أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثالث - السنة 4 - صـ 988

جلسة 16 من يونيه سنة 1953

المؤلفة من حضرة رئيس المحكمة الأستاذ أحمد محمد حسن رئيسا, وحضرات المستشارين: إبراهيم خليل, ومحمود إبراهيم إسماعيل, وأنيس غالي, ومصطفى كامل أعضاء.

(353)
القضية رقم 291 سنة 23 القضائية

(أ) رشوة. كون الراشي غير جاد في عرضه. لا يؤثر في قيام الجريمة مادام الموظف قد قبله على أنه جدي.
(ب) رشوة. يكفي أن يكون للموظف نصيب من العمل المطلوب.
1 - لا يؤثر في قيام أركان جريمة الرشوة أن تقع نتيجة تدبير لضبط الجريمة ولم يكن الراشي جادا فيما عرضه على المرتشي متى كان عرضه الرشوة جديا في ظاهره وكان الموظف قد قبله على أنه جدي منتويا العبث بمقتضيات وظيفته لمصلحة الراشي أو مصلحة غيره.
2 - يكفي في القانون لإدانة الموظف بالرشوة أن يكون له نصيب من العمل المطلوب وأن يكون قد اتجر مع الراشي في هذا النصيب.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قبل مبلغ أربعة جنيهات من عبد الحميد أحمد محمد على سبيل الرشوة حالة كونه موظفا عموميا ومهندسا بمصلحة الرخص بتفتيش صحة سوهاج وكان ذلك لآداء عمل من أعمال وظيفته هو اعتماد الرسم المقدم من المجني عليه بقصد استخراج ترخيص بإدارة مقهى. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادتين 102و108 من قانون العقوبات. فقررت بذلك. ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضوريا عملا بالمادتين 103و108 من قانون العقوبات بمعاقبة السعيد إبراهيم بشاي الشهير بأمين بالسجن لمدة ثلاث سنين وبغرامة أربعمائة قرش. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... حيث إن مبنى وجهي الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون, ذلك أن الحكم حين دان الطاعن بجريمة الرشوة أسس قضاءه على توفر القصد الجنائي في هذه الجريمة بحصول الاتفاق بين الراشي والمرتشي على الإتجار بالوظيفة مع أن المقطوع به في الدعوى أن المبلغ - الراشي في مقابلته الأولى مع الطاعن كان يعتقد أن المبلغ الذي سوف يدفعه للطاعن هو مقابل أتعاب عن عمل فني سيؤديه له أو هو رسم مستحق عليه, أما في المقابلة الثانية التي ضبطت فيها الواقعة فلم يكن الباعث على تقديم المبلغ إلى الطاعن هو خرق القانون والاتجار بالوظيفة وإنما كان الغرض منه ضبط الطاعن وإثبات جريمة الرشوة ضده, فالقصد الجنائي منتف في الحالتين لأنه عرض من جانب الراشي لم يصادفه قبول من جانب الطاعن, ويضيف الطاعن أنه يشترط للعقاب في جريمة الرشوة أن يكون الموظف المرتشي مختصا بالعمل الذي يراد منه أداؤه أو الامتناع عنه, وقد تمسك أمام المحكمة بأنه - وهو مهندس رخص تابع لوزارة الصحة - غير مختص بفحص الرسومات المتعلقة بالمحال العمومية التي ينظمها القانون رقم 38 لسنة 1941 وأن اختصاصه مقصور على ما يتعلق بالمحال المضرة بالصحة والمقلقة للراحة التي ينظمها القانون الصادر في سنة 1904, وقول الحكم إن مجرد قيام الطاعن بالعمل أو اعترافه بأنه مختص أو شهادة