أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 1 - صـ 709

جلسة 30 من مايو سنة 1950

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد فهمي إبراهيم بك وكيل المحكمة وأحمد حسني بك وفهيم عوض بك وإبراهيم خليل بك المستشارين.

(230)
القضية رقم 20 سنة 20 القضائية

أ - قبض وتهديد. لا يشترط أن يكون التهديد بالقتل أو التعذيب تالياً للقبض.
ب - قبض وتهديد. الشروع في هذه الجريمة معاقب عليه. (المادة 282 ع).
جـ - اشتراك. الاشتراك يتم بالاتفاق أو المساعدة. (المادة 40 ع).
د - نقض. حكم اعتورته أخطاء قانونية. ذكره وقائع الدعوى إجمالا بحيث لا تستطيع محكمة النقض تطبيق القانون عليها. يتعين نقض الحكم وإعادة المحاكمة.
1 - إن الجريمة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 282 من قانون العقوبات تتحقق سواء أكان التهديد بالقتل حصل في وقت القبض أو أثناء الحبس أو الحجز، فلا يشترط أن يكون التهديد بالقتل أو التعذيب تالياً للقبض.
2 - من الجرائم مالا يتصور الشروع فيها لأنها لا يمكن أن تقع إلا تامة، وليس من هذا القبيل جناية القبض المقترن بالتهديد بالقتل، إذ هي تتكون من عدة أعمال تنتهي بإتمامها، فإذا ما وقع عمل من الأعمال التي تعتبر بدءاً في تنفيذها ثم أوقف تمامها أو خاب أثرها لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها وقعت جريمة الشروع في هذه الجناية.
3 - إن المادة 40 من قانون العقوبات إذ نصت في فقرتها الثانية على أن الاشتراك يكون بواسطة الاتفاق قد نصت كذلك في فقرتها الثالثة على أن الاشتراك يكون أيضاً بالمساعدة إذا "أعطى شخص للفاعل أو الفاعلين سلاحاً أو آلات أو أي شيء آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعدهم بأي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها". فكل ما اشترطه القانون في هذه الفقرة لتحقق الاشتراك بالمساعدة أن يكون الشريك عالماً بارتكاب الفاعل للجريمة وأن يساعده بقصد المعاونة على إتمام ارتكابها في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها ولا يشترط قيام الاتفاق بين الفاعل والشريك في هذه الحالة؛ إذ لو كان ذلك لازما لما كان هناك معنى لأن يفرد القانون فقرة خاصة يعني فيها ببيان طرق المساعدة وشروط تحقق الاشتراك بها مع سبق النص في الفقرة الثانية على تحققه بمجرد الاتفاق مع الفاعل على ارتكاب الجريمة.
4 - إذا كانت الأخطاء القانونية التي وقعت فيها محكمة الموضوع قد طغت على حكمها فجاء مجملا فيما أثبته أو نفاه من بعض الوقائع التي لا محيص من الوقوف على حقيقتها لتطبيق القانون على الوجه الصحيح، فإنه لا يكون لمحكمة النقض معدى عن أن تحيل الدعوى إلى محكمة الموضوع لإعادة المحاكمة من جديد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة: 1- عطية كامل زايد 2- محمد مصطفى الشريف (المطعون ضدهما) بأنهما شرعا في القبض على سميحة عباس القرشي بدون وجه حق وكان ذلك مقترنا بالتهديد بالقتل بأن حاولا إدخالها سيارة أعداها لذلك ولما رفضت أطلق أولهما مقذوفات نارية من مسدس كان يحمله مهدداً إياها بالقتل كما أمسك بها الثاني محاولا منعها من الفرار وخاب أثر الجريمة لسبب خارج عن إرادتهما وهو مقاومة المجني عليها وحضور بعض رجال البوليس وتجمع المارة، وطلبت من قاضي الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 45 و46 و280 و282 فقرة ثانية من قانون العقوبات، فقرر بذلك في أول أغسطس سنة 1948 وادعت سميحة عباس القرشي (المجني عليها) بحق مدني وطلبت الحكم لها قبل المتهمين متضامنين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت.
سمعت محكمة جنايات طنطا الدعوى وقضت حضورياً عملا بمواد الاتهام المذكورة وبالمادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وبإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعية بالحقوق المدنية قرشاً صاغاً على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة.
فرفع المحكوم عليهما طعناً عن هذا الحكم قضى فيه بقبوله شكلا وفي موضوعه بنقض الحكم المطعون فيه وبإحالة الدعوى إلى محكمة الجنايات لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى وبإلزام المدعية بالحقوق المدنية بالمصاريف المدنية. وقد قيد بجدول المحكمة برقم 1173 سنة 19 القضائية.
بعد ذلك أحيلت الدعوى إلى محكمة جنايات طنطا فقضت ببراءة المتهمين مما أسند إليهما وبرفض الدعوى المدنية قبلهما وإلزام رافعتها بالمصاريف وذلك عملا بنص المادة 50 فقرة ثانية وثالثة من قانون تشكيل محاكم الجنايات.
فطعنت النيابة في الحكم الأخير بطريق النقض الخ الخ.


