مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1965 إلى آخر يونيه سنة 1966) - صـ 496

(60)
جلسة 5 من مارس سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور ضياء الدين صالح رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة: عادل عزيز وحسنين رفعت وعزت عبد المحسن وبعد الستار آدم المستشارين.

القضية رقم 1301 لسنة 7 القضائية

( أ ) دعوى. "دعوى الالغاء". "التظلم السابق على رفع الدعوى". يقوم مقامه ويغنى عنه طلب المساعدة القضائية المقدم الى المحكمة المختصة للاعفاء من رسوم دعوى الالغاء - أساس ذلك.
(ب) موظف. "تعيين". "شروط التعيين". "شرط حسن السمعة". الحكم الغيابى لا يصلح للاستدلال على سوء السمعة - سقوط الحكم الغيابى بمضى المدة عليه دون أن يصدر من المحكوم عليه ما يشينه أو يؤخذ عليه - أثره - عدم امكان القول بتخلف شرط حسن السمعة.
(جـ) موظف. "تعيين". "شروط التعيين". "شرط حسن السمعة". تخلف هذا الشرط - يترتب عليه قابلية قرار التعيين للسحب أو الالغاء خلال الستين يوما - أثر ذلك - تحصن القرار من السحب والالغاء بانقضاء الميعاد المذكور.
1 - ان الحكمة من التظلم الوجوبى السابق على رفع دعوى الالغاء - سواء أكان التظلم الى الجهة الادارية التى أصدرت القرار، ان كانت هى التى تملك سحبه أو الرجوع فيه، أم الى الهيئات الرئيسية، ان كان المرجع اليها فى هذا السحب - وهو التظلم الذى جعله المشرع شرطا لقبول طلب الغاء القرارات الخاصة بالموظفين العموميين التى عينها وقرنه بوجوب انتظار المواعيد المقررة للبت فى هذا التظلم الوجوبى. ان الحكمة من هذا التظلم هى الرغبة فى التقليل من المنازعات بانهائها فى مراحلها الأولى بطريق أيسر للناس، وذلك بالعدول عن القرار المتظلم منه أن رأت الادارة أن المتظلم على حق فى تظلمه - ولا شك أنه يقوم مقام هذا التظلم - بل يغنى عنه - ذلك الطلب الذى يتقدم به صاحب الشأن الى لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة المختصة لاعفائه من رسوم دعوى قضائية بالغاء قرار ادارى معين لتحقق الغاية التى قصدها المشرع حين نص على لزوم التظلم من مثل هذا القرار. ذلك لأن طلب الاعفاء يعلن الى الجهة الادارية المختصة ببحثه وبذلك ينفتح أمامها الباب لسحب هذا القرار ان رأت الادارة أن طالب الاعفاء على حق. وهى ذات الحكمة التى انبنى عليها استلزام التظلم الوجوبى.
2 - ليس من العدل فى شىء أن يحتج على انسان بحكم صدر بناء على أقوال خصمه ودون أن يمكن هو ابداء أوجه دفاعه. ذلك فضلا عن أن الحكم الصادر فى الغيبة يتميز عن الحكم الحضورى بأنه جائز الطعن فيه بالمعارضة أمام القاضى الذى أصدره، ومعلوم أنه حكم قابل للطعن، حكم غير بات. ويتوقف مصيره على الفصل فى المعارضة المقدمة بشأنه. فالحكم الغيابى، والحالة هذه، لا يصلح البته للاستدلال على سوء السمعة أو على حسنها. وفى وقائع هذا الطعن فان الحكم الغيابى المشار اليه قد سقط بمضى المدة عليه، ولم يصدر من الطاعن بعد ذلك ما يشينه أو يؤخذ عليه.
