أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثالث - السنة 13 - صـ 625

جلسة 15 من أكتوبر سنة 1962

برياسة السيد المستشار السيد أحمد عفيفى، وبحضور السادة المستشارين: عادل يونس، وتوفيق الخشن، وأديب نصر، وأحمد موافى.

(156)
الطعن رقم 1089 لسنة 32 القضائية

دفاع. مسئولية مدنية. إثبات "بوجه عام".
(أ) المتهم بالقتل الخطأ. منازعته فى ملكية المسئول عن الحقوق المدنية للسيارة التى وقع منها الحادث. لا تقبل: إذ لا صفة ولا مصلحة له فى ذلك.
(ب) مسئولية المتبوع من أعمال تابعة. مبناها: سوء اختياره لتابعه، وتقصيره فى مراقبته عند قيامه بأعمال وظيفته. لا ينفيها: أن تكون موزعة بين أكثر من متبوع عن تابع يؤدى لهم عملا مشتركا. المادة 174 مدنى.
مسئولية المتبوع عن الضرر الذى يحدثه تابعه غير المشروع. يكفى لتحققها: قيام علاقة سببية بين الخطأ ووظيفة التابع. يستوى فى ذلك: أن يكون خطأ التابع قد أمر به المتبوع، أو لم يأمر به، علم به, أو لم يعلم. ما دام أن الوظيفة هى التى مكنت التابع من ارتكاب الخطأ.
علاقة التبعية. مسألة موضوعية. يفصل فيها قاضى الموضوع بغير معقب. ما دام أنه يقيمها على عناصر تنتجها.
1- إذا كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بمسئولية المتهم عن التعويض على أساس ثبوت مقارفته الفعل الضار الناتج عن الجريمة التى دين بها وتحقق الضرر منها، فلا صفة للمتهم فيما يثيره فى خصوص إلزام المسئول عن الحقوق المدنية، ومنازعته فى ملكيته للسيارة التى وقع منها الحادث، ولا مصلحة له فى هذا الدفاع.
2- بنى الشارع حكم المادة 174 من القانون المدنى على ما يجب أن يتحمله المتبوع من ضمان سوء اختياره لتابعه عندما عهد إليه بالعمل عنده، وتقصيره فى مراقبته عند قيامه بأعمال وظيفته. ولا ينفى هذه المسئولية أن تكون موزعة بين أكثر من شخص واحد عن مستخدم يؤدى عملا مشتركا. على أنه يكفى لتحقق مسئولية المتبوع عن الضرر الذى يحدثه تابعه بعمله غير المشروع أن تكون هناك علاقة سببية قائمة بين الخطأ ووظيفة التابع، يستوى فى ذلك أن يكون خطأ التابع قد أمر به المتبوع أو لم يأمر به، علم به أو لم يعلم، ما دام التابع لم يكن يستطيع ارتكاب الخطأ لولا الوظيفة.
وعلاقة التبعية مسألة موضوعية يفصل فيها قاضى الموضوع بغير معقب طالما أنه يقيمها على عناصر تنتجها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى يوم 30/ 4/ 1961 بدائرة مركز إيتاى البارود: أولا - تسبب من غير قصد ولا تعمد فى قتل عبد العاطى على مراد وإصابة خميس عبد المجيد الشافعي ورشدي عيسوي حجاج وكان ذلك ناشئا عن إهماله وعدم احتياطه بأن قاد سيارة بحالة ينجم عنها الخطر وقادها بسرعة دون أن ينتبه للطريق فصدم سيارة كانت تقف أمامه فسقطت سيارته وسبب بذلك إحداث الإصابات المبينة بالمجنى عليهم المبينة بالتقرير الطبى والتى أودت بحياة الأول. ثانيا - قاد السيارة بحالة ينجم عنها الخطر على الأرواح والممتلكات بأن قاد بسرعة. وطلبت عقابه بالمادتين 238 و244 من قانون العقوبات، وقانون المرور. وقد ادعى ورثة المرحوم عبد العاطى على داود وهم المطعون بحق مدنى قبل المتهم وشحاته على الديب "المسئول عن الحقوق المدنية" متضامنين بمبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة إيتاى البارود الجزئية قضت حضوريا بتاريخ 31 من مايو سنة 1961 عملا بمادتى الاتهام: أولا - بحبس المتهم سنة واحدة مع الشغل وكفالة 500 قرش لإيقاف التنفيذ عن التهمتين بلا مصاريف جنائية. ثانيا - بإلزام المتهم والمسئول بالحق المدنى شحاته على الديب بأن يدفعا متضامنين مبلغ ألف جنيه لورثة المرحوم عبد العاطى على مراد المدعين بالحق المدنى والمصروفات المناسبة وأمرت بالمقاصة فى أتعاب المحاماة وشملت الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة. فاستأنف كل من المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية هذا الحكم. ومحكمة دمنهور الابتدائية قضت حضوريا بتاريخ 20 من نوفمبر سنة 1961 بقبول استئنافي المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية شكلا وفى الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنفين المصاريف المدنية الاستئنافية ومائتى قرش مقابل أتعاب المحاماة للمدعين بالحق المدنى. فطعن المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية فى هذا الحكم بطريق النقض ... الخ.


