مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) - صـ 667

جلسة 11 أبريل سنة 1935

تحت رياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك ومحمد نور بك المستشارين.

(244)
القضية رقم 64 سنة 4 القضائية

( أ ) موظف. استقالته من وظيفته. الفصل فى كون هذه الاستقالة قائمة أو غير قائمة. من اختصاص السلطات الإدارية التابع لها الموظف. (المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية)
(ب) نقض وإبرام. الطعن. شرط قبوله تحقق المصلحة منه. أسباب الحكم المطعون فيه. صلاحيتها لأن تكون أسبابا لرفض الدعوى. الطعن على هذا الحكم. لا يقبل.
1 - ليس للمحكمة أن تتدخل فى أمر استقالة الموظف من وظيفته وكون هذه الاستقالة قائمة أو غير قائمة وكونه هو لا يزال موظفا أو غير موظف، بل إن القول الفصل فى ذلك هو من اختصاص السلطات الإدارية التى كان الموظف تابعا لها فى وظيفته. فاذا طلب موظف إلى المحكمة أن تحكم له باعتبار الاستقالة المقدّمة منه كأن لم تكن واعتباره باقيا فى وظيفته، فان هذا الطلب يخرج عن ولاية المحاكم. وكذلك يخرج عن ولايتها طلبه الحكم بالحقوق التى يرتبها لنفسه على عدم قيام الاستقالة وعلى كونه لا يزال موظفا، لأن هذا طلب تبعى لاحق حتما وبطبيعة الحال لطلبه الأوّل وليس هو من قبيل طلب التضمين الذى يرفع للمحاكم عند مخالفة الأوامر الإدارية للقانون.
2 - متى كانت أسباب الحكم المطعون فيه الصادر بعدم اختصاص المحاكم الأهلية بنظر دعوى التعويض المترتبة على مخالفة إجراء إدارى للقانون، تصلح فى واقع الأمر لأن تكون أسبابا للحكم برفض الدعوى موضوعا، فان مصلحة الطاعن فى طعنه على هذا الحكم تصبح نظرية صرفا لا يعبأ بها قانونا، ويتعين رفض الطعن لعدم المصلحة.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه المادة - حسب ما جاء بالحكم المطعون فيه والحكم الابتدائى المؤيد به والمذكرات والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة ولمحكمة الاستئناف من قبل - فى أن الجمعية العمومية لدى محكمة الاستئناف المختلطة أذنت جناب النائب العمومى لديها فى مارس سنة 1919 باقامة الدعوى التأديبية على حضرة باغوص بك أجوبيان الذى كان قاضيا يومئذ وعلى أحد حضرات المحامين فأقامها وطلب الحكم بشطب اسم المحامى وبعزل القاضى من وظيفته ما لم يؤذن له فى الاستعفاء المنصوص عليه فى الفقرة الثانية من المادة 150 من اللائحة العمومية للمحاكم المختلطة. وبعد أن سمعت الجمعية العمومية الدعوى قضت بتاريخ 19 أبريل سنة 1919 بادانة المحامى، وأمرت باجراء تحقيق تكميل بالنسبة لباغوص بك. وبعد إجراء هذا التحقيق قدّم باغوص بك استقالته فى 15 مايو سنة 1919 لتلك الجمعية فقرّرت فى 17 مايو سنة 1919 منحه إجازة مرضية وقبول استقالته على أن تعتبر إقالته من أوّل نوفمبر سنة 1919 وإسقاط الدعوى