المادة (55) من قانون نظام الموظفين تنص على أن للموظف الحق فى استرداد المصروفات التى يتكبدها فى سبيل الانتقال لتأدية مهمة حكومية وله الحق فى راتب بدل سفر يقابل النفقات الضرورية التى يتحملها بسبب تغيبه عن الجهة التى يوجد بها مقر عمله الرسمى، وذلك على الوجه وبالشروط والأوضاع التى يصدر بها قرار مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية والاقتصاد بعد أخذ رأى ديوان الموظفين. وجاء فى المادة الثالثة من اللائحة أنه: "يخفض بدل السفر بمقدار الربع فى حالة الاقامة بمنزل مما أعدته الحكومة أو سلطة أو هيئة محلية واستراحات البنوك والشركات، ويدخل فى مدلول عبارة (منازل الحكومة) عربات السكك الحديدية التابعة لسكك حديد الحكومة والخيام والبواخر وكل ما عداها مما تكون الحكومة مالكة أو مستأجرة لها". وفى المادة الرابعة من هذه اللائحة: (على الموظف أن ينزل أثناء المهمة التى يندب لها فى استراحة الوزارة أو المصلحة التى يتبعها كلما أمكن ذلك، وفى الأحوال التى تكون فيها الاستراحات مشغولة يجب عند تقديم استمارة بدل السفر أن يقرر بها الموظف أن الاستراحة لم تكن خالية). ومفاد ذلك أن الحكمة من تقرير بدل السفر هى خدمة الدولة. والبدل يقابل المصاريف الفعلية والضرورية التى يصرفها الموظف فى سبيل أداء واجبه الوظيفى والأصل فى منح هذا البدل أنه لا يجوز أن يكون مصدر ربح للموظف أو المستخدم.
ومن حيث أن الثابت من الأوراق أن الطاعن لم يستعمل الاستراحة الحكومية أو نزل فى فندق بالفيوم بل انه كان يبيت فى منزله الخاص. وقد ثبت أن ما ذكر على بعض الاستمارات من أن الاستراحة كانت غير خالية غير صحيح، فقد أثبتت هذه العبارة على خلاف الواقع. أما باقى الاستمارات فقد قدمت خالية من ذكر شئ عن الاستراحة وهذا يخالف ما نصت عليه لائحة بدل السفر من أنه (يجب على الموظفين أن ينزلوا أثناء المهام فى استراحات الوزارة أو المصلحة التى يتبعونها، وفى الأحوال التى تكون فيها الاستراحات مشغولة بغيرهم يجب عند تقديم استمارات بدل السفر أن يرفقوا من الموظف المشرف على الاستراحة بعدم سماحه بالنزول فيها لعدم خلوها أو لغير ذلك من الأسباب).