المحكمة

"أولا" تقرير الأسباب المقدم من الطاعن الأول.
من حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن، قد انطوى على إخلال بحق الدفاع وشابه قصور فى التسبيب كما أخطأ فى تطبيق القانون. وفي تفصيل ذلك يقول الطاعن إنه تمسك فى مرحلتى التقاضى بأن الحادث وقع بسبب مفاجئ خارج عن إرادته وهو ظهور سيارة أخرى أمامه فجأة، وطلب إلى المحكمة الاستئنافية دعوة المهندس الفنى للسيارات لمناقشته فى هذا الشأن، غير أن المحكمة لم تجبه إلى ما طلب بدعوى أن تقرير المهندس قد أوضح حالة كل من السيارتين بما يغنى عن مناقشته وهو ما لا يصلح ردّا. هذا إلى أن الحكم ألزمه مع متبوعه المسئول عن الحقوق المدنية "الطاعن الثانى" التعويضات على رغم ما دفعا به أمام المحكمة الاستئنافية من أن السيارة التى كان يقودها لم تكن مملوكة لأى منهما، بل هى مملوكة لآخر سمياه وكان من المتعين مساءلة هذا الأخير عن التعويض بوصفه صاحب السيارة بدلا من الطاعن الثانى.
وحيث إن الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتى القتل والإصابة الخطأ التى دين الطاعن بهما، وأورد على ثبوتهما فى حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومن المعاينة ومن تقرير المهندس الفنى للسيارات ومن الكشف الطبى، وهى أدلة سائغة تؤدى على ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض إلى دفاع الطاعن فى خصوص ما ذهب إليه من وقوع الحادث نتيجة وقوف السيارة التى كانت تتقدمه فجأة فاطرحه تأسيسا على ما ثبت له من أدلة الدعوى من خطأ الطاعن وقعوده من مفاداة السيارة التى كانت تقف أمامه فى الطريق بإقراره ولم يعول على ما أثاره الطاعن من تعلله بكسر "أكس" السيارة التى كان يقودها وهو على مبعدة خمسين مترا من مكان وقوف السيارة الأمامية، واعتمد الحكم فى ذلك على ما حصله من تقرير المهندس الفنى من "أن السيارتين كانتا بحالة جيدة وقد توافرت لهما شروط الأمن والمتانة مما ينفى هذا الزعم كما ينفيه ما قرره رشدي العيسوي حجاج الذى كان يركب مع المتهم "الطاعن" من أنه لم يلاحظ حصول كسر بالأكس وأن السيارة كانت تسير سيرها الطبيعى حتى وقع الاصطدام. "ورد الحكم على ما طلبه الطاعن من دعوة المهندس الفنى للسيارات بعدم جدوى هذا الطلب وأنه معطل لسير الدعوى بغير مبرر إذ أن التقرير من الوضوح بحيث لا ترى المحكمة حاجة إلي أى إيضاح، فضلا عن أن المتهم "الطاعن" على ما بدا من رغبته فى إعلان المهندس الفنى يهدف إلى سؤاله عما إذا كان قد حصل الحادث بسبب مفاجئ أم لا وهو لا يبرر استدعاء ذلك المهندس الذى أوضح بتقريره حالة كل من السيارتين وضوحا تاما". ولما كان يبين مما تقدم أن المحكمة إذ أطرحت طلب الطاعن قد أسست رفضها على ما استبان لها من تقرير المهندس الفنى الذى اطمأنت إليه وعلى عناصر الدعوى الأخرى التى رجعت إليها فى تكوين عقيدتها، فلا تثريب عليها إن هى رفضت دعوته لمناقشته بعد أن وضحت لها الدعوى. ذلك بأنه ليس في القانون ما يحتم دعوة الخبير لمناقشته متى رأت المحكمة للأسباب السائغة التى أوردتها أنها فى غنى عن رأيه. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أسس قضاءه بمسئولية الطاعن عن التعويض على أساس ثبوت مقارفته الفعل الضار الناتج من الجريمة التى دين الطاعن بها وتحقق الضرر منها، فلا صفة لهذا الأخير فيما أثاره فى خصوص إلزام المسئول عن الحقوق المدنية ومنازعته فى ملكيته للسيارة التى وقع منها الحادث ولا مصلحة له فى هذا الدفاع. لما كان ما تقدم، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه لا يكون سديدا ويتعين رفضه موضوعا وإلزامه المصاريف المدنية.
ثانيا - تقرير الأسباب المقدم من الطاعن الثانى.
