مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) - صـ 530

جلسة 3 يناير سنة 1935

برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك ومحمد نور بك المستشارين.

(217)
القضية رقم 28 سنة 4 القضائية

موظف. معاش. المنازعة فى تقديره. معناها. مجرّد الامتناع عن قبض المعاش. لا يعتبر منازعة. الفرق بين المنازعة فى تقدير المعاش وبين طلب تسويته.
(المادة السادسة من قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929)
المنازعة المشار إليها فى المادة السادسة من القانون رقم 37 لسنة 1929 التى يراد بها تعديل مقدار المعاش الذى تمّ قيده أو المكافأة التى تم صرفها لا يتولد الحق فيها إلا عقب قيد المعاش أو صرف المكافأة، ويسقط هذا الحق بمضى ستة أشهر من تاريخ تسلم السركى المبين فيه مقدار المعاش إلى صاحب الشأن أو من تاريخ صرف المكافأة لمستحقها. أما طلب تسوية المعاش المبينة أحكامه فى المادتين 39 و40 من ذلك القانون فهو غير المنازعة السابقة الإشارة إليها، ولذلك فانه لا يغنى عنها فى حفظ حق الموظف من السقوط، ولو تضمن هذا الطلب اعتراضا على تقدير السنّ الذى حصلت الإحالة على المعاش بمقتضاها.
وإذا صح - مع مجرّد الافتراض الجدلى - أن المنازعة تتحقق بغير طريق رفع الدعوى، فيجب على الأقل أن تكون منازعة إيجابية بإجراء كتابى يبين موضوعها والغرض منها. وإذن فمجرّد امتناع الموظف المحال إلى المعاش عن قبض معاشه مدّة ثلاثة أشهر بعد تسلمه سركى المعاش لا يعتبر منازعة بالمعنى المراد بالمادة المذكورة.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى - بحسب ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن الأوراق والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة - فى أن الطاعن رفع هذه الدعوى ضدّ وزارة المالية أمام محكمة الابتدائية الأهلية قيد بجدولها برقم 629 سنة 1932 طالبا الحكم: (أوّلا) بتعديل معاشه الشهرى وجعله 26 جنيها و300 مليم ابتداء من أوّل يناير سنة 1930 بدلا من 24 جنيها و300 مليم الذى قرّرته وزارة المالية له على اعتبار أنه من مواليد سنة 1873 لأنه من مواليد 2 محرّم سنة 1291. (ثانيا) بالزام الوزارة بأن تدفع له مبلغ 48 جنيها قيمة فرق المعاش من يناير سنة 1930 لغاية ديسمبر سنة 1931، فدفعت الوزارة الدعوى بدفعين فرعيين: (الأوّل) أنها أخذت بتقدير سنّ الطاعن المعمول بمعرفة القومسيون الطبى لعدم تقديم الشهادة الرسمية المثبتة لتاريخ ميلاد الطاعن فى محرّم سنة 1291 وذلك تطبيقا لقرار مجلس الوزراء الصادر فى 20 يناير سنة 1927. (والثانى) عدم جواز نظر الدعوى لرفعها بعد الميعاد المنصوص عليه فى المادة السادسة من قانون المعاشات رقم 37 سنة 1929. فقضت تلك المحكمة بجلسة 23 يناير سنة 1933 برفض الدفعين الفرعيين ثم قضت فى الموضوع بجلسة 27 مارس سنة 1933 بالزام وزارة المالية: (أوّلا) بتعديل ربط معاش الطاعن وجعله 23 جنيها و760 مليما بدلا من 23 جنيها و274 مليما. (ثانيا) بأن تدفع له مبلغ 17 جنيها و496 مليما قيمة الفرق بين ما ربط له وما يجب أن يربط له عن المدّة من أوّل يناير سنة 1930 لغاية آخر ديسمبر سنة 1932 وما استجدّ ويستجدّ لغاية ربط المعاش على الصورة المعدّلة بواقع 486 مليما شهريا والمصاريف المناسبة. فاستأنفت وزارة المالية هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر الأهلية بالاستئناف رقم 826 سنة 50 قضائية وطلبت قبول الدفع الفرعى الخاص بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد واحتياطيا رفض الدعوى، فقضت المحكمة المذكورة بتاريخ 4 فبراير سنة 1934 بقبول الاستئناف شكلا وبقبول الدفع الفرعى وعدم قبول الدعوى وإلزام الطاعن بالمصاريف و300 قرش أتعاب محاماة عن الدرجتين.
