أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 13 - صـ 223

جلسة 12 من مارس سنة 1962

برياسة السيد/ محمود إبراهيم إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: عادل يونس، وتوفيق أحمد الخشن، ومحمود إسماعيل، وحسين صفوت السركى.

(58)
الطعن رقم 1667 سنة 31 القضائية

إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. ما لا يعيبه".
حرية قاضى الموضوع في تقدير الأدلة. قضاؤه بالبراءة. إحاطة الحكم بالدعوى عن بصر وبصيرة. كفايته.
(ب) إثبات "بوجه عام". "أوراق". حجية الأوراق الرسمية. الطعن بالتزوير.
للعبرة فى إدانة المتهم أو براءته هى باقتناع القاضى الجنائى. مما يجريه من تحقيق ومن كافة العناصر المطروحة.
محاضر جمع الاستدلالات أو التحقيق. بياناتها. حجيتها. إن هى إلا عناصر إثبات. تحتمل الجدل والمناقشة. الطعن عليها بالتزوير. غير لازم.
استثناء من ذلك. أوراق لها قوة إثبات خاصة إلى أن يثبت ما ينفيها. هى محاضر الجلسات والأحكام حتى يطعن عليها بالتزوير - ومحاضر مواد المخالفات حتى يطعن عليها بالطرق العادية.
نطاق هذه الحجية: ذلك قاصر على إمكان المحكمة الأخذ بها دون إعادة تحقيقها بالجلسة. غير أنها لا تلتزم بما ورد فيها، ولها مطلق الحرية فى رفض الأخذ بها ولو لم يطعن عليها بالطريق الذي رسمه القانون.
1- يكفى في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكى يقضى له بالبراءة، إذ مرجع الأمر فى ذلك إلى ما يطمئن إليه فى تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة.
2- الأصل فى المحاكمات الجنائية أن العبرة فى إدانة المتهم أو براءته هى باقتناع القاضى بناء على التحقيقات التى يجريها بنفسه، فلا يصح مطالبته بالأخذ بدليل دون آخر أو مطالبته بالركون إلى محاضر جمع الاستدلالات أو التحقيق، ذلك بأن ما تحويه هذه المحاضر من بيانات لا تعدو أن تكون من عناصر الإثبات التى تخضع فى كل الأحوال لتقدير القاضى وتحتمل الجدل والمناقشة كسائر الأدلة، فللخصوم أن يفندوها دون أن يكونوا ملزمين بسلوك سبيل الطعن بالتزوير. وللمحكمة بحسب ما ترى أن تأخذ بها أو تطرحها. ولا يخرج من هذه القاعدة إلا ما استثناه القانون وجعل له قوة إثبات خاصة بحيث يعتبر المحضر حجة بما جاء فيه إلى أن يثبت ما ينفيه تارة بالطعن بالتزوير كما هي الحال بالنسبة إلى محاضر الجلسات أو الأحكام فيما تضمنته، وطورا بالطرق العادية كالمحاضر المحررة فى مواد المخالفات فيما تضمنته من الوقائع التى يثبتها المأمورون المختصون إلى أن يثبت ما ينفيها. على أن اعتبار هذه الأوراق حجة لا يعنى أن المحكمة تكون ملزمة بالأخذ بها ما لم يثبت تزويرها أو ما ينفيها، بل إن المقصود هو أن المحكمة تستطيع الأخذ بما ورد فيها دون أن تعيد تحقيقه بالجلسة، ولكن لها أن تقدر قيمتها بمنتهى الحرية فترفض الأخذ بها ولو لم يطعن فيها على الوجه الذى رسمه القانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه: زرع قطنا رجيعا لا يجوز زراعته. وطلبت عقابه بالمادة الرابعة من القانون رقم 501 لسنة 1955 المعدل بالقانون رقم 213 لسنة 1958. والمحكمة الجزئية قضت حضوريا عملا بالمادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهم مما أسند إليه. استأنفت النيابة هذا الحكم. والمحكمة الإستئنافية قضت غيابيا بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعنت النيابة العامة فى هذا الحكم بطريق النقض ... الخ.


