أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 4 - صـ186

جلسة أول ديسمبر سنة 1952

برياسة حضرة رئيس المحكمة أحمد محمد حسن، وبحضور حضرات المستشارين إبراهيم خليل ومحمد أحمد غنيم وإسماعيل مجدى ومصطفى حسن.

(74)
القضية رقم 996 سنة 22 القضائية

(أ) دفاع. متهم قدم إلى محكمة الجنايات بتهمة جناية وجنحة. فصل المحكمة الجنحة عن الجناية. سماعها المرافعة في الجناية. نفيها هذه التهمة عنه. معاقبته مع ذلك على الجنحة. إخلال بحق الدفاع.
(ب)لاتعارض مصلحة متهمين. تولي محام واحد الدفاع عنهما. بطلان الإجراءات.
(جـ) نقض. طاعنان. اسناد تهمة إلى احدهما واقعتها مستقلة عن واقعة التهمة المسندة إلى الآخر. نقض الحكم بالنسبة إلى أيهما لا يقتضي نقضه بالنسبة إلى الآخر.
1 - إذا كان المتهم قد أحيل إلى محكمة الجنايات بجناية وجنحة فقررت المحكمة فصل الجنحة عن الجناية وترافعت النيابة والدفاع على أساس الجناية ثم انتهت المحكمة إلى نفي هذه التهمة عنه ولكنها عاقبته على الجنحة التي فصلتها دون أن تلفت نظره فإن حكمها بذلك يكون مبنيا على الإخلال بحق المتهم في الدفاع.
2 - إذا كان الثابت بمحاضر الجلسات والحكم أن الواقعة التى اسندت إلى كلا المتهمين إنما هى ضربة واحدة ولم يتهما بالمساهمة في الفعل أو الأفعال التي أدت إلى وفاة المجني عليه, فإن مصلحة كل من المتهمين تكون متعارضة مع مصلحة الآخر, ومقتضى هذا أن يتولى الدفاع عن كل منهما محام خاص به, فإذا كان الوقاع أن محاميا واحدا تولى الدفاع عنهما فهذه المحاكمة تكون باطلة لإنطوائها على خطأ جوهري في الإجراءات.
3 - متى كانت التهمة المسندة إلى أحد الطاعنين هى عن واقعة مستقلة عن واقعة التهمة الأخرى التي اسندت إلى الطاعن الثاني فإن نقض الحكم بالنسبة إلى أحدهما لا يستوجب نقضه بالنسبة إلى الآخر.