التأديبية. وفى 22 أكتوبر سنة 1919 قدّم لوزارة الحقانية طلبا يسحب به استقالته فعرض الطلب على الجمعية العمومية، فقرّرت بتاريخ 25 أكتوبر سنة 1919 رفضه مبينة أن الاستقالة قد قبلت من قبل بقرارها الصادر فى 17 مايو سنة 1919، وأن مثل هذه الاستقالة لا يمكن سحبها لأنها قدّمت فى دعوى تأديبية، وقد ترتب عليها إسقاط هذه الدعوى. وفى يوم 2 فبراير سنة 1923 قدّم عريضة للوزارة يدّعى فيها أن استقالته قد أخذت منه كرها فأحيلت على الجمعية العمومية فقرّرت عدم قبولها فى 6 أبريل سنة 1923. وفى 5 مايو سنة 1927 رفع باغوص بك هذه الدعوى على وزارة الحقانية أمام محكمة مصر الابتدائية طالبا الحكم بالزام الوزارة بأن تدفع له ثلاثين ألف جنيه تعويضا عن حرمانه من وظيفته، وبناها على أن استقالته قد أخذت منه كرها وأن وزير الحقانية - وهو صاحب الحق فى قبول مثلها وعدم قبولها - لم يقبلها قبل أن سحبها هو. وقيدت هذه الدعوى تحت رقم 1102 سنة 1927، وبعد أن شطبت فى 26 فبراير سنة 1929 أعادها. وفى جلسة 19 مارس سنة 1930 عدل طلباته إلى الحكم بعدم قيام الاستقالة وإلزام الحكومة بدفع الفرق بين المعاش الذى يصرف له وبين الماهية التى كانت مقرّرة له مع الفوائد القانونية لهذا الفرق. وبجلسة 21 فبراير سنة 1932 عدّل طلباته هذه وطلب الحكم باعتبار الاستعفاء المقدّم منه كأن لم يكن واعتباره باقيا فى وظيفته للآن وإلزام الحكومة بدفع الفرق بين المعاش والمرتب مع حفظ الحق فى طلب التعويض. فدفعت الوزارة بعدم اختصاص المحكمة بنظرها، وطلبت احتياطيا الحكم بعدم قبولها ومن باب الاحتياط الكلى رفضها. وبعد أن تبادل الطرفان المناقشة فى وجوه الدفع بعدم الاختصاص وفى الموضوع حكمت المحكمة الابتدائية فى 24 يناير سنة 1933 بقبول الدفع بعدم اختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى وألزمت المدّعى بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
فاستأنف باغوص بك هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر طالبا إلغاءه والحكم بعدم قبول الاستقالة وإلزام الحكومة بأن تدفع له الفرق بين المعاش الذى يدفع له والماهية المقرّرة له مع الفوائد القانونية عن هذا الفرق وحفظ كافة الحقوق مع إلزام المستأنف عليها بمصاريف الدرجتين. وهذا الاستئناف الذى قيد بالجدول تحت رقم 633 سنة 50 قضائية قد حكمت فيه تلك المحكمة بتاريخ 20 مايو سنة 1934 بتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنف بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد أعلن هذا الحكم إلى الطاعن بتاريخ 12 يونيه سنة 1934 فطعن فيه بطريق النقض فى 11 يوليه سنة 1934، وأعلن تقرير الطعن إلى وزارة الحقانية فى 31 منه، وقدّم طرفا الخصومة المذكرات الكتابية فى الميعاد القانونى، وقدّمت النيابة مذكرتها فى 11 فبراير سنة 1935.