المحكمة

... وحيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ أيد الحكم الإبتدائى الذى قضى بتبرئة المطعون ضده من تهمة زراعة قطن فى أرض سبق زراعتها قطنا فى السنة الزراعية السابقة قد شابه فساد فى الإستدلال، ذلك بأنه أسس قضاءه على عناصر لا تسانده فيما انتهى إليه من شك فى ثبوت التهمة ولا تتفق مع الوقائع المستفادة من أوراق الدعوى التى لا ينهض أمامها أى شك فى أن المطعون ضده قد قام بزراعة قطن رجيع على خلاف ما تقضى به المادة الرابعة من القانون رقم 501 لسنة 1955 بتحديد المساحة التى تزرع قطنا والسارى المفعول على سنة 1958 - 1959 الزراعية بالقانون رقم 213 لسنة 1958، إذ أطرحت المحكمة الدليل المستمد من محضر مهندس الزراعة الذى قام بمعاينة زراعة المطعون ضده بمصاحبة شيخ الناحية وأثبتت مخالفتها للقانون، كما التفتت عن شهادة الشاهدين المذكورين أمامها إستنادا إلى إنكار المطعون ضده ومجادلته فى حضوره وقت تحرير المحضر وخلو هذا المحضر من توقيعه وتناقض شيخ الناحية حول هذه الواقعة الأخيرة وإلى أنه لم يتبع فى شأن المطعون ضده الإجراءات التى نظمتها الفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون رقم 501 لسنة 1955 التى توجب إعلان المحضر إلى المخالف الغائب على يد العمدة أو أحد مشايخ الناحية. وما ذهب إليه الحكم من ذلك لا يؤدى إلى ما رتبه عليه من شك فى ثبوت التهمة، هذا فضلا عن أن المادة السادسة سالفة الذكر لم ترتب البطلان على عدم ما نصت عليه من إجراءات بل إن المادة 13 من القانون المذكور خولت المهندسين الزراعيين صفة مأمورى الضبط القضائى مما يجعل المحاضر التى يحررونها حجة بما جاء فيها إلى أن يطعن فيها بالتزوير.
وحيث إن الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى بما محمله أن مهندس زراعة السنبلاوين أثبت أن محضره المؤرخ 20/ 5/ 1959 أنه ومعه شيخ ناحية طماى الزهايرة وجد المطعون ضده قد زرع 12 قيراطا قطنا رجيعا وأنهما استدلا على ذلك من آثار جذور القطن المتخلفة عن العام السابق وأنه سأل المطعون ضده فاعترف مبدئيا أن زرع القطن يلائم ظروف الحوض وامتنع عن التوقيع وذيل المحضر بتوقيعي المهندس والشيخ. وبعد أن أورد الحكم مؤدى شهادة مهندس الزراعة وشيخ الناحية أمام المحكمة. وما ذكره الشاهد الأخير من توقيع المطعون ضده على المحضر أمامه على رغم خلو المحضر من توقيعه وإصراره على حصول التوقيع، عرض إلى دفاع المطعون ضده وإنكار ما نسب إليه وانتهى إلى قوله "وحيث إنه على ضوء ما تقدم وإزاء إنكار المتهم ومجادلته فى حضوره وما تكشف عنه المحضر من خلوه من توقيعه وما تناقض فيه شيخ الناحية حول واقعة محددة ما كانت لتحتمل الخلاف فى شأن حصولها لو صحت وهى واقعة إمضاء المتهم على محضر الضبط أو عدم إمضائه فإن المحكمة لا ترتاح بعد كل هذه الملابسات إلى ما أدلى به الشاهدان من أن المتهم كان حاضرا وقت المعاينة إذ تحرر المحضر وبالتالى فلم تتبع حياله ما توجبه المادة 6/ 2 من القانون رقم 501 لسنة 1955 من وجوب إعلان المحضر إليه حتى تتاح له فرصة المنازعة إن عن له ذلك وكل أولئك من شأنه أن يحيط الإتهام الموجه إليه بكثير من الشك مما يتعين معه القضاء ببراءته". لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى وأورد الأدلة السائغة التى استند إليها والتى من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها من عدم اطمئنانه إلى صحة إسناد التهمة إلى المطعون ضده وأطرح أدلة الإثبات المقدمة فى الدعوة للاعتبارات التى ذكرها. وكان يكفى فى المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضى فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكى يقضى به بالبراءة إذ مرجع الأمر فى ذلك إلى ما يطمئن إليه فى تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة. لما كان ذلك، وكان ما تثيره الطاعنة من نعى علي الحكم لالتفاته عما جاء بمحضر ضبط الواقعة المحرر بمعرفة مأمور من مأمورى الضبط القضائى مردودا بأن الأصل فى المحاكمات الجنائية أن العبرة فى إدانة المتهم أو براءته هى باقتناع القاضى بناء على التحقيقات التى يجريها بنفسه فلا يصح مطالبته بالأخذ بدليل دون آخر أو مطالبته بالركون إلى محاضر جمع الاستدلالات أو التحقيق، ذلك بأن ما تحويه هذه المحاضر من بيانات لا تعدو أن تكون من عناصر الإثبات التى تخضع فى كل الأحوال لتقدير القاضى وتحتمل الجدل والمناقشة كسائر الأدلة فللخصوم أن يفندوها دون أن يكونوا ملزمين بسلوك سبيل الطعن بالتزوير وللمحكمة بحسب ما ترى أن تأخذ بها أو أن تطرحها، ولا يخرج عن هذه القاعدة إلا ما استثناه القانون وجعل له قوة إثبات خاصة بحيث يعتبر المحضر حجة بما جاء فيه إلى أن يثبت ما ينفيه تارة بالطعن بالتزوير كما هي الحال بالنسبة إلى محاضر الجلسات أو الأحكام فيما تضمنته وطورا بالطرق العادية كالمحاضر المحررة في مواد المخالفات فيها تضمنته عن الوقائع التى يثبتها المأمورون المختصون إلى أن يثبت ما ينفيها - على أن اعتبار هذه الأوراق حجة لا يعنى أن المحكمة تكون ملزمة بالأخذ بها ما لم يثبت تزويرها أو ما ينفيها بل إن المقصود هو أن المحكمة تستطيع الأخذ بما ورد فيها دون أن تعيد تحقيقه فى الجلسة ولكن لها أن تقدر قيمتها بمنتهى الحرية فترفض الأخذ بها ولو لم يطعن فيها على الوجه الذى رسمه القانون. لما كان ذلك، فإن ما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه لا يكون سديدا.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.