أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 4 - صـ218

جلسة 9 من ديسمبر سنة 1952

برياسة حضرة رئيس المحكمة أحمد محمد حسن وبحضور حضرات المستشارين إبراهيم خليل ومحمد أحمد غنيم وإسماعيل مجدى ومصطفى حسن.

(85)
القضية رقم 812 سنة 22 القضائية

استئناف. حق المتهم في الاستئناف. مناطه مقدار العقوبة المحكوم بها. حق النيابة مناطه ما تبديه من طلبات. القول بأن للنيابة أن تستأنف أي حكم صادر في الجنح والمخالفات يزيد الحد الأقصى للغرامة المقررة لها على خمسة جنيهات مهما كان مقدار الغرامة المحكوم بها قليلا أو كثيرا غير صحيح.
إنه يبين من نص المادة 402 من قانون الإجراءات الجنائية والمادتين 403و404 والمادة 405 أن المشرع قد بين على سبيل الحصر الأحوال التي يجوز فيها الاستئناف في مواد المخالفات والجنح وأن ما عدا ذلك من الأحكام الصادرة من المحكمة الجزئية في هذه المواد لا يجوز استئنافه. والعبارات التي استعملها الشارع في المادة 402 سواء في فقرتها الأولى أو الثانية صريحة في التفرقة بين مناط حق المتهم في الاستئناف والذي جعله المشرع تابعا لمقدار العقوبة المحكوم بها وبين حق النيابة (في الاستئناف) الذي علقه على ما تبديه من طلبات. والتعبير بعبارة "إذا طلبت الحكم" إنما ينصرف إلى ما تطلبه النيابة في الواقع من المحكمة سواء أكان هذا الطلب قد ضمنته ورقة التكليف بالحضور أو أبدته شفويا بالجلسة. وإذن فغير سديد القول بأن للنيابة أن تستأنف الحكم الصادر في أية جنحة يزيد الحد الأقصى للغرامة المقررة لها على خمسة جنيهات مهما نقص مقدار الغرامة المحكوم بها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه شرع في سرقة الخضر (القرنبيط) المبين الوصف والقيمة بالمحضر لحسن محمود فرحات وقد أوقف تنفيذ الجريمة بسبب لا دخل لإرادته فيه وهو ضبطه متلبسا حالة السرقة. وطلبت عقابه بالمواد 45و47و318و321 من قانون العقوبات ومحكمة جنح مينا البصل قضت حضوريا عملا بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهم بلا مصاريف. فاستأنفت النيابة. ومحكمة اسكندرية الابتدائية بهيئة استئنافية قضت حضوريا بعدم جواز الاستئناف. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون إذ قضى بعدم جواز الاستئناف المرفوع من النيابة عن الحكم الصادر من المحكمة الجزئية ببراءة المتهم من تهمة شروع في سرقة تأسيسا على أن النيابة لم تطلب في الجلسة سوى تطبيق المواد 45و47و317و321 من قانون العقوبات التي تجيز الحكم بالحبس أو الغرامة فتكون قد تركت الخيار للقاضي في توقيع أي العقوبتين وأن المادة 402 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على جواز استئناف النيابة للأحكام الصادرة من المحاكم الجزئية في المخالفات والجنح إذا طلبت الحكم بغير الغرامة والمصاريف أو بغرامة تزيد على خمسة جنيهات وحكم ببراءة المتهم أو لم يحكم بما طلبته, ذلك على ما تقول النيابة في الطعن بأن المشرع إذ نص في المادة 402 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه يجوز للنيابة أن تستأنف الأحكام الصادرة في المخالفات والجنح إذا طلبت الحكم بغير الغرامة والمصاريف أو بغرامة تزيد على خمسة جنيهات فإنه لم يقصد بذلك أن يخول للنيابة سلطة طلب مقدار معين من عقوبة معينة فيرتب جواز استئنافها للحكم على عدم إجابة طلباتها لما في ذلك من مجافاة لطبيعة الدعوى الجنائية والأسس التي يقوم عليها نظام العقوبة في قانون العقوبات من ترك الحرية للقاضي في تقدير العقوبة حسب وقائع كل دعوى في نطاق الحدود المقررة للجريمة بالقانون, بل إن كل ما يجوز للنيابة إبداؤه هو بيان ظروف الدعوى وما يستدعي منها تشديد العقاب دون أن يحل لها أن تتجاوز ذلك إلى تحديد ما يحكم به من عقوبة بعينها فتطلب قدرا معينا من الغرامة أو مدة معينة من الحبس, ولما كانت الفقرة الأولى من المادة 402 المشار إليها قد جعلت مناط جواز استئناف المتهم هو العقوبة المقضي بها بينما جعلته بالنسبة للنيابة منوطا بطلباتها فإن التفسير الصحيح هو أن النيابة إذا طلبت تطبيق مادة تنص على غرامة يزيد حدها الأقصى على خمسة جنيهات فإنها تعتبر أنها طلبت الحكم بغرامة تزيد على خمسة جنيهات والقول بغير ذلك يجعل معيار الاستئناف مختلفا بالنسبة إلى النيابة عنه بالنسبة إلى المتهم مما يترتب عليه نتيجة عجيبة هى إجازة الاستئناف للمتهم في أحوال لا يجوز ذلك للنيابة فيها.
