أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثالث - السنة 4 - صـ 1140

جلسة 7 من يوليه سنة 1953

المؤلفة من السيد رئيس المحكمة أحمد محمد حسن رئيسا, والسادة المستشارين: إسماعيل مجدي, وحسن داود, ومحمود إبراهيم إسماعيل, وأنيس غالي أعضاء.

(384)
القضية رقم 22 سنة 23 القضائية

عفو شامل. جرائم الشيوعية ليست من الجرائم التي يشملها المرسوم بقانون رقم 241 لسنة 1952.
إن المرسوم بقانون رقم 241 لسنة 1952 بشأن العفو عن الجرائم السياسية التي وقعت في المدة بين 26 أغسطس و 23 يوليه سنة 1952 قد نص في مادته الأولى على أن "يعفى عفوا شاملا عن الجنايات والجنح والشروع فيها التي ارتكبت لسبب أو لغرض سياسي وتكون متعلقة بالشئون الداخلية للبلاد, وذلك في المدة بين 26 أغسطس سنة 1936 و 23 يوليه سنة 1952". وبينت المذكرة الإيضاحية المقدم بها مشروع المرسوم بقانون المذكور ماهية الجرائم التي هدف هذا المرسوم بقانون إلى شمولها بالعفو فقالت "إنها لا تتناول إلا ما له اتصال بالشئون السياسية الداخلية للبلاد, ويلاحظ أن هذا التحديد كان كافيا لاستبعاد الجرائم المضرة بأمن الحكومة من جهة الخارج, إلا أنه مع ذلك نص عليها صراحة زيادة في الإيضاح". ويبين من هذا أن الشارع حدد معنى سياسية الجريمة التي قصد أن يمنح العفو لمرتكبيها, فقال إنها هى التي ارتكبت لسبب أو لغرض سياسي, وقيدها بأن تكون متعلقة بالشئون الداخلية للبلاد. وإذن فمتى كان الحكم المطعون فيه قد قال إن جرائم الشيوعية "المنسوبة إلى المتهم" لا تقتصر على الاعتداء على النظم السياسية للدولة, بل تتناول الأنظمة الاجتماعية ولها أهداف أخرى, وأنها لذلك ليست من الجرائم السياسية التي قصد المرسوم بقانون رقم 241 لسنة 1952 العفو عنها - فإنه يكون قد اصاب وجه السداد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المتهمين وآخرين بأنهم أولا: انضموا إلى جمعية بالمملكة المصرية ترمي إلى سيطرة طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات والقضاء على طبقة اجتماعية وقلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية والاقتصادية, وكان استعمال القوة والإرهاب والوسائل غير المشروعة ملحوظا في ذلك, بأن انضموا إلى جمعية سرية تعمل عن طريق إصدار النشرات وإلقاء المحاضرات وتأليف الخلايا والانبثاث في صفوف العمال للقضاء على طبقة الملاك والرأسماليين وعلى سيادة الطبقة العاملة وحكمها المطلق, وعلى إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ونقلها للدولة, وعلى خلق مجتمع مصري على غرار الوضع القائم في روسيا بالأسلوب الثوري الذي اتبعه لينين في الثورة الروسية بتحريض العمال على الإضراب والإعتصاب والاعتداء على حق الغير في العمل, وعلى بغض طائفة الملاك والرأسماليين تحريضا من شأنه تكدير السلم العام, ثانيا, روجوا في المملكة المصرية لتغيير مبادئ الدستور الأساسية والنظم الأساسية للهيئة الاجتماعية ولتسويد طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات والقضاء على طبقة اجتماعية ولقلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية والاقتصادية ولهدم أي نظام من النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية, وكان استعمال القوة والإرهاب والوسائل غير المشروعة ملحوظا في ذلك بأن انضموا إلى الجمعية السياسية سالفة الذكر, وهى تعمل على تغيير مثل هذه المبادئ الأساسية وبأن قاموا بتوزيع نشرات وترويج الأفكار التي من شأنها إقامة حكم الطبقة العاملة في مصر, وتوطيد سلطانها المطلق والقضاء على طبقة الملاك والرأسماليين وإلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج عن طريق اتباع البرنامج الثوري