الشهود بذلك لا يكفي لاعتباره مختصا قانونا بل يجب أن يكون الاختصاص ثابتا بقانون أو لائحة أو بأمر صادر من الوزارة المختصة أو من رئيس يملك تكليفه أو يندبه لهذا العمل, ويضيف الطاعن أنه جاء في ختام الحكم المطعون فيه أن الطاعن حرر مذكرة بإعادة رسم المقهى لعمل بعض استيفاءات وأن مفتش صحة المديرية حرر على هذه المذكرة كتابا للمديرية لتكليف الطالب بتنفيذ ما جاء به, قال الحكم ذلك غير أن الطاعن لا يعرف من أين جاءت المحكمة بهذا الخطاب الذي لم يرد له ذكر في أوراق الدعوى.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إنها تتحصل في أن عبد الحميد أحمد محمد رغب في إنشاء محل عمومي أي مقهى ببندر سوهاج فاستخدم عبد المنعم محمد قزامان وهو مساعد مهندس له مكتب لأعمال الهندسة بسوهاج استخدمه في عمل الرسم الهندسي للمحل الذي أزمع إنشاءه ليقدم إلى الجهات الموكول إليها النظر في الترخيص بإدارة المحال العمومية فقام عبد المنعم قزامان بعمل الرسم وفقا للشروط والمواصفات التي يجب توافرها للحصول على الترخيض, وقدم عبد الحميد هذا الرسم إلى مديرية جرجا للنظر فيه فأرسلته المديرية إلى مفتش الصحة لطلب اعتماده إذا ما توافرت فيه الشرائط الصحية وقد تسلم المتهم السعيد إبراهيم بشاي الشهير بأمين هذا الرسم بوصفه مهندسا بمصلحة الرخص بتفتيش صحة مديرية جرجا وبعد انقضاء مدة على ذلك أخطر عبد الحميد بأن الرسم الذي قدمه تنقصه بعض مواصفات فعاد إلى المهندس عبد المنعم قزامان طالبا إليه تصحيحه ولكن هذا الأخير أخبره بأن الرسم مضبوط لا عيب فيه, وأنه لاحظ في عمله أن تتوافر فيه كل المواصفات التي يجب توافرها في المحال العمومية, وعندئذ اتصل عبد الحميد بالمتهم فأوفد إليه زميلا له هو أحمد خيري معاون صحة البندر ليشفع له عنده ويوصيه به خيرا فلما قابله طلب إليه المتهم أن يوفد إليه عبد الحميد وتقابلا فعلا في مقهى "بالاس" المواجه لمحطة السكة الحديد بسوهاج وتحدثا مليا في أمر الرسم واعتماده وشكا إليه عبد الحميد من أن التردد على الجهات الحكومية عشرات المرات قد أضناه وعندئذ طلب إليه المتهم أن يدفع له مبلغ عشرة جنيهات إذا ما أراد أن يعتمد الرسم دون أن يبذل أي جهد جديد وبعد مساومة قبل المتهم أن يخفض المبلغ إلى خمسة جنيهات, ولكن عبد الحميد لم يقنع بهذا التخفيض فتحدث إلى خادم بمقهى "بالاس" يدعي سند عبد الحافظ الذي قام بدوره باستعطاف المتهم فخفض المبلغ إلى أربعة جنيهات وضرب لعبد الحميد موعدا للمقابلة في المقهى لدفعه, قصد عبد الحميد بعد ذلك إلى عبد المنعم قزامان وأخبره بما انتهى إليه الأمر فأفهمه أن المتهم غير محق فيما فعل وأن المبلغ الذي يطلبه هو رشوة, وعندئذ طلب إليه عبد الحميد أن يكتب بلاغا للنيابة فكتبه وقدمه, ولما سئل أدلى بتفصيلات ما تم عليه الاتفاق بينه وبين المتهم فرسم وكيل النيابة المحقق خطة للقبض على المتهم متلبسا, فوضع علامة على أربع أوراق مالية من فئة الجنيه قدمها إليه عبد الحميد ثم كلف ضابط البوليس "إمام بكر علي" بمصاحبته لضبط المتهم متلبسا