أحكام النقض - المكتب الفني- جنائى
العدد الثانى - السنة 13 - صـ 510

جلسة 29 من مايو سنة 1962

برياسة السيد المستشار محمود حلمى خاطر، وبحضور السادة المستشارين: عبد الحليم البيطاش، وأديب نصر، ومختار رضوان، ومحمود اسماعيل.

(130)
الطعن رقم 333 لسنة 32 القضائية

اثبات "بوجه عام. أوراق. شهود.". زنا. جريمة "أركانها".
(أ وب وج) بيان حقيقة الواقعة. ردها إلى صورتها الصحيحة. استخلاصا من جماع الأدلة المطروحة. ذلك حق لمحكمة الموضوع. ولو لم تكن الأدلة مباشرة. ما دامت لا تخرج عن الاقتضاء الفعلى والمنطقى.
حق محكمة الموضوع. فى تفسير العقود. بما لا يخرج عما تحتمله عباراتها، وتفهم نية المتعاقدين. لا رقابة لمحكمة النقض عليها فى ذلك. ما دام تفسيرها سائغا، ولا يتنافى مع نصوص العقد. مثال.
أقوال الشهود. للمحكمة أن تقدرها، وتأخذ منها بما تطمئن إليه، وتطرح ما عداه. هى غير ملزمة بتعقب كل جزئية يثيرها المتهم فى دفاعه. يكفى بيان توفر أركان الجريمة قبل المتهم. وأدلة ذلك.
(د وهـ وو) أدلة الزنا. فى حكم المادة 276 عقوبات. قاصرة على الشريك المتهم بالزنا. الأدلة قبل الزوجة. يرجع فيها إلى القواعد العامة فى الاثبات.
أدلة المادة 276 عقوبات. لا يشترط أن تكون مؤدية بذاتها فورا ومباشرة إلى ثبوت فعل الزنا. الاستعانة فى تكملة الدليل بالعقل والمنطق. لاستخلاص ما يؤدى إليه. من وظيفة المحكمة.
الصور الفوتوغرافية. لا تقاس على المكاتيب المنصوص عليها فى المادة 276 عقوبات. علة ذلك: المكاتيب تستمد دلالتها من كونها محررة من المتهم نفسه.
(ز) جريمة الزنا. ركن العلم. بأن المرأة متزوجة. ذلك مفترض فى حق شريكها. ينفيه: اثبات الشريك أن الظروف كانت لا تمكنه من معرفة ذلك لو استقصى عنه.
1- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تتبين حقيقة الواقعة وتردها إلى صورتها الصحيحة التى تستخلصها من جماع الأدلة المطروحة عليها، وهى ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة بل إن لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلى والمنطقى.
2- لمحكمة الموضوع حق تفسير العقود بما لا يخرج عما تحتمله عباراتها وتفهم نية المتعاقدين لاستنباط حقيقة الواقع منها وتكييفها التكييف الصحيح ولا رقابة لمحكمة النقض فيما تراه سائغا ولا يتنافى مع نصوص العقد. فاذا كانت المحكمة قد فسرت عقد الزواج العرفى المقدم من الطاعنين بأنه عقد بات منتج لأثره فورا وليس وعدا بالزواج بما تحتمله عباراته الصريحة واعترف الطاعن الثانى بشأنه، وكانت قد عولت فى حصول الوطء بين الطاعنين على هذا العقد. وما تبعه من دخول بالإضافة إلى ما ساقته من ظروف وقرائن اطمأنت إليها فى حدود سلطتها التقديرية فى تقدير الدليل بما لا يخرج عن الاقتضاء العقلى والمنطقى وبأسباب تؤدى إلى النتيجة التى انتهت إليها بما لا تقبل مجادلتها فيه، لما كان ذلك، فإن النعى على الحكم بالفساد فى الاستدلال يكون فى غير محله.
3- للمحكمة أن تزن أقوال الشهود فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وهى غير ملزمة بأن تتعقب كل جزئية يثيرها المتهم فى دفاعه بل يكفى أن تؤكد فى حكمها أن أركان الجريمة من فعل وقصد جنائى قد وقعا من المتهم وأن تبين الأدلة التى قامت لديها فجعلتها تعتقد ذلك وتقول به.
