أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثانى - السنة 13 - صـ 352

جلسة 16 من أبريل سنة 1962

برياسة السيد المستشار السيد أحمد عفيفى، وبحضور السادة المستشارين: عادل يونس، وتوفيق أحمد الخشن، ومحمود اسماعيل، وحسين صفوت السركى.

(89)
الطعن رقم 1776 لسنة 31 القضائية

إثبات "بوجه عام". خبرة "مضاهاة". نقض. "ما لا يجوز الطعن فيه". تزوير. دفاع. حكم "تسبيبه. ما لا يعيبه".
(أ) إجراءات المضاهاة. لم ينظمها المشرع. اطمئنان المحكمة إلى صحة عملية الاستكتاب. اعتمادها فى حكمها على نتيجة المضاهاة التى أجراها الخبير. لا مخالفة فيه للقانون.
(ب) إجراءات الاستكتاب. التى تمت فى المرحلة السابقة على المحاكمة. الطعن فيها أمام محكمة النقض. لأول مرة. لا يجوز.
(ج) محكمة الموضوع. سلطتها فى تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى. هى الخبير الأعلى: ما دامت المسألة المطروحة ليست فنية بحتة.
مثال. اطلاع المحكمة على المحررات المطعون فيها بالتزوير. إجراؤها المضاهاة بنفسها على أوراق الاستكتاب. اطمئنانها إلى رأى الخبير فى هذا الشأن. النعى على ذلك. غير جائز.
(د) طلب الدفاع ندب خبير آخر. عدم إجابة هذا الطلب. لا تثريب: ما دامت الواقعة قد وضحت.
(هـ) الجزم بما لم يقطع به الخبير. من سلطة محكمة الموضوع: متى كانت وقائع الدعوى قد أكدت ذلك لديها.
1- لم ينظم المشرع - سواء فى قانون الاجراءات الجنائية أو فى قانون المرافعات ـ إجراءات المضاهاة فى نصوص آمرة يترتب على مخالفتها البطلان، ومن ثم فإن اعتماد الحكم المطعون فيه على نتيجة المضاهاة التى أجراها خبير الخطوط بين استكتاب المجنى عليهم الذى تم أمامه وبين التوقيعات المنسوبة إليهم فى الأوراق المطعون فيها يكون صحيحا لا مخالفة فيه للقانون ما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى صحة صدور توقيعات الاستكتاب.
2- الدفع بتعييب إجراءات الاستكتاب التى تمت فى المرحلة السابقة على المحاكمة لا يصح إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
3- من القواعد المقررة أن لمحكمة الموضوع كامل السلطة فى تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة أمامها، وهى الخبير الأعلى فى كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها - أو بالاستعانة بخبير يخضع رأيه لتقديرها - ما دامت المسألة المطروحة ليست من المسائل الفنية البحتة التى لا تستطيع المحكمة بنفسها أن تشق طريقها لابداء رأى فيها. فإذا كانت المحكمة قد اطلعت على المحررات المطعون فيها بالتزوير وقامت بعملية المضاهاة بنفسها على أوراق الاستكتاب وعلى ما أجرته من استكتاب بنفسها واطمأنت إلى رأى الخبير فى هذا الشأن، فلا يجوز مصادرة المحكمة فيما خلصت إليه.
4- لا يصح أن يعاب على المحكمة عدم إجابتها الطاعن إلى ندب خبير آخر ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر من جانبها ضرورة اتخاذ هذا الإجراء.
5- لمحكمة الموضوع سلطة الجزم بما لم يجزم به الخبير فى تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى خلال الفترة من 12 يناير سنة 1954 إلى 26 أكتوبر سنة 1957 بدائرة بندر بنى سويف: أولا - إرتكب تزويرا ماديا فى خمس محررات رسمية هى الاستمارتين 76 تسليف رقمى 55945 و68797 مسلسل والخاصيتين بطلب سلفة عن السنة الزراعية 1953 - 1954 والاستمارتين 60 أموال مقررة رقمى 12 و62 مسلسل الخاصيتين بمحضرى الحجز الإدارى والاستمارة 82 أموال مقررة رقم 892016 مسلسل الخاصة بورد الأموال المقررة على توفيق يعقوب راغب وذلك بوضع إمضاءات مزورة وبزيادة كلمات بأن وقع على الاستمارتين 76 تسليف بإمضاءين لتوفيق يعقوب واصف وموريس روفائيل رزق ناسبا إياهما زورا إليهما باعتبارهما ضامنين له فى قيمة السلفة المطلوبة بهاتين الاستمارتين، وبأن اصطنع الاستمارتين 60 أموال مقررة ووقع عليهما بإمضاءات محمد عبد الغنى محمود ومحمد ومرزوق ومهدى كليب وسيد عبد الحميد ناسبا إياها زورا إليهم باعتبار أن أولهم هو محرر هاتين الاستمارتين وأن الباقين شهود فيها وبأن أضاف كلمات إلى الاستمارة 82 أموال مقررة تفيد سداده لمبلغ 22 جنيها 303 مليمات ووقع عليها بإمضاء لمحمد عبد الغنى محمود ناسبا إياها زورا إليه باعتباره هو المثبت لتلك الكلمات. ثانيا - استعمل الاستمارتين رقم 60 أموال مقررة والاستمارتين رقم 76 تسليف المزورة سالفة الذكر مع علمه بتزويرها بأن قدم الأولى إلى محكمة الجنح المستأنفة ببنى سويف فى القضية رقم 1693 سنة 1957 و1694 سنة 1957 إستئناف بنى سويف كدليل على صحة دفاعه فيها، وبأن قدم الثانية إلى بنك التسليف الزراعى فرع بنى سويف لإستلام مبلغ السلفة الواردة فيها. وطلبت من غرفة الإتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته طبقا لنص المواد 211 و212 و214 من قانون العقوبات. فقررت الغرفة ذلك. ومحكمة جنايات بنى سويف قضت حضوريا بتاريخ 26 نوفمبر سنة 1960 عملا بمواد الإتهام مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات بمعاقبة الطاعن بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنين عما أسند إليه. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ... الخ.


