أحكام النقض -المكتب الفني - جنائى
العدد الثالث - السنة 13 - صـ 753

جلسة 20 من نوفمبر سنة 1962

برياسة السيد/ محمد متولى عتلم نائب رئيس المحكمة, وبحضور السادة المستشارين: عادل يونس، وتوفيق الخشن، وحسين السركى، وأحمد موافى.

(185)
الطعن رقم 1129 لسنة 32 القضائية

نقض "إجراءاته". محاماة. إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. ما لا يعيبه".
(أ) الطعن بالنقض من المتهم ومن المدعى بالحقوق المدنية. توقيع محام واحد على تقريرى الأسباب. تلك مخالفة مهنية من المحامى لا تجرد هذا العمل الإجرائى من اثاره القانونية، ولا تنال من صحة تقرير الأسباب.
(ب) إصابة بعض المجنى عليهم فى غير مقتل. الاستدلال على قيام النية لدى الجانى على قتلهم من إزهاقه روح من توفى من المصابين. ذلك يجافى الفهم القانونى الصحيح. علة ذلك: نية القتل يضمرها الجانى ويتعين على القاضى أن يستظهرها.
التزيد بهذا التقرير القانونى الخاطئ. لا يضير الحكم: إذا كان قد أورد الأدلة والمظاهر التى تدل على نية القتل وتكشف عنها فى مجموع ما قاله فى مدوناته عن تلك النية وعن سبق الإصرار، وما حصله من التقارير الطبية.
مسئولية مدنية. حكم "تسبيبه. ما يعيبه". نقض "حالاته".
(ج، د) مسئولية المتبوع عن الضرر الذى يحدثه تابعه بعمله غير المشروع. قيامها على خطأ مفترض فى جانب المتبوع لا يقبل إثبات العكس. متى تتحقق؟ كلما كان فعل التابع قد وقع منه أثناء تأدية الوظيفة، أو كلما استغل وظيفته أو ساعدته هذه الوظيفة على إتيان الفعل الضار غير المشروع، أو هيأت له بأية طريقة كانت فرصة ارتكابه. يستوى فى ذلك: ارتكاب الفعل لمصلحة المتبوع، أو عن باعث شخصى متصل أو غير متصل بالوظيفه. المادة 174/ 1 مدنى.
إلتفات الحكم عن دلالة استعمال السلاح الحكومى المسلم إلى المتهم فى ارتكاب الفعل الضار الذى دين به، ومدى ما هيأته له الوظيفة واستغلال شئونها فى مقارفة ذلك الفعل. قصور يعيب الحكم، ويستوجب نقضه فيما قضى به فى الدعوى المدنية.
1- إذا كان يبين من الإطلاع على الأوراق أن المحامى الموقع على تقرير الاسباب المقدم من المحكوم عليه "الطاعن الأول" هو بذاته الذى وقع على تقرير الأسباب المقدم من المدعى بالحقوق المدنية "الطاعن الثانى" الأمر الذى يمتنع عليه طبقا للمادة 35 من القانون رقم 96 لسنة 1957 بالمحاماة أمام المحاكم، إلا أن هذه المخالفة المهنية لا تستتبع تجريد العمل الاجرائى الذى قام به من آثاره القانونية، وبالتالى لا تنال من صحة تقرير الأسباب المثبت للاجراء المذكور الذى تم وفقا للأوضاع التى تطلبها القانون، ومن ثم فلا يضار أى الطاعنين بتلك المخالفة.
2- لا يقدح فى سلامة الحكم ما استطرد إليه من قول وهو فى معرض التدليل على نية القتل من أنه "وإن كانت إصابات بعض المصابين لم تكن فى مقتل فإن هذا لا ينفى قيام نية القتل التى ظهر أثرها فى إزهاق روح من توفى من المصابين"، ذلك بأن هذا التقرير، وإن كان مجافيا للفهم القانونى الصحيح لاستدلاله على قيام نية القتل من إزهاق روح من توفى من المصابين وهى النتيجة التى يضمرها الجانى ويتعين على القاضى أن يستظهرها، إلا أن هذا التقرير القانونى الخاطئ لا يضير الحكم ولا يعدو أن يكون تزيدا منه لا يعيبه بعد أن أورد الأدلة والمظاهر التى تدل على نية القتل وتكشف عنها فى مجموع ما قاله فى مدوناته عن تلك النية وعن سبق الإصرار وما حصله من التقارير الطبية الشرعية.