وقد أعلن هذا الحكم إلى الطاعن فى 12 مارس سنة 1934 فطعن فيه بطريق النقض والإبرام فى 11 أبريل سنة 1934، وأعلن تقرير الطعن إلى المالية فى 16 منه وقدّم طرفا الخصومة المذكرات الكتابية فى الميعاد، وقدّمت النيابة مذكرتها فى 29 نوفمبر سنة 1934. وبجلسة اليوم سمعت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الطعن أن محكمة الاستئناف قد أخطأت فى تفسير الفقرة الثالثة من المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 37 سنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية حين قضت بقبول دفع وزارة المالية وبعدم قبول الدعوى التى رفعها الطاعن على هذه الوزارة طالبا بها الحكم بتعديل معاشه الذى يستحقه من أوّل يناير سنة 1930 على اعتبار أنه من مواليد 2 محرّم سنة 1291 لا من مواليد سنة 1873 كما اعتبرته وزارة المالية عند تسوية معاشه. ووجه الخطأ هو - كما يزعم الطاعن - أن الشارع لم يشترط فى الفقرتين الأولى والثالثة من المادة السادسة من مرسوم القانون الخاص بالمعاشات إلا شرطا واحدا لقبول الدعوى هو إبداء المنازعة فى المعاش فى ظرف ستة أشهر من تاريخ تسلم صاحب الشأن لسركى معاشه، ولم يشترط وجوب رفع الدعوى بهذه المنازعة فى الميعاد المذكور كما ذهبت إليه محكمة الاستئناف مخالفة ما أخذت به محكمة أوّل درجة بعد أن ثبت لها أن الطاعن أبدى منازعته لوزارة المالية فى ذلك الميعاد.
وحيث إن محكمة الاستئناف بعد أن بينت أن الثابت لها بالحكم المستأنف أن المستأنف عليه (الطاعن) قد أبلغ رسميا فى 9 ديسمبر سنة 1929 باحالته إلى المعاش ابتداء من يناير سنة 1930، فقدم فى 18 من ذات الشهر (أى شهر ديسمبر) طلبا لوزارة المالية مرفقا به مستخرج رسمى مبين به حقيقة سنة والتمس به أن يكون التعويل فى تسوية معاشه عند تقدير سنه على هذا المستخرج لا على الكشف الطبى الواقع عليه من القومسيون فى سنة 1896 عند دخوله خدمة الحكومة - إن محكمة الاستئناف بعد أن نقلت هذا البيان عن الحكم المستأنف قالت: "إن المحكمة الابتدائية اعتبرت هذا الطلب نزاعا منه لوزارة المالية فى القاعدة التى بنت عليها تسوية معاشه (وهى اعتماد تقدير القومسيون لسنه) وإن هذه المنازعة حصلت منه عقب إخطاره بالإحالة إلى المعاش بتسعة أيام وقبل اليوم المحدّد للإحالة إلى المعاش. وقالت تلك المحكمة (أى الابتدائية) إن امتناع المستأنف عليه عن قبول معاشه مدّة تزيد عن الثلاثة أشهر، كل ذلك يدل على أنه كان ينازع وزارة المالية فى القاعدة التى يراد بها تسوية معاشه، وإن هذه المنازعة كافية وحاصلة فى خلال الستة أشهر المقرّرة بالمادة السادسة من قانون المعاشات؛ واستخلصت من ذلك أن للمستأنف عليه بعد حصول هذه المنازعة فى الميعاد أن يرفع دعواه بعد ذلك فى أى وقت شاء". ثم قالت محكمة الاستئناف بعد ذلك "إنه لا نزاع بين المستأنف عليه ووزارة المالية فى أنه قد قبل معاملته بقانون المعاشات رقم 37 سنة 1929 ولا فى أنه تسلم سركى معاشه فى 19 من أبريل سنة 1930". ثم أوردت حكم الفقرة الأولى المنصوص فيها على أنه لا يجوز للحكومة ولا لصاحب الشأن المنازعة فى أى معاش تم قيده متى مضت ستة أشهر من تاريخ تسليم السركى المبين به مقدار المعاش إلى صاحب الشأن، وحكم الفقرة الثالثة المنصوص فيها على أن كل دعوى يراد بها أو بواسطتها تعديل مقدار المعاش الذى تم قيده أو المكافآت التى تم صرفها لا يجوز قبولها بعد مضى الميعاد المذكور أمام أية محكمة كانت لا على الحكومة ولا على مصالحها لأى سبب كان....... ألخ. ثم قالت: "وحيث إن هذا النص فى صراحته لا يصح معه قبول التأويل الذى أوّلته محكمة أوّل درجة لأنه تأويل يخالف تمام المخالفة مدلول النص الذى قضى بوجوب رفع الدعوى التى يراد بها تعديل مقدار المعاش، مثل دعوى المستأنف عليه الحالية، فى ظرف الستة أشهر التالية لتاريخ استلامه السركى، وقد استلم سركى معاشه فى 19 من أبريل سنة 1930.
