مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والخمسين والسادسة والخمسين - من أول أكتوبر 2009 إلى آخر سبتمبر 2011 - صـ 991

(110)
جلسة 27 من إبريل سنة 2011
الطعن رقم 2045 لسنة 49 القضائية عليا
(الدائرة السادسة)

السادة الأساتذة المستشارون نواب رئيس مجلس الدولة:
1 - فريد نزيه تناغو
2 - سامي أحمد محمد الصباغ
3 - أسامة محمود عبد العزيز محرم
4 - محمد البهنساوي محمد الرمام
5 - حسن عبد الحميد البرعي
6 - على محمد الششتاوي إبراهيم
7 - حماد مكرم توفيق محمد
مجلس الدولة - الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع - تختص بإبداء رأي ملزم في المسائل والموضوعات التي تعرض عليها بسبب المنازعات التي تنشأ بين الجهات المنصوص عليها في المادة (66/ د) من قانون مجلس الدولة، وجميعها جهات عامة - هذا الاختصاص ينحسر وينعقد لجهة القضاء ذات الولاية إذا وجد بين أطراف المنازعة أحد أشخاص القانون الخاص، على أن تكون الخصومة مباشرة بين الشخص العام والشخص الخاص، بأن يكون هذا الأخير خصمًا مستقلاً وليس تابعًا لشخص من أشخاص القانون العام.
المواد المطبقة:
المادة (66) من قانون مجلس الدولة بالقرار بقانون رقم 7 لسنة 1972


