أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الرابع - السنة 6 - صـ 1418

جلسة 3 من نوفمبر سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: محمد فؤاد جابر، واسحق عبد السيد، ومحمد عبد الواحد على، وأحمد قوشه المستشارين.

(191)
القضية رقم 62 سنة 22 القضائية

( أ ) إثبات. تقدير الدليل. سلطة محكمة الموضوع فى التقدير.
(ب) إثبات. شيوع. حق محكمة الموضوع فى تكوين عقيدتها عن قيام حالة الشيوع من أى دليل فى الدعوى. عدم التزامها بندب خبير لتحقيق هذه الحالة.
1 - تقدير الدليل هو مما تستقل به محكمة الموضوع ولها وهى تباشر سلطتها فى هذا التقدير أن تأخذ بما تطمئن إليه مطرحة ما عداه ولو كان محتملا متى أقامت قضاءها على أسباب تؤدى إلى النتيجة التى انتهت إليها ولها أصلها الثابت فى الأوراق.
2 - لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها عن قيام حالة الشيوع التى يدعيها أحد الأخصام من أى دليل فى الدعوى دون أن تكون ملزمة بندب خبير لا ترى حاجة إلى الاستعانة به حتى ولو كانت قد ندبت أحد الخبراء من قبل لتحقيق مزاعم خصم آخر عن حصول القسمة ما دامت لم تر فى تقريره ما يعارض الأسانيد الدالة على الشيوع.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن المطعون ضدها الأولى أقامت هذه الدعوى أمام محكمة المنصورة الابتدائية تطلب فيها الحكم بأحقيتها لأخذ 53 فدانا الموضحة بالعريضة بالشفعة بالثمن المبيعة به الأطيان وقدره 14575 جنيها وملحقاته باعتبار أنها شريكة على الشيوع فى هذه الأطيان، فدفع الطاعن بعدم قبول الدعوى لانتهاء حالة الشيوع بالقسمة التى تمت بين الشركاء قبل البيع ولأن المطعون ضدها الأولى إنما تشفع لحساب إخوتها البائعين بالتواطؤ بينها وبينهم لمساعدتهم على النكول عن إتمام الصفقة. وقضت المحكمة الابتدائية للمطعون ضدها بطلباتها فى 18 من أبريل سنة 1948. فاستأنف الطاعن هذا الحكم، وقضت محكمة استئناف المنصورة فى 2 من فبراير سنة 1949 قبل الفصل فى الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن بكافة الطرق الإثبات بما فيها البينة أن المطعون ضدها الأولى إنما تشفع لحساب باقى المطعون ضدهم بطريق التواطؤ بينها وبينهم وأنه ليس فى مقدورها دفع الثمن من مالها، ولينفى المطعون ضدهم ذلك بنفس الطرق، وبعد سماع شهود الطرفين، قضت محكمة الاستئناف فى 14 من يونيه سنة 1949 بندب خبير زراعى من مكتب الخبراء الموظفين لمعاينة الأطيان المبيعة تحقيقا لما ادعاه الطاعن من حصول البيع مفرزا بسبب القسمة، وبعد أن قدم تقريره، حكمت فى 4 من أبريل سنة 1951 برفض الدفعين المقدمين من الطاعن بعدم قبول دعوى الشفعة بسبب الصورية وحصول القسمة، وفى الموضوع برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف - فطعن الطاعن بالنقض فى هذا الحكم.
وحيث إن الطعن بنى على ثلاثة أسباب يتحصل أولها فى أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى تأويل القانون وتطبيقه وشابه فساد فى الاستدلال، ذلك أنه بعد أن استظهر أقوال شهود الطاعن بما يدل على عدم ملاءة المطعون ضدها الأولى قد أهدر الدليل المستفاد من أقوالهم بمظان وتخمينات عن جواز أن تكون الشفيعة قد ورثت أموالا أخرى لا يمكن لإنسان معرفتها إلا إذا كان شديد الصلة بها وبعائلتها، مما يعتبر فرضا جدليا لا يرقى إلى مرتبة القرينة بمعناها القانونى ومما مؤداه مطالبة الطاعن، خلافا لما يجيزه القانون، بإثبات واقعة مطلقة غير محدودة بأن خصيمته لم تصب مالا على وجه الإطلاق.
