أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثانى - السنة 13 - صـ 375

جلسة 17 من أبريل سنة 1962

برياسة السيد المستشار السيد أحمد عفيفى، وبحضور السادة المستشارين: عادل يونس، وتوفيق أحمد الخشن، ومحمود اسماعيل، وحسين صفوت السركى.

(95)
الطعن رقم 1780 لسنة 31 القضائية

(أ) وصف التهمة.
وصف النيابة للواقعة. ليس نهائيا بطبيعته. عدم تقيد المحكمة به. على المحكمة أن تمحص الواقعة وأن تردها إلى الوصف الصحيح.
(ب) وصف التهمة. دعوى مدنية. نقض "المصلحة فى الطعن". إثبات.
الحكم ببراءة المتهم ورفض الدعوى المدنية للشك فى أدلة الاتهام. مجادلة المدعى بالحقوق المدنية فى أن المحكمة لم ترد الواقعة إلى وصف قانونى يعيبه. لا جدوى منه.
تشكك القاضى فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم. كفايته للحكم ببراءتة ورفض الدعوى المدنية قبله.
(ج) إرتباط. إجراءات المحاكمة.
الارتباط الموجب لضم قضية إلى أخرى. ماهيته. هو الارتباط غير القابل للتجزئة فى حكم المادة 32 عقوبات. نظر المحكمة القضيتين على استقلال عند عدم تحقق هذا الارتباط. لا يعيب اجراءات المحاكمة.
1- من المقرر أن المحكمة غير مقيدة بالوصف الذى تعطيه النيابة العامة للواقعة كما وردت بأمر الإحالة أو التكليف بالحضور، بل ان من واجبها أن تطبق على الواقعة المطروحة عليها وصفها الصحيح طبقا للقانون لأن وصف النيابة ليس نهائيا بطبيعته، وليس ما يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف الذى ترى هى أنه الوصف القانونى السليم.
2- إذا كان الحكم المطعون فيه قد قضى ببراءة المتهم وبرفض الدعوى المدنية لعدم ثبوت التهمة فى حقه على أساس الشك فى أدلة الإتهام، فلا يكون ثمة جدوى للطاعنة "المدعية بالحقوق المدنية" من النعى على المحكمة أنها لم ترد الواقعة إلى وصف قانونى بعينه، ذلك فإنه يكفى فى المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضى فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم ليقضى ببراءته وبرفض الدعوى المدنية قبله.
3- متى كان الارتباط المقول به بين الدعويين ليس هو الارتباط الغير قابل للتجزئة فى حكم المادة 32 من قانون العقوبات، فإن المحكمة لا تلتزم بضم القضيتين ما دامت لم تروجها لذلك مما تكون معه إجراءات المحاكمة قد تمت سليمة لا عيب فيها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه فى خلال الفترة من 30 أكتوبر سنة 1956 إلى يناير سنة 1959 بدائرة قسم قصر النيل: اختلس مبلغ النقود المبينة قدرا وقيمة بالمحضر لشركتى بان أميركان وشركة الطيران الألمانى وكانت قد سلمت إليه تذاكر للطيران من الشركتين بصفته وكيلا عن كل منهما بالأجر فباع التذاكر وبدد ثمنها اضرارا بالمجنى عليهما. وطلبت عقابه بالمادة 341 من قانون العقوبات. وادعت شركة الطيران الألمانى لوفتهانزا وشركة بان أميركان للطيران بحق مدنى قدره 51 ج تعويضا مؤقتا. ومحكمة قصر النيل الجزئية قضت حضوريا بتاريخ 11 يناير سنة 1960 عملا بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهم مما أسند إليه، ورفض الدعوى المدنية قبله وإلزام رافعيها بمصروفاتها و200 قرش أتعاب محاماة بلا مصاريف جنائية. استأنفت النيابة العامة هذا الحكم كما استأنفته المدعية بالحق المدنى. ومحكمة القاهرة الابتدائية بهيئة استئنافية قضت حضوريا بتاريخ 27 نوفمبر سنة 1960 بقبول الاستئنافين شكلا وفى الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المدعية بالحق المدنى المصاريف المدنية الاستئنافية. فطعن الأستاذ محمد عبد الله المحامى عن شركة الطيران الألمانى لوفتهانزا فى هذا الحكم الأخير بطريق النقض ... الخ.