يأخذ الرشوة وكان ذلك في يوم 22 نوفمبر سنة 1951 ببندر سوهاج, وفي الموعد المضروب حضر المتهم وانتحى بعبد الحميد ناحية من المقهى وأخذ مبلغ الأربعة جنيهات وأتى عبد الحميد وقتئذ بإشارة كان متفقا عليها بينه وبين الضابط فهجم على المتهم والجنيهات الأربعة في يده وقبض عليه متلبسا, وعندئذ أخذ المتهم يستعطف ويسترحم ولكن الضابط لم يستمع إليه" ثم أورد الحكم على هذه الواقعة أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها وعرض بعد ذلك إلى دفاع الطاعن القانونى الوارد بوجهي الطعن ورد عليه بقوله "إنه عن الأمر الأول فإنه لا أهمية لأجل أن يعد الموظف مرتشيا أن يكون الراشي جادا في عرضه بل المهم أن يكون العرض جديا في ظاهره وقبله الموظف على هذا الاعتبار منتويا العبث بأعمال وظيفته بناء عليه, ذلك بأن العلة التي شرع العقاب من أجلها تتحقق بالنسبة إلى الموظف بهذا القبول منه لأنه يكون قد اتجر فعلا بوظيفته وتكون مصلحة الجماعة قد هددت فعلا بالضرر الناشئ من العبث بالوظيفة. وواقعة الحال في هذه الدعوى أن المتهم قبل المبلغ من عبد الحميد اتجارا بوظيفته وهو العمل على اعتماد الرسم المقدم من عبد الحميد... أما عن الأمر الثاني الذي ذهب إليه الدفاع بقوله إن المتهم ليس مختصا بالعمل إذ لا سند لاختصاصه هذا من القانون أو اللوائح, كما أنه لم تصدر به تعليمات فقول مردود عليه بأنه ليس في القانون ما يحتم أن يكون تعيين أعمال الوظيفة بمقتضى قوانين أو لوائح فلا مانع إذن من أن تحدد هذه الأعمال استنادا إلى أقوال المتهم بالرشوة أو أقوال الشهود أو كتاب الوزارة التي يعمل بها, والواقع الذي لاشك في خصوصية هذه الدعوى أن المتهم مختص باعترافه بهذا الاختصاص وبأقوال الشهود والأوراق الرسمية, فقد قرر في التحقيق ما يأتي بنصه: (أنا من ضمن عملي الرسمي فحص الرسومات اللي تقدم لترخيص المحلات العمومية وفي حالة عدم موافقة الرسم أعيدها أو أحيلها للجهة الإدارية التابع لها المحل لتسليم الرسم للطالب ومعه صورة موضح بها النقص وبالأخطاء التي بالرسومات لاستيفائها حتى إذا عادت الرسوم مستوفاة تعتمد بالموافقة المبدئية ثم تحال لمصلحة الرخص لمراجعتها واعتمادها نهائيا... ومافيش مهندس رخص غيري) وثبت أيضا من شهادة رئيس قلم الرخص بمديرية جرجا أحمد علي أمام المحكمة وقد رأت أن تسأله عن اختصاص المتهم بالنظر في الرسم فقال إنه الفني المختص بذلك بتفتيش الصحة والذي يندبه مفتش الصحة لهذا الغرض, وليس أدل على ثبوت اختصاص المتهم رسميا من الأوراق التي قدمها مفتش صحة المديرية الدكتور محمد إسماعيل بالجلسة ومن بينها كتاب من مدير عام مصلحة الرخص إلى مفتش صحة مديرية جرجا مؤرخ 23 نوفمبر سنة 1952 يرد به على استفسار هذا الأخير عن اختصاص تفتيش الصحة بالنظر في الرسومات الخاصة بالمحلات العمومية وقد جاء بهذا الكتاب أن تفتيش الصحة مختص بإبداء الرأي في الرسم من الناحية الصحية, والواقع أن مفتش صحة المديرية ما كانت به حاجة إلى استفتاء المدير العام لمصلحة الرخص في أمر تناوله نص صريح بالمادة 