وحيث إن الحكم المطعون فيه إذ عرض لأقوال شهود الطاعن عن صورية دعوى الشفعة وعدم ملاءة المطعون ضدها الأولى قال "إن الشهود حكموا حكما جائزا على الحالة المالية للشفيعة على أساس أن قيمة ما تملكه بالميراث عن والدها وزوجها لا يفى بدفع حوالى 14 ألف جنيه ثمنا لعين الشفعة إذ أنه من الجائز أن تكون الشفيعة قد ورثت أموالا أخرى لا يمكن لأى إنسان أن يعرفها إلا إذا كان شديد الاتصال بعائلة فقوسه وعلى الخصوص السيدة الشفيعة... ومع كل فقد قام الدليل على إخفاق هؤلاء الشهود فى استنتاجهم إذ أودعت الشفيعة خزينة بنك مصر قيمة ثمن الصفقة على ذمة المشترى وقدمت بذلك إيصال الإيداع..." ثم قال "إنه ينتج مما تقدم بيانه أن المستأنف عجز عن إثبات صورية الشفعة أو أن البائعين قد سخروا أختهم الشفيعة لرفعها مع أنها لا تملك الثمن إذ ثبت على العكس من قول شاهدى النفى ومن ظروف الدعوى أن الشفيعة مقتدرة على دفع الثمن وفعلا أودعته ببنك مصر على ذمة المشترى بل أنها اشترت أطيانا أخرى بعد رفع دعوى الشفعة بحوالى ألفى جنيه...".
وحيث إنه يبين من هذا الذى أورده الحكم أنه إذ اطرح أقوال شهود الطاعن استند إلى أدلة سائغة استمدها من وقائع الدعوى ومما قاله شاهدا النفى. ولما كان تقدير الدليل هو مما تستقل به محكمة الموضوع وكان لها وهى تباشر سلطتها فى هذا التقدير أن تأخذ بما تطمئن إليه مطرحة ما عداه ولو كان محتملا متى أقامت قضاءها على أسباب تؤدى إلى النتيجة التى انتهت إليها ولها أصلها الثابت فى الأوراق، لما كان ذلك يتعين ما ينعاه الطاعن لا يعدو أن يكون جدلا فى تقدير شهادة الشهود والأوراق الموجودة فى الدعوى يكون النعى بهذا السبب فى غير محله ومتعينا رفضه.
وحيث إن حاصل السببين الثانى والثالث أن الحكم أخطأ فى تطبيق القانون وشابه خطأ فى الإسناد إذ استبعد تقرير الخبير بمقولة إنه لم يحقق واقعة القسمة مع أنه حققها فى النطاق المرسوم له فى المأمورية التى كلف بها، على أنه لو كان نطاق المأمورية أوسع مما اتجه إليه بحثه لوجب إعادة المأمورية إليه أو ندب خبير آخر لاستيفاء بحثها، وقعود المحكمة عن ذلك يعتبر عدولا عن تنفيذ حكمها التمهيدى بغير مقتض من القانون، هذا إلى أن الحكم أخطأ فى اعتبار الطاعن عاجزا عن تقديم الدليل على القسمة بعد أن وكل تحديدها إلى الخبرة، وأخطأ فى اعتباره مكلفا بتقديم هذا الدليل فى حين أن حسن تطبيق القانون يقتضى مطالبة الشفيعة بتقديم الدليل على الشيوع بحسبانها مدعية فى الدعوى.
وحيث إن هذا النعى مردود فى جميع وجوهه بأن محكمة الاستئناف ندبت الخبير بحكمها الصادر بتاريخ 14 من يونيه سنة 1949 - كما يبين من ذلك الحكم - بناء على طلب الطاعن لإثبات ما تمسك به كقرينة على حصول القسمة من أن مساحة الأطيان المبيعة هى كل ما تشتمل عليه الأحواض الأربعة التى ورد فى عقد البيع أن الأطيان وقع فيها، ولما أن قدم الخبير تقريره عن ذلك رأت المحكمة فى حدود سلطتها التقديرية ولأسباب سائغة أن هذا التقرير غير منتج فى إثبات ما يدعيه الطاعن من حصول القسمة ولم يتقدم هو بطلب إعادة المأمورية إلى الخبير أو ندب خلافه لتحقيق القسمة من سبيل آخر، ولما كان لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها عن قيام حالة الشيوع التى يدعيها أحد الأخصام من أى دليل فى الدعوى دون أن تكون ملزمة بندب خبير لا ترى بها حاجة إلى الاستعانة به حتى ولو كانت قد ندبت أحد الخبراء من قبل لتحقيق مزاعم خصم آخر عن حصول القسمة ما دامت لم تر فى تقريره ما يعارض الأسانيد الدالة على الشيوع، وقد استدل الحكم الابتدائى الذى أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه على قيام حالة الشيوع بقوله: "... إنه يبين من الاطلاع على أوراد المال المقدمة من المدعية أن المورث يملك بناحية البراشة 64 فدانا و11 قيراطا و18 سهما ولم يقدم المدعى عليه الخامس ما يفيد قسمة هذه الأعيان سوى قوله المجرد عن الدليل والذى تنفيه أوراد المال المقدمة من المدعية ووجود قصر بين الورثة الأمر الذى يقتضى لوقوع القسمة موافقة المحكمة الحسبية عليها" وهى أدلة تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها - لما كان ذلك فان الحكم المطعون فيه لا يكون قد أخطأ فى شئ مما ينسبه إليه الطاعن ويكون النعى بالسببين الثانى والثالث أيضا فى غير محله وواجب الرفض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ومتعينا رفضه موضوعا.