4- من المقرر أن المادة 276 عقوبات إنما تكملت فى الأدلة التى يقتضيها القانون فى حق شريك الزوجة المتهمة بالزنا. أما الزوجة نفسها فلم يشترط القانون بشأنها أدلة خاصة بل ترك الأمر فى ذلك للقواعد العامة بحيث إذا اقتنع القاضى من أى دليل أو قرينة بارتكابها الجريمة فله التقرير بإدانتها وتوقيع العقاب عليها.
5- لم تشترط المادة 276 عقوبات، وقد حددت الأدلة التى لا يقبل الإثبات بغيرها على الرجل الذى يزنى مع المرأة المتزوجة، أن تكون هذه الأدلة مؤدية بذاتها فورا ومباشرة إلى ثبوت فعل الزنا. وإذن فعند توافر قيام دليل من هذه الأدلة المعينة كالتلبس والمكاتيب يصح للقاضى أن يعتمد عليه فى ثبوت الزنا ولو لم يكن صريحا فى الدلالة عليه ومنصبا على حصوله، وذلك متى اطمأن بناء عليه إلى أن الزنا قد وقع فعلا. وفى هذه الحالة لا تقبل مناقشة القاضى فيما انتهى إليه على هذه الصورة إلا إذا كان الدليل الذى اعتمد عليه ليس من شأنه أن يؤدى إلى النتيجة التى وصل إليها. ذلك لأنه بمقتضى القواعد العامة لا يجب أن يكون الدليل الذى يبنى عليه الحكم مباشرا ، بل للمحاكم - وهذا مما اخص خصائص وظيفتها التى أنشئت من أجلها - أن تكمل الدليل مستعينة بالعقل والمنطق وتستخلص منه ما ترى أنه لا بد مؤد إليه.
6- الصحيح فى القانون أن الصور الفوتوغرافية لا يمكن قياسها على المكاتيب المنصوص عليها فى المادة 276 عقوبات والتى يشترط مع دلالتها على الفعل أن تكون محررة من المتهم نفسه.
7- كل ما يوجبه القانون على النيابة العامة أن تثبت فى جرائم الزنا أن المرأة التى زنى بها متزوجة، وليس عليها أن تثبت علم شريكها بأنها كذلك، إذ أن علمه بكونها متزوجة أمر مفروض وعليه هو لكى ينفى هذا العلم أن يثبت أن الظروف كانت لا تمكنه من معرفة ذلك لو استقصى عنه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما فى المدة من 27/ 2/ 1960 إلى 14/ 6/ 1960 بدائرة قسم الأزبكية: المتهمة الأولى: - وهى زوجة لآخر زنت مع المتهم الثانى. المتهم الثاني: زنى مع المتهمة الأولى وهى زوجة لآخر مع علمه بذلك. وطلبت عقابهما بالمادتين 274، 275 من قانون العقوبات مع توقيع أقصى العقوبة. وادعى الزوج بحق مدنى مقداره 51 جنيها تعويضا مؤقتا قبل المتهمين متضامنين. ومحكمة الأزبكية الجزئية حكمت حضوريا بتاريخ 8 مارس سنة 1961عملا بنص المادتين 304/ 1 و320 من قانون الإجراءات الجنائية - ببراءة المتهمين من التهمة المسندة إليهما وبرفض الدعوى المدنية وإلزام رافعها بمصاريفها. فاستأنفت النيابة العامة والمدعى بالحقوق المدنية هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الإبتدائية بهيئة استئنافية قضت فيه حضوريا بتاريخ 19 من ديسمبر سنة 1961 بقبول استئناف النيابة والمدعى بالحق المدنى شكلا وفى الموضوع وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وحبس كل من المتهمين شهرين مع الشغل وأمرت بإيقاف تنفيذ العقوبة بالنسبة للمتهم الثانى إيقافا شاملا لجميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم مع إلزامهما بأن يدفعا متضامنين للمدعى بالحق المدنى مبلغ 51 جنيها على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية عن الدرجتين ومبلغ 5 جنيهات مقابل أتعاب المحاماة وأعفت المتهمين من المصاريف الجنائية. فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض ... الخ.