الذي نادى به "لينين وستالين" وعن طريق الأسلوب الثوري الذي تحقق به مثل هذا الإنقلاب في روسيا, ثالثا: حبذوا وروجوا علنا المذاهب التي ترمي إلى تغيير مبادئ الدستور الأساسية والنظم الأساسية للهيئة الاجتماعية بالقوة والإرهاب والوسائل غير المشروعة, وذلك بأن دعوا في نشرات ومحاضرات إلى القضاء على طبقة الملاك والرأسماليين وإزالة سلطان الطبقة العاملة وحكمها المطلق وإلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج بالمجتمع المصري ونظمه الأساسية على غرار النظام القائم في روسيا عن الطريق الذي سلكه لينين في الثورة التي أدت لذلك, وعن طريق تحريض العمال على الإضراب وعلى الاعتداء على حق الغير في العمل وحرية العمل, والتحريض على بغض طائفة الملاك والرأسماليين تحريضا من شأنه تكدير السلم العام, رابعا: عابوا علنا في حق الذات الملكية بأن حرروا نشرة وطبعوها على آلة الرونيو "11 فبراير عيد الملك - عيد الخونة المجرمين" ومذيلة بتوقيع "اللجنة المركزية - الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني - الشيوعيين المصريين" وقد وزعت هذه النشرة في الطريق العام, وذلك بأن سيروا سيارة تحمل هذه النشرة وتنقلها للأهلين, وبطرق أخرى مبينة بالمحضر. وطلبت عقابهم بالمواد 98أ و98ب و98هـ و179/ 1 و171 من قانون العقوبات. والمحكمة العسكرية العليا قضت فيها حضوريا عملا بمواد الاتهام, مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات, بمعاقبة كل من عبد القيوم محمد سعد بالسجن لمدة سبع سنين وغرامة مائة جنيه مصري, وإبرام تيودور جناي بالسجن لمدة خمس سنين وغرامة خمسين جنيها مصريا. ثم قدّم المتهمان تظلما للنائب العام لعدم إدراج اسميهما بكشوف العفو الشامل, فأحاله إلى محكمة جنايات القاهرة التي قضت فيه حضوريا بقبول التظلمين شكلا وبرفضهما موضوعا. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... من حيث إن الطاعن الأول "عبد القيوم محمد سعد" وإن طعن في الحكم الصادر حضوريا في الميعاد إلا أنه لم يقدم أسبابا, ولما كانت المادة (424) من قانون الإجراءات الجنائية تنص على وجوب إيداع الأسباب التي بنى عليها الطعن في ظرف ثمانية عشرة يوما من تاريخ الحكم وإلا سقط الحق فيه فإنه يتعين عدم قبول طعن الأول شكلا.
وحيث إن الطعن بالنسبة للطاعن الثاني (إبرام تيودور جناي) قد استوفى الشكل المقرر بالقانون.
وحيث إن مبني الطعن هو أن الحكم أخطأ حين اعتبر جرائم الشيوعية من الجرائم غير السياسية وإنها جرائم اجتماعية في حين أن الفقه والقضاء في فرنسا استقرا على أن جرائم الشيوعية هى جرائم سياسية, لأن أول ما ترمي إليه هو قلب دستور البلاد وتغيير شكل الحكومة وتفويض نظام السلطات العامة وهدم ما بينها من صلات وإقامة حقوق الأفراد على أسس تخالف الأسس الحالية للبلاد وغير ذلك من مساس بالأمن الداخلي, هذا فضلا عن المساس بالأمن الخارجي. وإذا كانت الشيوعية ترمي إلى إصلاح شئون البشر كافة فليس ذلك هو غرضها الوحيد, بل إنها ترمي أولا وأصلا إلى تغيير الأوضاع السياسية في كل بلد تنبت فيه فهدف الشيوعية مزدوج سياسي واجتماعي في الوقت نفسه وما تبغيه من إصلاح يشمل النظامين السياسي والاحتماعي معا, وهما في نظرها نظامان متلازمان يسند كل منهما الآخر, وهما في عرفها نظامان برجوازيان اقامتهما الرأسمالية التي تعمل على استعباد الطبقات الفقيرة العاملة, وترى الشيوعية ضرورة إحلال العمال محل البرجوازية الأمر الذي لا يتأني إلا بتغيير النظم الدستورية القائمة وإحلال نظم أخرى محلها, وذلك عن طريق الثورة لا عن طريق التطور الطبيعي السلبي, وعلى ذلك تكون جريمة الشيوعية سياسة, وعلى هذا الأساس يتعين نقض الحكم المطعون فيه.
