مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) - صـ 733

جلسة 25 أبريل سنة 1935

برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك ومحمد نور بك المستشارين.

(255)
القضية رقم 81 سنة 4 القضائية

( أ ) حكم تمهيدى. احتواؤء على حكم قطعى. متى يصبح نهائيا؟ متى يبدأ ميعاد استئنافه؟
(ب) صدور حكم آخر فى أصل الدعوى. استئنافه. هل يشمل استئناف الحكم التمهيدى برمته؟
(المادة 362 مرافعات)
(حـ) التزام. كون الملتزم قد وفى بما التزم به. صدور عبارة منه بمحضر الجلسة. اعتبار هذه العبارة موفية بالالتزام أو لا. مسألة موضوعية.
1 - إذا احتوى الحكم التمهيدى حكما قطعيا فى مسألة مّا فهذا الحكم القطعى لا يمكن أن يكون نهائيا إلا إذا قبله المحكوم عليه قبولا صريحا أو سقط حق الاستئناف فيه؛ وحق استئنافه لا يبدأ إلا من تاريخ إعلانه كما هى القاعدة العامة فى مثله من الأحكام.
2 - إذا صدر حكم تمهيدى يحتوى حكما قطعيا فى مسألة مّا ولم يقبل المحكوم عليه هذا الحكم ولم يعلنه إليه خصمه ثم صدر حكم آخر فى أصل الدعوى، فان استئناف هذا الحكم الصادر فى أصل الدعوى يشمل حتما، بمقتضى المادة 362 من قانون المرافعات، استئناف ذلك الحكم التمهيدى برمّته حتى ولو لم ينص فى عريضة الاستئناف تنصيصا خاصا باستئناف الحكم التمهيدى ما دام مدار عريضة الاستئناف ومدار المرافعة فيه أمام محكمة الاستئناف كانا حول النقطة الجوهرية المقضى فيها قطعيا بالحكم التمهيدى.
3 - إذا التزم شخص بتقرير أمر معين لدى جلسة القضاء فالبحث فى كون العبارة المبهمة الواردة على لسانه بمحضر جلسة المحكمة هى التى صدرت منه فعلا أم لا، وهل هى أو ما يكون صدر منه تعتبر موفية بذلك الالتزام أو لا تعتبر هى من المسائل الواقعية التى تفصل فيها محكمة الموضوع ولا مراقبة عليها فيها لمحكمة النقض.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى - بحسب ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه وما أشار إليه من المستندات المقدّمة الآن لمحكمة النقض - فى أن واصف مكرم الله الطاعن كان ادّعى فى 5 فبراير سنة 1919 لدى محكمة ملوى الجزئية على المطعون ضدّهم وآخرين فى قضية مقيدة بجدولها برقم 484 سنة 1919 بأنهم اغتصبوا مقدارا من الأطيان المملوكة له وأدخلوه بأطيانهم وطلب تثبيت ملكيته لذلك المقدار. وتعين فى الدعوى خبير ظهر من تقريره وجود 21 قيراطا و9 أسهم من ذلك المقدار متداخلة فى أطيان المطعون ضدّهم. وقد حدث أن المطعون ضدّهم باعوا فى 6 يناير سنة 1926 و8 فبراير سنة 1926 أطيانهم المتداخلة فيها الـ 21 قيراطا و9 أسهم المذكورة إلى من يدعى هارون لوقا وآخرين. ولما كانت دعوى واصف مكرم الله لا تزال إذ ذاك مستمرّة وكان محدّدا لنظرها جلسة 17 نوفمبر سنة 1926 وقد أصبح المطعون ضدّهم بعد البيع غير واضعى اليد على شىء فقد اتفق معهم على أن يقرّوا له بملكية تلك الزيادة التى أظهرها الخبير بأطيانهم المبيعة وفى نظير ذلك يتنازل عن مطالبتهم بريع تلك الزيادة لغاية سنة 1925. وفعلا بتاريخ 16 نوفمبر سنة 1926 وقع له نجيب أفندى والست سارة عن نفسها وبوصايتها على ولديها نصيف وليزة اللذين كانا قاصرين فى ذلك الوقت على كتابة تتضمن أنهما يقرّان بأن تلك الزيادة من حقه، وأنهما لم يبيعا أكثر من تكليف مورّثهما، وأنهما مستعدّان لتقرير ذلك أمام المحكمة بجلسة 17 نوفمبر سنة 1926، وأن له الحق فى مطالبة المشترين منهما بالزيادة التى تظهر أكثر من تكليف مورّثهما. وفى ذات اليوم حرر لهما واصف مكرم الله إقرارا بأنه يتنازل عن ريع تلك الزيادة إذا قرّرا بالجلسة المذكورة ما جاء بالورقة المحرّرة منهما. لكن لم يحضر بتلك الجلسة أحد من المدّعى عليهم، بل حضر وكيل المدّعى وطلب التأجيل لتقديم مستندات فتأجلت الدعوى لجلسة 2 مارس سنة 1927 وفيها حضر واصف مكرم الله المدّعى وقدّم ورقة الإقرار الصادرة من المطعون ضدّهم، كما حضر نجيب أفندى أسعد عن نفسه وبوكالته عن الست سارة وقرّر ما قرّره مما أثبته كاتب الجلسة بالصيغة الآتية: "بعنا حصتنا إلى هارون لوقا وعلى المدّعى أن يسلموا المشترى جميع ما بعناه بدون منازعة". وقد حكم فى تلك القضية بتاريخ 23 مايو سنة 1927 بتثبيت ملكية واصف مكرم الله إلى مقدار من ضمنه 21 قيراطا و9 أسهم التى كانت متداخلة فى أطيان المطعون ضدّهم التى باعوها.