وبالرجوع الى استمارات بدل السفر المرفقة بالملف وخاصة الاستمارة المقدمة فى 7/ 4/ 1965 عن المدة من 23/ 3/ 1965 تبين أن الطاعن طالب بجملة بدل سفر قدرها (9 جنيهات و600 مليم) وأثبت فى خانة الملاحظات: (أقر بأنى لم أستعمل استراحة الحكومة) وأثبت بهذه الاستمارة أنه قضى بعض الليالى باللوكاندة بالفيوم. ولا تحمل هذه الاستمارة أية تأشيرة تدل على أن استراحة الحكومة مشغولة فى تلك المدة. وفى ذلك وحده ما يقطع بوقوع المخالفة لأحكام لائحة بدل السفر - وقد أطلعت المحكمة على دفتر الاستراحة الحكومية بالفيوم وهو سجل قديم يرجع الى أبريل سنة 1949 وغير منتظم، ولا يبين منه، بشكل واضح قاطع، عدد الغرف المعدة فيه عادة للنزلاء بالاستراحة ومع ذلك فالثابت فيه أنه كان بالاستراحة نزيل واحد فى ليلة واحدة فى 23/ 3/ 1959 هو السيد/ عبد الله خميس مراقب تفتيش ضرائب بنى سويف - ولم ينزل بها بعد ذلك الا السيد/ هنرى فهيم بمراقبة البيع بمصلحة الأملاك ليلة واحدة فى 30/ 3/ 1959 ثم نزل من بعده السيد/ على سيد مفتش الداخلية فى 4/ 4/ 1959 ليلة واحدة. ومفاد ذلك أن الاستراحة لم تكن مشغولة فى كل الليالى خلال تلك المدة. كما أنه لم يلاحظ أن نزل بها أكثر من موظف واحد فى ليلة واحدة، على حين أن صفحات سجل تلك الاستراحة تدل على أنه فيما مضى، فى السنوات السابقات، كان ينزل بها أحيانا، عدد من الزائرين دفعة واحدة وفى ليلة واحدة مما يحمل على قيام قرينة بوجود أكثر من غرفة واحدة بالاستراحة لاستقبال عدد من الضيوف دفعة واحدة. ولما أن أستوضحت المحكمة حقيقة الوضع باستراحة الحكومة بالفيوم أفادت المصلحة بكتابها رقم (2/ 1/ 172 أ حـ 3): (أنه بالاشارة الى الكتاب رقم 7393 والمؤرخ 6/ 5/ 1964 بشأن قضية على ابراهيم السوهاجى ضد النيابة الادارية، والمتضمن طلب موافاتكم بعدد الأشخاص الذين كانت استراحة الفيوم تتسع لنزولهم خلال الفترة ما بين 31/ 3/ 1959 و30/ 9/ 1959 نرسل مع هذا دفتر استراحة المالية عن المدة من 20/ 4/ 1949 لغاية 7/ 5/ 1964 وقد أوضحت محافظة الفيوم بأن استراحة المالية كانت خالية بسرير واحد فى الأيام من 30/ 3/ 1959 حتى 30/ 6/ 1959 ما عدا يوم 13/ 4/ 1959 فكانت فيه مشغولة، توقيع المدير العام لمصلحة الأموال المقررة). وقد كشفت التحقيقات عن أن الطاعن كان كلما سافر الى بلده الفيوم يقوم فى المساء ليبيت فى الفيوم لدى أسرته، ثم يحتسب بدل سفر عن كل ليلة يقضيها هكذا وكان سيادته كلما عاد الى مقر عمله الأصلى بمديرية بنى سويف يسافر اليها فى ذات يوم العمل الرسمى بكرة كل صباح. أما عن التهمة الثالثة فقد عرض لها الحكم المطعون فيه بما فيه الكفاية مستندا الى ما هو ثابت بمحاضر التحقيقات وبالاوراق فلم يكن هناك ما يبرر سفر الطاعن من مركز (بوش) بمديرية بنى سويف الى مدينة الفيوم مساء الأحد 14/ 6/ 1959 وهو آخر أيام العمل الرسمية قبيل وقفة عيد الأضحى باستمارة سفر حكومية. ومن ثم تكون مخالفة لائحة بدل السفر ثابتة لا يغير منها ما يتذرع به الطاعن من أن موظفا صغيرا قابله فى القطار وأسر اليه بما حمله على العودة الى بنى سويف أو أنه قام فعلا برد قيمة الاستمارة فى 25 من يولية سنة 1959 بعد اذ بدأ التحقيق الادارى معه فيما نسب الى مفتش المالية من مخالفات للوائح المالية.
