مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخمسون - الجزء الأول - من أول أكتوبر سنة 2004 إلى آخر مارس سنة 2005 - صـ 834

(120)
جلسة 26 من مارس سنة 2005م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ أحمد أمين حسان
نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ بخيت محمد إسماعيل، ولبيب حليم لبيب، ومحمود محمد صبحي العطار، وبلال أحمد محمد نصار
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ سلامة السيد محمد
مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ سيد رمضان عشماوي
سكرتير المحكمة

الطعن رقم 8781 لسنة 46 قضائية عليا:

موظف - عاملون مدنيون بالدولة - إجازات - إجازة خاصة بأجر كامل لزيارة بيت المقدس. المادة (40) من الدستور المصري.
المادة (71) من القانون رقم 47 لسنة 1978 بنظام العاملين المدنيين بالدولة.
قانون العاملين المدنيين بالدولة تضمن النص على حق العامل في الحصول على إجازة بأجر كامل لأداء فريضة الحج, وصياغة النص على هذا النحو يأتي عامًا مجردًا, ولو كان المشرع قصد تخصيص الإجازة وقصرها على العامل المسلم فقط لأضاف كلمة المسلم إلا أن تخصيص النص على هذا النحو لا يتفق وفكر ومقاصد المشرع الذي يتضح في النصوص المتعددة أنه سوى بين فريضة الحج وزيارة بيت المقدس - على النحو الوارد في قانون العمل رقم 137 لسنة 1981 المعدل بالقانون رقم 12 لسنة 2003 - وهذا التفسير هو الذي يتمشى مع النص الدستوري الذي حظر التفرقة بين المواطنين بسبب الجنس أو الدين - مقتضى ذلك.. أنه لا يمكن تفسير نص المادة (71) من القانون رقم 47 لسنة 1978 المشار إليه بما يقصرها على حق المسلم دون المسيحي في إجازة خاصة بأجر كامل لمدة شهر مرة واحدة طوال حياته الوظيفية, بل إن هذا النص يتسع أيضًا ليشمل العامل المسيحي أيضًا – تطبيق.


