أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثانى - السنة 13 - صـ 443

جلسة 7 من مايو سنة 1962

برياسة السيد المستشار محمود حلمى خاطر، وبحضور السادة المستشارين: محمد عبد السلام، وعبد الحليم البيطاش، وأديب نصر، ومختار رضوان.

(112)
الطعن رقم 2355 لسنة 31 القضائية

نصب "الطرق الاحتيالية". حكم "ما لا يعيبه". دفاع.
(أ) الطرق الاحتيالية. عنصر أساسى فى تكوين الركن المادى لجريمة النصب. استعمال الجانى لها. ذلك يعد من الأعمال التنفيذية.
قيام الزوجة بدور فيها. لتأييد مزاعم زوجها. مما أدى بالمجنى عليه إلى دفع مبلغ من النقود له. اعتبار الزوجة فاعلة أصلية فى جريمة النصب. صحيح فى القانون.
(ب) إشارة الحكم إلى نص قانونى. غير منطبق على الواقعة المطروحة. ذلك مجرد خطأ مادى لا يؤثر فى سلامة الحكم. ما دام أنه قد أشار فى الوقت ذاته إلى النص الصحيح. الذى حكم بموجبه.
(ج) دفاع. وجوب استماع المحكمة إلى ما يبديه المتهم من أقوال وطلبات. شرط ذلك: إبداؤها قبل إقفال باب المرافعة فى الدعوى. تقديم مذكرة بعد ذلك تتضمن طلب سماع شهود وعرض المجنى عليه على الطبيب الشرعى. هذا الطلب لا تلتزم به المحكمة. عدم الرد عليه. لا قصور.
1- الطرق الاحتيالية من العناصر الأساسية الداخلة فى تكوين الركن المادى لجريمة النصب، واستعمال الجانى لها يعد عملا من الأعمال التنفيذية. فإذا كان الحكم المطعون فيه إذ استخلص أن الطاعنة الثانية قد قامت بدور فيها لتأييد مزاعم زوجها "الطاعن الثانى" وأدى ذلك بالمجنى عليه إلى دفع مبلغ من النقود له فإن الحكم يكون قد طبق القانون تطبيقا سليما إذ عد هذه الطاعنة فاعلة أصلية فى الجريمة.
2- إذا كانت التهمة المسندة إلى الطاعنين أنهما توصلا بطريق الاحتيال إلى الاستيلاء على مال من المجنى عليه، وكان الحكم المطعون فيه الذى قضى بإدانتهما قد أشار إلى نص المادة 337 عقوبات فإن ذلك لا يعدو كونه خطأ ماديا لا يؤثر فى سلامته طالما أنه أشار فى الوقت ذاته إلى نص القانون الصحيح الذى حكم بموجبه وهو المادة 336 عقوبات.
3- كفالة حرية الدفاع بوجوب استماع المحكمة إلى ما يبديه المتهم من أقوال وطلبات وأوجه دفاع مشروطة بإبدائها قبل إقفال باب المرافعة بما لا يسوغ للمتهم إبداء طلبات جديدة أو أوجه دفاع أخرى فيما يقدمه بعد ذلك من مذكرات. فإذا كان ما يثيره الطاعنان فى أوجه طعنهما أنهما طلبا فى مذكراتهما بعد إقفال باب المرافعة سماع الشهود وعرض المجنى عليه على الطبيب الشرعى فإن هذا الطلب لا يكون ملزما للمحكمة بإجابته أو الرد عليه ولا محل للنعى على الحكم بالقصور.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما منذ حوالى شهر ونصف سابقة على يوم 12/ 10/ 1959 بناحية قسم الدرب الأحمر: توصلا مع آخر مجهول بطريق الاحتيال إلى الاستيلاء على النقود المبينة القدر بالمحضر والمملوكة لحسن على حسن وكان ذلك باستعمالهما طرقا احتيالية من شأنها إيهام المجنى عليه بوجود واقعة مزورة بأن ادعى الأول أنه قادر على شفاء المجنى عليه باتصاله بالجان وقام فى سبيل ذلك بإتيان بعض أعمال غريبة، وأيدته المتهمة الثانية فى ذلك مصطنعة بعض روايات خيالية فسلم المجنى عليه المتهم الأول النقود متأثرا بذلك. وطلبت عقابهما بالمادتين 336 و337 من قانون العقوبات. وقد ادعى حسن على حسن بحق مدنى قدره قرشا واحدا على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهمين. ومحكمة الدرب الأحمر الجزئية قضت حضوريا بتاريخ 25 يناير سنة 1960 عملا بمادتى الاتهام بحبس المتهم الأول "الطاعن الأول" شهرين مع الشغل وحبس المتهمة الثانية "الطاعنة الثانية" شهرا مع الشغل وكفالة لوقف التنفيذ مقدارها عشر جنيهات لكل من المتهمين، وألزمتهما بأن يدفعا متضامنين للمدعى بالحق المدنى قرشا واحدا على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف المدنية بلا مصاريف جنائية. فاستأنف المحكوم عليهما هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية قضت حضوريا بتاريخ 8 ديسمبر سنة 1960 بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وأمرت بإيقاف التنفيذ بالنسبة للمتهمة الثانية لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم بلا مصاريف، وذلك عملا بالمادة 55 من قانون العقوبات. فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض ... الخ