3 - على فرض ان قرار تعيين الطاعن قد صدر معيبا لتخلف شرط حسن السمعة فيه وقت التعيين وهو شرط من شروط الصحة فان أقصى ما يترتب على فقدان قرار التعيين لهذا الشرط هو قابليته للسحب أو الالغاء خلال الستين يوما التالية لتاريخ صدوره بحيث يمتنع على جهة الادارة سحبه بعد فوات هذا الميعاد وصيرورته حصينا من الرجوع فيه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن فى أن الطاعن السيد/ محمد الهادى عطيه أقام الدعوى رقم 539 لسنة 14 قضائية أمام محكمة القضاء الادارى "هيئة الفصل بغير الطريق التأديبى" ضد وزارة التربية والتعليم بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة المذكورة فى 29 من ديسمبر سنة 1959 طلب فيها الحكم بالغاء القرار الصادر فى 25 من مايو سنة 1959 بسحب قرار تعيينه وبالزام الوزارة بأن تدفع له تعويضا مؤقتا قدره قرش صاغ واحد وذلك مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماه.. وقال - شرحا لدعواه - انه بعد أن حصل على الشهادة العالية وأجازة التدريس من كلية اللغة العربية عين فى 2 من فبراير سنة 1955 مدرسا بوزارة التربية والتعليم بعد استيفاء مسوغات تعيينه ومن بينها صحيفة الخلو من السوابق التى أستخرجت فى يناير سنة 1955 وكان قبل التحاقه بالخدمة قد أتهم كيدا فى جريمة هتك عرض وحكم عليه غيابيا فى سنة 1954 من محكمة جنح روض الفرج بالحبس ستة شهور وعشرة جنيهات كفالة لايقاف تنفيذ الحكم. وقد سقط هذا الحكم وسقطت الدعوى العمومية لعدم اتخاذ أى اجراء فيها خلال الثلاث سنوات التالية لصدور الحكم الا أنه قبض عليه فى 3 من يونية سنة 1958 وأفرجت عنه نيابة روض الفرج فى أول يوليه سنة 1958 لسقوط الدعوى العمومية بمضى المدة.. وبالرغم من ذلك أصدرت المنطقة التعليمية قرارا بايقافه عن العمل فى 30 من يونيه سنة 1958، فتظلم للوزارة طالبا رفع الايقاف الا أن الوزارة رفضت هذا الطلب.. ولما عرض الأمر على المحكمة التأديبية قررت فى 31 من ديسمبر سنة 1958 عدم الموافقة على الايقاف غير أن الوزارة أصدرت قرارها فى 25 من مايو سنة 1959 بسحب قرار تعيينه بحجة فقده شرط حسن السمعة والحكم عليه فى جريمة مخلة بالشرف فتظلم من هذا القرار ثم تقدم بطلب لاعفائه من رسوم دعوى الغاء القرار غير أن هذا الطلب قد رفض بجلسة 4 من نوفمبر سنة 1959 فأقام هذه الدعوى ونعى على القرار المذكور ومخالفته للقانون لأن الدعوى التأديبية والحكم الغيابى قد سقطا بمضى ثلاث سنوات على تاريخ آخر اجراء ويترتب على ذلك عدم قيام أى اتهام وبالتالى لا يجوز الاستناد الى هذا الحكم لوصف المدعى بأنه فقد شرط حسن السمعة لأنه لو أنه ووجه بالاتهام لكان من المقطوع به تغير الحكم وأنه لم يكن هناك محل لاستصدار حكم برد الاعتبار لأن الحكم غير نهائى وسقط لعدم اعلانه... وأضاف المدعى أن جهة الادارة قد اغتصبت السلطة اذ سحبت قرار التعيين لأنه صدر صحيحا فما كان يجوز سحبه وانما كان أقصى ما يجوز للوزارة أن تصدر قرارات بالفصل وعن طريق المحاكمة التأديبية.. وقد ردت الوزارة