الإجراءات

في يوم السبت الموافق 15/ 7/ 2000 أودع الأستاذ عبد الرحيم عبد العال المحامي نائبًا عن الأستاذ هارفي حنا خشبة المحامي المقبول أمام المحكمة الإدارية العليا بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بأسيوط الدائرة الثانية في الدعوى رقم 1328 لسنة 7 بجلسة 24/ 5/ 2000 والقاضي بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعًا وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددًا بإلغاء قرار مديرية الشئون الاجتماعية بالمنيا الصادر بتاريخ 18/ 6/ 1996 فيما تضمنه من امتناع الجهة الإدارية عن حساب الإجازة الممنوحة للطاعن عن المدة من 5/ 4/ 1996 حتى 5/ 5/ 1996 إجازة حج بأجر كامل طبقًا لنص المادة (71/ 1) من القانون رقم 47/ 78 بدلاً من حسابها إجازة اعتيادية مع إلزام جهة الإدارة المصروفات.
وأعلن الطعن قانونًا للمطعون ضدهما.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا، وإلزام الطاعن المصروفات.
وتدوول الطعن أمام الدائرة الثامنة عليا لفحص الطعون التي قررت إحالته إلى الدائرة الثانية عليا فحص للاختصاص ولنظره بجلسة 10/ 5/ 2004، حيث نظر الطعن وتدوول ثم قررت إحالته إلى دائرة الموضوع لنظره بجلسة 6/ 11/ 2004، حيث نظر الطعن، وقد قدم الحاضر عن الطاعن مذكرة طلب فيها الحكم أصليًا التصميم على الطلبات واحتياطيًا إحالة الأمر للمحكمة الدستورية للبت في دستورية نص المادة (71/ 1ن) قانون العاملين المدنيين بالدولة لمخالفته لنص المادة (40) من الدستور لعدم المساواة بين حقوق العامل المسلم والعامل المسيحي وهما بصدد أداء فريضة الحج وزيارة بيت المقدس.
وبذات الجلسة قدم الحاضر عن الدولة مذكرة طلب فيها الحكم برفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه وإلزام الطاعن المصروفات.
وبجلسة 18/ 12/ 2004 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة 29/ 1/ 2005، وبهذه الجلسة تقرر إرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم 29/ 1/ 2005 ثم لجلسة 5/ 3/ 2005 وجلسة 26/ 3/ 2005 لإتمام المداولة؛ حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونًا.
ومن حيث إن الطعن استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إنه عن الموضوع فإن وقائع هذا الطعن تتحصل حسبما يبين من الاطلاع على أوراقه في أن المدعي - الطاعن - كان قد أقام الدعوى رقم 1328 لسنة 7 ق. أمام محكمة القضاء الإداري بأسيوط - الدائرة الثانية - بإيداع عريضتها قلم كتاب تلك المحكمة بتاريخ 11/ 7/ 1996 لطلب الحكم بقبولها شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار مديرية الشئون الاجتماعية بالمنيا الصادر بتاريخ 18/ 6/ 1996 فيما تضمنه من امتناع جهة الإدارة عن حساب الإجازة الممنوحة له في المدة من 5/ 4/ 1996 حتى 5/ 5/ 1996 إجازة حج بأجر كامل طبقًا لنص المادة (71/1) من القانون رقم 47 لسنة 1978 بدلاً من حسابها إجازة اعتيادية وإلزام جهة الإدارة المصروفات. وقال المدعي - شرحًا لدعواه - إنه يشغل وظيفة مفتش مالي وإداري بإدارة الشئون الاجتماعية بملوي بمحافظة المنيا، وبتاريخ 30/ 3/ 1996 تقدم بطلب لوكيل الوزارة للحصول على إجازة لزيارة الأماكن المقدسة بمدينة القدس الشريف في المدة من 5/ 4/ 1996 حتى 5/ 5/ 1996 على أن تحسب تلك الفترة إجازة حج طبقًا لنص المادة (71/1) من القانون رقم 47 لسنة 1978 والتي تستمد أصولها في المادتين (8, 40) من الدستور اللتين تقتضيان تكافؤ الفرص بين المواطنين دون تميز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو الدين إلا أن جهة الإدارة قامت بحسبان الفترة المشار إليها كإجازة اعتيادية فتظلم من مسلك جهة الإدارة بتاريخ 15/ 5/ 1996 إلا أن تظلمه قوبل بالرفض استنادًا إلى أن زيارته لمدينة القدس تتساوى مع أداء العمرة بالنسبة للمسلمين مما حدا به إلى إقامة هذه الدعوى على سند من القول بأن زيارته لمدينة القدس هي حج لبيوت مقدسة تناظر فترة الحج عند المسلمين وبالتالي تخضع تلك الإجازة لنص المادة (71/ 1) من القانون رقم 47 لسنة 1978 وخلص المدعي إلى طلباته سالفة البيان.
وبجلسة 24/ 5/ 2000 أصدرت محكمة القضاء الإداري بأسيوط حكمها المطعون فيه بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعًا وأقامت المحكمة قضاءها على أن البين من استقرار نص المادة (71) من القانون رقم 47 لسنة 1978 أن الإجازة التي قررها المشرع لأداء الحج جاءت صريحة وواضحة بأنها مقصورة على أداء فريضة الحج فمن ثم لا تعد كذلك زيارة الأماكن المقدسة للمسلمين في غير أداء الفريضة كالزيارة للعمرة وما شابهها، ولما كانت زيارة الأماكن المقدسة بالنسبة للمسيحيين سواء بفلسطين أو غيرها لا تعدو أن تكون زيارة للتبرك والتعرف على مقدساتهم، فمن ثم لا تعد فريضة كتلك التي عناها المشرع بصريح نص المادة "71" من القانون رقم 47 لسنة 1978 وبالتالي فإن القائم بها لا يستحق الإجازة التي قررها المشرع وانتهت المحكمة إلى قضائها المتقدم.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله بمقولة إن عبارات نص الفقرة الأولى من المادة (71) من القانون رقم 47 لسنة 1978 جاءت عامة دون تخصيص، ولو قصد المشرع غير ذلك لوصف العامل بالمسلم، كما أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه يتعارض مع نص المادة "49" من قانون العمل التي تقضي بجواز منح العامل الذي قضى في خدمة صاحب العمل ثلاث سنوات متصلة إجازة بنصف أجر أقصاها شهر لأداء فريضة الحج أو لزيارة بيت المقدس، وتكون هذه الإجازة لمرة واحدة طوال مدة خدمته، مما يؤكد أن المشرع سوى بين أداء فريضة الحج للعامل المسلم وبين الحج لبيت المقدس للعامل المسيحي ولا يعقل أن يعطى المشرع هذا الحق للعامل بالقطاع الخاص ويحرم منها العامل بالدولة بما يتعارض مع إيمان المشرع بضرورة إذابة الفوارق بين طوائف العاملين.
