مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى تضمنتها فتاوى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع
السنة السادسة والعشرون (من أول اكتوبر سنة 1971 الى آخر سبتمبر سنة 1972) - صـ 236

(فتوى رقم 225 بتاريخ 16 من مارس سنة 1972 ملف رقم 86/ 6/ 191)
(72)
جلسة 8 من مارس سنة 1972

(1) قانون - قاعدة سريان القانون من حيث الزمان لها وجهان - وجه سلبى يتمثل فى انعدام أثره الرجعى - ووجه ايجابى ينحصر فى أثره المباشر - القانون الجديد لا يحكم ما تم فى ظل الماضى سواء فيما تعلق بتكوين أو انقضاء الوضع القانونى أو فيما ترتب من آثار على وضع قانونى - بالنسبة للآثار التى تستمر وقتا طويلا فان ما تم فيها فى ظل القانون القديم لا تأثير للقانون الجديد عليه وما لم يتم منها يخضعه القانون الجديد لأثره المباشر دون أن يعد ذلك رجعية منه - القانون الجديد بما له من أثر مباشر تبدأ ولايته من يوم نفاذه ليس فقط على ما سوف ينشأ من أوضاع قانونية فى ظله ولكن كذلك على الأوضاع القانونية التى بدأ تكوينها أو انقضاؤها فى ظل الوضع القديم ولم يتم هذا التكوين أو الانقضاء الا فى ظل القانون الجديد وكذلك على الآثار المستقبلة لوضع قانونى سابق تكون أو انقضى أى على الاثار التى تترتب على هذا الوضع ابتداء من يوم نفاذ القانون الجديد.
(2) قانون - سريان القانون من حيث الزمان - القانون رقم 97 لسنة 1969 بتنظيم العمل لوظائف معينة لدى جهات أجنبية - النص فيه على أنه لا يجوز الوزراء ونواب الوزراء ومن فى درجتهم أن يعملوا لدى الحكومة أو المؤسسات الأجنبية بأشكالها المختلفة أو لدى الأجانب أو أن يقوموا بأى عمل لحساب تلك الجهات خلال الخمس سنوات التالية لترك مناصبهم - سريان هذا الحظر على الأشخاص الذين لم يمضى على تركهم للمنصب مدة الخمس سنوات المتتالية - مثال.
تعاقدت وزارة النقل فى 21/ 9/ 1970 مع أحد بيوت الخبرة الفرنسية (سوفريتى) لعمل دراسات خاصة بمشروع مترو الانفاق للقاهرة الكبرى، وقد نصت المادة الرابعة من العقد المبرم بين الطرفين وهى الخاصة بالمستشارين المساعدين من جمهورية مصر على أنه "من أجل تنفيذ الخدمات المطلوبة للمشروع بناء على هذا العقد يمكن" (لسوفريتى) "أن تعهد لمستشارين مساعدين مهندسين من ج. ع. م بأجزاء من الهندسة المعمارية والميكانيكية والهندسة الكهربائية الا أنه بالنسبة الى جميع الدراسات المتعلقة بعمليات المسح والمهمات والانشاءات الميكانيكية والكهربائية والحركة والاشارات والخطوط، فانها تنجز بصفة أساسية بواسطة مهندسين أو خبراء فرنسيين ومع ذلك فان "لسوفريتى" أن تستخدم مستشارين مساعدين من ج. ع. م بسبب معرفتهم للظروف المحلية. وفى هذه الحالة يتطلب الأمر تصديق الوزارة على القائمة الخاصة بهؤلاء المستشارين المساعدين المتضمنة أسماؤهم وعناوينهم وبيانات تفصيلية عن الجزء من العقد الذى سيعهد لهم وفى حالة عدم موافقة الوزارة على واحد أو أكثر من المستشارين المساعدين المعينين فى الكشوف فينبغى اخطار السوفريتى كتابة بالرفض، وقبول الوزارة لمساعدى المستشارين هؤلاء لا يقلل أو يكون له تأثير على المسئولية الكاملة لسوفريتى عن التنفيذ الصحيح والملائم للعقد".
وتنفيذا لهذا النص فقد طلبت شركة سوفريتى الاستعانة بالسيد المهندس... كمستشار مساعد وكانت قد اتفقت مع سيادته على ذلك فى أوائل يونيه سنة 1969 قبل تقديم عطائها فى 11/ 6/ 1969.
