أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثالث - السنة 13 - صـ 700

جلسة 5 من نوفمبر سنة 1962

برياسة السيد/ محمد متولى عتلم نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: عادل يونس، وتوفيق الخشن، وأديب نصر، وحسين السركى.

(171)
الطعن رقم 1150 لسنة 32 القضائية

أسباب الأباحة. غرفة الإتهام. محكمة الجنح. اختصاص. نقض "المصلحة فى الطعن"
(أ) حق الدفاع الشرعى. يقوم لرد العدوان، وليس لمعاقبة المعتدى. مثال.
(ب) قرار غرفة الإتهام بإحالة الدعوى إلى محكمة الجنح. ينقل الاختصاص بنظر الجناية إلى المحكمة الجزئية، دون أن يقيدها فى خصوص قيام العذر القانونى أو توافر الظروف المخففة. حق تلك المحكمة فى القضاء بعدم الإختصاص: إذا رأت أن ظروف الدعوى لا تبرر تخفيض العقوبة.
سلطة الإحالة. ليست قاضى موضوع. قرارها بوجود الظروف المخففة أو الاعذار القانونية. يخضع لرقابة محكمة الموضوع.
(ج) تجاوز حق الدفاع الشرعى. نفى توافر هذا العذر القانونى فى جناية العاهة ومعاقبة المتهم بالحبس. الطعن بالنقض. لا مصلحة فيه: ما دامت العقوبة تدخل فى نطاق المادة 251 عقوبات.
1- حق الدفاع الشرعى لم يشرع لمعاقبة معتد على اعتدائه، وإنما شرع لرد العدوان. فإذا كان الحكم المطعون فيه قد اثبت بالأدلة السائغة التى أوردها أن المتهم الثانى فى الدعوى كان قد انتهى من اعتدائه على الطاعن، وأن الحاضرين كانوا قد أمسكوا به وحالوا دون مواصلته الاعتداء على الطاعن فإن ما يقع من اعتداء من هذا الأخير على المتهم سالف الذكر بعد أن كف عن الاعتداء، هو اعتداء معاقب عليه، ولا يصح فى القانون اعتباره دفاعا شرعيا.
2- قرار غرفة الإتهام باحالة الدعوى إلى محكمة الجنح، متى أصبح نهائيا، ينقل الاختصاص بنظر الجناية موضوع التجنيح إلى المحكمة الجزئية. ولا تتقيد هذه المحكمة بالقرار المذكور فى خصوص قيام العذر القانونى أو توافر الظروف المخففة التى من شأنها تخفيض العقوبة إلى حدود الجنح، بل لها أن تحكم بعدم الاختصاص إذ رأت أن ظروف الدعوى لا تبرر تخفيض العقوبة إلى ذلك الحد طبقا لما جرى به نص المادة 158 فقرة أخيرة من قانون الاجراءات الجنائية التى أحالت إليها المادة 179 قبل تعديلها بالقانون رقم 107 لسنة 1962. والقول بتقيد قاضى الموضوع بقرار غرفة الاتهام فى هذا الصدد يتنافى مع ما هو مقرر من أن سلطة الاحالة ليست بقاضى موضوع فلا يكون لقرارها قوة الشئ المحكوم فيه فيما يتعلق بوجود الظروف المخففة أو الاعذار القانونية التى تبرر تطبيق عقوبة الجنحة، وإنما يكون تقديرها فى ذلك خاضعا لرقابة محكمة الموضوع.