المحكمة

... حيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعنة الأولى هو الخطأ فى تطبيق القانون والفساد فى الاستدلال، ذلك أن الحكم المطعون فيه استدل على ثبوت الزنا فى حق الطاعنة إلى ما لا يستقيم مع القانون أو المنطق إذ مع تسليمه بضرورة توافر الركن المادى فى جريمة الزنا وهو الوطء فإنه استخلصه من وجود عقد عرفى بينها وبين الطاعن الثانى يتعهد فيه الأخير بالزواج منها، وأيد ذلك بأقوال هذا المتهم عن العقد المذكور وهو استدلال غير سائغ يجافى التطبيق الصحيح للقانون، لأن مجرد وجود عقد عرفى بالزواج لا يحمل بحكم العقل والمنطق الدليل القاطع على حصول موافقة بين المتعاقدين إذ أن الموافقة ما هى إلا أثر من آثار العقد والبون شاسع بين ثبوت العقد وثبوت تنفيذه وكل ما يدل عليه هذا العقد - إن صح - هو قبول الزوجة الاتصال الجنسى بالطرف الآخر وليس معنى الرضا بإمكان هذا الاتصال أن يكون قد حصل بالفعل. وقد خلت الأوراق مما يثبت أن الطاعن الثانى قد اختلى بالطاعنة خلوة صحيحة فى أى مكان إذ أجمع الشهود على أنه لم يتردد عليها فى المسكن الذى استأجرته لنفسها ولم يشهد أحد على أنها التقت به فى مسكنه الخاص. أما ما استخلصته المحكمة من قول الطاعن الثانى بأنه أراد بهذا العقد أن تكون المعاشرة شرعية للتدليل على أن هذه المعاشرة قد تمت فعلا فإنه لا يستقيم مع المعنى الذى أراده هذا الطاعن وهو أن تكون المعاشرة بينهما فى المستقبل شرعية، لا أن يسبغ صفة الحلال على علاقة سابقة آثمة أو أن يقر بحصول معاشرة زوجية فى الماضى وليس أدل على ذلك مما أكمل به عبارته كما جاء بالحكم من أنه لم يدخل بالطاعنة. وما ذهب إليه الحكم فى ذلك كله ما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى فيما يجمل "أن ... أبلغ شرطة نقطة ... بأنه كان على خلاف مع زوجته ... بسبب كثرة خروجها من منزل الزوجية ثم تصالح معها، ولكنها عادت إلى الخروج مما جعل الشك يساوره فى أمرها. حتى كان صباح يوم التبليغ إذ رغبت فى الخروج فمانع فى ذلك، وتماسكا بالأيدى، وإذ حاولت زوجته أن تفرغ محتويات حقيبة يدها فى حقيبة أخرى لفت نظره أن من بين هذه المحتوبات صورة فوتوغرافية لها مع شخص آخر برتبة رائد ثم عقد زواج عرفى موقعا عليه منها ومن آخر يدعى ... وقد تمكنت زوجته من تمزيق هذه الأوراق ولكنه أعاد تجميعها وقدمها للمحقق متهما زوجته وشريكها بارتكاب جريمة الزنا. ثم قدم فى تاريخ لاحق إيصالا صادرا من شركة ... يثبت أن زوجته تسلمت أرجوحة مباعة للرائد ... وعقد إيجار بإسمها باستئجار الشقة رقم ... وقد أنكرت الزوجة ما نسب إليها مدعية أن هذه الأوراق مزورة عليها، ولكنها عادت فأقرت بصحتها عند مواجهتها بالرائد الذى أقر بصحة عقد الزواج العرفى بينه وبين المتهمة، وعلل ذلك بأنه تعرف بها فى أمنيبوس ثم تقابل معها بعد ذلك فى أمكنة عامة وأنها أفهمته بأنها أرملة وأنها تمر بظروف عائلية قاسية، فعرض عليها الزواج بشرط أن تشهر إسلامها وحرر معها هذا العقد العرفى كضمان لتنفيذ وعده بالزواج وحتى تصبح المعاشرة بينهما شرعية، ولكنه لم يدخل بها وقد صادقته الزوجة على ذلك. وإذ سئل عن واقعة تأجير الشقة رقم ... أقر بأنه رافق الزوجة عند استئجارها لتلك الشقة وأنه كان قد اشترى أرجوحة لإبنته من مطلقته ونظرا لغيابه فى محل عمله بمدينة ... فقد أعطى المتهمة مفتاح شقته وكلفها بالانتظار فيها حتى تتسلم الأرجوحة. وقد قرر الشاهد ... بأن المتهمين حضرا إليه لتأجير شقة بشارع ... وذكر له المتهم الثانى أن المتهمة الأولى شقيقته وأنها ستقيم مع إبنتها الصغيرة فلما أفهمه أنه لا يقوم بالتأجير للغراب قرر له أن السيدة شقيقته متزوجة ..."