المحكمة

... حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببراءة المطعون ضده من تهمة الاختلاس ورفض الدعوى المدنية قبله قد شابه فساد التسبيب والتناقض وخالف القانون، ذلك أن الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قضى فى الدعوى على أساس أن الواقعة سرقة تذاكر سفر مختلسة من شركتى الطيران بان أميركان ولوفتهانزا، وأن بدروس بدروسيان الذى أقيمت عليه دعوى الجنحة المباشرة رقم 1046 سنة 1960 التى نظرت مع هذه الدعوى، هو الذى باع تلك التذاكر المسروقة مع علمه بسرقتها، فكان القضاء ببراءة المطعون ضده على أساس ما ثبت من إدانة المتهم الآخر بدروس بدروسيان وأن اتهام هذا الأخير للمطعون ضده لا يكفى وحده لإدانته، غير أن المحكمة انتهت إلى القضاء ببراءة بدروس بدروسيان استئنافيا على أساس أنه تسلم التذاكر من المطعون ضده فوقع التناقض بين الحكمين، ويكون ما ذكره الحكم المطعون فيه من أن المطعون ضده سلم التذاكر لبدروس بدروسيان بحسن نية غير سائغ - هذا إلى أن الحكم حين تقيد بوصف التهمة كما ورد بأمر الإحالة دون الوصف القانونى الذى أضفاه المدعى المدنى عليها وقضى ببراءة المطعون ضده على أساس انتفاء صفة الوكالة عنه، قد خالف القانون إذ كان متعينا على المحكمة إعطاء الواقعة وصفها القانونى الصحيح، على أنه يكفى للحكم بالتعويض أن يثبت حصول فعل ضار يكون جريمة أو شبه جريمة. وتضيف الطاعنة أن عدم ضم الدعويين الحالية وتلك التى اتهم فيها بدروس بدروسيان مع قيام الارتباط بينهما يعيب وحده إجراءات المحاكمة ويبطل الحكم الذى يبنى عليها.
وحيث إن الحكم الابتدائى الذى أحال إليه الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مفاده أن شركة لوفتهانزا الألمانية للطيران (الطاعنة) اكتشفت سرقة بعض تذاكر السفر وشيكين من مكتبها كما كشفت شركة الطيران الأمريكية بان أميركان سرقة عشر تذاكر أخرى، وبسؤال من أمكن التوصل إليهم ممن استعملوا التذاكر المسروقة قرروا أنهم اشتروها من بدروس بدروسيان رئيس قسم المبيعات بشركة طيران الشرق الأوسط وقد أقر هذا الأخير ببيعه تلك التذاكر وأن محمد شفيق توفيق عثمان (المطعون ضده) مندوب مبيعات الشركة الطاعنة، هو الذى سلمه تلك التذاكر لبيعها نظير عمولة وأنه لم يكن يعلم بأنها مسروقة، وقد أنكر المطعون ضده ما نسبه إليه بدروس بدروسيان، وأضاف أنه - أى بدروس - إنما يتهمه دفاعا عن نفسه أو تسترا على السارق لتلك التذاكر. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة غير مقيدة بالوصف الذى تعطيه النيابة العامة للواقعة كما وردت للواقعة كما وردت بأمر الإحالة أو التكليف بالحضور، بل إن من واجبها أن تطبق على الواقعة المطروحة عليها وصفها الصحيح طبقا للقانون لأن وصف النيابة ليس نهائيا بطبيعته، وليس ما يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف الذى ترى هى أنه الوصف القانونى السليم، إلا أنه وقد قضى الحكمان الابتدائى والاستئنافى ببراءة المطعون ضده على أساس الشك فى أقوال بدروس بدروسيان وفى اتصال المطعون ضده بالأوراق المسروقة فلا جدوى للطاعنة من النعى على المحكمة أنها لم ترد الواقعة إلى وصف قانونى بعينه ما دامت البراءة قد قامت على أساس عدم ثبوت الواقعة فى حق المطعون ضده ذلك بأنه يكفى فى المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضى فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم ليقضى ببراءته ورفض الدعوى المدنية قبله. لما كان ذلك، وكان ما ذكره الحكم المطعون فيه قى قوله: "إنه على فرض صحة ما جاء على لسان بدروس بدروسيان المتهم فى القضية رقم 1046 سنة 1956 المنظورة مع هذه القضية من أن محمد شفيق هو بدوره ضحية لسوء نظام صرف التذاكر وعدم الدقة فى كيفية الاحتفاظ بها وطريقة توزيعها وسهولة العثور عليها من أى شخص يعمل فى الشركة ومن الجائز أنه قد تم تسليمها من أحد الموظفين بطريق مشروع دون أن يداخله أى شك فى صحة مصدرها وسلمها لبدروس بحسن نية وبنفس الحالة التى هى عليها ..." ما ذكره الحكم ذلك لا يغير من أن الأساس الذى قام عليه الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه هو الشك فى ثبوت الواقعة ذاتها فى حق المطعون ضده وعلى أساس هذا الشك يكون صحيحا أيضا ما قضى به رفضه الدعوى المدنية. لما كان ما تقدم، وكان الارتباط الذى تقول به الطاعنة بين الدعوى الحالية والدعوى المتهم فيها بدروس بدروسيان ليس هو الارتباط غير القابل للتجزئة فى حكم المادة 32 من قانون العقوبات. فإن المحكمة لا تلتزم بضم القضيتين ما دامت لم تروجها لذلك وتكون إجراءات المحاكمة قد تمت سليمة لا عيب فيها. على أن الثابت من الأوراق أن القضيتين نظرتا معا وقد ألمت المحكمة بظروفهما بما يحقق الغرض الذى ترمى إليه الطاعنة من طلب ضمهما. هذا ولما كان لا وجه لقالة التناقض التى ذكرتها الطاعنة ذلك بأن القضاء ببراءة بدروس بدروسيان لا يغير من الأساس الذى بنى عليه الحكم ببراءة المطعون ضده وهو تقدير أنه كان ضحية لسوء النظام إلى آخر ما ذكره الحكم مما سبق بيانه. ومن ثم يتعين رفض الطعن.