مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) - صـ 602

جلسة 24 أكتوبر سنة 1932

تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا.

(368)
القضية رقم 2387 سنة 2 القضائية

( أ ) ضرب أو جرح عمد. القصد الجنائى فى هذه الجريمة. متى يتوافر؟
(ب) جرح عمد. طبيب جراح. ارتفاع مسئوليته الجنائية عن فعل الجرح. أساس ذلك.
(المادتان 205 و206 ع)
1 - يتوافر القصد الجنائى فى جريمة الضرب أو الجرح العمد متى ارتكب الجانى فعل الضرب أو الجرح عن إرادة وعلم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم الشخص المصاب أو صحته. ولا عبرة بالبواعث.
2 - الطبيب الجرّاح لا يعدّ مرتكبا لجريمة الجرح عمدا لأن قانون مهنته - اعتمادا على شهادته الدراسية - قد رخص له فى إجراء العمليات الجراحية بأجسام المرضى. وبهذا الترخيص وحده ترتفع مسئوليته الجنائية عن فعل الجرح.
الطعن المقدّم من محمود أبو السعود بكير ضدّ النيابة العامة فى دعواها رقم 1395 سنة 1932 المقيدة بجدول المحكمة رقم 2387 سنة 2 قضائية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة هذا الطاعن بأنه فى يوم 12 أكتوبر سنة 1931 بالبدرشين: (أولا) تسبب بغير قصد ولا تعمد فى قتل الطفل عاشور عبد السلام بأن كان ذلك ناشئا عن إهماله ومخالفته اللوائح إذ عمل له عملية جراحية رغم أنه غير مرخص له بتعاطى الطب. (ثانيا) تعاطى صناعة الطب بدون رخصة وطلبت من محكمة جنح الجيزة الجزئية عقابه بالمادة 202 من قانون العقوبات وبالمادتين 1 و14 من القانون رقم 6 سنة 1928 الخاص بتعاطى صناعة الطب.
وبعد أن سمعت المحكمة الدعوى حكمت حضوريا فى 19 نوفمبر سنة 1931 عملا بالمواد السابقة مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات بحبس المتهم ستة شهور مع الشغل. فاستأنف هذا الحكم يوم صدوره.
ومحكمة مصر الابتدائية الأهلية بهيئة استئنافية نظرت هذه الدعوى وحكمت حضوريا فى 12 مايو سنة 1932 عملا بالمادتين 206 و32 من قانون العقوبات بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف وحبس المتهم شهرا مع الشغل - على اعتبار أن المتهم أحدث جرحا بالغلام نشأ عنه مرضه مدّة لا تزيد عن عشرين يوما.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض فى 23 مايو سنة 1932 وقدّم حضرة المحامى عنه تقريرا بالأسباب فى 30 مايو سنة 1932.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
بما أن الطعن قدّم فى الميعاد وكذلك أسبابه فهو مقبول شكلا.
وبما أن مبنى الوجه الأول من تقرير الأسباب أن محكمة ثانى درجة قد أخطأت فى تطبيق القانون باعتبارها الحادثة منطبقة على المادة 206 من قانون العقوبات دون المادة 202 من ذلك القانون لأن المادة الأولى تفترض فعلا جنائيا متعمدا وهو ما لا تحتمله وقائع الدعوى أما الثانية فتفترض فعلا غير متعمد.
وبما أن مرد البحث فى هذه النقطة هو تعرّف معنى القصد الجنائى فى جريمة الضرب أو الجرح العمد.
وبما أن القصد الجنائى يتوافر فى هذه الجريمة متى ارتكب الجانى فعل الضرب أو الجرح عن إرادة وعلم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم الشخص المصاب أو صحته من غير التفات بعد ذلك إلى البواعث. غير أن أمر الباعث قد استشكل به بعض الفقهاء فقالوا إن الطبيب الجرّاح الذى يعمل لمريض عملية جراحية لا يعدّ مرتكبا لجريمة الجرح عمدا لأن غرضه كان شفاء المريض فليس عنده نية الإجرام ولا القصد الجنائى؛ ولكن التعليل بهذه الكيفية مردود فى الواقع لأن القصد الجنائى لا يتطلب سوى العلم بأن الفعل من نوع يحرمه القانون والجراح يعلم قطعا بهذا التحريم. وإنما الذى يصح أن يحتج له به منطقيا أن قانون مهنته اعتمادا على شهادته الدراسية قد رخص له إجراء العمليات الجراحية بأجسام المرضى وبهذا الترخيص وحده ترتفع مسئوليته الجنائية عن فعل الجرح.
وبما أن الأخذ بهذا التعليل الذى تراه المحكمة سائغا منطقيا يستتبع القول فى الدعوى الحالية بأن الطاعن وهو ليس بجرّاح أو حلاق مرخص له باجراء بعض العمليات قد تحقق عنده القصد الجنائى فى جريمة إحداث الجرح باقدامه على جرح المجنى عليه عن إرادة وعلم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسمه، ولا عبرة مطلقا بالباعث الذى حمله على ذلك الفعل وكونه شريفا أو غير شريف يدل على سلامة النية أو لا يدل. وعليه يكون تطبيق المحكمة المادة 206 من قانون العقوبات على فعلته جاء تطبيقا صحيحا من هذه الجهة.
وبما أن مبنى الوجه الثانى من التقرير أن محكمة ثانى درجة أخلت بحق الدفاع حين فاجأت الطاعن بوصف جديد للتهمة من غير سبق تنبيهه حتى يتسنى له الاستعداد للدفاع عن نفسه فى التهمة الجديدة.
وبما أن هذا الوجه مردود بأن المبادئ القانونية (التى أتت المادة 40 من قانون تشكيل محاكم الجنايات مظهرا لها) أجازت للمحكمة فى الحكم بالعقوبة أنها - بغير سبق تعديل فى التهمة - تحكم على المتهم بشأن كل جريمة نزلت إليها الجريمة الموجهة عليه بعدم إثبات بعض الأفعال المسندة أو للأفعال التى أثبتها الدفاع. والواقع فى الدعوى الحالية أن الطاعن كان متهما بأنه: (1) أجرى عملية جراحية للمجنى عليه وهو غير مرخص له و(2) أن هذه العملية نشأت عنها وفاته. فالشق الثانى من التهمة وهو كون الوفاة نشأت عن العملية لم يثبت للمحكمة فعدم ثبوته منع المحكمة من معاملة الطاعن بالمادة 202 ولم يبق ثابتا لديها من الأفعال الموجهة عليه إلا الشق الأول وهو إجراؤه العملية الجراحية. ولكون المفهوم بداهة أنه أجرى العملية عمدا قاصدا إجراءها فالمحكمة اعتبرت جريمته مما تنطبق عليه المادة 206 وهى أخف من جريمة القتل الخطأ المنصوص عليها بالمادة 202 فعاملته بالمادة 206 المذكورة. وعمل المحكمة فى هذا مطابق للمبادئ ولا غبار عليه لأنها لم تسند للمتهم أى فعل خارج عن حدود الأفعال المقامة بسببها الدعوى بل اقتصرت على مؤاخذته على فعل منها وتركت مؤاخذته على فعل آخر لم يثبت لديها.
وبما أنه يبين مما تقدّم أن الطعن واجب رفضه.