انتظر واصف مكرم الله إلى أواخر سنة 1931 ثم هب يرفع الدعوى الحالية على المطعون ضدّهم ومنهم نصيف وليزة اللذان بلغا رشدهما، وقد قيدت بجدول محكمة المنيا الابتدائية برقم 492 سنة 1931، وفيها يطلب الحكم عليهم بمبلغ 347 جنيها و360 مليما قيمة ريع 21 قيراطا و9 أسهم المحكوم له بها فى الدعوى الأولى وذلك عن المدّة من سبتمبر سنة 1905 إلى ديسمبر سنة 1931 باعتبار ريع الفدان فى السنة 15 جنيها وما يستجد لغاية التسليم الخ. فحكمت فيها تلك المحكمة فى 24 مايو سنة 1932 حكما تمهيديا قررت فيه عدم مسئولية المدّعى عليهم عن ريع المدّة القديمة من سبتمبر سنة 1905 إلى فبراير سنة 1919 ومسئوليتهم عن هذا الريع من 5 فبراير سنة 1919 إلى آخر ديسمبر سنة 1931، ثم أمرت بتعيين خبير لتقدير الريع عن هذه المدّة التى جعلت المدّعى عليهم (المطعون ضدّهم) مسئولين عن الريع فيها.
وفى 31 مايو سنة 1933 و15 يونيه سنة 1933 أدخل المطعون ضدّهم واضعى اليد على ذلك المقدار ضمانا لهم.
وبتاريخ 11 أكتوبر سنة 1933 حكمت المحكمة بالزام المطعون ضدّهم بأن يدفعوا بالتضامن لواصف مكرم الله 150 جنيها والمصاريف الخ.
فاستأنف المطعون ضدّهم هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر وقيد استئنافهم بجدولها برقم 308 سنة 51 قضائية طالبين إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى واصف مكرم الله واحتياطيا رفض دعواه فيما يختص بريع المدة من سنة 1919 لسنة 1925 وإلزام الضمان مباشرة لواصف مكرم الله بريع المدة من سنة 1926 لغاية ديسمبر سنة 1931 الخ.
واستأنف واصف أيضا ذلك الحكم استئنافا فرعيا قيد برقم 372 سنة 51 قضائية طالبا الحكم على المطعون ضدّهم بمبلغ 70 جنيها علاوة على ما حكم به له ابتدائيا الخ. ومحكمة الاستئناف بعد نظر الاستئنافين الأصلى والفرعى حكمت في 13 يونيه سنة 1934 بالغاء الحكم المستأنف وبرفض دعوى واصف أفندى وألزمته بمصاريف الدرجتين وبمبلغ 300 قرش أتعاب محاماة عنهما للمطعون ضدّهم.
وقد أعلن هذا الحكم إلى واصف مكرم الله فى 15 يوليه سنة 1934، فطعن فيه بطريق الطعن فى 12 أغسطس سنة 1934 بتقرير أعلن إلى المطعون ضدّهم فى 19 منه، وقدّم الطاعن مذكرتيه الكتابيتين فى الميعاد القانونى، وقدّم المطعون ضدّه الأوّل (نجيب أفندى أسعد عبد الله) مذكرة بتاريخ 17 سبتمبر سنة 1934 قال فيها إن هذا الطعن كيدى وطلب رفضه وإلزام الطاعن بأن يدفع تعويضا عن هذا الكيد يترك للمحكمة تقديره بما تراه، ولم يقدّم باقى المطعون ضدّهم شيئا، وقدمت النيابة مذكرتها فى 21 فبراير سنة 1935.
