أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثاني - السنة 4 - صـ405

جلسة 24 من يناير سنة 1953

برياسة حضرة المستشار إبراهيم خليل؛ وبحضور حضرات المستشارين: إسماعيل مجدي ومصطفى حسن ومحمود إبراهيم إسماعيل وأنيس غالي.

(155)
القضية رقم 1203 سنة 22 القضائية

(أ) بلاغ كاذب. الجريمة المبلغ عنها. تشكك المحكمة فيها. لا يمنع المحكمة المطروحة أمامها تهمة البلاغ الكاذب من أن تبحث هذه التهمة طليقة من كل قيد.
(ب) بلاغ كاذب. كذب الوقائع. مسخ الوقائع كلها أو بعضها. يكفي لتحقق الجريمة.
1 - إن تشكك المحكمة في تهمة السرقة لا يقطع بصحة البلاغ المقدم عنها أو بكذبه, ولذا فانه لا يمنع المحكمة المطروحة أمامها تهمة البلاغ الكاذب من أن تبحث هذه التهمة طليقة من كل قيد.
2 - لا يشترط في جريمة البلاغ الكاذب أن يكون البلاغ كله كاذبا بل يكفي أن تمسخ فيه الوقائع كلها أو بعضها مسخا يؤدي إلى الإيقاع بالمبلغ ضده.