ونظرا لوضع السيد المهندس... كوزير سابق للنقل فقد طلبت الوزارة من ادارة الفتوى لوزارة النقل الافادة بالرأى عن مدى انطباق أحكام القرار الجمهورى بالقانون رقم 97 لسنة 1969 والخاص بتنظيم العمل لدى جهات أجنبية بالنسبة الى وظائف معينة على سيادته وقد ذهبت الادارة المذكورة الى أنه بعرض هذا الموضوع على اللجنة الثالثة للفتوى فى جلستها المنعقدة بتاريخ 9/ 8/ 1971 انتهت الى خضوع السيد المهندس المذكور لأحكام القانون المشار اليه.
ومن حيث أن المادة الأولى من القانون رقم 97 لسنة 1969 المشار أليه تنص على أنه "لا يجوز للوزراء ونواب الوزراء ومن فى درجتهم أن يعملوا لدى الحكومات أو المؤسسات الأجنبية بأشكالها المختلفة أو لدى الأجانب أو أن يقوموا بأى عمل لحساب تلك الجهات خلال الخمس سنوات التالية لترك مناصبهم. ولا يسرى هذا الحظر على من يعملون لدى الهيئات". كما تنص المادة الرابعة من هذا القانون على أن:
"ينشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية وتكون له قوة القانون ويعمل به من تاريخ نشره".
وقد تم نشر هذا القانون فى 25 من ديسمبر سنة 1969.
وقد جاء بالمذكرة الايضاحية للقانون رقم 97 لسنة 1969 المشار اليه ما يلى:
نظم القانون رقم 173 لسنة 1958 دور الحكومة عند قيام أى مواطن بالعمل لدى جهة أجنبية وذلك باشتراط الحصول على اذن سابق من وزير الداخلية ولمدة محددة يجوز له تجديدها كما يجوز له انهاء الاذن فى أى وقت.. وقد دعت المصلحة القيام الى وضع هذا التنظيم حماية للثروة البشرية وحفاظا على أمن الدولة وعملا على منع الأضرار بمصالحها أو بسمعتها.. وهذا التنظيم عام يشمل جميع المواطنين وتمشيا مع نفس الغرض الذى صدر من أجله القانون رقم 73 لسنة 1958 فان المصالح العليا للدولة تقتضى وضع أحكام خاصة بالنسبة لشاغلى الوظائف القيادية العليا فى الدولة التى يتمتع شاغلوها بأوضاع وظيفية رئيسية وهامة الأمر الذى يتطلب تقرير ضمانات أقوى حماية للوظائف المذكورة وشاغليها وتحقيقا للصالح العام.
ومن حيث أنه وان كان هذا القانون قد نص على أن يعمل به اعتبارا من تاريخ نشره، فهذا يعنى تحديد المجال الزمنى للقواعد والأحكام التى تضمنها وهذا أمر طبيعى اذ من المقرر أن القاعدة القانونية هى تكليف بأمر أو بسلوك معين ومن المنطقى أن يكون هناك تحديد واضح للعمل بها حتى يستطيع الأفراد أن يكونوا على بينة من أمرهم فى احترام ما أتت به القاعدة القانونية من أمر أو نهى كما أنه وان كان هذا القانون لم يتضمن نصا صريحا يفيد سريان حكمه على الماضى الا أن المقصود من تحديد تاريخ العمل به هو أعمال الأثر الفورى والمباشر للقانون.
ومن حيث أنه من المقرر فى فقه القانون أن قاعدة سريان القانون من حيث الزمان لها فى الحقيقة وجهان. وجه سلبى يتمثل فى انعدام أثره الرجعى. ووجه ايجابى ينحصر فى أثره المباشر، فبالنسبة الى عدم الرجعية فان القانون الجديد ليس له أثر رجعى أى أنه لا يحكم مما تم فى ظل الماضى سواء فيما تعلق بتكوين أو انقضاء الوضع القانونى أو فيما ترتب من آثار على وضع قانونى، فاذا كان الوضع القانونى قد تكون أو انقضى فى القانون القديم فلا يملك القانون الجديد المساس بهذا الوضع وفيما تعلق بالآثار التى تستمر وقتا طويلا فما تم فيها فى ظل القانون القديم لا تأثير للقانون الجديد عليه، وما لم يتم منها يخضعه القانون الجديد لأثره المباشر ولا يعد ذلك رجعية منه.