وبجلسة يوم الخميس الموافق 21 من شهر مارس سنة 1935 المحدّدة لنظر هذا الطعن تأجل نظره لجلسة 28 منه، ثم لجلسة اليوم بطلب وكيل الطاعن لعذر لديه. وفيها سمعت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الطعن أن الحكم الاستئنافى المطعون فيه قد اعتمد على أن ما طلبه الطاعن من اعتبار الاستقالة التى قدّمها لوزارة الحقانية كأن لم تكن ومن اعتباره مستحقا للفرق بين ما يصرف له من معاش وما يستحقه من مرتب، هو طلب محرّم النظر فيه على المحاكم لأنه من قبيل الأمور الإدارية التى لا تدخل مجال فى وظائف القضاء. ويقول الطاعن إن الحكم المطعون فيه إذ اعتمد على هذا قد أخطأ فى تطبيق المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية، وإن وجه الخطأ هو أن الذى منعت المحاكم من نظره إنما هو تأويل معنى أمر يتعلق بالإدارة أو وقف تنفيذه. أما الدعاوى التى ترفع على الحكومة بطلب تضمينات ناشئة عن إجراءات إدارية مخالفة للقوانين والأوامر العالية فهى من اختصاص المحاكم من غير شبهة. والدعوى الحالية لا تتعارض مع هذا النص لأن الطاعن لا يرمى، من طلب الحكم فيها باعتبار الاستقالة كأن لم تكن، إلى أن تحقق له المحكمة أثر هذا الاعتبار فى الواقع بارجاعه إلى وظيفته - الأمر الذى يسلم بأنه ليس من اختصاص القضاء - بل إنما كان يرمى بهذا الطلب إلى التقرير ببطلان هذه الاستقالة من الوجوه القانونية التى قدّمها لمحكمة الموضوع لتصح له مطالبة الحكومة بالتعويض الذى يستحقه. وهذا القدر هو فى نظره مما تختص به المحاكم لأنه إذا استبعد من ولاية القاضى استحال عليه النظر فى طلب التعويض الذى هو داخل فى اختصاصه.

هذا

وحيث إن الواقع فى الدعوى أن الطاعن كان يطلب اعتبار الاستعفاء المقدّم منه كأن لم يكن واعتبار أنه لا زال قائما فى وظيفته على الرغم من هذا الاستعفاء، ثم كان يطلب الحكم بما رتبه لنفسه من الحقوق على هذا الاعتبار وهو الحكم بالفرق بين معاشه ومرتبه مع حفظ حقه فى التعويض.
وحيث إن الحكومة قد دفعت هذين الطلبين بأن الاستقالة قد تمت قانونا وأن لا وجه للطاعن فى عرض أمرها على المحاكم كما لا وجه له بناء على ذلك فى طلب ما طلبه من فرق بين الماهية والمعاش.
وحيث إن الظاهر المتبادر لأوّل وهلة من طلب الطاعن الحكم له باعتبار الاستعفاء كأن لم يكن واعتباره هو لا يزال قائما فى وظيفته، أنه يطلب إلى المحكمة أن تتدخل فى أمر الاستعفاء وكونه قائما أو غير قائم وكونه هو لا يزال موظفا أو غير موظف، والمحكمة لا تستطيع مبدئيا ولوج هذا البحث، بل إن القول الفصل فيه هو من اختصاص السلطات الإدارية التى كان تابعا لها فى وظيفته. وما دام الأمر كذلك فطلبه الثانى المترتب مباشرة على عدم قيام الاستعفاء وعلى كونه هو لا يزال موظفا هو طلب تبعى لاحق حتما وبطبيعة الحال لطلبه الأوّل فلا تختص به المحاكم أيضا. وليس هو من قبيل طلب التضمين الذى يرفع للمحاكم عبد وقوع مخالفة الأوامر الإدارية للقانون وتكون المحاكم مختصة بنظره. وبهذا يكون قضاء محكمة الاستئناف بعدم اختصاص المحاكم له وجهه موضوعا وقانونا.