على الدعوى بمذكرة دفعت فيها بعدم قبولها شكلا لأن المدعى لم يتظلم من القرار المطعون فيه... أما عن الموضوع فقالت الوزارة أن المدعى حكم عليه غيابيا من محكمة جنح روض الفرج فى القضية رقم 22441 لسنة 1954 بحبسه ستة أشهر وكفالة عشرة جنيهات لاتهامه بهتك عرض أحمد حسن مندور فى 12، 15 من أبريل سنة 1952 بقسم روض الفرج. ولم يعارض فيه حتى أصبح نهائيا الا أنه لم يقبض عليه الا فى 30 من يونية سنة 1958 بعد أن سقط الحكم لمضى المدة القانونية فى 12 من مايو سنة 1957 فأخلى سبيله لهذا السبب.. وقد تبين لجهة الادارة أن قرار تعيين المدعى صدر معيبا لتخلف شرط حسن السمعة. ومثل هذا القرار - اذ انطوى على مخالفة جسيمة بأن خالف شرطا أساسيا من شروط التعيين فى الوظائف العامة وفى وظائف التدريس بصفة خاصة لا تلحقه أية حصانة ويجوز سحبه فى أى وقت.. وانتهت الوزارة الى طلب الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى شكلا واحتياطيا برفضها مع الزام المدعى بالمصروفات. وقدمت الوزارة حافظة أرفقت بها ملف خدمة المدعى. ثم قدم السيد مفوض الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا فى الدعوى انتهى فيه الى أنه يرى الحكم بعدم قبول الدعوى شكلا بالنسبة الى طلب الالغاء - استنادا الى أن المدعى لم يقدم ما يفيد تظلمه من القرار المطعون فيه - وبرفض دعوى التعويض والزام المدعى بالمصروفات - استنادا الى أن قرار التعيين باطل بطلانا مطلقا - وقد عقب المدعى على تقرير السيد المفوض فرد على الدفع بأن سحب جهة الادارة لقرار التعيين - تأسيسا على فرض خاطئ - يكون منعدم الأثر والقرار الادارى الذى يصدر بناء على غلط جوهرى يتخلف عنه أحد أركانه الجوهرية وهو ما ينتهى به الى العدم فلا يتحصن بالمواعيد ويكون الطعن فيه غير مقيد بالاجراءات التى فرضها القانون للطعن فى القرارات الادارية التى تشوبها مخالفات عادية ومن بينها سبق التظلم وأنه فضلا عن ذلك فان المدعى قد تقدم بطلب للاعفاء من الرسوم وهو بذاته من قبيل التظلم الادارى وأقوى منه دلالة على التظلم.. أما عن الموضوع فقد ذكر الطاعن أن المفوض خلط بين سقوط الدعوى وسقوط العقوبة.. وبعد أن أوضح الفرق بينهما قرر أنه ما كان يجوز لجهة الادارة أن ترتب على فعل زالت صفته الجنائية آثارا قانونية لا تترتب الا على حكم جنائى أو على الأقل فعل جنائى.. ثم رد على تخلف شرط حسن السمعة بأن هذا الشرط هو من الأوصاف القانونية التى حددت فى قانون موظفى الدولة بأنه ارتكاب جناية أو جنحة فى جريمة مخلة بالشرف فاذا كان كل ما نسب اليه أنه صدر ضده حكم جنائى فى جريمة مخلة بالشرف سقط نتيجة سقوط الدعوى الجنائية فان ما تذهب اليه جهة الادارة يكون غير سليم.. وبجلسة 12 من أبريل سنة 1961 قضت محكمة القضاء الادارى:
أولا - بعدم قبول طلب المدعى الغاء القرار الصادر فى 25 من مايو سنة 1959 - بسحب قرار تعيينه - لرفع الدعوى به بعد انقضاء الميعاد القانونى.
وثانيا - برفض طلب المدعى فى التعويض.
وثالثا - بالزام المدعى مصاريف الدعوى.