3- النعى على الحكم المطعون فيه بأنه خالف القانون إذ لم يلتزم بما ارتأته غرفة الإتهام - حين أحالت الدعوى إلى محكمة الجنح - من قيام عذر تجاوز حق الدفاع الشرعى لديه، مردود بأنه فضلا عن أن قرار الغرفة فى هذا الشأن لا يلزم محكمة الموضوع، فإنه لا مصلحة للطاعن فيما يثيره فى هذا الخصوص طالما أن العقوبة التى أنزلها الحكم عليه - وهى الحبس - تدخل فى نطاق ما نصت عليه المادة 251 عقوبات فى صدد العقوبة المقررة لجناية العاهة المستديمة عند اقترانها بعذر تجاوز حق الدفاع الشرعى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما فى يوم 3 يناير سنة 1958 بدائرة مركز بلبيس مديرية الشرقية: المتهم الأول "الطاعن" - أولا - ضرب المتهم الثانى بعصا على ساعده الأيسر فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبى الشرعى والتى نشأ عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هى إعاقة النصف الأيسر لحركة ثنى المرفق الأيسر تقدر بنحو 10%. وثانيا - ضرب المتهم الثانى فأحدث به أيضا الإصابة الأخرى الموصوفة بالتقرير الطبى الشرعى والتى أعجزته عن أشغاله الشخصية مدة تزيد على عشرين يوما. والمتهم الثانى - ضرب المتهم الأول "الطاعن" فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبى والتى تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوما. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبة الأول بالمادتين 240/ 1 و241 من قانون العقوبات ومعاقبة الثانى بالمادة 242/ 1 من نفس القانون منع تطبيق أقصى العقوبة. وغرفة الاتهام قررت إحالة الدعوى إلى محكمة جنح بلبيس الجزئية للفصل فيها على أساس عقوبة الجنحة. وبتاريخ 20/ 4/ 1961 قضت المحكمة الجزئية حضوريا عملا بالمواد 240/ 1 و242/ 1 و17 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 32 من نفس القانون وذلك بالنسبة إلى المتهم الأول والمادة 242/ 1 منه بالنسبة إلى المتهم الثانى بحبس المتهم الأول "الطاعن" ثلاثة شهور مع الشغل وكفالة 500 قرش لإيقاف التنفيذ عن التهمتين، وتغريم المتهم الثانى 500 قرش بلا مصاريف. استأنف المحكوم عليه الأول هذا الحكم. ومحكمة الزقازيق الابتدائية - بهيئة استئنافية شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد 17 ديسمبر سنة 1961 بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف بلا مصروفات. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى أوجه الطعن هو أن الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمتى إحداث عاهة مستديمة وضرب أعجز المجنى عليه عن أعماله الشخصية أكثر من عشرين يوما قد شابه تناقض وقصور فى التسبيب كما أخطأ فى تطبيق القانون. ذلك بأنه أخذ بتصويرين متعارضين للواقعة إذ أورد فى صدره أن شاهدى الإثبات أحمد عبد الرحيم عمار ومحمد ابراهيم المغربى أيدا الطاعن فى التحقيقات فيما دفع به من أن اعتداءه على المتهم الثانى فى الدعوى - وهو المجنى عليه - كان حالا ومباشرا لاعتداء هذا الأخير عليه الذى لما يكن قد انقطع، ثم ساق الحكم تصويرا آخر وهو فى معرض الرد على قيام حالة الدفاع الشرعى فى حقه بأن اطرح هذا الدفاع استنادا إلى أقوال الشاهدين سالفى الذكر بجلسة المحاكمة التى مؤداها أن الاعتداء الذى وقع من الطاعن على المجنى عليه كان لاحقا على إعتداء هذا الأخير عليه وبعد توقفه. ولم يبين الحكم الواقعة كما رسخت فى عقيدته وأغفل بيان علة إطراحه أقوال الشاهدين فى التحقيقات فجاءت مقدمات الحكم متعارضة مع النتيجة التى خلص إليها وهى إدانة الطاعن. ولم يشر الحكم المطعون فيه إلى واقعة الدعوى كما لم يتصد إلى الرد على