المحكمة

... حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمتى التزوير فى أوراق رسمية واستعمالها قد شابه قصور فى التسبيب وفساد فى الاستدلال، كما انطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه من بين ما عول عليه فى إدانته شهادة شهود تبين أنهم لم يستكتبوا أمام النيابة وإن كان أحدهم قد استكتب بمعرفة قسم أبحاث التزييف بمصلحة الطب الشرعى فإن هذا لا يغنى عن الاستكتاب أمام سلطة التحقيق وتبطل به عمليه المضاهاة. كما أن المستندات المطعون عليها لم تعرض على الشاهد مهدى محمد كليب. وقد أقر الصراف بالجلسة حينما عرض عليه ورد المال المنسوب إليه التوقيع عليه بأنه بخطه ثم عاد إلى القول بأنه ما دام قد قرر أمام النيابة بأنه ليس بخطه فإنه يكون كذلك. وقرر شيخ البلد بأنه يشتبه فى أن يكون الخط المطعون عليه هو خطه ومن ثم يكون الاعتماد على شهادتهما مشوبا بالفساد. هذا إلى أن المحكمة قد قامت باستكتاب الشاهد الأول بالجلسة دون أن تحيل أوراق الاستكتاب إلى جهة فنية لإجراء المضاهاة عليها. ويضيف الطاعن أن المدافع عنه تمسك أمام المحكمة بتعيين خبير فى الخطوط لإجراء عملية المضاهاة، وأسس طلبه على أن الخبراء بقسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعى تقتصر خبرتهم على المعلومات الكيمائية ولا خبرة لهم بالخطوط ولذلك جاءت تقاريرهم غير وافية إذ اقتصرت على القول باتفاق الخطوط فى الدرجة الخطية والمميزات واللوازم دون أن تعرض للتفاصيل، هذا إلى أن الشاهد موريس روفائيل لم يستكتب ولا توجد له أوراق استكتاب مما لا يقبل معه القول بأن التوقيع المنسوب إليه على استمارة السلفة ليس له، وأخيرا فإن التقرير الخاص بفحص توقيع الصراف لم يجزم بما إذا كان التوقيع الذى على هيئة "فرمة" له أو للطاعن مما يعيب الحكم بما يبطله ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجرائم التزوير فى محررات رسمية واستعمالها التى دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومن تقارير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعى ومن الاطلاع على سجل الحجوزات بمديرية بنى سويف ومن كتاب المديرية الدالين على عدم توقيع حجوز إدارية ضد الطاعن فى المدة المنسوب إليه تزوير محضرى الحجز الإدارى موضوع الاتهام فيها ومن الاطلاع على دفتر يومية المتحصلات عن صيرفية دنديل وما ثبت من الاطلاع على ملفى الجنحتين 1693 و1694 سنة 1957 س بنى سويف المقدم فى كل منهما محضر الحجز الإدارى المطعون فيه بالتزوير ومن اعتراف الطاعن أمام النيابة بأنه وهو الذى حرر البيانات الواردة بمحضر الحجز الرقيم مايو سنة 1956 وأنه هو الذى قدمه إلى محكمة الجنح المستأنفة ببنى سويف ومن عملية المضاهاة التى قامت بها المحكمة بنفسها واستبان ها منها صدق ما ورد بتقارير قسم أبحاث التزييف والتزوير ومما أجرته على ورقة استكتاب الشاهد توفيق يعقوب واصف من مضاهاة وضح لها منها أن الإمضاء المنسوبة إليه على طلب السلفة موضوع الاتهام ليست له ولا هى بخطه، وهى أدلة سائغة تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم فى خصوص منازعته فى عملية استكتاب الشهود بدعوى عدم حصولها أمام سلطة التحقيق أو عدم إجرائها أصلا وإغفال المحكمة إرسال أوراق الاستكتاب التى تمت بمعرفتها إلى أهل الخبرة، ما ينعاه