المحكمة

... حيث إن مبنى السبب الأول من الطعن هو مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه، ذلك أن الحكم المطعون فيه دان الطاعنين بجريمة النصب وطبق على الواقعة المادتين 336 و337 من قانون العقوبات على الرغم من أن المادة الثانية خاصة بجريمة إصدار شيك لا يقابله رصيد، وذهب الحكم إلى أن شهود الإثبات رأوا وسمعوا الحمام يتكلم المقاعد تتحرك والبراز يرقص مع استحالة وقوع هذه الأمور. ومع أنه لو صح أن الشهود رأوها وسمعوها بالفعل لما كانت وقائع مزورة حتى يبنى عليها ركن الاحتيال. كذلك دان الحكم الطاعنة الثانية بوصفها فاعلة أصلية فى الجريمة على الرغم من أن مؤدى أقوال الشهود أنها لم تكن موجودة وقت دفع المبلغ من المجنى عليه لزوجها "الطاعن الأول" وأن كل ما فعلته أنها امتدحت أعماله وأوهمت المجنى عليه بأنه شفاها من مرضها وعرضت عليه صورة لها وهى فى حالة هزال قبل شفائها، وعلى الرغم من الصورة المزعومة لم تضبط وأن من واجب الزوجة امتداح أعمال زوجها وأن مجرد هذا الامتداح لا يعدو أن يكون كذبا لا يرقى إلى مرتبة الاحتيال.
وحيث إن الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى فى أن المجنى عليه كان يشكو فى المسجد لآخر من عجز جنسى طرأ عليه فتدخل الطاعن الأول فى الحديث وأوهم المجنى عليه بأن عجزه من فعل الجان وأن فى مقدوره أن يشفيه، وصحبه إلى منزله حيث أطلق بخورا وهو يتمتم ببعض عبارات ثم أفهمه أن به مسا من الجن وطلب من مبلغ عشرة جنيهات ليشترى به من السودان بخورا، ثم خرج وحضرت زوجته "الطاعنة الثانية" وأخذت تحدثه فى قدرة زوجها على معالجة الأمراض بواسطة الجان والأرواح وأفهمته أن كثيرين يترددون عليه لهذا الغرض، وأنه كان قد شفاها من ضعفها فتزوجته. وعرضت على المجنى عليه صورة لها وهى فى حالة هزال قبل شفائها ودعته إلى دفع المبلغ المطلوب فسلمه لزوجها. ثم أتى الطاعن الأول بحمامة وأخذ يحدثها ويوهم المجنى عليه بأنها تجيبه بأصوات مختلفة وقال للمجنى عليه إن الجان لا يريد أن يخرج إلا إذا دفع مبلغ خمسة جنيهات أخرى، وطلب منه أن يزوره فى يوم تال فعاد إليه وأعد الطاعن الأول برازا فى وعاء وأخذ يتمتم حتى توهم المجنى عليه أن البراز يقفز وطلب من المجنى عليه مبلغ الخمس جنيهات فدفعها له ثم أعطاه مسحوقا أبيض ليتعاطاه، وحجابا لتثبيته فى إحليله، وأضر به المسحوق فأبلغ بالواقعة. ودلل الحكم على ثبوت هذه الوقائع فى حق الطاعنين بشهادة المجنى عليه والشهود وعرض لدفاعهما وما قرره أولهما من تلفيق التهمة بإيعاز من خصومه ولم يأخذ به اطمئنانا منه إلى أقوال المجنى عليه وشهود الإثبات، كما عرض لدور الطاعنة الثانية وقال إنها أسهمت فى جريمة النصب بتأييد مزاعم زوجها وعرض الصورة على المجنى عليه - لما كان ذلك، وكان الحكم قد استخلص واقعة الدعوى بما تتوافر به عناصر جريمة النصب المنصوص عليها فى المادة 336 من قانون العقوبات والتى دان الطاعنين بها، وكان مؤدى ما قاله الشهود من رؤية حركات وسماع أصوات تتنافى مع المعقول وأن الطاعن الأول أوهم المجنى عليه بحصولها وأدخل فى روعه أنه يستعين بالجان على إحداثها بما يتوافر به ركن الاحتيال. ولما كانت الطرق الاحتيالية من العناصر الأساسية الداخلة فى تكوين الركن المادى لجريمة النصب، وكان استعمال الجانى لها يعد عملا من الأعمال التنفيذية، وكان الحكم إذ استخلص أن الطاعنة الثانية قد قامت بدور فيها لتأييد مزاعم زوجها الطاعن الأول وأدى ذلك بالمجنى عليه إلى دفع المبلغ له، فإن الحكم يكون قد طبق القانون تطبيقا سليما إذ عد هذه الطاعنة فاعلة أصلية فى الجريمة. أما ما يقوله الطاعنان من عدم ضبط الصورة المقول بأن الطاعنة الثانية عرضتها على المجنى عليه فهو لا يعدو كونه جدلا موضوعيا حول تقدير شهادة الشهود التى اطمأنت إليها المحكمة - لما كان ذلك، وكانت إشارة الحكم للمادة 337 من قانون العقوبات لا يعدو كونه خطأ ماديا لا يؤثر فى سلامته طالما أنه أشار فى الوقت ذاته إلى نص القانون الصحيح الذى حكم بموجبه وهو المادة 336.