وفضلاً عن ذلك فإن ما قرره الحكم المطعون فيه في أن زيارة الأماكن المقدسة بالنسبة للمسيحيين لا يعد فريضة إنما هو فهم خاطئ للدين المسيحي الذي جاء خلوًا في الفروض تاركًا الواجبات الدينية اختيارية بالنسبة للمسيحي يؤديها اختيارًا وفي غير علانية، وبناءً على التفويض المنصوص عليه في رسالة بطرس الأولى قام رؤساء الكنيسة بوضع نظام الواجبات الدينية التي يقوم بها المسيحي كلما كان ذلك في استطاعته ومن بينها نظام الحج: مواعيده وشعائره بما يفيد مقابلته للحج عند المسلمين.
وأضاف الطاعن أنه إذا كانت الديانة المسيحية لا تعرف الفروض إلا أن الحج وغيره في الطقوس الدينية تعد واجبات يتعين القيام بها عند الاستطاعة وإلا عوقب الفرد على تركها.
واختتم الطاعن عريضة طعنه باستعراض تعريف كلمة الحج لغويًا ومنتهيًا إلى طلباته سالفة البيان.
ومن حيث إن المادة (40) من الدستور المصري تنص على أن المواطنين لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تميز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.
ومن حيث إن المادة (71) من القانون رقم 47 لسنة 1978 بشأن العاملين المدنيين بالدولة تنص على "يستحق العامل إجازة خاصة بأجر كامل ولا تحسب ضمن الإجازات المقررة في المواد السابقة وذلك في الحالات الآتية:
1 - لأداء فريضة الحج، وتكون لمدة شهر وذلك لمرة واحدة طوال حياته الوظيفية.
2 - .......
وتنص المادة (53) من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 على أن "للعامل الذي أمضى في خدمة صاحب العمل خمس سنوات متصلة الحق في إجازة بأجر كامل لمدة شهر لأداء فريضة الحج أو زيارة بيت المقدس وتكون هذه الإجازة مرة واحدة طوال مدة خدمته.
ومن حيث إن مفاد ما تقدم أن قانون العاملين المدنيين بالدولة تضمن النص على حق العامل في الحصول على إجازة بأجر كامل لأداء فريضة الحج، وصياغة النص على هذا النحو يأتي عامًا مجردًا ولو كان المشرع قصد تخصيص الإجازة وقصرها على العامل المسلم فقط لأضاف كلمة المسلم إلا أن تخصيص النص على هذا النحو لا يتفق وفكر ومقاصد المشرع الذي يتضح في النصوص المتعددة التي سوى فيها المشرع بين فريضة الحج وزيارة بيت المقدس على النحو الوارد في قانون العمل رقم 137 لسنة 81 المعدل بالقانون رقم 12 لسنة 2003 وهذا التفسير هو الذي يتمشى مع النص الدستوري الذي حظر التفرقة بين المواطنين بسبب الجنس أو الدين. ومن ثم فإن الأقباط جزء من النسيج الوطني المصري لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم.
كذلك فإن هذا التفسير هو الذي يتمشى مع الدستور المصري الذي جعل الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وأنه لما كان ذلك وكانت الشريعة الإسلامية الغراء تنظر إلى المسيحيين باعتبارهم أخوالاً وأصهارًا وأعوانًا على العدو وأن على المسلمين حماية الصوامع والهياكل والصلبان، وعليهم أيضًا حماية الحق الطبيعي للمسيحيين في أداء واجباتهم الدينية وإقامة شعائرهم في جو الحرية والمساواة.
وفي جماع ما تقدم فإنه لا يمكن تفسير نص المادة (71) سالفة الإشارة بما يقصرها على حق المسلم دون المسيحي في إجازة خاصة بأجر كامل لمدة شهر ولمرة واحدة طوال حياته الوظيفية بل إن هذا النص ينطبق على المسيحيين أيضًا.
والقول بغير ذلك يترتب عليه إهدار أحكام الدستور المصري الذي نص على المساواة بين المواطنين وحظر التميز بينهم بسبب الدين. ويترتب عليه أيضًا مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء التي جعلت من الإيمان بالسيد المسيح وتقديسه جزءًا لا يتجزأ من الإيمان بالدين الإسلامي ذاته.
ولا ينال من ذلك ما أثير بالأوراق من أن زيارة الأماكن المقدسة بالنسبة للمسيحيين بالقدس لا تعدو وأن تكون زيارة للتبرك فإنها ليست في الفروض في الدين المسيحي الذي لا يعرف الفروض، فإن هذا مردود عليه بأن الدين المسيحي كأي دين سماوي له أركانه وفروضه الواجبة والمتعلقة بالصيام والصلاة وزيارة بيت المقدس للنسك وذكر الله وقد نظمت الكنيسة مواعيده على النحو المطبق بالنسبة لقانون العمل ويدخل فيه أسبوع الآلام والجمعة الحزينة وسبت النور وأحد القيامة.
ومن حيث إنه بناءً على ما تقدم فإن امتناع الجهة الإدارية عن حساب الإجازة الممنوحة للطاعن في المدة من 5/ 4/ 1996 وحتى 5/ 5/ 1996 إجازة حج بأجر كامل يكون قد تم بالمخالفة لأحكام القانون مما يستوجب إلغاء هذا القرار مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد ذهب إلى غير ذلك فإنه يكون قد صدر بالمخالفة لأحكام القانون مما يتعين معه الحكم بإلغائه.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم بمصروفاته عملاً بنص المادة (184) مرافعات.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة

بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددًا بإلغاء قرار الجهة الإدارية المطعون ضدها الصادر بتاريخ 18/ 6/ 1996 فيما تضمنه من امتناعها عن حساب الإجازة الممنوحة للطاعن في المدة من 5/ 4/ 1996 حتى 5/ 5/ 1996 إجازة حج بأجر كامل مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الجهة الإدارية المطعون ضدها بالمصروفات.