أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الرابع - السنة 6 - صـ 1629

جلسة 29 من ديسمبر سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل وكيل المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: محمد فؤاد جابر ومحمد عبد الرحمن يوسف، ومحمد عبد الواحد على، وأحمد قوشه المستشارين.

(227)
القضية رقم 241 سنة 22 القضائية

( أ ) نقض. طعن. سبب جديد. أحوال شخصية. (دوطة). التمسك بأن المبلغ المطالب به عبارة عن "دوطة" وليس قرضا. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
(ب) حكم. تسبيبه. أحوال شخصية. (دوطة). عدم التزام المحكمة بتتبع أقوال الخصم والرد عليها استقلالا. يكفى قيام الحكم على أسباب مؤدية. مثال.
1 - متى كانت الخصومة قد ترددت بين طرفيها أمام محكمة الموضوع على أساس أنها منازعة مدنية وهى رد مقابل شيك باعتباره قرضا وسلم المدين بقبضه له بعد إنكاره وقصر منازعته على أنه رد المبلغ المطالب به للدائن دون أن يثبت بأوراق الدعوى ما يفيد تحدى المدين بأن المبلغ المطالب به عبارة عن "دوطة" مما يدخل فى نطاق المال المشترك بين الزوجين أو أنه يخضع لأحكام قانون الأحوال الشخصية الخاص بالمدين، وكان مناط اعتبار المبلغ "دوطة" إنما يتوقف على وقائع وظروف لم يتمسك بها المدين ولم يطرحها على محكمة الموضوع - فإنه لا يجوز إثارة هذا الدفاع لأول مرة لدى محكمة النقض.
2 - متى كان محكمة الموضوع قد فصلت فى الدعوى على مقتضى ما استظهرته من الوقائع التى طرحها الخصوم عليها بأن المبلغ المطلوب كان قرضا ولم يتمسك المدين بأنه "دوطة" فلم تر حاجة إلى مناقشة ما ورد بصحيفة الاستئناف المرفوع من الدائن من أن سند المبلغ حرر بمناسبة الزواج أو أن المبلغ أعطى كهدية زواج وسلم سنده للزوج دون الزوجة، إذ أن المحكمة غير ملزمة بتتبع أقوال الخصم والرد عليها استقلالا ما دامت قد اطمأنت إلى ما انتهى إليه قضاؤها وبررته بأسباب تستقيم معه.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن هذا الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن واقعة الدعوى - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن المطعون عليها أقامت الدعوى رقم 5017 سنة 946 كلى القاهرة المحالة من محكمة مصر الابتدائية المختلطة برقم 81 سنة 72 ق طلبت فى صحيفتها المعلنة فى 31 من أكتوبر سنة 1946 الحكم بإلزام الطاعن بأن يدفع لها مبلغ ألف جنيه والفوائد بواقع 6% من تاريخ المطالبة الرسمية مع المصاريف والأتعاب وقالت شرحا لدعواها إنها تزوجت بالطاعن خلال سنة 1933 وقد أهداها والدها بمناسبة هذا الزواج "شيكا" باسمها على البنك الأهلى قيمته ألف جنيه فطلب إليها زوجها الطاعن يومئذ أن تقرضه هذا المبلغ ليستثمره فى تجارته فحولت إليه الشيك وقبض قيمته ولما أن انفصمت عروة الحياة الزوجية بينهما بالطلاق أمام المحكمة القنصلية الانجليزية بالقاهرة فى 12/ 12/ 1945 طالبته برد المبلغ إليها إلا أنه أنكره فأقامت عليه هذه الدعوى فكان دفاعه فيها أن المطعون عليها حولت له هذا الشيك على سبيل الوكالة فى القبض وقد قبض قيمته فعلا ثم سلمها للمطعون عليها فأنفقت بعض هذا المبلغ فى شراء ما كان ينقصها من جهاز وأنفقت الباقى فى رحلة إلى الخارج وقد أنكرت المطعون عليها على الطاعن هذا الدفاع مصرة على أنه قبض المبلغ على