الوقائع

اتهمت النيابة العمومية الطاعنين بأنهم الأول والثاني: ضربا إبراهيم حسين عبد الله على رأسه ضربا لم يقصدا منه قتلا ولكنه أفضى إلى موته. والثالث: شرع في قتل عبد الله حسين عبد الله عمدا بأن أطلق عليه مقذوفا ناريا قاصدا قتله فأحدث به الإصابة الموضحة بالتقرير الطبي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو إسعاف المجني عليه بالعلاج, وطلبت من قاضي الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم الأول والثاني بالمواد 236و241/ 1و242/ 1 والثالث بالمواد 45و46و234 من قانون العقوبات, فقرر بذلك وادعى بحق مدني 1 - إمام إبراهيم حسين عبد الله وطلب الحكم له قبل المتهمين الأول والثاني بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض و2 - عبد الله حسين عبد الله وطلب الحكم له قبل المتهم الثالث بمبلغ مائة جنيه تعويضا. ومحكمة جنايات بنها قضت أولا بمعاقبة محمد أحمد ركيبه بالسجن لمدة ثلاث سنوات وذلك عملا بالمادة 236 من قانون العقوبات لأنه ضرب وحده إبراهيم حسين عبد الله على رأسه ضربا لم يقصد منه قتلا ولكنه أفضى إلى موته, وثانيا بمعاقبة حسنين أحمد ركيبه بالحبس مع الشغل لمدة ستة شهور وذلك على اعتبار أن ما وقع منه هو جنحة إحداث إصابة بالمجني عليه المذكور لا تحتاج لعلاج ومنطبقة على المادة 242/ 1 من قانون العقوبات, وثالثا بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا لإمام إبراهيم حسين عبد الله مائة جنيه على سبيل التعويض والمصروفات المدنية وثلاثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة, ورابعا بمعاقبة علي أحمد ركيبه بالسجن لمدة خمس سنوات عن تهمة الشروع في القتل العمد المسندة إليه عملا بالمواد 45و46و236 من قانون العقوبات, وبإلزامه بأن يدفع لعبد الله حسين عبد الله أربعين جنيها تعويضا والمصروفات المدنية وثلاثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليهم الثلاثة في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مما بنى عليه الطاعن الثاني في طعنه أنه أحيل إلى محكمة الجنايات بتهمتين أولاهما ضربه إبراهيم حسين عبد الله على رأسه ضربا أفضى إلى موته والثانية ضربه هذا المجني عليه ضربا أحدث به إصابة تحتاج لعلاج لا يتجاوز عشرين يوما. ومع أن المحكمة قررت فصل الجناية عن الجنحة؛ إلا أنها بعد أن نظرتها برأته من تهمة الجناية وعاقبته على الجنحة التي كانت قررت فصلها عن الجناية والمنظورة الآن أمام محكمة طوخ الجزئية بناء على قرار محكمة الجنايات كما يبين ذلك من الشهادة المرفقة بتقرير أسباب الطعن.
وحيث إنه يبين من الإطلاع على محضر الجلسة أن أمر الإحالة الذي أحيل به الطاعنون إلى محكمة الجنايات قد تضمن, فيما عدا تهمة الجناية المسندة إلى كل منهم, إتهام الطاعن الثاني بضرب إبراهيم حسين عبد الله فأحدث به إصابة تحتاج لعلاج لا يتجاوز عشرين يوما, كما تضمن جنحا أخرى منسوبة إلى متهمين آخرين. فقررت محكمة الجنايات بجلسة 9 من ديسمبر سنة 1951 فصل تهمة الجناية المنسوبة إلى المتهمين الثلاثة الأولين (الطاعنين) عن تهمة الجنحة وقصر نظر الدعوى على الجناية, كما يبين من الاطلاع على الشهادة الرسمية المرفقة بتقرير الأسباب والمستخرجة من جدول الجنح بمحكمة طوخ الجزئية أن الجنحة المقيدة ضد الطاعن الثاني بأنه ضرب إبراهيم حسين عبد الله هى والجنح الأخرى التي تضمنها أمر الإحالة سالف الذكر مقدمة إلى تلك المحكمة ومؤجلة إلى جلسة 4 من يوليو سنة 1952. ولما كان الثابت بأوراق المحاكمة وبالحكم المطعون فيه أن الواقعة التى نظرتها محكمة الجنايات بالنسبة إلى الطاعن الثاني والتي حصلت مرافعة النيابة والدفاع على أساسها هى أنه والطاعن الأول ضربا إبراهيم حسين عبد الله على رأسه ضربا لم يقصدا منه قتلا ولكنه أفضى إلى موته, وقد أنتهت المحكمة في حكمها إلى نفي هذه التهمة عن الطاعن الثاني, ولكنها عاقبته من أجل واقعة أخرى وذلك دون أن تلفت نظره إلى إضافة واقعة جديدة إلى التهمة التي حصلت المرافعة على أساسها بعد أن قررت هى فصل الجناية عن الجنح - لما كان ما تقدم , فإن الحكم المطعون فيه يكون مبنيا على الإخلال بحق الطاعن الثاني في الدفاع, وتعين من أجل ذلك قبول الطعن موضوعا فيما يخصه ونقض الحكم بالنسبة إليه.