دفاع الطاعن اكتفاء بما جاء بالحكم الابتدائى. هذا إلى أن الدعوى أحيلت من غرفة الاتهام إلى محكمة الجنح للفصل فيها على أساس عقوبة الجنحة على رغم جسامة نسبة العاهة المستديمة وبلوغها 10% وذلك تطبيقا لنص المادة 251 من قانون العقوبات على اعتبار قيام عذر تجاوز حد الدفاع الشرعى فى حق الطاعن، وقرار غرفة الاتهام فى هذا الخصوص ملزم لمحكمة الجنح فيكون قضاؤها بإدانة الطاعن على أساس نفى توافر حالة الدفاعي الشرعى لديه قد جاء مخالفا للقانون، مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما مجمله أن الطاعن تقدم ببلاغ ضد المتهم الثانى فى الدعوى اتهمه بضربه ببلطة على رأسه لنزاع على "خص" وردد ذلك فى أقواله بمحضر ضبط الواقعة، وأضاف أنه ضرب المتهم المذكور "بشعبة" على يده لإسقاط البلطة، وبسؤال هذا الأخير قرر أن الطاعن ضربه "بتقصيرة" على يده لرفضه أن يبيع له أرضا ورثها عن والده واعترف بملكيته للبلطة، ولكنه أنكر اعتداءه بها على الطاعن، وذكر بتحقيقات النيابة أن الطاعن ضربه ببلطة على رأسه فوضع يده اليسرى على رأسه فضر به بالبلطة على ذراعه الأيسر، وقرر كل من محمود عبد الرحمن ومحمد ابراهيم المغربى أن المتهم الثانى ضرب الطاعن ببلطة فضربه هذا الأخير بشعبة على يده. وبعد أن أورد الحكم مؤدى التقارير التى تضمنت إصابة كل من الطاعن والمتهم الثانى، عرض لما شهد به أحمد عبد الرحيم عمار بالجلسة وحصل شهادته فى قوله إن المتهم الثانى ضرب الطاعن ببلطة وأن الشهود أبعدوهما عن بعضهما البعض لكن الطاعن أتى بعصا وضرب بها المتهم الثانى على يده. ثم أورد الحكم ما أضافه محمد ابراهيم المغربى من أن الحاضرين كانوا ممسكين بالمتهم الثانى وقت اعتداء الطاعن عليه، وعرض إلى ما أثاره المدافع عن الطاعن من أنه كان فى حالة دفاع شرعى فاطرحه بما محصله أنه يشترط لتوفر حالة الدفاع الشرعى أن يكون الاعتداء حالا وأنه بزواله لا يقوم هذا الحق. وخلص من ذلك إلى قوله: "وحيث إن الثابت من أقوال الشهود أن المتهم الثانى كان قد انتهى من الاعتداء على المتهم الأول (الطاعن) بل وأمسك به الحاضرون فالاعتداء قد انتهى ولم يكن يستطيع مواصلته ومن ثم لا يكون المتهم الأول فى حالة دفاع شرعى "وانتهى إلى ثبوت تهمتى إحداث العاهة المستديمة وضرب المتهم الثانى ضربا أعجزه من أعماله الشخصية مدة تزيد على عشرين يوما وأورد على ثبوتها أدلة سائغة مستمدة من أقوال المصاب المذكور والشهود ومن اعتراف الطاعن. لما كان ذك، وكان القانون لم يرسم شكلا خاصا تصوغ به المحكمة بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التى وقعت فيها، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كافيا فى بيان الواقعة وظروفها بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التى نسبت إلى المتهم حسبما استخلصته المحكمة، وكان قد أشير فيه إلى نص القانون الذى ينطبق على تلك الواقعة فإن ذلك يحقق حكم القانون كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استوفى هذا البيان فلا يضيره أن يقلب الواقعة على وجوهها المختلفة ما دام قد انتهى إعتناق التصوير الذي رآه صورة صحيحة للواقعة , وأورد عليه أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها. ولا يعيب الحكم أن يكون قد أورد أقوالا متعارضة لشاهد واحد أو شهود مختلفين ما دام قد أخذ منها بما اطمأن إلى صحته واطرح ما عداه، إذ أن من سلطة قاضى الموضوع أن يلتفت عما بين أقوال الشهود من خلاف لا يؤثر فى جوهر الشهادة ما دام قد استخلص الإدانة بما لا تناقض فيه - وهو ما لم يخطئ الحكم المطعون فيه فى تقديره - وإذ كان الحكم المطعون فيه قد اطمأن لرواية