سبيل القرض وأن الزوجية كانت مانعة من الحصول على دليل كتابى فقضت محكمة الدرجة الأولى تمهيديا فى 20 من مارس سنة 1950 بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المدعية أن تسلم الطاعن للمبلغ أثناء الزوجية كان على سبيل القرض والاستثمار لحسابها الخاص وصرحت للطاعن بالنفى وقد نفذ حكم التحقيق وسمعت شهود المطعون عليها دون الطاعن الذى قرر أنه ليس لديه شهود لأن رده المبلغ للمطعون عليها كان فى مجلس لا يضم سوى الزوجين - وبتاريخ 8 من مايو سنة 1950 قضت المحكمة برفض الدعوى. فاستأنفت المطعون عليها هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة وقيد بجدولها برقم 559 سنة 67 ق وطلبت فى صحيفته الحكم بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام الطاعن بأن يدفع لها مبلغ ألف جنيه والفوائد بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام الوفاء مع المصاريف والأتعاب عن الدرجتين وبتاريخ 22 من مايو سنة 1952 قضت محكمة الاستئناف للمطعون عليها بطلباتها المشار إليها مؤسسة قضاءها على أن الطاعن أنكر استلامه لهذا المبلغ إبتداء ثم عاد فعدل عن هذا الإنكار وقرر أنه استلم المبلغ حقيقة ولكنه أنفقه فى شئون الزوجية بشراء بعض الجهاز كما أنفق الباقى فى رحلة لأوروبا قضياها معا وهذا ينافى تقاليد البيئة التى ينتمى إليها الزوجان التى تقضى بأن يؤثث الزوج المنزل قبل الزواج ونفقات الرحلة عليه كذلك ثم لجأ الطاعن إلى دفاع جديد هو أن الزوجة حولت الشيك إليه على سبيل الوكالة لمجرد قبض المبلغ ورده إليها وهذا الاضطراب فى دفاعه يدل على قبضه المبلغ دون رده وبصرف النظر عن نتيجة التحقيق فإن الأدلة والقرائن المشار إليها تكفى لإثبات مديونية الطاعن فى المبلغ المطالب به وأهم هذه الأدلة كتاب البنك الدال على استلامه المبلغ ومنها تقرير مساعد مسجل القنصلية وما استخلصه فيه من ظروف دعوى الطلاق وبحكم صلته بالأسرة من أن الطاعن قد اقترض من زوجته المبلغ المطالب به دون أن يرده إليها: فطعن الطاعن على هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بنى على أربعة أسباب: يتحصل أولها فى أن الحكم المطعون فيه أخطأ تكييف العلاقة القانونية فى خصوص الشيك محل النزاع ذلك بأن التبرع المالى الذى يقدمه ولى الزوجة بمناسبة الزواج لكى يستعان به فى شئون الزوجية إنما هو "دوطة" تحكمها قواعدها المبينة بقوانين الأحوال الشخصية للأجانب ونظرا لأن الأجانب الذين شملتهم معاهدة منتريه لهم حكم خاص بالنسبة للعلاقات المالية بين الزوجين إذا كان منشؤها بسبب الزواج وأن المادة 13 من القانون المدنى الجديد تقرر أن القانون الواجب التطبيق هو قانون الدولة التى ينتمى إليها الزوج وقت الزواج ولما كان المال المدعى به مسلما للطاعن على أنه هدية من والد الزوجة يوم الزواج وبسببه وللمعونة به على الحياة الزوجية فلا بد أن يحكمه قانون الزوج وقت الزواج وهو القانون الانجليزى وتلك قاعدة من قواعد الأحوال الشخصية أهمل الحكم تطبيقها وهى متعلقة بالنظام العام مما تجوز إثارتها ولو لأول مرة أمام محكمة النقض وكان على المحكمة أن تثيرها من تلقاء نفسها ولو لم يتمسك بها الخصوم - والحكم المطعون فيه إذ أخطأ هذا التكييف وأغفل تحديد القانون الواجب التطبيق وإعمال نصوصه فى خصوص هذه الدعوى على ما سبق بيانه يتعين نقضه.