من حيث إن مبنى أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه مشوب بالخطأ فى تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع والقصور فى التسبيب، ذلك بأن الطاعن تمسك بأنه ليس مالكا للسيارة التى كان يقودها الطاعن الأول والتى تسببت فى الحادث وأصر على أنها مملوكة لآخر سماه غير أن الحكم التفت عن هذا الدفاع بقوله إنه يفتقر إلى الدليل، وعول على أقوال الطاعن الأول من أنه يعمل لديه سائقا على تلك السيارة المملوكة له. واستطرد الحكم إلى القول بأن مناط المسئولية هو علاقة التبعية ورتب عليها تضامنه مع تابعه فى الالتزام بالتعويض. وما ذهب إليه الحكم من ذلك - على ما يقول الطاعن - يجافى الصواب، إذ أن مناط المسئولية فى حوادث السيارات هو ملكية المسئول عن الحقوق المدنية للسيارة التى وقع منها الحادث لا علاقة التبعية التى لا صحة لما قرره الطاعن عنها فى محضر التحقيق. وما كان للمحكمة أن تركن فى إثبات ملكية الطاعن للسيارة على أقوال قائدها أو غيره، بل كان من المتعين عليها أن تعتمد فى ذلك على ملف السيارة بقلم المرور. هذا إلى أن المحكمة قد أهدرت دفاع الطاعن الأول فى شأن دعوة المهندس الفنى لمناقشته فيما أثاره فى خصوص نشوء الحادث من سبب مفاجئ، وكان من المتعين إجابته لقصور التقرير عن ايضاح هذه الواقعة. ويضيف الطاعن أنه دلل على ثبوت عدم ملكيته للسيارة بمستند الشحن المقدم من مندوب شركة النقل فى التحقيق الذى تضمن اسم مالك السيارة والتفت الحكم عن دلالة هذا المستند مما يعيبه ما بما يبطله ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض لما أثاره الطاعن فى صدد نفيه ملكيته للسيارة موضوع الحادث فقال "وحيث إنه بالنسبة للمسئول عن الحقوق المدنية (الطاعن) فقد انصب دفاعه على أنه ليس مالكا للسيارة وأنها ملك زكى حسين الجريدلى، وهو دفاع فضلا عن افتقاره إلى الدليل فإن الثابت من أقوال المتهم من بداية التحقيق أن السيارة سيارة المسئول عن الحقوق المدنية وأنه يعمل سائقا طرفه على تلك السيارة والرخصة المنصرفة إليه مدرج بها ذلك وليس فى أقوال المتهم من هذه الناحية ما يناقضه، فضلا عما ثبت بالمحضر المؤرخ 3/ 5/ 1960 من حضور محمود على محفوظ تابع هذه السيارة طالبا حراستها موفدا من صاحب السيارة الحاج شحاته على الديب "الطاعن" لحراسة الأجولة التى بها. ومع كل فإن المسئولية مناطها مسئولية التابع من أعمال متبوعة "كذا" التى وقعت منه وما دام أن السائق المتهم اعترف بأنه يعمل طرف المسئول عن الحقوق المدنية فتكون مسئوليتهما عن التعويض متضامنة ..." وما خلص إليه الحكم فيما تقدم من مسئولية المتبوع عن عمل تابعه - وهو ما يقصده الحكم - صحيح فى القانون، ذلك بأن الشارع قد بنى حكم المادة 174 من القانون المدنى على ما يجب أن يتحمله المتبوع من ضمان سوء إختياره لتابعه عندما عهد إليه بالعمل عنده وتقصيره فى مراقبته عند قيامه بأعمال وظيفته، ولا ينفى هذه المسئولية أن تكون موزعة بين أكثر من شخص واحد عن مستخدم يؤدى عملا مشتركا - لو أن ثمت مسئولا آخر - على أنه يكفى لتحقق مسئولية المتبوع عن الضرر الذى يحدثه تابعه بعمله غير المشروع أن تكون هناك علاقة سببية قائمة بين الخطأ ووظيفة التابع يستوى فى ذلك أن يكون خطأ التابع قد أمر به المتبوع أو لم يأمر به، علم به أو لم يعلم، يستوى كل ذلك ما دام التابع لم يكن يستطيع إرتكاب الخطأ لولا الوظيفة، وهو ما لم يخطئ الحكم فى تقديره. لما كان ذلك، وكانت علاقة التبعية مسألة موضوعية يفصل فيها قاضى الموضوع بغير معقب طالما أنه يقيمها على عناصر تنتجها، وكان ما يثيره الطاعن فى خصوص ملكية السيارة محل الحادث ينحل إلى جدل موضوعى فى سلطة المحكمة فى وزن عناصر الدعوى وأدلتها وفى تكوين عقيدتها فيها، فلا وجه لمصادرتها فى ذلك. هذا فضلا عن أنه لا جدوى للطاعن من هذه المجادلة بعد إذ أثبت الحكم قيام علاقة التبعية ورتب عليها مساءلة الطاعن عن أعمال تابعه غير المشروعة. أما ما ينعاه الطاعن على الحكم فى خصوص التفاته عن تحقيق دفاع الطاعن الأول بدعوة المهندس الفنى للسيارات لمناقشته فقد سبق الرد على هذا النعى عند بحث أوجه الطعن المقدمة من الطاعن الأول. لما كان ما تقدم، فإن ما يثيره الطاعن يكون فى غير محله ويتعين رفضه موضوعا وإلزامه المصاريف المدنية ومصادرة الكفالة عملا بالمادة 36 من القانون 57 لسنة 1959 فى شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.