وبجلسة اليوم المحدّدة لنظر هذا الطعن سمعت المحكمة الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة وفيها أيضا تنازل وكيل نجيب أفندى أسعد عبد الله عن التعويض الكيدى.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن وجوه الطعن تتحصل فيما يلى من الأوجه:
(الأوّل) أن حكم تعيين الخبير الصادر فى 24 مايو سنة 1932 إذا كان تمهيديا من جهة مسألة تقدير الريع فانه قطعى من جهة مسئولية المطعون ضدّهم عنه ابتداء من سنة 1919 إلى ديسمبر سنة 1931، ولعدم استئناف المطعون ضدّهم له فى الميعاد القانونى قد أصبح نهائيا فى إيجاب الريع عليهم ابتداء من ذلك التاريخ، وأن الطاعن قد نبه محكمة الاستئناف إلى هذا ولكنها تجاوزت عما أصبح لهذا الحكم من القوّة النهائية الواجبة الاحترام وقضت برفض الدعوى اعتمادا على أن المادة 362 من قانون المرافعات تجعل استئناف الحكم فى أصل الدعوى شاملا لاستئناف ما صدر فيها من الأحكام التمهيدية، وفاتها أن ذلك الحكم ليس تمهيديا فقط، بل هو قطعى فى المسئولية عن الريع، فاستئناف حكم 11 أكتوبر سنة 1933 الصادر فى أصل الدعوى لا يشمله. ولذلك فقضاؤها مخالف للقانون ويتعين نقضه.
(الثانى) أن الإقرار الكتابى الصادر من الطاعن للمطعون ضدّهم فى 16 نوفمبر سنة 1926 أثناء نظر دعوى الملكية إذا كان يتضمن تنازله لهم عن الريع لغاية سنة 1925 فان هذا التنازل واقع تحت شرط أن يحضروا لجلسة 17 نوفمبر سنة 1926 ويقرّروا بوجود الزيادة وأنهم لم يبيعوا سوى تكليف مورّثهم. وقد ورد فيه بالحرف الواحد هذه العبارة: "وفى حالة عدم قيامه (أى نجيب أسعد عن نفسه وبوكالته عن الست سارة بصفتيها) بالتوجه لملوى وحضوره الجلسة وإقراره بالزيادة فأكون فى حل من الرجوع فى إقرارى هذا". ويقول الطاعن بما أن الشرط وهو حضور نجيب أسعد للجلسة وإقراره بما تقدّم لم يقع فقد سقط تنازله عن الريع وأصبح له الحق فى المطالبة به كاملا. لكن المحكمة اعتبرت التنازل حاصلا رغما عن تعليقه على هذا الشرط الذى لم يتحقق، وذلك مخالف للقانون.
(الثالث) أن المحكمة اعتبرت أن نجيب أسعد قام بتعهده فحضر لجلسة 2 مارس سنة 1927 وقرّر ما كان يريده الطاعن. وقول المحكمة هذا فيه تحريف للواقع فان نجيب أسعد أفندى لم يقرّر إلا تلك العبارة المذكورة بمحضر الجلسة وهى ما كانت تفيد الطاعن. وآية ذلك أن حكم 23 مايو سنة 1927 الذى صدر فى الملكية والمقدّمة صورته الرسمية لمحكمة النقض مبنى على تقرير الخبير وقد فصل فى المنازعة التى أثارها المطعون ضدّهم على دعوى الطاعن.
(الرابع) أن الحكم المطعون فيه جاء مخالفا لحكم حائز للقوّة النهائية. وذلك أن الطاعن لما أراد التنفيذ على الست سارة بالمصاريف المقضى بها فى حكم الملكية، استشكلت فيه لدى محكمة أبى قرقاص بدعوى أن التنازل الصادر من واصف مكرم الله يعفيها هى وأولادها من المصاريف. ولكن المحكمة رفضت هذا الإشكال وأمرت باستمرار التنفيذ قائلة إن شرط تنازل واصف لم يتحقق. وقد تأيد هذا الحكم استئنافيا فى أوّل أكتوبر سنة 1929. فقول الحكم المطعون فيه "إن الشرط تحقق" يتصادم مع هذا الحكم النهائى الصادر فى الإشكال.