من ذلك مردود بأنه من المقرر قانونا أن لمحكمة الموضوع أن تعتمد فى تكوين عقيدتها على ما تطمئن إليه من أدلة وعناصر فى الدعوى وأنها فى سبيل ذلك ليست ملزمة بأن تتبع طرقا معينة فى الإثبات إلا فى الحالات التى نص عليها القانون، وكان المشرع سواء فى قانون الإجراءات الجنائية أو فى قانون المرافعات لم ينظم المضاهاة فى نصوص آمرة يترتب على مخالفتها البطلان، فإن اعتماد الحكم على نتيجة المضاهاة التى أجراها خبير الخطوط بين استكتاب المجنى عليهم الذى تم أمامه وبين التوقيعات المنسوبة إليهم على الأوراق المزورة يكون صحيحا ولا مخالفة فيه للقانون ما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى صحة صدور التوقيعات الواردة على ورقة الاستكتاب ممن نسبت إليهم. هذا فضلا عن أن الدافع بتعيب إجراءات الاستكتاب التى تمت فى المرحلة السابقة على المحاكمة لا يصح إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض ولا يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه قد أبدى أيهما اعتراضا على هذا الإجراء. ولما كانت المحكمة قد اطلعت على المحررات المطعون فيها بالتزوير وقامت بعملية المضاهاة بنفسها على أوراق الاستكتاب وعلى ما أجرته من استكتاب بنفسها واطمأنت إلى رأى الخبير فى هذا الخصوص فلا يجوز مصادرة المحكمة فيما خلصت إليه من ذلك، لأن الأصل أن المحكمة لها كامل السلطة فى تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث، وهى الخبير الأعلى فى كل ما تستطيع هى أن تفصل فيه بنفسها - أو بالاستعانة بخبير يخضع رأيه لتقديرها - ما دامت المسألة المطروحة ليست من المسائل الفنية البحتة التى لا تستطيع المحكمة بنفسها أن تشق طريقها لإبداء رأى فيها. لما كان ذلك، وكان لا يصح أن يعاب على المحكمة عدم إجابتها الطاعن إلى ندب خبير آخر ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر من جانبها ضرورة إلى اتخاذ هذا الإجراء. وما كان ما يثيره الطاعن من القول بأن الخبير لم يقطع برأى فى نسبة التوقيع الذى ورد على هيئة "فرمة" إلى الصراف أو إلى الطاعن، مردودا بما هو مقرر لمحكمة الموضوع من سلطة الجزم بما لم يجزم به الخبير فى تقديره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها وهو ما لم يخطئ الحكم فى تقديره. أما ما يجادل فيه الطاعن من نفى وجود أوراق استكتاب موريس روفائيل رزق، فمردود بأنه يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة قد واجهت الشاهد المذكور بالتوقيع المنسوب صدوره إليه فأكد أنه مزور عليه وهو ما يكفى لحمل قضاء الحكم فى هذا الخصوص. على أنه بفرض صحة ما يقول به الطاعن فإنه لا أثر لهذه الواقعة فى النتيجة اكتفاء بما انتهى إليه الحكم من إدانة الطاعن بتزوير سائر المحررات الأخرى واستعمالها اعتمادا على أدلة الثبوت السائغة التى أوردها. لما كان ما تقدم، وكان ما يثيره الطاعن فى شأن استناد الحكم إلى أقوال كل من الصراف وشيخ البلدة على رغم ما أبدياه من تردد فى روايتهما، إنما هو محاولة لمناقشة دليل اقتنعت المحكمة بصحته مما لا يقبل من الطاعن أمام هذه المحكمة. ذلك أن وزن أقوال الشهود هو من سلطة محكمة الموضوع، فلها أن تأخذ منها بها ترتاح إليه وتعرض عما لا تطمئن إليه. لما كان ذلك، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.