3- من المقرر أن القانون المدنى إذ نص فى المادة 174/ 1 منه على أن المتبوع يكون مسئولا عن الضرر الذى يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعا منه حال تأدية وظيفته أو بسببها، قد أقام هذه المسئولية على خطأ مفترض فى جانب المتبوع فرضا لا يقبل إثبات العكس مرجعه إلى سوء اختياره تابعه وتقصيره فى رقابته. وإذ حدد القانون نطاق هذه المسئولية بأن يكون الفعل الضار غير المشروع واقعا من التابع حال تأدية وظيفته أو بسببها، لم يقصد أن تكون المسئولية مقصورة على خطأ التابع وهو يؤدى عملا داخلا فى طبيعة وظيفته ويمارس شأنا من شئونها، أو أن تكون الوظيفة هى السبب المباشر لهذا الخطأ، أو أن تكون ضرورية لإمكان وقوعه، بل تتحقق المسئولية أيضا كلما كان فعل التابع قد وقع منه أثناء تأدية الوظيفة، أو كلما استغل وظيفته أو ساعدته هذه الوظيفة على اتيان الفعل الضار غير المشروع، أو هيأت له بأية طريقة كانت فرصة ارتكابه، سواء ارتكب التابع فعله لمصلحة المتبوع أو عن باعث شخصى، وسواء كان الباعث الذى دفعه إليه متصلا بالوظيفة أو لا علاقة له بها، إذ تقوم مسئولية المتبوع فى هذه الأحوال على أساس استغلال التابع لوظيفته واساءته استعمال الشئون التى عهد المتبوع إليه بها متكفلا بما افترضه القانون فى حقه من ضمان سوء اختياره لتابعه وتقصيره فى مراقبته.
4- التفات الحكم عن دلالة استعمال البندقية الحكومية المسلمة إلى المتهم فى ارتكاب الفعل الضار الذى دين به ومدى ما هيأته له الوظيفة واستغلال شئونها فى مقارفة ذلك الفعل، يجعله مشوبا بالقصور الذى يعيبه ويعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم، ومن ثم يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضا جزئيا فيما قضى به من رفض الدعوى المدنية قبل المسئولين عن الحقوق المدنية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنهم فى يوم 24 مارس سنة 1951 بدائرة مركز شربين مديرية الغربية: الثلاثة الأول "ومنهم الطاعن الأول" - أولا - قتلوا عمدا ومع سبق الإصرار أحمد ابراهيم العربى وحسن موسى المنير بأن عقدوا النية على قتلهما وأعدوا لذلك أسلحة نارية وأطلقوا منها أعيرة عليهما قاصدين من ذلك قتلهما فأحدثوا بهما الاصابات الموصوفة بالتقارير الطبية والتى أودت بحياتهما، وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هى أن المتهمين فى الزمان والمكان سالفى الذكر شرعوا فى قتل كل من محمد أحمد العربى والسيد موسى المنير وعبد المنعم على عبد المنعم وعلى الحسينى سليمان والسيد ابراهيم الفار وابراهيم محمد قتاية عمدا مع سبق الاصرار بأن أطلقوا عليهم أعيرة نارية وضربوا محمد أحمد العربى على رأسه بمؤخرة البندقية قاصدين من ذلك قتلهم فأحدثوا بهم الاصابات المبينة بالتقارير الطبية، ولم تتم الجريمة لسبب لا دخل لارادتهم فيه وهو مداركة المجنى عليهم بالعلاج. وثانيا - شرعوا فى قتل الدابة الموضحة بالمحضر والمملوكة للسعيد يونس بغير مقتض بأن أطلقوا عليها النار فأصيبت بالاصابات الموضحة بالتقرير الطبى البيطرى، ولم تتم الجريمة لسبب لا دخل لارادتهم فيه وهو إسعافها بالعلاج. والمتهم الرابع - أحرز سلاحا ناريا "بندقية مششخنة" فى غير الأحوال المصرح بها قانونا. وطلبت من