أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثالث - السنة 4 - صـ 1010

جلسة 23 من يونيه سنة 1953

المؤلفة من حضرة رئيس المحكمة الأستاذ أحمد محمد حسن رئيسا, وحضرات المستشارين: إسماعيل مجدي, وحسن داود, ومحمود إبراهيم إسماعيل, وأنيس غالي أعضاء.

(359)
القضية رقم 836 سنة 23 القضائية

(أ) إثبات. استعراف الكلب البوليسي. حرية المحكمة في تقديره كدليل في الدعوى.
(ب)شهادة. سلطة المحكمة في تقديرها.
1 - لمحكمة الموضوع الحرية في تقدير استعراف الكلب البوليسي والاستدلال به على ارتكاب المتهمين للجريمة, فإذا كان تعويلها على هذا الاستعراف لا يتعارض مع الأفعال المسندة إلى كل من المتهمين والتي أدانتهما على أساسها فلا تجوز مجادلتها في ذلك.
2 - إن القانون لم يضع للشهادة نصابا يتقيد به القاضي في المواد الجنائية بل المعول عليه في تقدير الشهادة هو اطمئنان المحكمة إليها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة 1 - أبو الحسن محمد أحمد الشهير بالشاذلي أبو طربوش و2 - محمد إبراهيم الزمبيلي الشهير بقاسم و3 - سميره عبد الحميد على بأنهم المتهم الأول: قتل عمدا مع سبق الإصرار والترصد الدكتور خلف حنا أبو رويس بأن يبت النية على قتله وترصد له في طريق عودته إلى منزله وضربه ببلطة حادة بقوة على رأسه قاصدا قتله فأحدث به الإصابات الموضحة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته - والمتهمان الثاني والثالثة - اشتركا في ارتكاب الجريمة سالفة الذكر بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة بأن حرضا المتهم الأول واتفقا معه على ارتكابها وأعد له البلطة المستعملة فتمت الجريمة بناء على هذا التحريض وذلك الاتفاق وتلك المساعدة وطلبت من غرفة المشورة إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم: الأول بالمواد 230و231و232 من قانون العقوبات, والثاني والثالثه بالمواد 40/ 1 - 2 و41 230 و231 و232 من ذات القانون فقررت غرفة المشورة إحالتهم إلى هذه المحكمة لمحاكمتهم بالمواد المذكورة. وادعى بحق مدني 1 - حنا جرجس و2 - ماري عبد الملك سليمان (والد القتيل) وطلبا الحكم لهما قبل المتهمين متضامنين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف المدنية ومقابل أتعاب المحاماة. ومحكمة جنايات قنا قضت حضوريا: أولا - بمعاقبة كل من المتهمين الأول والثاني بالأشغال الشاقة المؤبدة وبإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعيين بالحقوق المدنية قرشا صاغا على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية ومبلغ ألف قرش مقابل أتعاب المحاماة وذلك عملا بالمواد 230 و 231 و232 و17 من قانون العقوبات للأول وبالمواد 40/ 1 - 2 - 3 و41 و235 من ذات القانون للثاني, وثانيا - ببراءة المتهمة الثالثة ورفض الدعوى المدنية قبلها, وذلك عملا بالمادتين 304 و381 من قانون الإجراءات الجنائية. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض, كما طعن فيه كذلك الاستاذ أحمد عثمان حمزاوي المحامي بصفته وكيلا عن المدعيين بالحقوق المدنية... الخ.