المحكمة

وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون حين قضى ببراءة المتهمين بمقولة إن واقعة الدعوى لا تعدو أن تكون شروعا في جنحة لم ينص القانون على عقابها، ذلك لأن الواقعة إنما هي شروع في جناية معاقب عليه بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 282 من قانون العقوبات. وكذلك أخطأ الحكم إذ قضى ببراءة المتهم الثاني بمقولة إن مساءلة شخص عن المساهمة في جريمة مع غيره تستلزم اتفاقاً بينه وبين ذلك الغير على ارتكابها سابقاً على وقوعها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببراءة المتهمين قد قال في ذلك "ومعنى هذا النص (أي نص الفقرة الثانية من المادة 282 من قانون العقوبات) صريح في أن المقصود بعبارة (جميع الأحوال) هو أن يكون القبض قد وقع طبقاً لنص المادة 280 من قانون العقوبات أو تم طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 282 من قانون العقوبات التي سلف ذكرها. ومدلول صياغة النص على الظرف المشدد في هذه الفقرة واضح في اشتراطه أن يتلو فعل القبض تهديد بالقتل أو تعذيب بدني يقع على شخص المقبوض عليه..." وأن القول بجواز توافر أركان هذه الجناية إذا ما اقترن فعل القبض بالتهديد بالقتل دون اشتراطه تمام حصول القبض - كما جاء بوصف التهمة - هذا القول معناه أن الجاني إذا اتخذ من التهديد بالقتل وسيلة لإجراء القبض حق عليه العقاب تطبيقاً لنص المادة 282 من قانون العقوبات وفي هذا خروج على نص المادة المذكورة التي حددت في فقرتها الأولى الوسائل التي إذا تم بواسطتها القبض ارتفعت الجريمة إلى مصاف الجنايات وهي التزيي بزي مستخدمي الحكومة أو الاتصاف بصفة كاذبة أو إبراز أمر مزور يزعم أنه صادر من جهة الحكومة ولا شك في أن هذه الوسائل قد ذكرت على سبيل الحصر ولو أن الشارع أراد أن يكون (التوسل بالتهديد بالقتل لإجراء القبض) ظرفاً مشدداً لضمنه تلك الوسائل... وأنه متى تقرر هذا، فإن القبض الذي يتم بطريق التهديد بالقتل لا يغير من طبيعة الجنحة المنصوص عليها في المادة 280 من قانون العقوبات، ويكون الفعل محل هذه الدعوى والموصوف بتقرير الاتهام بأنه شروع في القبض اقترن بالتهديد بالقتل هو شروعا في جنحة لا نص على العقاب عليها... ولعل الصيغة الواردة في هذا الوصف تحت عبارة (وكان ذلك مقترنا بالتهديد بالقتل) وضعت اعتمادا على ما قال به بعض شراح القانون الفرنسي من أن التهديد بالقتل يجوز أن يبدأ من لحظة القبض، إلا أن هذا القول لا يغير ما استظهرته المحكمة فيما تقدم من وجوب تمام القبض حتى يمكن اعتبار التهديد بالقتل ظرفا مشدداً، وأنه وقد تقدم أن المادة 282 فقرة ثانية من قانون العقوبات المطلوب تطبيقها تشترط لقيام الجناية المنصوص عليها فيها تمام فعل القبض وحصوله طبقاً للمادة 280 من قانون العقوبات كما جاء بصدر تلك المادة وأنه لذلك لا تتصور حالة الشروع في الجناية المذكورة، إلا أن هذه المحكمة لا يفوتها أن تشير إلى ما أثير من أن في ذلك تعطيلاً لنص إحدى مواد القانون وهي المادة 46 من قانون العقوبات التي قيل إن مؤدى نصها أن كل جناية معاقب على الشروع فيها، هذا الذي أثير لا سند له من القانون؛ إذ أن هذه المادة ما وضع نصها في القانون إلا لتحديد العقوبات التي يحكم بها في الشروع في الجنايات متى توفرت فيها أركان الشروع المعروف في المادة 45 من قانون العقوبات ولا يمكن أن ينصرف نصها إلى القول بأن كل الجنايات يتصور وقوع الشروع فيها. ولعل هذا اللبس مثاره ما جاء بصدر المادة 46 من قانون العقوبات المذكورة من أنه (يعاقب على الشروع في الجناية بالعقوبات الآتية إلا إذا نص قانوناً على خلاف ذلك) وليس في هذا النص الصريح ما يحتمل تأويله على خلاف مؤداه فإن عبارته وإن جاءت مقررة للعقاب على الشروع في الجناية على إطلاقها إلا أن هذا الإطلاق وما أعقبه من قيد في ذلك النص إنما ينصان على ما قررته تلك المادة من عقوبات، ثم قال الحكم بعد ذلك "إنه وقد خلت الدعوى من دليل على وجود اتفاق سابق بين المتهمين على ارتكاب هذه الجريمة ولم يقل الاتهام بقيام ذلك الاتفاق فيتعين لذلك بحث مسئولية كل متهم منهما على حدة عن الوقائع المنسوبة إليه مقارفتها ومناقشة الدليل القائم قبله فيما قرره كل شاهد من شهود الإثبات".
وحيث إن نص الفقرة الثانية من المادة 282 من قانون العقوبات ليس فيه ما يفيد ذلك التعقيب الزمني الذي قال به الحكم وهذه المادة منقولة عن المادة 344 من قانون العقوبات الفرنسي ولم يذهب أحد من الفقهاء الفرنسيين مذهب الحكم المطعون فيه في تفسيرها بل إنهم أجمعوا كما أجمعت المحاكم الفرنسية على أن الجناية المنصوص عليها فيها تتحقق سواء أكان التهديد بالقتل في وقت القبض أو أثناء الحبس أو الحجز.