وأقامت قضاءها - بعدم قبول طلب الالغاء - على أن المدعى لم يقم ما يثبت أنه تظلم من القرار المطعون فيه قبل رفع الدعوى أما عن طلب التعويض فقد أقامت المحكمة قضاءها برفضه على أن الحكم الصادر فى 13 من أبريل سنة 1954 بحبس المدعى ستة أشهر مع الشغل فى جريمة هتك عرض كان يمنع من تعيينه فى وظيفة عامة فى تاريخ صدور القرار القاضى بالتعيين فى 5 من فبراير سنة 1955 - اذ الحكم لم يسقط بمضى المدة الا فى 12 من مايو سنة 1957 وذلك لأن شرط التعيين فى الوظائف العامة لم تكن متوافرة فى شأنه الأمر الذى يجعل تعيينه فى ذلك الوقت مخالفا للقانون ويكون سحب قرار التعيين غير مخالف للقانون وبذلك يكون طلب التعويض لا سند له من القانون.. وبصحيفة أودعت سكرتيرية هذه المحكمة فى 11 من يونيه سنة 1961 طعن المدعى فى هذا الحكم وبنى طعنه على نفس الأسباب التى أستند اليها فى صحيفة الدعوى ومذكرته السابق الاشارة اليها وأضاف اليها - بالنسبة للدفع بعدم قبول طلب الالغاء - أنه قد تظلم بالفعل من القرار المطعون فيه واذا كانت الوزارة قد تعمدت اخفاء هذا الواقعة لفقده الايصال الدال على ذلك فان ذلك لن يغير من الوقع شيئا.. كما أضاف بالنسبة للموضوع أن الحكم المطعون فيه قام على أمر افتراضى - هو أن الحكم الغيابى لم يسقط الا فى 12 من مايو سنة 1957 أى بعد صدور قرار التعيين فى وقت لم تكن شروط التعيين متوفرة فيه - وقال الطاعن أن هذا النظر غير سليم لأن تقدير سلامة قرار السحب انما يكون عند اصدار هذا القرار الذى صدر فى 25 من مايو سنة 1959 أى بعد أن زالت جميع آثار الحكم الجنائى ولذلك فانه ما كان يجوز لجهة الادارة أن تصدر قرارا بالسحب استنادا الى واقعة زالت كل آثارها الجنائية.. وقد قدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا فى الطعن انتهت فيه الى أنها ترى قبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا والزام الطاعن بالمصروفات واستندت فى ذلك الى أن الطعن على غير أساس من القانون لأنه بالنسبة للحكم بعدم قبول طلب الالغاء فان الطاعن لم يقدم الدليل على تقديمه تظلما كما أن طلب الاعفاء لا يغنى عنه. أما بالنسبة للحكم برفض طلب التعويض فان الطاعن قد خدش فى شرفه وسمعته بالحكم الغيابى المنوه عنه بعدم صلاحيته لتولى مهمة التعليم ويجعل من المتعذر بقائه فى وظيفة المربى فيكون قرار سحب تعيينه قرارا سليما ولا محل للبحث فى قيمة الحكم الجنائى الغيابى الذى سقط بمضى المدة لاختلاف المجال الادارى عن المجال الجنائى.. ثم قدم المدعى ثلاث مذكرات ردد فيها ما جاء بصحيفة الطعن وأضاف اليه - بالنسبة للحكم بعدم قبول دعوى الالغاء بأن الدعوى فى حقيقتها لا تكون طعنا فى قرار ادارى بالمعنى المفهوم ومن ثم فلم يكن التظلم واجبا قبل رفع الدعوى وذلك لأن قرار فصل الموظف نتيجة لصدور حكم جنائى موجب للفصل هو عمل تنفيذى وليس قرارا اداريا وحالة سحب قرار التعيين هى قرينة تلك الحالة وشبيهتها وأنه فضلا عن ذلك قدم طلبا الى لجنة المساعدة القضائية لاعفائه من رسوم دعوى الالغاء وهذا الطلب يقوم مقام التظلم الوجوبى ويغنى عنه. أما بالنسبة للموضوع فقال الطاعن أن فقدان الموظف شروط التعيين يؤدى الى انعدام القرار اذا لم يكن ذلك العيب قابلا لأن يصححه الزمن كأن لا يكون حاصلا على المؤهل أو فاقدا الجنسية الوطنية. أما اذا كان العيب يزول مع الزمن كصغر السن أو صدور حكم جنائى فهو عرضة للسقوط وينساه الناس بالاستقامة وحسن السيرة فان العيب لا يؤدى الى الانعدام، بل الى البطلان ويستقر القرار بعد مواعيد السحب. كما أن الطاعن لم يرتكب غشا باخفائه الحكم الصادر ضده لأنه قام بتقديم صحيفة السوابق وكانت خالية ولم يكن ذلك بسعيه بل نتيجة لسياسة الدولة بعدم اثبات المدد التى لا تجاوز ستة أشهر فى تلك الصحيفة. وأضاف الطاعن أنه قد عين مرة ثانية فى 10 من نوفمبر سنة 1962 فى وظيفة مدرس بمدرسة أمين سامى الاعدادية للبنات وقدمت ضده شكوى حققتها النيابة الادارية وانتهت الى حفظها لأن قرار التعيين قد تحصن بمضى المدة فلا يجوز سحبه وأيدتها فى ذلك ادارة الفتوى والتشريع المختصة.