ومن حيث إن هذا النعى مردود بأنه متى كان يبين من الأوراق أن الخصومة ترددت بين طرفيها أمام محكمة الموضوع على أساس المطالبة برد مقابل الشيك محل النزاع باعتباره قرضا وقد سلم الطاعن بقبضه له بعد إنكاره وقصر منازعته على أنه رد المبلغ المطالب به للمطعون عليها وكانت محكمة الموضوع قد استظهرت دفاع الطرفين فى هذا الخصوص على اعتبار أنه علاقة مدنية بحتة وخلصت منه إلى أن المبلغ كان قرضا لم يرد ثم قضت على الطاعن به دون أن يثبت بأوراق الدعوى ما يفيد أن الطاعن قد تحدى أمامها بأن المبلغ المطالب به عبارة عن "دوطة" مما يدخل فى نطاق المال المشترك بين الزوجين أو أنه يخضع لأحكام قانون الأحوال الشخصية الخاص بالطاعن ولما كان مناط اعتبار المبلغ "دوطه" إنما يتوقف على وقائع وظروف لم يتمسك بها الطاعن ولم يطرحها على محكمة الموضوع فمن ثم لا يكون هناك محل لإثارة هذا الدفاع لأول مرة لدى محكمة النقض لجدته ويتعين لذلك رفض هذا السبب.
ومن حيث إن السبب الثانى يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه قد أثبت واقعة جوهرية لا سند لها من الأوراق ذلك بأنه أورد فى أسبابه أنه اتضح للمحكمة أن المطعون عليها حولت الشيك لزوجها لأنه رغب فى اقتراض المبلغ لاستعماله "فى أعماله التجارية... وأن هذه الواقعة اتضحت من مراجعة الأوراق" مع أنه لا توجد فى الأوراق ورقة واحدة تدل على أن التحويل كان بقصد القرض بل إن هذه الواقعة بذاتها كانت مدار بحث أمام محكمة أول درجة أحيلت الدعوى على التحقيق لاثباتها ولما لم يتوفر الدليل عليها قضت برفض الدعوى هذا ولأن الشيك يعتبر أداة وفاء وقد يكون الوفاء فى هذه الدعوى وفاء لالتزام طبيعى وهو تسليم ولى الزوجة مالا على سبيل الهبة وهو ما قرره والد الزوجة أمام المحكمة القنصلية فإذا كان هذا وكان تحرير الشيك إلى المطعون عليها عند الزواج ولمناسبته كان تحويله منها إلى الطاعن كذلك، فالقول بأنه قرض لاخراجه من نطاق الأحوال الشخصية غير جائز وخلق لواقعة لا أصل لها فى الأوراق مما يعتبر مسخا لأوراق الدعوى، وأما استناد الحكم المطعون فيه إلى تقرير مساعد مسجل القنصلية الذى يفيد علم صاحبه بواقعة القرض وعدم الرد فغير جائز لأنه مجرد ورقة عرفية خالية من التوقيع ولا يجوز الاستناد إليها كسند أو دليل فى الدعوى.