المحكمة

من حيث إن المدعيين بالحق المدني لم يقدما أسبابا لطعنهما فيتعين عدم قبوله شكلا.
ومن حيث إن الطعن المقدم من أبو الحسن محمد أحمد الشهير بالشاذلي ومن محمود إبراهيم الزمبيل الشهير بقاسم قد استوفى الشكل المقرر بالقانون.
ومن حيث إن الطاعن الأول يقول إن الحكم المطعون فيه جاء قاصرا لأنه لم يرد على ما تمسك به في دفاعه من أن عملية الاستعراف بواسطة الكلب البوليسي حصلت بعد ستة أيام من الحادث, وأنه من المقرر علما أنه لا يمكن الوثوق بهذه العملية إذا تمت بعد أربع وعشرين ساعة وأن الكلب البوليسي استعرف عليه هو والطاعن الثاني مع أنه مجرد شريك بالتحريض مما يجعل الاستعراف عليه عديم القيمة وأن الشاهد عبد الباسط أحمد سليم الذي نسب للطاعن أنه اعترف له بارتكاب الجريمة له عشرون سابقة فلا يصح الأخذ بشهادته. ويقول في الوجه الثاني إن الحكم المطعون فيه دانه استنادا إلى تحريات قام بها الأنباشي محمد محمود عبد القادر واستعراف الكلب البوليسي عليه وأقوال فاطمة علي محمد التي شهدت بعد شهر من وقوع الحادث أنهار أنه وهى في طريقها إلى المستوصف مع شخصين آخرين وفي عودتها رأت جثة قتيل لم تتبينها, ثم على أقوال المسجون عبد الباسط أحمد سليم وهذه الأسباب لا تؤدي إلى ثبوت ارتكاب الجريمة المسندة إليه, ويقول في الوجه الثالث إن الحكم في سبيل تزكية أقوال عبد الباسط أحمد سليم أخطأ في الإسناد والتأويل فقال إن الطاعن أخبره أنه ضرب القتيل ببلطة, وأن شخصا يدعي الشايب ضربه بعصا, وأن الكشف الطبي أثبت وجود إصابة رضية بالمجني عليه قال التقرير الطبي إنها نتيجة سقوطه على الأرض, وأن المحكمة استوضحت الطبيب الشرعي فقال إنه لا يمكن حصولها من الضرب بعصا, وليس هناك مرجح, ومع ذلك أسس الحكم على ذلك قوله "إن فيما ذكره الطبيب الشرعي في الجلسة الدليل المادي الذي لا يعتوره الشك في تأييد رواية عبد الباسط نقلا عن المتهم عن كيفية حصول الاعتداء".
ويقول الطاعن الثاني في الوجه الأول من طعنه إن عملية استعراف الكلب البوليسي عليه وعلى الطاعن الأول لا قيمة لها إذ جعلت الشريك فاعلا أصليا مع أنه متهم بالاتفاق والتحريض. ويقول في الوجه الثاني إن الحكم أورد صحائف مطولة عن النزاع بين المجني عليه والمتهمة الثالثة مستندا في ذلك على أقوال زوجة المجني عليه وآخرين سمعوا في التحقيق وفي محضر الجلسة, وقال أيضا بقيام خصومة بين الطاعن شخصيا وبين المجني عليه وجعل من هذه الخصومات باعثا للتحريض على القتل أخذ به عندما دان الطاعن ولكنه لم يعول عليه وتلمس الأسباب لبراءة سميرة فوقع في تناقض, إذ كال بكيلين مختلفين لاثنين من المتهمين بالاشتراك بالتحريض ويقول في الوجه الثالث: إن الحكم وقد تناول الخصومات التي قامت بين المجني عليه من جهة وبين الطاعن وزوجته من جهة أخرى قد أغفل استظهار الدليل المستمد من التحقيق الذي يربط بين هذه الكراهية وبين التحريض, وكل ما قاله في هذا الشأن إنه بعد تدبير سابق استعان الطاعن بالمتهم الأول على اغتيال المجني عليه فحرضه واتفق معه وساعده بأن زوده بالبلطة المضبوطة, وليس في الحكم ما يشير من قريب أو من بعيد إلى الواقعة المادية التي يستفاد منها تزويد الطاعن للمتهم الأول بالبلطة.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالوجه الأول من طعن كل من الطاعنين فإنه لما كان ما أثبته الحكم المطعون فيه نقلا عن أوراق الدعوى أن الكلب البوليسي استعرف على كل من الطاعنين الأول والثاني, وكان مما أسند إلى الطاعن الثاني في وصف التهمة أنه اشترك مع الطاعن الأول في ارتكاب الجريمة بطريق الاتفاق والتحريض والمساعدة بأن حرضه واتفق معه وأعدّ له البلطة المستعملة في ارتكاب الجريمة, ولما كان لمحكمة الموضوع الحرية في تقدير هذا الاستعراف والاستدلال به على ارتكاب الطاعنين للجريمة المسندة إليهما وكان تعويلها عليه بالنسبة لهما لا يتعارض مع الأفعال المسندة إليهما والتي دانتهما بمقتضاها, وكان أخذها باستعراف الكلب البوليسي على الطاعنين يفيد اطراحها للمطاعن التي وجهها الطاعنان إليه وهى من المسائل الموضوعية التي تخضع لتقديرها - لما كان ذلك فإن هذا الوجه يكون على غير أساس ويتعين رفضه.