أولا - عن الدفع بعدم القبول:
من حيث ان الحكومة قد دفعت بعدم قبول طلب الغاء قرار سحب تعيين الطاعن الصادر فى 25 من مايو سنة 1959 استنادا الى أنه لم يقدم تظلما من هذا القرار فى الميعاد القانونى.
ومن حيث ان هذه المحكمة سبق أن قضت ان الحكمة من التظلم الوجوبى السابق على رفع دعوى الالغاء سواء أكان التظلم الى الجهة الادارية التى أصدرت القرار، ان كانت هى التى تملك سحبه أو الرجوع فيه، أم الى الهيئات الرئيسية، ان كان المرجع اليها فى هذا السحب - وهو التظلم الذى جعله المشرع شرطا لقبول طلب الغاء القرارات الخاصة بالموظفين العموميين التى عينها وقرنه بوجوب انتظار المواعيد المقررة للبت فى هذا التظلم الوجوبى. ان الحكمة من هذا التظلم هى الرغبة فى التقليل من المنازعات بانهائها فى مراحلها الأولى بطريق أيسر للناس، وذلك بالعدول عن القرار المتظلم منه ان رأت الادارة أن المتظلم على حق فى تظلمه - ولا شك أنه يقوم مقام هذا التظلم - بل يغنى عنه - ذلك الطلب الذى يتقدم به صاحب الشأن الى لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة المختصة لاعفائه من رسوم دعوى قضائية بالغاء قرار ادارى معين لتحقيق الغاية التى قصدها المشرع حين نص على لزوم التظلم من مثل هذا القرار. ذلك لأن طلب الاعفاء يعلن الى الجهة الادارية المختصة ببحثه وبذلك ينفتح أمامها الباب لسحب هذا القرار ان رأت الادارة أن طالب الاعفاء على حق. وهى ذات الحكمة التى انبنى عليها استلزام التظلم الوجوبى.
ولما كان الثابت من الاطلاع على ملف لجنة المساعدة القضائية رقم 282 لسنة 13 قضائية، المنضم لهذا الطعن، أن الطاعن قد قدم فى 15 من يوليه سنة 1959 - أى خلال الستين يوما التالية لصدور قرار السحب الصادر فى 25 من مايو سنة 1959 - طلبا لاعفائه من رسوم دعوى يطلب فيها الغاء القرار المنوه عنه. وهذا الطلب يقوم، بلا شك، مقام التظلم الوجوبى المطلوب.. وقد قررت لجنة المساعدة القضائية رفض هذا الطلب بجلسة 4 من نوفمبر سنة 1959 فأقام الطاعن هذه الدعوى - بعد أن سدد رسومها - بصحيفة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الادارى فى 29 من ديسمبر سنة 1959 وبذلك تكون الدعوى قد رفعت فى الميعاد القانونى ويكون الدفع بعدم قبولها على غير سند من القانون - واذ قضى الحكم المطعون فيه بقبول هذا الدفع وبعدم قبول طلب الالغاء فانه يكون خليقا بالغاء والقضاء برفض الدفع بعدم قبول طلب الالغاء وبقبوله.