"Il est indifférent que ces menaces aient eu lieu an moment de "l'arrestation ou pendant le cours de la détention

وأما بالنسبة إلى كون جناية الشروع في القبض المقترن بالتهديد بالقتل لا يتصور وقوعها فقول مردود أيضاً، لأن هذه الجناية تتكون من أعمال عدة تنتهي بإتمامها، فإذا ما وقع عمل من الأعمال التي تعتبر بدءا في تنفيذها ثم أوقف إتمامها أو خاب أثرها لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها وقعت جريمة الشروع في هذه الجناية، وقد قال الحكم المطعون فيه بأن القبض غير المقترن بالتهديد يتصور الشروع فيه ولكنه لا عقاب عليه، فتصور الشروع في ذات الجريمة إذا اقترنت بالتهديد يكون أيسر من ذلك بالبداهة، وإذا كانت هناك بعض الجرائم لا يتصور الشروع فيها لأنها لا يمكن أن تقع إلا تامة، إلا أن جناية القبض المقرون بالتهديد بالقتل ليست منها، وقد أجهد الفقهاء الفرنسيون أنفسهم في حصر تلك الجرائم، ولكنهم لم يذكروا من بينها جناية القبض المقرون بالتهديد بالقتل.
وحيث إن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن اشتراك شخصين أو أكثر في جريمة واحدة لا يكون إلا إذا ثبت سبق اتفاقهم على ارتكابها بحيث إذا لم يحصل هذا الاتفاق فلا يسأل كل منهم إلا على ما وقع منه هو دون غيره، فقول مردود أيضاً، وذلك لأن المادة 40 من قانون العقوبات إذ نصت في فقرتها الثانية على أن الاشتراك يكون بواسطة الاتفاق، فإنها نصت كذلك في فقرتها الثالثة على أن الاشتراك يكون أيضاً بالمساعدة "إذا أعطى شخص للفاعل سلاحا أو آلات أو أي شيء آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعده بها بأي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها" فكل ما اشترطه القانون في هذه الفقرة لتحقق الاشتراك بالمساعدة أن يكون الشريك عالما بارتكاب الفاعل للجريمة وأن يساعده بقصد المعاونة على إتمام ارتكابها في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها، ولو كان الاتفاق بين الفاعل والشريك شرطاً لازما في هذه الحالة أيضاً لما كان هناك معنى لأن يفرد القانون فقرة خاصة يعني فيها ببيان طرق المساعدة وشروط تحقق الاشتراك بها مع سبق النص في الفقرة الثانية على تحققه بمجرد الاتفاق مع الفاعل على ارتكاب الجريمة.
وحيث إنه لذلك يتعين نقض الحكم المطعون فيه لابتنائه على الخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن محكمة النقض لا تستطيع القيام بوظيفتها في تطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً على الواقعة كما أثبتها الحكم لأن تلك الأخطاء القانونية التي وقعت فيها محكمة الموضوع قد طغت على حكمها فحملته على إجمال إثبات أو نفي بعض الوقائع التي لا محيص من الوقوف على حقيقتها لتطبيق القانون على الوجه الصحيح مما يستوجب مع نقض الحكم إعادة المحاكمة من جديد.
وحيث إنه لما تقدم ولأن الطعن مرفوع للمرة الثانية يتعين قبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه وتحديد جلسة لنظر الموضوع.