أما بالنسبة الى الأثر المباشر للقانون فانه وان كان من المقرر أن القانون الجديد ليس له أثر رجعى فمن الخطأ الاقتصار على مجرد تقرير هذا المبدأ وحده لأنه يكفى لحل التنازع بين القوانين فى الزمان فالقانون الجديد اذن بما له من أثر مباشر تبدأ ولايته من يوم نفاذه ليس فقط على ما سوف ينشأ من أوضاع قانونية فى ظله ولكن كذلك على الأوضاع القانونية التى بدأ تكوينها أو انقضائها فى ظل الوضع القديم ولم يتم هذا التكوين أو الانقضاء الا فى ظل القانون الجديد وكذلك على الآثار المستقبلة لوضع قانونى سابق تكون أو انقضى أى على الآثار التى تترتب على هذا الوضع ابتداء من يوم نفاذ القانون الجديد.
وبهذا الفكر القانونى ذهبت المحكمة الادارية العليا الى أن القانون بوجه عام يحكم الوقائع والمراكز التى تتم تحت سلطانه أى فى الفترة ما بين تاريخ العمل به والغائه وهذا هو مجال تطبيقه الزمنى، فيسرى القانون الجديد بأثره المباشر على الوقائع والمراكز القانونية التى تقع أو تتم بعد نفاذه، ولا يسرى بأثر رجعى على المراكز والوقائع التى تقع أو تتم قبل نفاذه، الا بنص صريح يقرر الأثر الرجعى، ومن ناحية أخرى لا يسرى القانون القديم على المراكز أو الوقائع القانونية التى تقع أو تتم بعد الغائه الا اذا مد العمل به بالنص وهذا كله يصدق على الوقائع والمراكز القانونية من حيث تكوينها أما الآثار المستقبلية المترتبة عليه فتخضع للقانون الجديد بحكم أثره المباشر.
ومن حيث أنه فضلا عن ذلك فقد أفصحت المذكرة الايضاحية للقانون رقم 97 لسنة 1969 المشار اليه عن نية المشرع وقصده من ايراد الأحكام التى تناولها هذا القانون، اذ رأت أن المصالح العليا للدولة اقتضت وضع أحكام خاصة بالنسبة الى الوزراء ونوابهم ومن فى درجتهم وهم شاغلوا الوظائف القيادية العليا فيها ويتمتعون بأوضاع وظيفية رئيسية وهامة وهذه الأحكام تتطلب تقرير ضمانات أقوى حماية لتلك الوظائف ولشاغليها وتحقيقا للصالح العام الأمر الذى حظر على هؤلاء العمل فى الحكومات والمؤسسات الأجنبية أيا كان شكلها القانونى وأيا كان العمل وذك خلال الخمس سنوات التالية لتاريخ تركهم مناصبهم.. فالمصلحة العليا للدولة كانت هى رائدة المشرع وبغيته فى استصداد ذلك القانون ومما لا شك فيه أن تلك المصلحة لا تتحقق الا بسريان حكمه على شاغلى هذه الوظائف الذين تركوا مناصبهم قبل تاريخ العمل به ولم يمض على تركهم وظائفهم مدة الخمس سنوات المتطلبة.
هذا ومما هو جدير بالذكر أن النظرة المتقدمة لا تعنى بأى حال المساس بالأوضاع القانونية التى تكونت أو انقضت قبل تاريخ العمل بالقانون المذكور فهى أوضاع وآثار صحيحة تمت فى ظل نظام قانونى لم يكن يتضمن مثل هذا الحظر فتبقى سليمة منتجة لآثارها التى تمت وانتهت أما ما يتولد من آثار عن أوضاع قانونية قبل تاريخ العمل بالقانون الجديد فان هذا القانون الجديد يحكم هذه الآثار المستقبلة أعمالا لقاعدة الأثر المباشر له. ويتفرع عن هذا النظر أنه فى مجال حساب مدة الحظر وهى الخمس سنوات التالية لتاريخ ترك المذكورين لمناصبهم فان المدة السابقة على تاريخ العمل بالقانون الجديد تدخل فى حساب مدة الخمس سنوات أى أنه يحظر على هؤلاء العمل لدى الجهات الأجنبية لمدة تكمل معها خمس سنوات.
لهذا انتهى رأى الجمعية العمومية الى تأييد رأى اللجنة الثالثة للفتوى والذى خلص الى أنه ما دام أن السيد المهندس... قد ترك منصبه كوزير للنقل فى عام 1967 فان أحكام القانون رقم 97 لسنة 1969 المشار اليه تسرى عليه ما دام أنه لم يمض على تركه لهذا المنصب مدة الخمس سنوات المتطلبة.