غرفة الاتهام إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 230 و231 و234 بالنسبة للثلاثة الأول و1 و5 و9/ 3 و12 و15 و16 من القانون رقم 58 لسنة 1949 للرابع. فقررت الغرفة ذلك. وقد ادعى كل من سيد موسى المنير ومحمد أحمد العربى بحق مدنى قدره قرشا واحدا على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهمين بالتضامن مع وزارة الداخلية والمسئول عن الحقوق المدنية السيد/ عبد العزيز البدراوى. ومحكمة جنايات دمياط قضت بتاريخ 25 مارس سنة 1961 حضوريا للأول "الطاعن الأول" وغيابيا للباقين عملا بالمواد 230 و231 و45 و46 و355/ 1 و17 و32 من قانون العقوبات بالنسبة للمتم الأول والمواد 1 و5 و9/ 3 و12 و15 و16 من القانون رقم 58 لسنة 1949 والمادة 17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الرابع: أولا - بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة وإلزامه بأن يدفع للمدعيين بالحق المدنى مبلغ قرش واحد على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف المدنية و500 قرش أتعاب للمحاماة ورفض الدعوى المدنية قبل عبد العزيز البدراوى ووزارة الداخلية. وثانيا - ببراءة المتهمين الثانى والثالث مما أسند إليهما ورفض الدعوى المدنية قبلهما. وثالثا - بمعاقبة المتهم الرابع بالسجن لمدة ثلاث سنوات ومصادرة السلاح المضبوط. فطعن المحكوم عليه الأول فى هذا الحكم بطريق النقض، كما طعن فيه أيضا سيد موسى المنير المدعى بالحقوق المدنية... الخ.


المحكمة

من حيث إنه وإن كان يبين من الاطلاع على الأوراق أن المحامى الموقع على تقرير الأسباب المقدم من المحكوم عليه (الطاعن الأول) هو بذاته الذى وقع على تقرير الأسباب المقدم من المدعى بالحقوق المدنية (الطاعن الثانى) الأمر الذى يمتنع عليه طبقا للمادة 35 من القانون رقم 96 لسنة 1957 بالمحاماة أمام المحاكم، إلا أن هذه المخالفة المهنية لا تستتبع تجريد العمل الإجرائي الذى قام به من آثاره القانونية وبالتالى لا تنال من صحة تقرير الأسباب المثبت للإجراء المذكور الذى ثم وفقا للأوضاع التى تطلبها القانون، ومن ثم فلا يضار أى من الطاعنين بتلك المخالفة.
أولا: تقرير الأسباب المقدم من الطاعن الأول "المحكوم عليه".
من حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر فى القانون.
وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجناية القتل العمد مع سبق الاصرار المقترن بجناية الشروع فى القتل وبجريمة الشروع فى قتل دابة بدون مقتض، قد شابه قصور فى التسبيب وفساد فى الاستدلال كما انطوى على خطأ فى الإسناد. وفى تفصيل ذلك يقول الطاعن إن الحكم لم ينسب إليه فعلا ماديا معينا بل عده فى القليل ضمن المعتدين وأنه كان ممسكا بندقية يطلق منها الأعيرة النارية على الأهلين، وأسس قضاءه بذلك على أن جميع الشهود الذين سئلوا بالتحقيقات وبالجلسة - فيما عدا ثلاثة منهم سماهم - شهدوا بتلك الواقعة، وأن الذين لم يذكروا اسم الطاعن لم تكن أقوالهم نافية لاشتراكه فى الحادث وإنما مردها عدم تحققهم منه أو جهلهم به، وفات الحكم ذكر أسماء جميع الشهود الذين سئلوا فى التحقيقات وبالجلسة أو مؤدى أقوالهم مما يصمه بالقصور. فضلا عن أن حامد عوض خلف قد شهد بالجلسة بأنه لم ير الطاعن