واستند الحكم فى إدانة الطاعنين إلى وجود عقد الزواج العرفى ومما أحاط بتحريره من ظروف وملابسات وإلى قرائن أخرى. ثم عرض الحكم إلى ثبوت الزنا بقوله "وحيث إن هذه المحكمة تستظهر من الأوراق أن المتهمة الأولى وهى امرأة متزوجة قد سمحت لنفسها وأهوائها أن تقودها إلى الهاوية فتؤيد المتهم الثانى فيما ذكره من أنها تعرفت به أثناء ركوبها سيارة أتوبيس ... وأنهما تواعدا بعد ذلك على اللقاء ... ثم تكررت المقابلات بينهما. هذه الأقوال من المتهم الثانى تدل على أن المتهمة الأولى انساقت وراء عاطفة محرمة فقبلت على نفسها، وهى المرأة المتزوجة والأم، أن تقابل غريبا عنها فى مكان عام. ومن حيث إن الثابت من الأوراق أنه عند مواجهة المتهمة الأولى بالمضبوطات أنكرت صلتها بالمتهم الثانى مقررة أن عقد الزواج العرفى والصور هى مجرد أوراق زائفة فلما واجه المحقق المتهم الثانى بما هو منسوب إليه اعترف بصحة عقد الزواج العرفى وبأنه توقع منه ومن المتهمة الأولى، كما أقر بأن الصور له وللمتهمة الأولى وعلل تحرير عقد الزواج العرفى بأن المقصود منه هو جعل المعاشرة بينهما شرعية واستطرد قائلا: إنه لم يدخل بالمتهمة الأولى. وهذا القول من جانب المتهم الثانى يدل دلالة واضحة على أن معاشرة بينهما قد تمت وبأن علاقة الزوج بزوجته قد وضعت موضع التنفيذ، وأنه نظرا لأن المتهمة الأولى ترغب فى الطلاق من زوجها فإنها والمتهم الثانى أرادا أن يسبقا الحوادث فتزوجا زواجا عرفيا. أما ما يقرره المتهم الثانى من أن هذا العقد لم يكن سوى وعد بالزواج فإن هذا القول يكذبه اعترافه الصريح بأنه عقد بات ونافذ برضاء طرفيه ولو أنه كان وعدا بالزواج لما توقع من طرفيه. ومن ناحية أخرى فإن ما يقرره المتهم الثاني من أن هذا العقد كان لإدخال الطمأنينة على المتهمة الأولى حتى إذا ما أشهرت إسلامها لا يتخلى عنها، هذا القول يدل بوضوح على أن المتهمة الأولى قد استمرأت علاقتها بالمتهم الثانى فأرادت ألا يفلت منها إذا ما أشهرت إسلامها، هذا فضلا عن أن المتهم الثانى قد قرر أنه أراد بعقد الزواج العرفى أن تكون معاشرته للمتهمة الأولى شرعية وأنه لم يعقد عليها رسميا لظروفه فى وقت تحرير العقد وأنه كان قد طلق زوجته حديثا وأن المتهمة الأولى على غير دينه فلم يرد مفاجأة أهله بوضع جديد. هذا القول من جانب المتهم الثانى يحمل فى طياته معنى المعاشة الزوجية وإلا فما هى الحكمة من تحرير عقد زواج عرفى لا يعلم به سوى طرفيه. وحيث إنه مما لا شك فيه أن هذا العقد بذاته يفيد تمام الوطء بين المتهمين وأن كتابته وتحريره، بحيث لا يعلم به سوى طرفيه، لأقوى دليل على أن المتهمين لم يرغبا فى إذاعة علاقتهما فيما لو تم الزواج رسميا بحيث يصبح معلوما للكافة. فإذا كان العقد قد حرر سرا ولا يعلم به سوى العاقدين المتهمين فإنه لم يكن هناك محل للقول بتراخى