وحيث إنه حتى مع اعتبار أن الدعوى مجرّد دعوى تعويض مترتب على مخالفة الحكومة للقانون من ناحية اعتبار الطاعن مستعفيا استعفاء صحيحا موجبا لفقد وظيفته وتحويله إلى المعاش مع أن استعفاءه، بحسب ما يقول، هو استعفاء غير مستوف شروطه القانونية وأخصها قبول الوزارة له - إنه حتى مع هذا الاعتبار وكون الدعوى هى دعوى تعويض مترتب على صدور إجراء إدارى مخالف للقانون مما يختص به القضاء الأهلى بحسب الفقرة الأخيرة من المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية، فان الواقع الذى أثبتته محكمة الاستئناف فى حكمها هو أن إجراءات تلك الاستقالة ليس فيها ما يخالف القانون كما يزعم الطاعن، بل إنها رفعت وقبلت قبولا نهائيا صحيحا يترتب عليه إنتاج آثارها القانونية من جهة الإحالة على المعاش. فقد أثبتت محكمة الاستئناف أن المستأنف - بعد أن عرف فى 10 مايو سنة 1919 ما وصلت إليه الدعوى التأديبية الخاصة بتأديب المحامى والمدى الذى بلغته الدعوى التأديبية الموجهة عليه هو وآنس أنه لو قدّم استقالته للجمعية العمومية لمحكمة الاستئناف لقبلت استقالته وأسقطت عنه الدعوى التأديبية - قد قدّم طلب الاستقالة فى 15 مايو سنة 1919 لتلك الجمعية فقرّرت فى 17 مايو سنة 1919 منحه إجازة مرضية وقبول استقالته على أن تعتبر إقالته من أوّل نوفمبر سنة 1919 وإسقاط الدعوى التأديبية، وأن هذا القرار أبلغ إلى وزير الحقانية فى 19 مايو سنة 1919 فورد منه الردّ بتاريخ 29 مايو سنة 1919 بأنه علم بقرار الجمعية الصادر بمنحه الإجازة وقبول الاستقالة وسقوط الدعوى. أثبتت ذلك محكمة الاستئناف وقالت إن الاستقالة هى استقالة تأديبية مؤسسة على المادة 150 من لائحة المحاكم المختلطة، ثم انتقلت إلى بحث ما ادّعاه باغوص بك من أنه قد سحب استقالته وأن الوزير قد قبل منه هذا السحب فقالت إنه تبين لها من ملف الدعوى أن باغوص بك قدّم فى 22 أكتوبر سنة 1919 طلبا إلى وزير الحقانية قال فيه إنه فكر فى سحب استقالته وقبول المحاكمة التأديبية فأرسل الوزير الطلب إلى رئيس محكمة الاستئناف لإجراء اللازم فعرض الرئيس الأمر على الجمعية العمومية فقرّرت أن الاستعفاء قبل من قبل فمنع التأديب. وقد أبلغ الرئيس ذلك إلى الوزير الذى أجاب بأنه هو يرى رأى الجمعية وذلك بتاريخ 6 نوفمبر سنة 1919 وانتهى الحكم من ذلك إلى أن قال: وبما أنه من هذه الوقائع لا يفهم بأى حال من الأحوال أن الاستقالة تقدّمت بالعيب الذى وصفها به المدّعى ولا أنها سحبت ولا أن الوزير قبل السحب ولا أن باغوص بك كان له الحق فى تعطيل التأديب وتعليقه بعد أن قدّم استقالة بسيطة خالية من كل شرط...... الخ".
وحيث إنه إذا كان الطاعن لا يزال يناقش فى حق الجمعية العمومية فى قبول هذه الاستقالة ويقول - كما هو الحق - إن الاستقالة فى هذه الصورة لا بدّ من قبولها أيضا من وزير الحقانية فالحكم المطعون فيه قد أثبت - كما سبق الذكر - ما كان من وزير الحقانية من الاطلاع على قرار الجمعية العمومية الأوّل وعدم الاعتراض عليه مما هو من جانبه قبول واضح للاستقالة، وما كان منه بعد من موافقته صراحة على رأى الجمعية العمومية من سبق قبول الاستقالة مما يؤكد مرة أخرى حصول القبول من جانبه، وإذن فالاستقالة قد تمت وقبلت من الجمعية العمومية ومن الوزير معا.
وحيث إنه متى كان الأمر كذلك وكان الإجراء الإدارى الذى تم فيما يتعلق بهذه الاستقالة هو إجراء صحيحا فان الدعوى بفرق الماهية على اعتبار أنها مرفوعة طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 15 من لائحة الترتيب تكون متعينة الرفض وكان لمحكمة الاستئناف أيضا أن ترفضها موضوعا.
وحيث إن أسباب الحكم المطعون فيه تصلح فى واقع الأمر أسبابا للحكم برفض الدعوى موضوعا، ومتى كان الأمر كذلك فقد أصبحت مصلحة الطاعن فى هذا الطعن نظرية صرفة لا يعبأ بها قانونا. ولذلك يتعين الحكم برفض الطعن لعدم المصلحة.