يطلق النار على أحد أو أنه كان ممسكا بندقية كما أن المجنى عليه على الحسينى سليمان لم يشهد بالواقعة المذكورة بل إنه لم يتهم أحدا بارتكابها ونفى أنه سمع بأن الطاعن كان موجودا ساعة إطلاق الأعيرة النارية. وكذلك الحال بالنسبة إلى المصاب منصور رفعت الشبراوى، فإن أقواله فى التحقيقات خلت من إدلائه بأسماء مطلقى النار عليه أو سماعه بأسمائهم. كما أن أقوال محمد أبو العينين الوشنى فى التحقيق - كما حصلها الحكم - لا يفيد رؤيته الطاعن وهو يطلق النار، بل إن مؤداها أنه حضر إلى مكان الحادث بعد وقوعه وكان الطاعن ومن معه على بعد كيلو منه. كذلك فات الحكم من أن بين من ذكروا اسم الطاعن فى التحقيقات كل من على عبد المنعم وصابر محمد موسى وعبد العليم اسماعيل حسن وقد قرر هؤلاء أنهم لا يعرفونه ولا يمكنهم التعرف عليه، وقرر الأخير أنه لا يعرف مطلقى النار. وما انتهى إليه الحكم من أن أقوال محمد أحمد العربى اتفقت فى التحقيق مع أقواله بالجلسة غير سديد، إذ أن أقواله في كل من هاتين المرحلتين تختلف عن بعضها البعض, ومؤدى أقواله أنه لم ير واقعة إصابة والده القتيل وأنه كان بعيدا عن مكان إصابته وأن الطاعن لم يتصل به أو يضربه "بدبشك" البندقية، كما قال الحكم، بل إن إصابته جاءت من طلق نارى من مجهول. وبذلك يبطل استدلال الحكم فيما استظهره من أقوال الشهود وما نسبه إليهم - باستثناء من سماهم - من إجماع على أن الطاعن كان يحمل سلاحا يطلقه على الأهالى. هذا فضلا عن أن ما أسنده الحكم إلى عمدة البلدة من أنه سأل المصابين فأخبروه بأن الطاعن هو الذى كان يطلق النار لا مأخذ له من أقواله فى التحقيقات إذ نفى فيها أنه سأل أحدا من المصابين. كما أن استدلال الحكم على ثبوت التهمة فى حق الطاعن من أقوال الشهود على زعم أنها مؤيدة بالتقارير الطبية الشرعية غير سديد، إذ أشار الدفاع إلى أوجه الخلاف بين مؤدى الدليلين القولى والفنى فى خصوص إصابتى حسن موسى المنير والسيد المنير وعدد الأعيرة التى أطلقت على كل منهما ومستواها، ولم يشر الحكم إلى هذا الدفاع الجوهرى أو يرد عليه بما يرفع ذلك التناقض، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بالشروع فى القتل العمد والشروع فى قتل دابة بدون مقتض التى دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة مستمدة من أوراق الدعوى ومن أقوال شهود الإثبات وعمدة كفر الوسطانى ومن التقارير الطبية الشرعية، وهى أدلة مردودة إلى أصلها فى الأوراق ومن شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم بعد إذ حصل أقوال الشهود الذين اعتمد عليهم فى الإدانة فى التحقيقات وبالجلسة خلص إلى أن مؤدى أقوالهم كما أوردها على الوجه المثبت به، أنهم - فيمن عدا ثلاثة منهم سماهم - قد شهدوا بأن الطاعن كان فى القليل ضمن المعتدين وأنه كان ممسكا بندقية يطلق منها الأعيرة على الأهلين وأن الشهود الذين لم يذكروا اسمه لم تكن أقوالهم نافية لإشتراكه فى الحادث وإنما مردها هو عدم تحققهم منه أو جهلهم به، وانتهى الحكم إلى أنه ثبت له على وجه اليقين اشتراك الطاعن فى الإعتداء على الصورة التى أوردها الشهود المشار إليهم فى أسبابه ومما ورد بالتقارير الطبية الشرعية. ثم عرض الحكم إلى نية القتل وسبق الإصرار عليه فاستظهر