وحيث إن مبنى السبب الثانى من الطعن هو بطلان الحكم للإخلال بحق الدفاع والقصور والخطأ فى الإسناد، وفى ذلك يقول الطاعنان إن الحكم دانهما دون سماع الشهود على الرغم من تمسكهما بسماعهم أمام محكمتى أول وثانى درجة فى المرافعة الشفوية والمذكرات المقدمة منهما بعد حجز الدعوى للحكم، ولم يرد على ما أثاراه من تناقض أقوال المجنى عليه إذ تردد بين القول بأن المسحوق الذى وصفه له الطاعن الأول سبب له مرضا وبين نفى ذلك، كما تناقض فى تحديد مكان إقامته ومهنته، وقدم الطاعنان شهادات تدل على عدم إقامته فى الأمكنة التى ذكرها. كذلك لم يرد الحكم على ما أثاراه من عدم عجز المجنى عليه جنسيا وما طلباه من عرضه على الطبيب الشرعى للتثبت من ذلك، ولا على ما دفعا به وأيداه بمستندات قدماها من أن المجنى عليه مدفوع إلى تلفيق التهمة من خصوم لهما. وأضاف الطاعنان أن الحكم أخطأ فى الإسناد لإذ دلل على الإدانة بضبط عقاقير وأدوات فى منزلهما على الرغم من أنها تخالف فى وصفها تلك التى قرر الشهود أن الطاعن الأول استعملها فى الاحتيال.
وحيث إنه وإن كان الأصل هو وجوب سماع الشهود أمام محكمة الدرجة الأولى وأن تتدارك المحكمة الاستئنافية ما يكون قد وقع من خطأ فى ذلك، إلا أنه يرد على هذه القاعدة قيدان نصت عليهما المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية أولهما ألا يكون سماع الشاهد متعذرا والثانى أن يتمسك المتهم أو المدافع عنه بسماعه حتى لا يفترض فى حقه أنه قبل صراحة أو ضمنا الاكتفاء بأقواله فى التحقيق. لما كان ذلك، وكانت كفالة حرية الدفاع بوجوب استماع المحكمة إلى ما يبديه المتهم من أقوال وطلبات وأوجه دفاع مشروطة بإبدائها قبل إقفال باب المرافعة بما لا يسوغ للمتهم إبداء طلبات جديدة أو أوجه دفاع أخرى فيما يقدمه بعد ذلك من مذكرات، وكان الثابت من مطالعة محاضر الجلسات أن محكمة أول درجة سمعت شهادة المجنى عليه ودفاع الطاعنين تفصيلا ولم يتمسكا فى المحاكمة الابتدائية أو الاستئنافية بسماع باقى الشهود أو يطلبا عرض المجنى عليه على الطبيب الشرعى، وكان كل ما قرره الدفاع فى هذا الشأن هو ما قاله فى ختام مرافعته أمام المحكمة الاستئنافية من أنه كان يود سماع الشهود وهى عبارة لا تفيد تمسكه بوجوب سماعهم. لما كان ذلك، فإنه بفرض صحة ما يقوله الطاعنان من أنهما طلبا فى مذكرتهما المقدمة بعد إقفال باب المرافعة سماعهم وعرض المجنى عليه على الطبيب الشرعى فإن هذا الطلب لا يكون ملزما للمحكمة بإجابته أو الرد عليه - لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعنان من تلفيق التهمة وعدم عجز المجنى عليه جنسيا وتضارب أقواله فى مرضه أو عدم مرضه نتيجة تعاطى المسحوق وفى مكان إقامته ومهنته لا يعدو أن يكون أوجه دفاع موضوعية وجزئيات لا تؤثر على جوهر الواقعة ولا تلتزم محكمة الموضوع بالرد عليها إذ أن هذا الرد مستفاد ضمنا من قضائها بالإدانة استنادا إلى أدلة الثبوت التى اطمأنت إليها - ولما كان الحكم قد وصف ما ضبط بمنزل لطاعنين فى معرض ذكره لمجريات التحقيق، ثم أورد مؤدى الأدلة بما يفيد أنه إنما استند فى قضائه بالإدانة إلى أقوال المجنى عليه والشهود مطرحا ما ضبط بمنزل الطاعنين، فإن ما يزعمانه من خطأ الإسناد المؤسس على الخلاف بين وصف الشهود لأدوات الاحتيال ووصف ما ضبط منها يكون غير سديد.
وحيث إنه لكل ما تقدم يتعين الحكم فى موضوع الطعن برفضه.