الإجراءات

في يوم الثلاثاء الموافق 17/ 12/ 2002 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن الطاعن بصفته (رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لصندوق أبنية المحاكم والشهر العقاري) قلم كتاب هذه المحكمة تقريرًا بالطعن الماثل على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (الدائرة الثانية بالقاهرة) في الدعوى رقم 13552 لسنة 56 ق بجلسة 3/ 11/ 2002،القاضي في منطوقه بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى، وإلزام المدعي المصروفات.
وطلبت الهيئة الطاعنة - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، ثم بإعادة موضوع الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل فيه من هيئة مغايرة، مع إلزام المطعون ضده الأول المصروفات عن الطلب العاجل.
وقد أعلن تقرير الطعن على وفق الثابت بالأوراق، وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه - للأسباب الواردة به - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، للاختصاص للفصل فيها مجددًا من هيئة أخرى،مع إبقاء الفصل في المصروفات.
وقد نظر الطعن أمام الدائرة السادسة فحص طعون بالمحكمة الإدارية العليا، وبجلسة 7/ 7/ 2010 قررت إحالته إلى هذه الدائرة، وقد تدوول نظر الطعن بالجلسات على النحو الثابت في محاضرها وخلالها قدم الحاضر عن محافظة القاهرة حافظة مستندات، وبجلسة 16/ 3/ 2011 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم مع التصريح بمذكرات خلال أسبوع، وخلال الأجل قدمت جهة الإدارية مذكرة بدفاعها، وبجلسة اليوم صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونًا.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في إقامة هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الهيئة المدعية (الهيئة الطاعنة) الدعوى رقم 13552 لسنة 56 ق بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري (الدائرة الثانية بالقاهرة) في 25/ 5/ 2002 طالبة في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار محافظ القاهرة رقم 953 لسنة 2002 وما يترتب عليه من آثار، وإلزام المدعي عليه الأول المصروفات، تأسيسًا على أن الهيئة المدعية تمتلك قطعتي أرض فضاء بالمنطقة التاسعة بحي مدينة نصر بالقاهرة مساحة كل منهما 3000م2، بموجب عقد بيع بعد سداد كامل الثمن، صادرين عن شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير التي كانت تمتلكهما بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 815 لسنة 1959 وقرار محافظ القاهرة رقم 28 في 10/ 1/ 1974 باعتماد مشروع تقسيم المنطقة التاسعة بمدينة نصر، وأنها تسلمتهما ووضعت يدها عليهما وخصصتهما لإقامة مبنى لأعمال الطب الشرعي ومبنى آخر للمركز القومي للدراسات القضائية، بيد أنها فوجئت بقيام المدعي عليه الأول محافظ القاهرة بتخصيص جزء من هذه الأرض لهيئة النيابة الإدارية لإقامة مقر لرئاستها، ولما كان هذا القرار مشوبًا بعيب عدم الاختصاص ويفتقد إلى ركني السبب والمحل فقد أقامت الهيئة الطاعنة دعواها بطلباتها المبينة آنفًا.
ونظرت المحكمة الشق العاجل من الدعوى على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 3/ 11/ 2002 قضت المحكمة بحكمها المطعون فيه، وشيدت قضاءها بعد استعراض أحكام المادتين (13) و(66) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 على أن الفصل في الأنزعة التي تقام بين الجهات والمصالح أو الوزارات أو الهيئات العامة أو المحلية أو المؤسسات العامة ينعقد للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، ويكون الرأي الصادر عنها ملزمًا لطرفي النزاع، وان النزاع الماثل في الدعوى يدور حول تعدي المدعي عليه الأول (محافظ القاهرة) على أملاك الهيئة المدعية (صندوق أبنية المحاكم والشهر العقاري) عند تخصيصه لقطعة أرض لهيئة النيابة الإدارية بالقرار رقم 953 لسنة 2002، ودون أن ينال من ذلك اختصام الشركة المدعي عليها الثانية (شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير) لأنه لم توجه إليها أو منها أي طلبات منتجة أو مؤثرة في الدعوى وذات أثر في الحكم، وبذلك خلصت المحكمة إلى حكمها المطعون فيه.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه؛ بحسبان أن اختصاص الجمعية العمومية بالفصل في النزاع الماثل برأي ملزم لا يعد طريقًا قضائيًا للفصل في النزاع الشاجر بين الطرفين، سيما وأن النزاع يرتبط بشخص معنوي خاص هو الشركة التابعة للأرض باعتبارها المالك الأصلي للأرض المباعة ومدى صحة هذا البيع، وذلك على النحو الوارد تفصيلاً بتقرير الطعن.
ومن حيث إنه عن الموضوع فإن المادة (66) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 تنص على أن: "تختص الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بإبداء الرأي مسببًا في المسائل والموضوعات الآتية:...... د - المنازعات التي تنشأ بين الوزارات أو بين المصالح العامة أو بين الهيئات العامة أو بين المؤسسات العامة أو بين الهيئات المحلية أو بين هذه الجهات وبعضها البعض، ويكون رأي الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع في هذه المنازعات ملزمًا للجانبين".
ومن حيث إنه ولئن كان يبين من نص المادة (66/ د) سالف الذكر أن اختصاص الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بإبداء رأي ملزم في بعض المسائل والموضوعات المنوط بالمنازعات التي تنشأ بين الجهات المنصوص عليها في تلك المادة على سبيل الحصر، وجميعها جهات عامة، بما مؤداه أن اختصاص الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع ينحسر إذا وجد بين أطراف المنازعة شخص أو أكثر من أشخاص القانون الخاص، وبالتالي ينعقد الاختصاص بنظر المنازعة - بحسب الأصل - للجهة القضائية صاحبة الولاية والاختصاص، إلا أنه لا يكفي للقول بانحسار اختصاص الجمعية العمومية عن نظر النزاع أن يكون من بين أطرافه خص من أشخاص القانون الخاص، بل يشترط فضلاً عن ذلك أن تكون الخصومة مباشرة بين الشخص العام والشخص الخاص، بأن يكون هذا الأخير خصمًا مستقلاً، وليس تابعًا لشخص من أشخاص القانون العام، وإلا كانت الخصومة في أصلها وجوهرها بين أشخاص عامة، مما ينعقد الاختصاص بنظرها للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع طبقًا لأحكام المادة (66/ د) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، دون محاكم القضاء الإداري أو المدني، ويتحقق ذلك حتى لو كان القرار مثار المنازعة يمس حقًا أو مصلحة لأحد أشخاص القانون الخاص، مادام هذا الشخص لم ينشط لمخاصمة القرار في أية مرحلة من مراحل النزاع.
والقول بغير ذلك ينطوي على التفاف على قواعد الاختصاص، وإهدار للمحكمة التي تغياها المشرع من إسناد الاختصاص بحسم المنازعات التي تنشأ بين أشخاص القانون العام إلى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع، وهي تنزيه الجهات الإدارية عن اللدد في الخصومة الذي غالبًا ما يصاحب منازعات الأفراد أمام المحاكم، إلى جانب السرعة في حسم النزاع بين هذه الجهات، لكونها تقوم على رعاية مصالح عامة من شأنها أن تتأثر بطول إجراءات التقاضي.
وحيث إنه إعمالاً لما تقدم ولما كان الثابت من الأوراق أن النزاع الماثل يدور بين الهيئة العامة لصندوق أبنية المحاكم والشهر العقاري الصادر بتنظيمها قرار رئيس الجمهورية رقم 623 لسنة 1981 ومحافظة القاهرة باعتبارها إحدى وحدات الإدارة المحلية حول قرار المحافظ رقم 953 لسنة 2002 في 7/ 4/ 2002 بتخصيص قطعة أرض تبلغ مساحتها 3600م2 كائنة بالمنطقة التاسعة بلوك رقم 13 مدينة نصر لهيئة النيابة الإدارية، رغم ما سبق قيام الهيئة الطاعنة (مصلحة الطب الشرعي والمركز القومي للدراسات القضائية) بشراء قطعتي الأرض بموجب عقدي بيع مؤرخين في 15/ 12/ 1979 من الجهة المالكة، وهي شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير ودفع كامل الثمن بذات التاريخ، ومن ثم فإن النزاع يدور بين الجهتين المتنازعتين، وينعقد الاختصاص بالفصل في هذا النزاع للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، ويكون ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه صحيحًا ولا مطعن عليه.
ولا ينال من ذلك ما ذهب إليه الهيئة الطاعن من أن النزاع يرتبط بخص خاص هو شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير مما ينأى بالمنازعة عن اختصاص الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع؛ ذلك أن الخصومة القائمة في أصلها وجوهرها قائمة بين الهيئة الطاعنة والمحافظة المطعون ضدها الأولى على النحو الذي تولى الحكم المطعون فيه الرد عليه، فضلاً عن أن ما أوردته الجهة الطاعنة بتقرير الطعن حول نص المادة (66) من قانون مجلس الدولة فيما يتعلق باختصاص الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع لا يتفق والفهم الصحيح للنص وما يهدف إليه المشرع من إنشاء اختصاص بديل للاختصاص القضائي للفصل بين الجهات الإدارية، مما يتعين معه التفات عما أثير في هذا الشأن.
ومتى كان ما سلف فإن الطعن الماثل يضحى منهار الأركان جديرًا بالرفض مع إلزام الهيئة الطاعنة المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, ورفضه موضوعًا، وألزمت الجهة الطاعنة المصروفات.