الوقائع

رفع المدعي بالحق المدني دعواه مباشرة على: 1 - محمد سيد أحمد الشهير بالفلاح "الطاعن" و2 - محمد إسماعيل كيلاني و3 - محمد علي عامر متهما اياهم بأنهم - الأول أبلغ كذبا مع سوء القصد في حقه بأنه سرق منه ورقة مالية من فئة الخمسين جنيها وذلك بنية الإضرار به. والثاني والثالث شهدا زورا ضده, وطلب معاقبة الأول بالمادة 305 والثاني والثالث بالمادة 296 من قانون العقوبات مع إلزامهم متضامنين بأن يدفعوا له جنيها واحدا على سبيل التعويض المؤقت. وفي أثناء نظر الدعوى أمام محكمة بولاق الجزئية وجهت المحكمة تهمة شهادة الزور إلى أبو سريع أحمد القاضي. والمحكمة المشار إليها قضت فيها عملا بالمادتين 303و305 للأول والمادة 296 من قانون العقوبات للباقين حضوريا للمتهم الأول والثاني وغيابيا للثالث بحبس كل من المتهمين ستة شهور مع الشغل وغرامة 20 جنيها وكفالة خمسين جنيها لوقف التنفيذ وبإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا للمدعي بالحق المدني جنيها مصريا واحدا على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية ومبلغ 300 قرش ثلاثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة وبحبس المتهم أبو سريع أحمد القاضي ثلاثة شهور بالشغل وكفالة ثلاثين جنيها لوقف التنفيذ بلا مصاريف جنائية. فعارض المحكوم عليه غيابيا وقضى في معارضته بتعديل الحكم وبحبسه ثلاثة شهور مع الشغل وكفالة 5 جنيهات وتأييده فيما عدا ذلك. استأنف المتهمون المحكوم عليهم حضوريا كما استأنف المتهم محمد علي عامر الحكم الأخير ومحكمة مصر الابتدائية قضت فيه حضوريا أولا: بتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به من عقوبة بالنسبة للمتهم الأول محمد سيد أحمد الشهير بالفلاح والاكتفاء بحبسه ثلاثة شهور مع الشغل وتأييده فيما قضى به من التعويض وألزمته بالمصروفات المدنية الاستئنافية. وثانيا: بتعديل الحكم المستأنف بالنسبة للمتهم الثالث أبو سريع أحمد والاكتفاء بتغريمه 20 جنيها عشرين جنيها. وثالثا: بإلغاء الحكم المستأنف بالنسبة للمتهمين الثاني محمد إسماعيل كيلاني والرابع محمد علي عامر وبراءتهما مما أسند إليهما ورفض الدعوى, المدنية قبلهما وأعفت الجميع من المصروفات الجنائية. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... حيث إن الطاعن يبني طعنه على أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بتهمة البلاغ الكاذب مع سوء القصد قد أخطأ, ذلك لأن الحكم الذي قضى ببراءة المدعي بالحقوق المدنية من تهمة السرقة التي أبلغ عنها الطاعن لم يؤسس البراءة على تلفيق هذه التهمة بل على عدم ثبوتها مما مفاده أن الواقعة صحيحة أصلا وإن كانت الأدلة غير كافية للحكم بالإدانة, ومتى كان الأمر كذلك فليس لمحكمة البلاغ الكاذب أن تتصدى للواقعة من جديد وتقضى بأنها ملفقة وقد دافع الطاعن بذلك أمام المحكمة الاستئنافية إلا أن الحكم اطرح هذا الدفاع بمقولة إن الحكم بالبراءة في الدعوى السابقة ليست له حجية بالنسبة لدعوى البلاغ الكاذب وهذا رد غير سديد إذ محل ذلك أن يكون الحكم القاضي بالبراءة قد بنى على التشكك في صحة الواقعة لا في أدلة الثبوت, هذا إلى أن المحكمة التي نظرت واقعة السرقة التي أسندها الطاعن إلى المدعي بالحقوق المدنية كونت عقيدتها ببراءته من هذه التهمة من مجرد اطلاعها على اقوال شاهدي الواقعة بالتحقيقات دون أن تسمعهما ولو أنها فعلت ذلك لكان تقديرها لصحة الواقعة أدق وأدنى إلى الحقيقة ولعل في تبرئة الحكم المطعون فيه لهذين الشاهدين من تهمة شهادة الزور ما يؤيد ذلك فإذا جاء الحكم المذكور وأيد حكم الإدانة على الطاعن مع هذه الظروف ومن غير أن يسمع هذين الشاهدين فانه يكون مخطئا في القطع بأن البلاغ كاذب, ومما يؤيد ذلك أن محكمة أول درجة التي نظرت دعوى البلاغ الكاذب كانت قد قررت سماع هذين الشاهدين إلا أن هذا القرار لم ينفذ ولو أنها فعلت لانتهت إلى غير ما انتهت إليه وما كان في مكنة الطاعن أن يتمسك بسماع أقوالهما إذ كانا متهمين معه في نفس الدعوى.
وحيث إنه لا وجه لما ينعاه الطاعن من أن الحكم الصادر بالبراءة في جريمة السرقة التي أسندها للمدعي بالحقوق المدنية للشك في أدلة الثبوت لا يعني عدم صحة الواقعة ومن ثم لا يمكن القول بأن البلاغ كان كاذبا. لا محل لما يقوله الطاعن من ذلك لأن تشكك المحكمة في تهمة السرقة لا يقطع بصحة البلاغ المقدم عنها أو بكذبه ولذا فانه لا يمنع المحكمة المطروحة أمامها تهمة البلاغ الكاذب من أن تبحث هذه التهمة طليقة من كل قيد. لما كان هذا وكان لا يشترط في جريمة البلاغ الكاذب أن يكون البلاغ كله كاذبا بل يكفي أن تسمخ فيه الوقائع كلها أو بعضها مسخا يؤدي إلى الايقاع بالمبلغ ضده وهذا هو ما أثبته الحكم المطعون فيه في حق الطاعن إذ قال "وحيث إنه بالنسبة للمتهم الأول "الطاعن" فإن الحكم المستأنف في محله بالنسبة لما قضى به من إدانته للأسباب الواردة به والتي تضيف إليها هذه المحكمة أن القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب يتحقق بعلم المبلغ بكذب الوقائع التي أبلغ عنها وانتوائه السوء بالمجني عليه والإضرار به وهذا العلم ثابت بما فيه الكفاية مما أثبته الحكم المستأنف وما ورد في محاضر جلسة محكمة أول درجة من تناقض المتهم في أقواله تناقضا بينا لا يبرره الاعتذار بضعف الذاكرة واعترافه بوجود نزاع قديم بين والدته وبينه لا يتصور معه - كما قال الحكم الصادر ببراءة المدعي بالحقوق المدنية - أن يكون هذا الأخير محل عطف المتهم وثقته حتى يسلمه خمسين جنيها ليأخذ منها حاجته ويرد إليه باقيها وليدفع من ذلك المبلغ أتعاب محاميه في قضية يعلم المتهم أنها مقامة ضد والدته - أما انتواؤه السوء بالمجني عليه والإضرار به فثابت من اتهامه له بأمر يستوجب عقابه رغم علمه بكذب ما يسنده إليه واعترافه في إبلاغه بأنه يعلم أن للمدعي بالحقوق المدنية قضية ستنظر في اليوم الذي أبلغ فيه" لما كان ذلك وكان ما يقوله الطاعن من أن المحكمة لم تسمع شاهدي واقعة السرقة (وهما المتهمان بشهادة الزور) لا محل له أيضا لأن المحكمة سمعت أولهما ولم يطلب هو سؤال الثاني فضلا عن أن المحكمة لا تملك استجوابه أو مناقشته بوصفه متهما طبقا لما يقضي به القانون في المادة 274 من قانون الإجراءات الجنائية. لما كان كل ذلك فان الطعن يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.