ومن حيث أن الوظيفة العامة تكليف للقائمين بها، يسهمون عن طريقها فى تسيير جهاز الدولة مستهدفين فى أدائهم أعمال وظائفهم خدمة الشعب. وقد نصت المادة (52) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة على أن (الوظائف العامة تكليف للقائمين بها، هدفها خدمة المواطنين تحقيقا للمصلحة العامة طبقا للقوانين واللوائح والنظم المعمول بها). وجاء فى المادة (55) منه أنه يجب على العامل مراعاة الأحكام المالية المعمول بها ويحظر عليه مخالفة القواعد والأحكام المالية المنصوص عليها فى القوانين كما يحظر عليه مخالفة القوانين واللوائح الخاصة بالمناقصات والمزايدات والمخازن والمشتريات وكافة القواعد المالية - وهنا تدخل ولا شك لائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال الصادر بها القرار الجمهورى رقم (41) لسنة 1958 - فكل عامل يخالف الواجبات المنصوص عليها فى هذا القانون أو يخرج على مقتضى الواجب فى أعمال وظيفته أو يظهر بمظهر من شأنه الاخلال بكرامة الوظيفة يعاقب تأديبيا. والاخطاء التأديبية قد ترتكب أثناء أداء الوظيفة أو بمناسبة أدائها، وذلك بمخالفة ما تفرضه من واجبات ايجابية أو نواه، يستوى فى ذلك ان ترد هذه الواجبات أو النواهى فى نصوص صريحة أو أن تميلها طبيعة العمل الوظيفى ذاته. ولا شك أنه مما يتنافى مع الأمانة فى أداء العمل ويؤدى الى المسئولية أن يسيئ العامل استعمال وظيفته أو ندبه، كما فعل الطاعن فى الطعن الراهن، فيسخر الانتداب لصالحه الخاص ويستحل لنفسه أن يقبض نقودا من خزانة الدولة باسم بدل السفر عن أيام أو ليالى لم يؤد فيها عملا للدولة أو عن ليال لم يقضها فى استراحة الحكومة مع أنه ثبت يقينا أنها لم تكن مشغولة يوم أن قبض عنها بدلا كاملا، للدولة فيه الربع، وان كان يسيرا. ولقد فات الطاعن أن المشرع قد قدر أنه ليس من المصلحة ترك المكافآت أو بدل السفر الذى يحصل عليه العامل المنتدب دون ضابط أو رابط، فوضع لذلك شروطا وقيودا وحدودا قصوى لا يجوز اغفالها أو التجاوز عنها، قاصدا من ذلك، ليس فحسب، الحرص على أموال الخزانة من البعثرة والضياع، وانما أيضا تخفيف حدة التكاليف، التى تئن اليوم الدولة منها، على الأعمال الاضافية والانتدابات وما ينجم عنها حتما من نقص الانتاج فى العمل الأصلى، وهو ما أخذته النيابة الادارية على الطاعن فى مستهل تحقيقاتها معه، وضعف القيم الخلقية لدى العاملين. ومن آيات ذلك الضعف، تلك الشراهة البادية فى جمع الأجور الاضافية وتحصيل المكافآت والتهالك على بدل السفر ولو أدى ذلك الى التحايل على أحكام اللوائح والاغراض فى تأويل النصوص.
ومن حيث أن الاتهامات المنسوبة الى الطاعن على الوجه الذى تقدم تكون ثابتة قبله على وجه اليقين من محاضر التحقيقات المصلحية ثم النيابة الادارية ومما استظهره وبحق، الحكم المطعون فيه، وقد كيفتها المحكمة التأديبية تكييفا سليما واستخلصت منها نتيجة سائغة تبرر اقتناعها الذى أقامت عليه قضاءها بمجازاة الطاعن بالجزاء المناسب فيما نسب اليه وثبت فى حقه من مخالفة صريحة للواجبات المنصوص عليها فى قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، وفيما سبقه من قانون نظام موظفى الدولة بل فيه خروج على مقتضى الواجب فى أعمال الوظيفة وكرامتها. فمن مصلحة المرفق مجازاة الطاعن عما وقع فيه من ذنب ادارى تعددت جوانبه، ردعا له وعبرة لسواه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا والزمت الطاعن بالمصروفات.