ثانيا - وعن الموضوع:
ومن حيث ان الطاعن قد أقام دعواه أمام محكمة القضاء الادارى طالبا الحكم بالغاء القرار الصادر فى 25 من مايو سنة 1959 بسحب قرار تعيينه وبالزام الوزارة بأن تدفع له تعويضا مؤقتا قدره قرش صاغ واحد.
ومن حيث أنه عن طلب الالغاء فان الوزارة قد أصدرت قرار السحب المنوه عنه استنادا الى أن قرار تعيين الطاعن الصادر فى 2 من فبراير سنة 1955 صدر معيبا لفقدان الطاعن شرط حسن السمعة بسبب الحكم عليه غيابيا فى 13 من أبريل سنة 1954 بحبسه ستة أشهر مع الشغل فى جريمة من جرائم هتك العرض.
وليس من العدل فى شىء أن يحتج على انسان بحكم صدر بناء على أقوال خصمه ودون أن يمكن هو ابداء أوجه دفاعه. ذلك فضلا عن أن الحكم الصادر فى الغيبة يتميز عن الحكم الحضورى بأنه جائز الطعن فيه بالمعارضة أمام القاضى الذى أصدره، ومعلوم أنه حكم قابل للطعن، حكم غير بات. ويتوقف مصيره على الفصل فى المعارضة المقدمة بشأنه. فالحكم الغيابى، والحالة هذه، لا يصلح البتة للاستدلال على سوء السمعة أو على حسنها. وفى وقائع هذا الطعن فان الحكم الغيابى المشار اليه قد سقط بمضى المدة عليه، ولم يصدر من الطاعن بعد ذلك ما يشينه أو يؤخذ عليه.
ومن حيث انه على فرض أن قرار تعيين الطاعن قد صدر معيبا لتخلف شرط حسن السمعة فيه وقت التعيين وهو شرط من شروط الصحة فان أقصى ما يترتب على فقدان قرار التعيين لهذا الشرط هو قابليته للسحب أو الالغاء خلال الستين يوما التالية لتاريخ صدوره بحيث يمتنع على جهة الادارة سحبه بعد فوات هذا الميعاد وصيرورته حصينا من الرجوع فيه.
ومن حيث ان قرار السحب المطعون فيه قد صدر فى 25 من مايو سنة 1959 بعد مضى أكثر من أربع سنوات على قرار التعيين أى فى وقت كان فيه هذا القرار الأخير قد أصبح حصينا من الرجوع فيه وبذلك يكون قرار السحب قد صدر مخالفا للقانون ويتعين لذلك القضاء بالغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار والزام الحكومة مصروفات هذا الطلب وغنى عن البيان أنه يتعين على الموظف أن يلتزم السلوك الحميد سواء فى حياته السابقة لتوظفه أو اللاحقة عليه فاذا ما تبين للجهة الادارية أن الطاعن لم يلتزم السلوك الحميد فى أى وقت كان لها أن تصدر قرارا بفصله لتخلف شرط حسن السمعة بالنسبة اليه.
ومن حيث انه عن التعويض الذى يطلب الطاعن الحكم له به فانه وقد أجابته المحكمة الى طلب الالغاء فلا محل للحكم بتعويض اذ فى الحكم له بالالغاء ما يجبر كل ضرر ويتعين لذلك القضاء برفض هذا الطلب مع الزام الطاعن بمصروفاته.
ومن حيث أنه لكل ما تقدم يتعين الحكم بالغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدفع بعدم قبول طلب الالغاء وبقبوله وبالغاء القرار الصادر فى 25 من مايو سنة 1959 بسحب قرار تعيين الطاعن والزام الحكومة بالمصروفات المناسبة ورفض ما عدا ذلك من الطلبات..

"فلهذه الأسباب":

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدفع بعدم قبول طلب الالغاء، وبقبوله، وبالغاء القرار الصادر فى 25 من مايو سنة 1959 بسحب قرار التعيين، وألزمت الحكومة بالمصروفات المناسبة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.