الدخول إلى ما بعد إشهار إسلام المتهمة الأولى لأن كون العقد عرفيا لا يتبع في شأنه ما يتبع فى العقود الرسمية لاختلاف ظروف وطبيعة كل من العقدين ولأن العلاقة السرية لا تشبه العلاقة الرسمية التى يحميها القانون، وكذلك لأن ما تعارف عليه الناس بالنسبة للعقد الرسمى من تراخى الدخول إلى ما بعد العقد لا ينطبق على العقد العرفى حيث لم تجر عادة جمهرة الناس على الزواج العرفى. وبذلك فإن عقد الزواج العرفى وحده كاف بالنسبة للزوجة المتهمة الأولى للتدليل على توافر الركن المادى للجريمة وهو ارتكابها لفعل الوطء. ولا يغض من هذا النظر قول المتهم الثانى بأن المقصود بالعقد هو إلزامه بالزواج من المتهمة الأولى بعد إشهار إسلامها، لأن هذا القول لم يكن إلا قولا مجردا وإلا لانتظر حتى يتم إسلام المتهمة الأولى فيتزوجها، هذا فضلا عن أن الدين الحنيف لا يمنع زواج المسلم من غير المسلمة. يضاف إلى ذلك أيضا أنه كان فى مقدور المتهمة الأولى إشهار إسلامها فى وقت معاصر للعقد العرفى فما هى إذن الحكمة فى أن يتراخى هذا القول فلا يذكر إلا بمناسبة التحقيق فى شكوى المدعى المدنى. وكيف لم تقم المتهمة الأولى بإشهار إسلامها قبل أو بعد العقد العرفى إلى ما قبل التحقيق خصوصا وأن الزوجة لم تكن تخشى أحدا فهى تقابل المتهم الثانى فى أماكن عامة بل وتحرر معه عقدا بالزواج وتظهر معه فى الصور ويقوم المتهم الثانى بالتأجير لها ويدفع عنها مقابل سكنها فى شقة بشارع ... فهى إذن تريد من العقد ما يثبت المعاشرة حتى لا يفلت من يدها المتهم الثانى أو يفر. إذا كان ذلك كذلك، فإن ما يدفع به المتهم الثانى من أنه لم يكن يعلم بأن المتهمة الأولى متزوجة، هذا الدفع من جانبه غير معقول. أولا: لأنه كان فى إمكانه أن يتحرى عنها. وليس معقولا منه الدفع بعدم العلم وهو الذى تزوجها عرفيا، فكيف يقبل أن تشاركه حياته من لا يعرف عنها شيئا وكيف يستقيم زواجه بها دون أن يتحرى عن أهلها وعن اسم زوجها الراحل بوصفها أرملة كما ادعت، فضلا عن أن من كان فى مثل مركزه وعلمه وبيئته لابد له من التحرى والتدقيق فى جمع المعلومات وبذلك يكون دفعه بعدم العلم هو من قبيل القول المجرد ولا يسنده عقل أو منطق. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الثابت أن كل ما أتاه المتهمان من أفعال لها طابع السرية، فهو يقابلها سرا ولا يقابل ذويها رغم ما ذكره من اعتزام إعلان زواجه منها رسميا وهو ثانيا: يصطحبها عند تأجيرها لشقة بشارع ... ويقرر أنه شقيقها ثم يرفض التوقيع كضامن بجانب إسمها وهو ثالثا: يقوم بتكليفها بشراء أرجوحة لابنته ويسلمها مفتاح شقته لتنتظر حامل الأرجوحة لتتسلمها منه وتدفع له باقى ثمنها. كل هذه الأمور تدل بذاتها على أن الكلفة بينهما قد زالت وأن كلا منهما قد باح للاخر بظروفه وأحواله أى أن المتهم يعلم بأنها متزوجة".
