أحكام النقض - المكتب الفني- جنائى
العدد الأول - السنة 13 - صـ 252

جلسة 19 من مارس سنة 1962

برياسة السيد/ محمود ابراهيم اسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد عبد السلام، ومحمود اسماعيل، وأديب نصر حنين، ومختار مصطفى رضوان.

(64)
الطعن رقم 1687 سنة 31 القضائية

(أ) أسباب الإباحة. الدفاع الشرعى.
متى لا تتوافر حالته. إذا كان كل من المجنى عليه والمتهم قد قصد الاعتداء على الآخر. من منهما بدأ بالعدوان على زميله. لا أهمية له.
(ب) نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". دفاع. عاهة مستديمة.
الدفع بأن المجنى عليه شفى من إصابته دون تخلف عاهة. يقتضى تحقيقا موضوعيا. إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. لا تقبل.
1- إذا كان مفاد ما أورده الحكم أن كلا من المجنى عليه والمتهم كانا يقصدان الاعتداء وإيقاع الضرب من كل منهما بالآخر، فإن ذلك مما تنتفى به حالة الدفاع الشرعى عن النفس والمال، بغض النظر عن البادئ منهما بالاعتداء.
2- إذا كان يبين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن المتهم "الطاعن" لم يتمسك بأن المجنى عليه شفى من إصابته دون تخلف عاهة مستديمة لديه، فإنه لا يقبل منه إثارة هذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض لأنه يقتضى تحقيقا موضوعيا.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه ضرب ابراهيم محمد الطوخى عمدا فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبى الشرعى والتى تخلفت لديه من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هى فقد بعظم قبوة الرأس سوف لا يمتلئ بنسيج عظمى واق مما يقلل من كفاءته على العمل بما لا يمكن تقديره بنسبة مئوية. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته طبقا للمادة 240/ 1 من قانون العقوبات. فقررت الغرفة ذلك. ومحكمة الجنايات قضت حضوريا عملا بمادة الاتهام بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة أربع سنوات. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو القصور فى التسبيب والخطأ فى تطبيق القانون، إذ يقول الطاعن إن الحكم المطعون فيه دانه دون أن يمحص دفاعه الذى تمسك به أمام محكمة الموضوع ومؤداه أنه كان فى حالة دفاع شرعى عن نفسه وماله فقد بادره المجنى عليه بالاعتداء بأن عضه فى رقبته وضربه بالعصا على ذراعه عندما عاتبه على سرقة البرسيم من زراعته فاضطر الطاعن إلى دفع هذا الاعتداء بأن ضربه بالمنجل الذى كان يعمل به فى زراعته. هذا إلى جانب أن الحكم قد ساءل الطاعن عن إحداث العاهة مع أن الحادث وقع بسبب العتاب على سرقة البرسيم ودفعا للاعتداء الحاصل من المجنى عليه مما ينتفى به ركن العمد الذى تتطلبه المادة 240/ 1 من قانون العقوبات.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجناية العاهة التى دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها، ثم عرض لما أثاره الطاعن من أنه كان فى حالة دفاع شرعى ورد عليه بقوله "وبما أن المحكمة لا تلتفت إلى دفاع المتهم بأنه كان وقت الحادث فى حالة دفاع شرعى عن نفسه ذلك بأن الثابت من ظروف الدعوى أن المتهم والمجنى عليه كانا متماسكين قبل ارتكاب الحادث وأن كلا منهما قد أصيب فى جسمه نتيجة لهذا التماسك كما أنه لم يثبت حصول سرقة من برسيم المتهم كما يدعى فقد وجدت بالمجنى عليه إصابة عضية بذراعه الأيمن كما وجدت مثل هذه الإصابة برقبة المتهم وقد كانت إصابة هذا الأخير من التفاهة بحيث وصفت بأنها لا تحتاج لعلاج ومن ثم يكون دفاع المتهم بأنه كان فى حالة دفاع شرعى عن نفسه هو دفاع غير مؤسس ويتعين الالتفات عنه". ومفاد ما أورده الحكم أن المجنى عليه والمتهم كليهما كانا يقصدان الاعتداء وإيقاع الضرب من كل منهما بزميله، وهو ما لا تتوافر فيه حالة الدفاع الشرعى وذلك بغض النظر عن البادئ منهما بالاعتداء - وهو رد صحيح فى القانون تنتفى به حالة الدفاع الشرعى عن النفس والمال إذ تناول الحكم ما يفيد اقتناع المحكمة بكذب دعوى السرقة لعدم ثبوت ما يدل على حصولها. وأما ما أثاره من تخلف ركن العمد فهو مردود بما هو ثابت من أن الحكم قد استخلص توافر هذا الركن من أقوال المجنى عليه وشهود الحادث وأورد حاصلها بما مفاده أن الطاعن قد ارتكب فعل الضرب عن إرادة وعلم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجنى عليه وصحته، وهذا الذى استخلصه الحكم كاف وسائغ فى إثبات ركن العمد ويتفق وصحيح القانون، ومن ثم يكون ما يعيبه الطاعن فى هذا الوجه غير سديد.
وحيث إن مبنى الوجهين الثانى والثالث هو أن الحكم المطعون فيه شابه الخطأ فى القانون حين دان الطاعن بجناية العاهة، فقد طبق المادة 240/ 1 من قانون العقوبات مع أن المجنى عليه شفى من إصابته دون تخلف عاهة مستديمة بعد علاج استغرق مدة تزيد على العشرين يوما ثم التحق بعد ذلك بخدمة الجيش مما كان يتعين معه تطبيق المادة 241/ 1 من قانون العقوبات.
وحيث إن الحكم المطعون فيه استند فى ثبوت العاهة لدى المجنى عليه إلى التقارير الطبية وأورد حاصلها بقوله "إنه يبين من الاطلاع على أوراق علاج المجنى عليه فى مستشفى طنطا ومن الكشف الطبى المتوقع عليه بمعرفة الطبيب الشرعى أنه انتقل إلى المستشفى والمنجل منغرس فى رأسه وأنه أصيب من جراء ذلك بكسر منخسف بعظم الجدارية اليسرى أدى إلى تهتك المخ أسفل هذه الإصابة مع تمزق فى السحايا كما أصيب بعضة آدمية فى ذراعه الأيمن وقد أجريت له نتيجة الإصابة الأولى عملية تربنة لرفع العظام المنخسفة فى رأسه فى مساحة 8 سم2 وأنه شفى من هذه الإصابة بعد أن تخلفت لديه من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هى فقد بعظم قبوة الرأس سوف لا يمتلئ بنسيج عظمى واق". لما كان ذلك، وكان من حق محكمة الموضوع أن تأخذ بما أثبته التقرير الطبى باعتباره دليلا من أدلة الدعوى، وكانت جريمة العاهة المنصوص عليها فى المادة 240/ 1 من قانون العقوبات يتحقق وجودها بفقد عضو أو جزء منه، فإن الحكم المطعون فيه إذ استند فى ثبوت العاهة إلى التقارير الطبية وعوّل عليها وعلى أقوال الشهود وانتهى إلى إدانة الطاعن لوقوع فعلته تحت حكم المادة المذكورة يكون قد طبق القانون تطبيقا صحيحا. لما كان ذلك، وكان يبين محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يتمسك بأن المجنى عليه شفى من إصابته دون تخلف عاهة لديه وكان ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص يقتضى تحقيقا موضوعيا، فمن ثم لا تقبل إثارته لأول مرة أمام هذه المحكمة.
وحيث إنه لما تقدم جميعه يكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.