شهود الإثبات فى مرحلة المحاكمة واطرح - فى حدود سلطته التقديرية - أقوالهم فى التحقيقات، فلا يقبل مصادرته فى عقيدته فى هذا الخصوص. ولما كان تقدير الوقائع التى يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعى أو انتفاؤها متعلقا بموضوع الدعوى، للمحكمة الفصل فيه بلا معقب متى كانت الوقائع مؤدية إلى النتيجة التى رتبت عليها، وكان حق الدفاع الشرعى لم يشرع لمعاقبة معتد على اعتدائه وإنما شرع لرد العدوان، وإذ كان الحكم قد أثبت بالأدلة السائغة التى أوردها أن المتهم الثانى فى الدعوى كان قد انتهى من اعتدائه على الطاعن وأن الحاضرين كانوا قد أمسكوا به وحالوا دون مواصلته الاعتداء على الطاعن فإن ما يقع من اعتداء من هذا الأخير على المتهم سالف الذكر بعد أن كف عن الاعتداء، هو اعتداء معاقب عليه، ولا يصح فى القانون اعتباره دفاعا شرعيا. لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائى قد بين واقعة الدعوى بيانا كافيا وعرض لدفاع الطاعن ففنده وقد أحال عليه الحكم الاستئنافى المطعون فيه، وكان لا يوجد ثمت ما يمنع المحكمة الاستئنافية إن هى رأت كفاية الأسباب التى بنى عليها الحكم المستأنف من أن تتخذها أسبابا لحكمها وتعتبر عندئذ أسباب الحكم المستأنف أسبابا لحكمها، وكان لا يبين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة الاستئنافية أن الطاعن قد أثار من أوجه الدفاع ما يستلزم ردا من المحكمة الاستئنافية، وكان الطاعن لا يدعى فى أوجه طعنه أنه قد أثار شيئا من ذلك فى مذاكرته الكتابية المصرح له بتقديمها، فإن ما ينعاه على الحكم المطعون فيه فى هذا الخصوص لا يكون سديدا. ولما كان يبين من مدونات الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أن الدعوى أحيلت من غرفة الاتهام إلى محكمة الجنح للفصل فيها على أساس عقوبة الجنحة وليس فى الأوراق ما يفيد أن أساس التجنيح هو قيام العذر القانونى المنصوص عليه فى المادة 251 من قانون العقوبات وبفرض ابتناء قرار غرفة الاتهام بإحالة الدعوى على محكمة الجنح على هذا العذر القانونى فإن قرارها فى ذلك - متى أصبح نهائيا - ينقل الاختصاص بنظر الجناية موضوع التجنيح إلى المحكمة الجزئية، ولكن هذه المحكمة لا تتقيد بالقرار المذكور فى خصوص قيام العذر القانونى أو توافر الظروف المخففة التى من شأنها تخفيض العقوبة إلى حدود الجنح، بل لها أن تحكم بعدم الاختصاص إذ رأت أن ظروف الدعوى لا تبرر تخفيض العقوبة إلى ذلك الحد طبقا لما جرى به نص المادة 158 فقرة أخيرة من قانون الإجراءات الجنائية، التى أحالت إليها المادة 179 قبل تعديلها بالقانون رقم 107 لسنة 1962، والقول بتقيد قاضى الموضوع بقرار غرفة الاتهام فى هذا الصدد يتنافر مع ما هو مقرر من أن سلطة الإحالة ليست بقاضي موضوع فلا يكون لقرارها قوة الشئ المحكوم فيه فيما يتعلق بوجود الظروف المخففة أو الأعذار القانونية التى تبرر تطبيق عقوبة الجنحة، وإنما يكون تقديرها فى ذلك خاضعا لرقابة محكمة الموضوع وهو ما أفصح عنه "تقرير لجنة قانون الإجراءات الجنائية بمجلس الشيوخ من مشروع قانون الإجراءات الجنائية" فى تعليقه على المادة 161 التى كان أصلها 178 فى المشروع وأصبحت المادة 158 من القانون. هذا فضلا عن أنه لا مصلحة للطاعن فيما يثيره فى هذا الشأن طالما أن العقوبة التى أنزلها الحكم عليه وهى الحبس مدة ثلاثة أشهر تدخل فى نطاق ما نصت عليه المادة 251 من قانون العقوبات فى صدد العقوبة المقررة لجناية العاهة المستديمة التى أسندت إليه عند اقترانها بعذر تجاوز حق الدفاع الشرعى. لما كان ذلك، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين لذلك رفضه موضوعا.