وحيث إنه من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تتبين حقيقة الواقعة وتردها إلى صورتها الصحيحة التى تستخلصها من جماع الأدلة المطروحة عليها وهى ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة - بل لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة - متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلى والمنطقى. كما أنه من المقرر أيضا أن المادة 276 عقوبات إنما تكلمت فى الأدلة التى يقتضيها القانون فى حق شريك الزوجة المتهمة بالزنا. أما الزوجة نفسها فلم يشترط القانون بشأنها أدلة خاصة بل ترك الأمر فى ذلك للقواعد العامة، بحيث إذا اقتنع القاضى من أى دليل أو قرينة بارتكابها الجريمة فله التقرير بإدانتها وتوقيع العقاب عليها. لما كان ذلك هو حكم القانون، وكان لمحكمة الموضوع حق تفسير العقود بما لا يخرج عما تحتمله عباراتها وتفهم نية المتعاقدين لاستنباط حقيقة الواقع منها وتكييفها التكييف الصحيح، ولا رقابة لمحكمة النقض فيما تراه سائغا ولا يتنافى مع نصوص العقد، وكانت محكمة الموضوع قد فسرت عقد الزواج العرفى المقدم من الطاعنين بأنه عقد بات منتج لأثره فورا وليس وعدا بالزواج بما تحتمله عباراته الصريحة واعتراف الطاعن الثانى بشأنه، وكانت قد عولت فى حصول الوطء بين الطاعنين على هذا العقد، وما تبعه من دخول بالإضافة إلى ما ساقته من ظروف وقرائن اطمأنت إليها فى حدود سلطتها فى تقدير الدليل بما لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي وبأسباب تؤدى إلى النتيجة التى انتهت إليها مما لا تقبل مجادلتها فيه. لما كان ذلك، فإن هذا النعى يكون فى غير محله.
وحيث إن مبنى الوجهين الأول والثانى من الطعن المقدم من الطعن المقدم من الطاعن الثانى هو الخطأ فى تطبيق القانون والفساد فى الاستدلال، ذلك أن الحكم المطعون فيه قد دانه بوصفه شريكا مع الزوجة فى ارتكاب جريمة الزنا على الرغم من عدم توافر الركن المادى للجريمة وهو فعل الوطء. وبغير التقيد فى قضائه بالأدلة القانونية التى حددها الشارع فى المادة 276 من قانون العقوبات. كما استند فى ذلك إلى عقد الزواج العرفى وتكرر مقابلته مع الطاعنة الأولى وظهورهما معا فى صورة فوتوغرافية مع أن العقد فى صورة الدعوى لا يعدو أن يكون وعدا بالزواج فضلا عن أنه لا يؤدى إلى حصول الوطء. وأما الصور الفوتوغرافية فلا توفر الدليل الكتابى المنصوص عليه فى المادة 276 من قانون العقوبات.
وحيث إن القانون فى المادة 276 من قانون العقوبات، بتحديده الأدلة التى لا يقبل الإثبات بغيرها على الرجل الذى يزنى مع المرأة المتزوجة، ولا يشترط أن تكون هذه الأدلة مؤدية بذاتها فورا ومباشرة إلى ثبوت فعل الزنا. وإذن فعند توافر قيام دليل من هذه الأدلة المعينة كالتلبس والمكاتيب يصح للقاضى أن يعتمد عليه فى ثبوت الزنا ولو لم يكن صريحا فى الدلالة عليه ومنصبا على حصوله. وذلك متى اطمأن بناء عليه إلى أن الزنا قد وقع فعلا وفى هذه الحالة لا تقبل مناقشة القاضى فيما انتهى إليه على هذه الصورة، إلا إذا كان الدليل الذى اعتمد عليه ليس من شأنه أن يؤدى إلى النتيجة التى وصل إليها. ذلك لأنه بمقتضى القواعد العامة لا يجب أن يكون الدليل الذى يبنى عليه الحكم مباشرا، بل للمحاكم، وهذا من أخص خصائص وظيفتها التى أنشئت من أجلها، أن تكمل الدليل مستعينة بالعقل والمنطق وتستخلص منه ما ترى أنه لا بد مؤد إليه. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أن الزنا قد وقع فعلا بناء على الأدلة السائغة التى اطمأنت إليها وكما وضح فى الرد على أسباب الطعن المقدمة من الطاعنة الأولى، وكان صحيحا أن الصور لا يمكن قياسها على المكاتيب المنصوص عليها فى المادة 276 عقوبات والتى يشترط مع دلالتها على الفعل أن تكون محررة من المتهم نفسه، وإن كان ذلك صحيحا فى القانون إلا أن ما استطرد إليه الحكم فى ذلك لا يعيبه، ذلك أن ما ذكره الحكم بشأنها لا أثر له فى منطقه أو فى النتيجة التى انتهى إليها، إذ الأصل أن البيان المعول عليه فى الحكم هو ما يبدو فيه اقتناع المحكمة دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع. وإذن فمتى كان الواضح مما أورده الحكم المطعون فيه أن المحكمة قد عولت بصفة أصلية فى الاقتناع بحصول الوطء على عقد الزواج العرفى وما يتبعه من معاشرة جنسية مباشرة بين الطرفين وقالت إنه "وحده كاف للتدليل على حصول الوطء" كما عولت فى إثبات هذا الركن على الظروف والملابسات التى تم التعارف فيها بين الطاعنين وتكرار مقابلاتهما فى الأماكن العامة وإبقاء زواجهما سرا وذهاب الطاعنة إلى مسكن الطاعن ومصاحبته لها عند استئجار مسكنها الجديد ودفعه الإيجار عنها - هذه الظروف وطريقة تدليل المحكمة، تفصح عن أن قضاءها لم يكن ليتأثر فى اقتناعها بحصول الوطء لو فطنت إلى عدم جدوى هذا القول العرضى عن الصور الذى ساقته تزيدا لتؤكد توطد العلاقة بين الطاعنين ورفع الكلفة بينهما بعد إنكار الطاعنة لذلك، ولتدلل على أنها "لم تكن تخشى أحدا وتحرر معه عقدا بالزواج وتظهر معه فى الصور". لما كان ذلك، فإن هذا الوجه من الطعن يكون فى غير محله.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث من الطعن هو الفساد فى الاستدلال على توافر علم الطاعن بأن الطاعنة الأولى متزوجة.
وحيث إنه لما كان كل ما يوجبه القانون على النيابة العامة أن تثبت أن المرأة التى زنى بها متزوجة، كما هو الحال فى هذه الدعوى، وليس عليها أن تثبت علم الطاعن بأنها كذلك إذ أن علمه بكونها متزوجة أمر مفروض. وكان عليه أن يثبت أن الظروف كانت لا تمكنه من معرفة ذلك لو استقصى عنه وهو ما لم يقم به. وكان الحكم فضلا عن ذلك قد دلل تدليلا سائغا على هذا العلم على النحو المتقدم. لما كان ذلك، فإن هذا النعى يكون غير سديد.
وحيث إن مبنى الوجه الرابع من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه التفت عما قرره الشهود فى التحقيقات من أن الطاعن لم يختل بالتهمة الأولى ولم يجتمع بها سواء فى مسكنها أو فى مسكنه، كما التفت عن الشهادة الرسمية المقدمة منه والتى تثبت وجوده فى مقر عمله فأغفل الحكم بذلك تحديد مكان حصول الوطء المزعوم.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض إلى أقوال الشهود الذين سئلوا فى التحقيقات فأطرحها بقوله إنها "مجرد أقوال سلبية لا تنفى ما انتهى إليه قضاء المحكمة من أن فعل الوطء قد تم بين المتهمين" كما لم يعول على الشهادة المقدمة من الطاعن. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تزن أقوال الشهود فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وهى غير ملزمة بأن تتعقب كل جزئية يثيرها المتهم فى دفاعه بل يكفى أن تؤكد فى حكمها أن أركان الجريمة من فعل وقصد جنائى قد وقعا من المتهم وأن تبين الأدلة التى قامت لديها فجعلتها تعتقد ذلك وتقول به وكان الحكم قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر فيه عناصر الجريمة التى دان الطاعن بها، وأورد على ذلك أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها، وكان عدم تحديده مكان حصول الوطء هو من الأمور الموضوعية التى لا تقبل مناقشتها أمام هذه المحكمة فضلا عن أن الحكم قد بين مكان وقوع الجريمة فى أخذه بوصف التهمة كما قدرتها النيابة - لما كان ذلك، فإنه لا محل لما ينعيه الطاعن على الحكم فى هذا الصدد. وحيث إنه لذلك يكون الطعنان برمتهما على غير أساس متعينا رفضهما موضوعا.