25 من قرار وزير الداخلية الصادر بتاريخ 25 مارس سنة 1943 تنفيذا للمادة 11 من القانون رقم 58 لسنة 1941 بشأن المحلات العمومية, وقد صدر قرار مديرية جرجا بتطبيقه على بندر سوهاج, فقد نصت تلك المادة على أنه يجب عند إرسال الإخطار بفتح محل عمومي تقديم رسم من صورتين عن المحل يبين موقعه وأوصافه ومشتملاته ومخصصات أجزائه المختلفة والمراحيض والمباول والأحواض وكيفية صرف المياه منها, وذلك للنظر في اعتماده من الإدراة الصحية. ويجب تنفيذ كافة ما يرد عليه من الملاحظات... الخ وليس أصرح من هذا النص في بيان الاختصاص بل أن مفتش الصحة قد أعمل مضمون هذا النص وطبقه بواسطة المتهم فعلا إذ الثابت في ملف أوراق الطلب الذي قدمه عبد الحميد أحمد محمد أن المتهم كان ينظر في الرسم المرة بعد المرة ويبدي رأيه ويعرض الأمر على مفتش الصحة الذي يقوم بمخابرة المديرية بالرأي الذي يراه في الموضوع, وقد كانت المرة الأخيرة بتاريخ 18 أكتوبر سنة 1951 إذ كتب المتهم مذكرة جاء بها أنه يجب أن يعاد الرسم إلى الطالب لعمل استيفاءات معينة. وقد وقع على هذه المذكرة بإمضائه فحرر مفتش صحة المديرية كتابا إلى مدير جرجا على هذه المذكرة نفسها جاء به أنه يعيد إليه الأوراق لتكليف الطالب بتنفيذ ما جاء بها أي بالمذكرة التي حررها المتهم, من هذا كله يبين أن قول الدفاع عن المتهم إنه لم يكن مختصا قول غير سديد, إذ ثبت اختصاصه من اعترافه ومن شهادة الشهود والأوراق الرسمية بل ومن نص القانون نفسه في المادة 25 سالفة الذكر" ولما كان ما قاله الحكم من ذلك تطبيقا صحيحا لحكم القانون ويتفق مع قضاء هذه المحكمة المستقر على أنه لا يؤثر في قيام أركان جريمة الرشوة أن تقع نتيجة تدبير لضبط الجريمة ولم يكن الراشي جادا فيما عرضه على المرتشي متى كان عرضه الرشوة جديا في ظاهره وكان الموظف قد قبله على أنه جدي منتويا العبث بمقتضيات وظيفته لمصلحة الراشي أو مصلحة غيره, وعلى أنه يكفي في القانون لإدانة الموظف بالرشوة أن يكون له نصيب من العمل المطلوب وأن يكون قد اتجر مع الراشي في هذا النصيب - لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بأدلة سائغة مقبولة أن الطاعن مختص بمقتضى الأوامر الصادرة من الجهة الرئيسية التي يتبعها فإن الطعن يكون على غير أساس, ولا عبرة بما يثيره الطاعن بشأن الخطاب الذي يقول الحكم أن مفتش صحة المديرية حرره على مذكرة الطاعن المرافقة لرسم المقهى, إذ يبين من الاطلاع على أوراق الدعوى التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقا لهذا الوجه إن الطاعن معترف أمام قاضي التحقيق بأن العمل جرى بالنسبة للرسوم التي لا تطابق المواصفات الصحية على أن يحرر عنها مذكرة بالاستيفاءات المطلوبة ويرسلها مع الرسم إلى الموظف المختص بتفتيش الصحة الذي يتولى بدوره ارسالها للجهة الإدارية المختصة لتسليمها للطالب, كما اعترف أيضا بأنه حرر بنفسه المذكرة الخاصة برسم المقهى موضوع هذه الدعوى.
وحيث إنه لما تقدم كله يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.