وحيث إن مما يقوله الطاعن الأول في هذا الطعن أن الثابت بالتقرير الطبي حدوث الوفاة من إصابة واحدة بالرأس, ولما كان هناك عدة إصابات به, وأكثر من متهم واحد بإحداثها, وكان قد حضر عنه وعن الطاعن الثاني محام واحد أقام دفاعهما على شيوع التهمة بينهما, فجاءت المحكمة وخصته هو بإحداث جميع إصابات الرأس, على حين أن الثابت من أقوال المجني عليه نفسه وأقوال أخيه وسائر الشهود أن الطاعن الثاني قد ضرب المجني عليه على رأسه, فان مصلحة الأول في الدفاع تكون متعارضة ومصلحة الطاعن الثاني, مما يستوجب أن يستقل كل منهما بدفاع خاص لتكون له الحرية في نفي التهمة عن نفسه ولو أدى ذلك إلى إلقائها على الآخر.
وحيث إن الدعوى العمومية رفعت على الطاعنين بتهمة ضرب المجني عليه على رأسه ضربا أفضى إلى موته. وقد حضر للدفاع عن كليهما محام واحد, وبنى دفاعه عنهما معا على شيوع التهمة بينهما لتعدد الإصابات برأس المجني عليه وحدوث الوفاة عن واحدة منها, وقد أنتهت المحكمة إلى أن الطاعن الأول وحده هو الذي ضرب المجني عليه على رأسه فأحدث به الإصابات التي أفضت إلى موته, فقضت بإدانته وبراءة الثاني من هذه التهمة. ولما كان الثابت بمحاضر الجلسات والحكم أن الواقعة التي أسندت إلى كلا المتهمين إنما هى ضربة واحدة, وأنهما لم يتهما بالمساهمة في الفعل أو الأفعال التي أدت إلى الوفاة. بل إن ثبوت الفعل المكون للجريمة على واحد منهما يؤدي إلى تبرئة الآخر من التهمة, فإن ذلك يجعل مصلحة كل منهما متعارضة مع مصلحة الآخر, مما كان يقتضى أن يتولى الدفاع عن كل منهما محام خاص به. ولذا فإن المحاكمة تكون باطلة لإنطوائها على خطأ جوهري في الإجراءات مما يستوجب نقض الحكم بالنسبة إلى الطاعن الأول.
وحيث إن طعن الطاعن الثالث يتحصل في أن الحكم قد استدل على توفر نية القتل لديه بأدلة لا تؤدي بصفة قاطعة إلى ذلك.
وحيث إن الحكم قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر فيه جميع العناصر القانونية لجناية الشروع في القتل العمد التي دان هذا الطاعن بها, وتحدث عن نية القتل لديه فقال: "ومن حيث إن الدفاع عن هذا المتهم (الطاعن الثالث) قال بعدم توافر نية القتل لديه, وأن إطلاق النار لم يكن مقصودا به سوى الإرهاب تخويفا لفريق المجني عليهم ودفاعا عن أهله وعشريته. ومن حيث إنه واضح من أقوال المجني عليه بالتحقيقات وبمحضر الجلسة أن المتهم صوب السلاح نحوه ثم أطلقه عليه قاصدا من ذلك قتله وأن المسافة بين الاثنين كانت قصيرة (دون الخمسة أمتار في رأي الطبيب الكشاف) وحوالي ثلاثة ونصف في رأي المجني عليه, وأنه لو كان لا يقصد القتل لخرج المقذوف في الهواء ولما أصاب من المتهم هذا المكان غير المرتفع من جسمه. ومن حيث إن أقوال السيد عبد العزيز البياضى في محضر التحقيق جاءت واضحة كذلك في أن هذا المتهم كان يصوب سلاحه نحو الهدف مما يقطع بتوافر نية القتل خصوصا والسلاح كما قال عنه الكثيرون من أنواع الأسلحة القاتلة الفتاكة" وبذا فإن المحكمة استظهرت توافر قصد القتل لدى الطاعن من أدلة تؤدي في العقل إلى ذلك, ويكون الحكم بالنسبة إلى هذا الطاعن سليما. ولما كانت التهمة التي أسندت إلى هذا الطاعن هى عن واقعة مستقلة عن واقعة التهمة الأخرى التي أسندت للطاعن الثاني, فإن نقض الحكم بالنسبة إلى الطاعن الثاني لا يستوجب نقضه بالنسبة للثالث, وتعين من أجل ذلك رفض طعنه موضوعا.