عن الوجه الأوّل:
حيث إنه إذا كان فى الحق أن الحكم التمهيدى الذى صدر من محكمة المنيا الأهلية بتاريخ 24 مايو سنة 1934 بتعيين الخبير لتقدير الريع قد قضى ضمنا بمسئولية المطعون ضدّهم عن الريع ابتداء من 5 فبراير سنة 1919 إلى سنة 1931 وقضاؤه هذا قطعى لا رجوع فيه للمحكمة التى أصدرته، إلا أنه ليس بصحيح أن هذا الحكم القطعى فى تلك المسئولية كان قد أصبح نهائيا وقت أن أصدرت محكمة الاستئناف فى أصل الدعوى حكمها المطعون فيه الآن. ذلك بأن مثل الحكم القطعى المذكور لا يمكن أن يكون نهائيا إلا إذا قبله المحكوم عليه قبولا صريحا أو سقط حق الاستئناف فيه، وحق استئنافه لا يبدأ إلا من تاريخ إعلانه كما هى القاعدة العامة فى مثله من الأحكام. وبما أن الثابت فى الدعوى من أقوال وكيل الطاعن بجلسة المرافعة لدى محكمة النقض أن هذا الحكم لم يعلن، وإذن فلم يبدأ ميعاد استئنافه، كما أن المطعون ضدّهم لم يقبلوه ألبتة بدليل ما هو ثابت من تقرير الخبير المقدّم لهذه المحكمة ضمن مستندات الطاعن من أن نجيب أسعد الحاضر عن باقى المطعون ضدّهم قد احتفظ بحقهم فى استئناف هذا الحكم. ومن أجل هذا جميعه يكون هذا الحكم لم يصبح نهائيا قبل إصدار محكمة الاستئناف حكمها المطعون فيه ولا تكون محكمة الاستئناف قد خالفت حكما نهائيا حائزا لقوّة الشىء المحكوم فيه كما يزعم الطاعن، وفى هذا القدر ما يكفى لبيان أن الوجه الأوّل فى غير محله. على أنه مما تنبغى الإشارة إليه أن استئناف الحكم الابتدائى الصادر فى أصل الدعوى من محكمة المنيا فى 11 أكتوبر سنة 1933 قد شمل حتما بمقتضى المادة 362 من قانون المرافعات استئناف ذلك الحكم التمهيدى برمته. فقد كان مدار الاستئناف ومدار المرافعة فيه أمام محكمة الاسئتناف قائمين على تلك النقطة الجوهرية المقضى فيها قطعيا بالحكم التمهيدى - وهى مسئولية المطعون ضدّهم عن الريع من سنة 1919 إلى ديسمبر سنة 1931 وعدم مسئوليتهم عنها - فقرّرت فيها محكمة الاستئناف بنفى مسئوليتهم. وبفرض عدم النص فى عريضة الاستئناف بصفة خاصة على استئناف ذلك الحكم التمهيدى فان عدم هذا النص لا قيمة له ولا يغير شيئا من الواقع الذى أراده المستأنفون.
عن الوجهين الثانى والثالث:
حيث إن هذين الوجهين متعلقان بمسألة واقعية هى كون المطعون ضدّهم قد وفوا بما التزموا به للطاعن فى الإقرار الكتابى الصادر منهم بتاريخ 16 نوفمبر سنة 1926، وهل العبارة المبهمة الواردة على لسان نجيب أسعد بمحضر جلسة محكمة ملوى الجزئية فى 2 مارس سنة 1927 هى التى صدرت منه فعلا أم لا، وهل هى أو ما يكون صدر منه تعتبر موفية بذلك الالتزام أو لا تعتبر؟ ومحكمة الاستئناف فصلت فى هذه المسألة الواقعية بما رأته من أن ذلك الالتزام قد حصل الوفاء به تماما وقضاؤها بذلك لا مراقبة عليها فيه لمحكمة النقض. ويكون هذان الوجهان فى غير محلهما.
عن الوجه الرابع:
وحيث إن هذا الوجه غير جدّى لأن موضوع دعوى الإشكال هو منع التنفيذ بمصاريف قضائية محكوم بها فى قضية الملكية، أما موضوع الدعوى الحالية فهو المطالبة بربع تلك الأطيان وشتان ما بين الأمرين.
وحيث إنه لذلك جميعه يتعين رفض الطعن.
وحيث إن وكيله المطعون ضدّهم قد تنازل أمام هذه المحكمة عن طلبه التعويض نظير هذا الطعن الذى يقول إنه كيدى وأثبتت المحكمة هذا التنازل فى محضر الجلسة.