وحيث إن قانون الإجراءات الجنائية إذ تحدث عن الاستئناف في الباب الثاني من الكتاب الثالث الخاص بطرق الطعن في الأحكام قد نص في المادة 402 على ما يأتي "يجوز استئناف الأحكام الصادرة في الدعوى الجنائية من المحكمة الجزئية في المخالفات وفي الجنح: 1 - من المتهم إذا حكم عليه بغير الغرامة والمصاريف أو بغرامة تزيد على خمسة جنيهات. 2 - من النيابة العامة إذا طلبت الحكم بغير الغرامة والمصاريف أو بغرامة تزيد على خمسة جنيهات وحكم ببراءة المتهم أو لم يحكم بما طلبته" والواضح من هذا النص من نصوص المادتين 403و404 التي صدرت بعبارة "يجوز الاستئناف..." ومن نص المادة 405 التي صدرت بعبارة "لا يجوز قبل أن يفصل في موضوع الدعوى استئناف الأحكام التحضيرية..." أن المشرع قد بين على سبيل الحصر الأحوال التي يجوز فيها الاستئناف وأن ما عدا ذلك من الأحكام الصادرة من المحكمة الجزئية في مواد المخالفات والجنح فإنه لا يجوز استئنافه, ولما كانت العبارات التي استعملها في المادة 402 سواء في فقرتها الأولى أو الثانية صريحة في التفرقة بين مناط حق المتهم في الاستئناف الذي جعله المشرع تابعا لمقدار العقوبة المحكوم بها وبين حق النيابة الذي علقه على ما تبديه من طلبات وكان التعبير بعبارة "إذا طلبت الحكم" إنما ينصرف إلى ما تطلبه في الواقع من المحكمة سواء أكان هذا الطلب قد ضمنته ورقة تكليف المتهم بالحضور أم أبدته شفاهيا بالجلسة. ولو أراد المشرع أن يجعل حق النيابة في الاستئناف مترتبا على الحد الأقصى للعقوبة المقررة في النص الذي تطلب معاقبة المتهم بمقتضاه لما أعجزه النص على ذلك بعبارة يسيرة صريحة لا تحتاج إلى التأويل والتخريج الذي تذهب إليه النيابة, على أنه لو أخذ بنظرية النيابة من أن لها أن تستأنف الحكم الصادر في أية جنحة يزيد الحد الأقصى للغرامة المقررة لها على خمسة جنيهات مهما نقص مقدار الغرامة المحكوم بها لكانت النتيجة أن يفتح باب الاستئناف للنيابة في أحوال هو مغلق فيها في وجه المتهم الذي لا يجوز له الاستئناف إلا إذا كانت الغرامة المحكوم بها عليه تزيد على خمسة جنيهات, وهذه النتيجة لا يمكن أن يكون المشرع قد قصدها ويكون الاستدلال بغرابة نتيجة التفرقة بين مناط حق المتهم والنيابة في الاستئناف ساقطا إذ لا شك في أن التوسيع على المتهم في الاستئناف في أحوال لا يقبل فيها استئناف النيابة أولى من العكس الذي يرمى إلى التوسيع على النيابة في أحوال لا يجوز للمتهم فيها أن يستأنف, هذا إلى أن نص القانون صريح في المعنى الأول دون الثاني. لما كان ذلك, فان ما ساقته النيابة في الطعن لا يكون له محل.
وحيث إنه لا يجدي في هذا المقام القول بأن تقدير العقوبة من شئون قاضي الموضوع وأن ليس للنيابة أن تعتدي على ما خصه به القانون من حرية التقدير فانه ليس مما يؤثر في هذه الحرية أن تبسط النيابة للقاضي ظروف الدعوى الموجبة في رأيها لتشديد العقوبة أو الحكم بنوع من العقوبات المقررة في القانون للجريمة أو بعقوبة لا تقل عن قدر معين من الغرامة أو عن مدة معينة من الحبس - ليس ذلك مما يؤثر في حرية القاضي مادام له هو أن يقضي بما يراه وما دام القانون قد رتب حقها في الاستئناف على ذلك.
وحيث إنه باستقرار الأعمال التحضيرية لقانون الإجراءات الجنائية يتبين أن اللجنة المؤلفة لتعديل القانون كانت قد اقترحت هذه القيود على حق الاستئناف سواء بالنسبة للمتهم أو للنيابة ولكنها قصرت ذلك على الجرائم البسيطة وأن يكون المقياس هو عين المقياس الذي اتبع في صدد الأوامر الجنائية, أما الجرائم التي لا يجوز إصدار العقوبة فيها بأمر جنائي فقد رأت إطلاق حق الاستئناف بالنسبة للنيابة والمتهم فيكون للمتهم أن يستأنف كل حكم من هذه الأحكام, كما يجوز للنيابة أن تستأنف أى حكم صادر فيها بالبراءة أو الإدانه "بغير نظر إلى طلباتها في الجلسة" (على ما عبرت به اللجنة) فلما عرض المشروع على البرلمان رأى مجلس الشيوخ أن لا وجه لهذه التفرقة وعدل النص بما يسوي بين الأحكام في الجنح الصادرة من المحاكم الجزئية ووافق مجلس النواب على ذلك ثم صدر القانون بما رآه المجلسان, ويتضح من ذلك أن اللجنة التي استحدثت هذه النصوص قد ذكرت صراحة في مذكرتها أن العبرة في طلبات النيابة هى بما تبديه في الجلسة وأن التفرقة في القياس بين حق المتهم وحق النيابة في الاستئناف مقصودة من واضعي النصوص.
وحيث إنه مع صراحة النص واتفاقه مع الغرض الذي أفصحت عنه الأعمال التحضيرية للقانون لا يكون هناك محل للاجتهاد الذي تذهب إليه النيابة ولا الاستئناس بالتشريعات الأجنبية. ويتعين لذلك رفض الطعن.