أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثانى - السنة 13 - صـ 336

جلسة 10 من ابريل سنة 1962

برياسة السيد/ محمود ابراهيم اسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: عادل يونس، وتوفيق الخشن، ومحمود اسماعيل، وحسين صفوت السركى.

(84)
الطعن رقم 1754 لسنة 31 القضائية

اثبات "خبرة". تحقيق. دفاع. حكم "تسبيبه".
المسائل الفنية. على المحكمة تحقيقا بلوغا إلى غاية الأمر فيها.
الحقائق العلمية الثابتة. جواز استناد المحكمة إليها.
الآراء العلمية. لا تغنى عن واجب التحقيق.
مثال. منازعة المتهم فى قدرة المجنى عليه على الكلام بعد اصابته فى رأسه. رد المحكمة على ذلك برأى علمى احتمالى نقلته من مؤلف "الدكتور سيدنى سميث" عبر عنه صاحبه بلفظ "ربما". حكم معيب. نقضه.
على المحكمة متى واجهت مسألة فنية أن تتخذ ما تراه من الوسائل لتحقيقها بلوغا إلى غاية الأمر فيها، وإنه وإن كان لها أن تستند فى حكمها إلى الحقائق الثانية علميا، إلا أنه لا يحق لها أن تقتصر - فى تفنيد تلك المسألة الفنية - على الاستناد إلى ما استخلصه أحد علماء الطب الشرعى فى مؤلف له من مجرد رأى عبر عنه بلفظ "ربما" الذى يفيد الاحتمال.
وإذن فمتى كان الدفاع عن المتهم قد نازع فى قدرة المجنى عليه على النطق بعد إصابته، تأسيسا على أن الكسر المنخسف الذى صاحب إصابة رأسه تعقبه غيبوبة تمنعه من الكلام، فردت المحكمة على ذلك بقولها "إن إصابة الرأس إما أن تحدث تهشما بالجمجمة أو تمزقا كبيرا فى الدماغ وفى هذه الحالة تصحبها غيبوبة تنتهى بالوفاة، وإما أن ينتج عنها كسر منخسف ونزيف بالمخ أو خارج الأم الجافية وفى هذه الحالة ربما تنقضى عدة ساعات بعد الإصابة إلى أن تصير الغيبوبة تامة" وأحالت فى ذلك إلى صفحتى 135 و136 من مؤلف الدكتور سيدنى سميث، ثم استطردت إلى أن "الواضح من تقرير الصفة التشريحية أن جوهر مخ المجنى عليه وجد سليما ولم يوجد سوى نزيف بين الغشاء العظمى للمخ وبين جوهر المخ ذاته ومن ثم فإنه يكون فى استطاعته الكلام ..." - متى كان ذلك فإن هذا الحكم يكون معيبا بما يتعين معه نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى 9 يناير سنة 1955 بناحية الحفنى مركز البرلس مديرية كفر الشيخ: ضرب عبد ربه شهاب الدين بعصا على رأسه فأحدث به الاصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 236/ 1 من قانون المرافعات. فقررت الغرفة ذلك. ومحكمة جنايات كفر الشيخ قضت حضوريا بتاريخ 26 أكتوبر سنة 1960 عملا بمادة الاتهام بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ... الخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه القصور فى الرد على دفاع الطاعن إذ دفع الحاضر عنه بأن المجنى عليه لم يكن يستطيع الكلام بعد اصابته بكسر منخسف بالجمجمة مما يتعارض مع ما نقله الشاهدان عنه، فطرحت المحكمة هذا الدفاع بحجة أن الاصابة لم تمس جوهر المخ ومن ثم فهى لا تمنع المجنى عليه من أن يتكلم مستندة فى ذلك إلى ما أورده الدكتور "سيدنى سميث" فى كتابه، وما قاله الحكم فى هذا الصدد غير سائغ.
وحيث إن الثابت من الاطلاع على محضر الجلسة أن الدفاع عن الطاعن قرر بأن الكسر المنخسف الذى صاحب إصابة الرأس تعقبه غيبوبة تمنع المجنى عليه من الكلام وقد ردت المحكمة على ذلك فى قولها "إن إصابة الرأس إما أن تحدث تهشما بالجمجمة أو تمزقا كبيرا فى الدماغ وفى هذه الحالة يصحبها غيبوبة تنتهى بالوفاة وإما ينتج عنها كسر منخسف ونزيف بالمخ أو خارج الأم الجافية وفى هذه الحالة ربما تنقضى عدة ساعات بعد الإصابة إلى أن تصير الغيبوبة تامة (ص 135 و136 من مؤلف الدكتور سيدنى سميث) وواضح من تقرير الصفة التشريحية أن جوهر المخ للمجنى عليه وجد سليما ولم يوجد سوى نزيف بين الغشاء العظمى للمخ وبين جوهر المخ ذاته ومن ثم فإنه يكون فى استطاعته الكلام ..." - لما كان ذلك، وإن كان للمحكمة أن تستند فى حكمها إلى الحقائق الثابتة علميا، إلا أنه متى اقتصرت المحكمة فى حكمها على ما استخلصه أحد علماء الطب الشرعى وكان ذلك مجرد رأى له عبر عنه بلفظ "ربما" الذى يفيد الاحتمال، وكان الطاعن قد أبدى دفاعه على النحو الوارد بمحضر الجلسة ونازع فى إمكان قدرة المجنى عليه على الكلام عقب اصابته فى الرأس، تلك الاصابة التى تسبب عنها كسر منخسف، وكان الحكم لم يشر إلى تفصيلات الاصابة وما ترتب عليها من مضاعفات، وفضلا عن ذلك فإنه كان على المحكمة , وهى تواجه مسألة فنية بحته، أن تتخذ ما تراه من الوسائل لتحقيق هذا الدفاع بالنظر إلى حالة المصاب الخاصة بلوغا إلى غاية الأمر فيه - أما وهى لم تفعل فإن حكمها يكون معيبا بالقصور بما يتعين معه نقضه دون حاجة لبحث باقى أوجه الطعن.