ومن حيث إن هذا النعى مردود بأن الحكم المطعون فيه إذ أورد
"أنه اتضح من مراجعة الأوراق... أن المطعون عليها حولت الشيك لزوجها (الطاعن) الذى رغب فى افتراض قيمته لاستثمارها فى تجارته" وكان هذا الذى أورده الحكم نقلا عما ورد بصحيفة دعوى المطعون عليها الخاصة بالطلاق لدى المحكمة القنصلية والتى نقلها الطاعن نفسه فى ديباجة تقرير طعنه الحالى فلا تكون المحكمة - بإيراد هذه العبارة - قد خلقت واقعة لا سند لها من الأوراق بل هى واقعة وردت فعلا فى أوراق الدعوى ودارت عليها الخصومة وكانت محل بحث وتحقيق أمامها وقد استندت محكمة الاستئناف فى إثباتها إلى كتاب البنك الأهلى الدال على قبض الطاعن للمبلغ وإلى تناقضه واضطرابه فى دفاعه بعد الانكار المطلق لواقعة القبض على النحو الذى أوردته فى حكمها واعتبرت أن "هذه الأدلة والقرائن تكفى لإثبات مديونية الطاعن للمطعون عليه فى المبلغ المطالب به" وحسب الحكم المطعون فيه أن يكون مقاما على هذه الأدلة والقرائن المستمدة من إقرارات الطاعن واضطرابه فى دفاعه بما يكفى لحمله بلا رقابة لمحكمة النقض فيه مما يتعين معه رفض هذا السبب.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه لم يتعرض لما ذكرته المطعون عليها فى صحيفة استئنافها من أن والدها وافق على الزواج بناء على إصرار ابنته وأنه حرر لها الشيك بمبلغ ألف جنيه وفى هذا ما يدل على أن المبلغ إنما دفع بمناسبة الزواج ولهذا قال الوالد إن المبلغ تسلم أولا للطاعن فالقول بأن المبلغ سلم للزوج كقرض لا يتفق مع هذا القول الذى تقرره المطعون عليها فى صحيفة استئنافها وما يقرره والدها، وقد نقلت المطعون عليها فى مذكراتها ما قرره والدها أمام قاضى القنصلية حرفيا "بأنه أعطى هذا المبلغ كهدية زواج وأنه سلم هذا المبلغ إلى الزوج لا إلى ابنته" فلو أن المحكمة راعت الحكم القانونى على ضوء هذه الوقائع الثابتة لاهتدت إلى التكييف الصحيح خلافا لما انتهى إليه قضاؤها.
ومن حيث إن هذا النعى مردود بما سبق الرد به على السببين الأولين من أنه متى كانت محكمة الموضوع قد فصلت فى الدعوى على مقتضى ما استظهرته من الوقائع التى طرحها الخصوم عليها بأن المبلغ المطلوب كان قرضا ولم يتمسك أحد بأنه "دوطه" فلم تر حاجة إلى مناقشة ما ورد بصحيفة استئناف المطعون عليها من أن والدها وافق على الزواج بناء على إصرار ابنته وأنه حرر لها شيكا بمبلغ ألف جنيه او أن والدها أعطى هذا المبلغ كهدية زواج وسلم مستنده للطاعن دون ابنته إذ هى غير ملزمة بتتبع أقوال الخصم والرد عليها استقلالا ما دامت قد اطمأنت إلى ما انتهى إليه قضاؤها وبررته بأسباب تستقيم معه كما هو الحال فى الدعوى مما يتعين معه رفض هذا السبب.
ومن حيث إن حاصل السبب الرابع أن الحكم المطعون فيه قد أقيم على مجموعة من القرائن فإذا ما تبين أن هذه القرائن تنهار واحدة بعد أخرى لعدم صحتها أو لعدم وجود الدليل عليها فقد سقط الحكم جميعه لمخالفته قواعد الاثبات المقررة قانونا فاذا تبين أنه لا دليل على واقعة تحويل الشيك بقصد القرض وقد قيل فى الحكم المطعون فيه إنها ثابتة من الأوراق ثم تبين كذلك أن لا صحة لما ورد بالحكم من تناقض الطاعن فى دفاعه إذ أن ثبوت قبض المبلغ من البنك لا يتنافى مع عدم قيام المديونية عند المطالبة ولا ينهض دليلا على أن سبب القبض هو القرض خصوصا متى تبين أن هذا القبض كان بسبب الزواج.
ومن حيث إن هذا النعى مردود بأنه مجادلة فى تقدير الأدلة مما يستقل به قاضى الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض فيه مما يتعين معه رفض هذا السبب.