وحيث إن المرسوم بقانون رقم 241 لسنة 1952 بشأن العفو الشامل عن الجرائم السياسية التي وقعت في المدة بين 26 من أغسطس سنة 1936 و23 من يوليه سنة 1952 قد نص في مادته الأولى على أن "يعفى عفوا شاملا عن الجنايات والجنح والشروع فيها التي ارتكبت لسبب أو لغرض سياسي وتكون متعلقة بالشئون الداخلية للبلاد, وذلك في المدة بين 26 من أغسطس سنة 1936 و23 من يوليه سنة 1952" وبينت المذكرة الإيضاحية المقدّم بها مشروع المرسوم بقانون المذكور المقصود بصفة عامة من هذا التشريع بقولها " تمشيا مع ما تستهدفه النهضة الجديدة وحتى تبدأ البلاد عهدا خاليا من أخطاء الماضي وخلافاته يسدل فيه الستار على التطاحن الداخلي وما جره في أثره - رئى النظر في أمر الجرائم التي وقعت لسبب أو لغرض سياسي على اعتبار أن الإجرام فيها نسبي لم تدفع إليه أنانية ولم يحركه غرض شخصي". ثم بينت ماهية الجرائم التي هدف هذا المرسوم بقانون إلى شمولها بالعفو فقالت "إنها لا تتناول إلا ماله اتصال بالشئون السياسية الداخلية للبلاد ويلاحظ أن هذا التحديد كان كافيا لاستبعاد الجرائم المضرة بأمن الحكومة من جهة الخارج إلا أنه مع ذلك نص عليها صراحة زيادة في الإيضاح" ويبين من هذا أن الشارع حدد معنى سياسية الجريمة التي قصد أن يمنح العفو لمرتكبيها فقال إنها هى التي ارتكبت لسبب أو لغرض سياسي وقيدها بأن تكون متعلقة بالشئون الداخلية للبلاد وذلك لعلة معينة رآها هى إسدال الستار على التطاحن الداخلي وآثاره باعتبار أن الإجرام في هذا النوع من الجرائم نسبي لا يستهدف الجاني فيه إشباع غرض شخصي أو يندفع إليه بباعث من الأنانية مما لا محل معه للخوض في مختلف النظريات والآراء في تحديد معنى الجريمة السياسية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه, بعد أن استعرض مختلف الآراء في الجريمة السياسية وهل تدخل في مدلولها الجرائم الشيوعية, قد انتهى إلى أن الاعتداء الذي يقع على النظم السياسية للدولة هو وحده الذي يعتبر جريمة سياسية, وأما الاعتداء على النظم الاجتماعية أو الاقتصادية أو الدينية فإنه يحتفظ بطبيعة الجريمة العادية, وأن الجرائم الشيوعية لا تقتصر على الاعتداء على النظم السياسية للدولة, بل تتناول الأنظمة الاجتماعية ولها أهداف أخرى, ولذا فقد رفض تظلم الطاعن.
وحيث إن الثابت من حكم المحكمة العسكرية العليا موضوع التظلم أنها دانت الطاعن بالجريمة المنصوص عليها في المواد 98(أ) 3 و98 (ب) من قانون العقوبات - لأنه, "أولا: انضم إلى جمعية بالمملكة المصرية ترمي إلى سيطرة طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات والقضاء على طبقة اجتماعية وقلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية والاقتصادية, وكان استعمال القوة والإرهاب والوسائل غير المشروعة ملحوظا في ذلك بأن انضموا إلى جمعية سرية تعرف (بالحركة الديمقراطية للتحرر الوطني للشيوعيين المصريين) تعمل عن طريق إصدار النشرات وإلقاء المحاضرات وتأليف الخلايا والانبثاث في صفوف العمال, على القضاء على طبقة الملاك والرأسماليين, وعلى سيادة الطبقة العاملة وحكمها المطلق وعلى إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الانتاج ونقلها للدولة, وعلى خلق مجتمع مصري على غرار الوضع القائم في روسيا بالأسلوب الثوري الذي اتبعه "لينين" في الثورة الروسية بتحريض العمال على الإضراب والاعتصاب والاعتداء على حق الغير في العمل وعلى بغض طائفة الملاك والرأسماليين, تحريضا من شأنه تكدير السلم العام - ثانيا: حبذ وروّج علنا تلك المذاهب السالفة الذكر, وذلك بأن دعا في نشرات ومحاضرات إلى القضاء على طبقة الملاك والرأسماليين وإقامة سلطان الطبقة العاملة وحكمها المطلق وإلغاء الملكية الخاصة لوسائل الانتاج بالمجتمع المصري ونظمه الأساسية على غرار النظام القائم في روسيا وبالطريق الذي سلكه "لينين" في الثورة التي أدت لذلك" - لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ قال إن الجريمة التي حكم على الطاعن من أجلها ليست من الجرائم السياسية التي قصد المرسوم بقانون رقم 241 لسنة 1952 العفو عنها يكون قد أصاب وجه السداد - وذلك دون حاجة للبحث في مختلف المذاهب الفقهية في تعريف الجريمة السياسية, ولا لما أفاض فيه الطاعن من الكلام عن طبيعة الجريمة الشيوعية وأهدافها, مادام الشارع على ما سبق بيانه قد عين حدود الجريمة السياسية التي رأى العفو عنها, وما دامت الجريمة التي حكم على الطاعن من أجلها قد خرجت عن هذه الحدود إلى الأغراض التي أثبتها عليه الحكم الصادر بإدانته فيها, فما يثيره الطاعن من ذلك لا يغير من الوضع القانوني للجريمة المحكوم عليه من أجلها والتي أخرجها الحكم المطعون فيه من عداد الجرائم المشمولة بالعفو بالمرسوم بقانون رقم 241 لسنة 1952 بناء على أسباب صحيحة, لما كان ذلك فإن الحكم يكون قد طبق القانون تطبيقا سليما.
وحيث إنه لما تقدم جميعه يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.