ومن حيث إن مفهوم هذا التسبيب أن محكمة الاستئناف لم تعتبر مجرّد امتناع الطاعن عن قبول معاشه مدّة ثلاثة أشهر بعد تسلمه سركى المعاش - لم تعتبره منازعة بالمعنى المراد للمادة السادسة من قانون المعاشات، وبيدها الحق فى ذلك لأن هذا الامتناع أمر سلبى محض، ومع مجرّد الافتراض الجدلى بأن المنازعة المشار إليها فى المادة المذكورة تتحقق بعدم رفع دعوى، فانها على الأقل لا بد أن تكون منازعة إيجابية باجراء كتابى يبين موضوعها والمراد منها.
وحيث إن ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف أيضا (كما هو مفهوم حكمها) - من عدم الاعتداد فى هذا الصدد - بمثل الطلب الذى قدّمه الطاعن لوزارة المالية فى 18 ديسمبر سنة 1929 قبل تسلمه سركى المعاش هو كذلك حق. وذلك لأن المادة 39 من القانون نمرة 37 سنة 1929 توجب على من استحق معاشا أو مكافأة أن يقدّم إلى وزارة المالية طلب معاشه فى ميعاد ستة أشهر تبتدئ من اليوم الذى يفقد فيه الموظف أو المستخدم حقه فى ماهية وظيفته، والمادة 40 تنص على أن كل طلب يتعلق بالمعاش أو بالمكافأة يقدّم بعد انقضاء هذا الميعاد المقرّر فى المادة السابقة يكون مرفوضا ويسقط كل حق للطالب فى المعاش أو المكافأة. فطلب المعاش لا يحتمل لذاته إلا طلب تسويته، وقد رتب القانون على عدم تقديمه فى ميعاده جزاء خاصا هو سقوط كل حق للطالب فى المعاش أو المكافأة. أما حق المنازعة التى يراد بها تعديل مقدار المعاش الذى تم قيده أو المكافأة التى تم صرفها فهو حق آخر لا يتولد إلا عقب قيد المعاش أو صرف المكافأة ويسقط بمضى ستة أشهر من تاريخ تسليم السركى المبين فيه مقدار المعاش إلى صاحب الشأن أو من تاريخ صرف المكافأة لمستحقها.
وحيث إنه ما دام قاضى الموضوع قد دل بحكمه على أنه لم يكن من الطاعن أية منازعة معتبرة بعد تاريخ تسلمه سركى المعاش إلا منازعته بهذه الدعوى الحالية التى لا خلاف فى أنها رفعت بعد ميعاد الستة أشهر من تاريخ تسلم السركى فالبحث بعد ذلك فى وجوه تفسير الفقرتين المتقدّم ذكرهما من المادة السادسة من قانون المعاشات يصبح نافلة فى الدعوى الحالية. ولذلك ترى هذه المحكمة عدم الخوض فيه.
وحيث إن ما أشار إليه محامى الطاعن بجلسة المرافعة من أن الطلب الذى قدّمه فى 18 ديسمبر سنة 1929 لوزارة المالية هو منازعة حقيقية منه للوزارة فى أمر جوهرى هو التاريخ الذى حدّدته الحكومة لإحالته إلى المعاش، إذ هذه المنازعة يترتب عليها - لو أخذ بها - أن تزيد مدّة خدمته عن المدّة التى قرّرتها الحكومة مما يستوجب حتما زيادة قيمة معاشه - ما أشار إليه من ذلك وما ذهب إليه من أن هذه المنازعة تعتبر أنها مستمرّة حتى بعد استلامه سركى المعاش وأنها تدخل إذن ضمن المنازعات التى تعنيها المادة السادسة - كل ذلك لا معوّل عليه إذ هذه لم تكن منازعة منه فى قيمة المعاش بعد تسويته وقيده حتى تكون مصداقا للمنازعة المنصوص عليها فى القانون - ولو بحسب الافتراض الجدلى السابق الإشارة اليه - بل إنها منازعة كان يرمى بها أوّلا وبالذات إلى استبقائه فى الخدمة زمنا أطول مما قرّرته، ومثل هذه المنازعة ليست منازعة حاصلة فى مقدار المعاش بعد تسويته فعلا.
وحيث إنه لذلك يتعين رفض الطعن.