ومن حيث إنه عن الوجه الثاني من أسباب طعن الطاعن الأول فإنه لما كان القانون لم يضع نصابا للشهادة ييتقيد به القاضي في المواد الجنائية, وكان المعول عليه في ذلك هو اطمئنان المحكمة إلى الأدلة المطروحة أمامها سواء أكانت تلك الأدلة مباشرة تؤدي بذاتها إلى النتيجة التي انتهت إليها أم كانت لا تؤدي إليها إلا بعملية عقلية منطقية, ولما كان الحكم المطعون فيه إذ عوّل في إدانة الطاعن على استعراف الكلب البوليسي عليه من طريق شم البلطة التي استعملت في قتل المجني عليه ووجدت بجوار الجثة, وعلى أقوال عبد الباسط أحمد سليم الذي قرر أن الطاعن اعترف له بارتكاب الجريمة, وأن شخصا آخر ضرب المجني عليه بعصا على رأسه واستظهر أن عبد الباسط محكوم عليه في جنحة ولا ينطبق عليه حكم المادة 25 من قانون العقوبات, وعوّل على ما شهدت به فاطمة أحمد سليم من رؤيتها للطاعن في مكان الحادث مع آخرين قبيل ارتكاب الجريمة, وعلى ما أقر به الطاعن نفسه في التحقيقات من أنه اجتمع بعبد الباسط في السجن وأفضى إليه بتعرف الكلب البوليسي عليه, ولما كانت هذه الأدلة من شأنها أن تؤدي إلى إثبات وجود الطاعن في مكان الجريمة ومقارفته لها بتلك البلطة - لما كان ذلك فإن هذا الوجه يكون على غير أساس ويتعين رفضه.
ومن حيث إنه بالنسبة للوجه الثالث من طعن الطاعن الأول فإنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه قال بشأنه في سياق سرد أقوال عبد الباسط أحمد سليم: "ولما رأوه قادما (المجني عليه) اختبأ المتهم الأول والشايب, أما عسكري الجيش فوقف بعيدا حتى إذا أقبل المجني عليه ضربه المتهم المذكور (الطاعن) بالبلطة وضربه الشايب بالشومة ثم لاذوا جميعا بالفرار تاركين البلطة والشومة, وعرف منه أيضا أن الكلب البوليسي تعرف عليه بعد أن شم البلطة فلما سأله المحقق عن موضع الإصابة بالشومة وأفهمه أن المجني عليه لم توجد به إصابة من هذا القبيل ولم يعثر في مكان الحادث على عصى قال إنه لا يدري ثم طلب الإمهال حتى يستفسر من المتهم. وفي محضر آخر قرر أنه علم من المتهم أن ضربة الشومة كانت على رأس المجني عليه" وعند تحدثه عن نتيجة تقرير الصفة التشريحية قال: "وخلص الطبيب الشرعي من ذلك إلى أن الإصابة الحيوية الحديثة الموجودة بالناحية اليمنى من الوجه والعنق تحدث من الضرب بقوة بجسم صلب ثقيل حاد النصل كالبلطة, أما الجرح الرضّي بالناحية اليسرى من الجبهة فقد ذكر الطبيب الشرعي في تقريره أنه يمكن حدوثه من مصادمة رأس المجني عليه بالأرض عقب إصابته. وقال في الجلسة إنه يمكن حدوثه من ضربة عصا وليس هناك ما يرجح أحد الأمرين على الآخر".
ومن حيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت فيما ذكره من هذه الوقائع أن عبد الباسط أحمد سليم كان أول من ذكر في التحقيق نقلا عن الطاعن أن القتيل ضرب بعصا وأنه تمسك بهذه الرواية رغم مجابهة المحقق له بأن أحدا غيره لم يقل ذلك ولم تضبط عصا في مكان الحادث, وأنه اتصل بالطاعن في السجن بعد ذلك وعلم منه أن ضربة العصا كانت في الرأس وأن الطبيب الشرعي قرر في الجلسة بجواز حصول ذلك مع أن التقرير الطبي إلى هذا الوقت كان يعلل حدوث هذه الإصابة باصطدام رأس المجني عليه بالأرض عند سقوطه. ولما كان من شأن ما قاله الطبيب الشرعي في الجلسة أن يثبت أن رواية عبد الباسط أحمد سليم يجوز أن تكون صادقة فإنه لا تصح مصادرة محكمة الموضوع في أخذها بها مادامت هى قد اقتنعت بصدقها, ولذا فإن هذا الوجه يكون لذلك على غير أساس ويتعين رفضه.
ومن حيث إن ما يثيره الطاعن الثاني في الوجه الثاني من طعنه مردود بأن لمحكمة الموضوع الحرية في تقدير الدليل المستمد من واقعة بذاتها والأخذ بها في حق متهم دون آخر حسبما تطمئن إليه, هذا إلى أن الحكم قد أورد في حق الطاعن أدلة أخرى على اشتراكه في الجريمة.
ومن حيث إن الوجه الثالث مردود كذلك بما أثبته الحكم المطعون فيه من توافر ركن سبق الإصرار عند الطاعنين على ارتكاب الجريمة بسبب ما قام من خصومات بين الطاعن والقتيل مما يثبت وجود اتفاق سابق على ارتكابها بين من قام لديه سبب ارتكاب الجريمة وبين من قارفها بالفعل وبما عوّل عليه الحكم في إدانة الطاعنين من استعراف الكلب البوليسي على الطاعن عن طريق شم البلطة التي استعملت في ارتكاب الجريمة والمسند إلى الطاعن إعدادها وتسليمها للفاعل الأصلي مساعدة له على ارتكاب الجريمة.
ومن حيث إنه لما تقدم يتعين قبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.