توافرهما فى حق الطاعن من إستعماله أسلحة نارية "انفيلد" وإطلاقها على مسافات قريبة فأودت بحياة اثنين من المجنى عليهم تنفيذا للنية التى بيتها بسبب الحفيظة التى يحملها الطاعن وأنصاره نحو أهل بلدة المجنى عليهم وسهرهم الليل متوعدين باهلاك البلدة واطلاق النار على الأهالى إذا لم يخل سبيل المتهم الرابع فى الدعوى استصحابهم سيارة مملوءة بالذخيرة. لما كان ذلك، وكان ما انتهى إليه الحكم فيما تقدم سائغا وتتوافر به نية القتل وسبق الإصرار عليه كما هما معرفان به فى القانون، ولا يقدح فى سلامة الحكم ما استطرد إليه من قول وهو فى معرض التدليل على نية القتل من أنه "وإن كانت إصابات بعض المصابين لم تكن فى مقتل فإن هذا لا ينفى قيام نية القتل التى ظهر أثرها فى إزهاق روح من توفى من المصابين". ذلك بأن هذا التقرير، وإن كان مجافيا للفهم القانونى الصحيح لإستدلاله على قيام نية القتل من ازهاق روح من توفى من المصابين وهى النتيجة التى يضمرها الجانى ويتعين على القاضى أن يستظهرها، إلا أن هذا التقرير القانونى الخاطئ لا يضير الحكم ولا يعدو أن يكون تزيدا منه لا يعيبه بعد أن أورد الأدلة والمظاهر التى تدل على نية القتل وتكشف عنها فى مجموع ما قاله فى مدوناته عن تلك النية وعن سبق الإصرار وما حصله من التقارير الطبية الشرعية. لما كان ذلك، وكان يبين من المفردات التى أمرت المحكمة بضمها تحقيقا لأوجه الطعن أن ما حصله الحكم من أقوال شهود الإثبات الذين أعتمد عليهم فى الإدانة له مأخذه من أقوالهم فى التحقيقات وفى محاضر جلسات المحاكمة بالنسبة لمن شهد منهم فيها ولا يقدح فى سلامة الحكم أن يكون لأحد الشهود قول بمرحلة التحقيق يختلف عن قوله بمرحلة المحاكمة أو أن يشهد شهود آخرون غير من استند إليهم الحكم بأنهم لم يروا الطاعن أو أنهم لا يعرفونه، ذلك بأنه من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعتمد على أقوال الشهود فى أية مرحلة من مراحل الدعوى وأن تطرح ما عداها، كما أن لها أن تورد فى حكمها من عناصر الدعوى ما يكفى لتبرير اقتناعها بالإدانة وما دامت قد اطمأنت إلى هذه الأدلة واعتمدت عليها فى تكوين عقيدتها فإن إغفالها ما لم تورده من عناصر أخرى يعتبر اطراحا لها - لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد فى بيان كاف ما قارفه الطاعن وأثبت عليه إصراره السابق على الجريمة ووجوده مع فريقه على مسرحها وقت مقارفتها واتحاد نيتهم على تحقيق النتيجة التى وقعت واتجاه نشاطها الإجرامى إلى ذلك، فإن هذا وحده يكفى لتضامنه فى المسئولية الجنائية اعتباره فاعلا أصليا فى الجرائم التى دين بها، وكان من سلطة قاضى الموضوع أن تجزئ الدليل فيلتفت عن التفاصيل التى لا تمس جوهره، فلا يضيره أن يغفل إيراد ما ذكره المجنى عليهما فى خصوص موقف الضارب وعدد الأعيرة التى أطلقت على كل منهما طالما أنه استخلص الإدانة بما لا تناقض فيه، ومن ثم فلا وجه لما ينعاه الطاعن على الحكم فى خصوص تعارض الدليلين القولى والفنى فى هذا الشأن، كما أنه لا محل لما يثيره الطاعن من قالة القصور فى الرد على ما أثاره من ذلك إذ الرد مستفاد دلالة من إطراح الحكم لأقوال الشهود المقول بتعارضها مع التقرير الطبى الشرعى، ولا يقبل من الطاعن معاودة الجدل فى هذا الخصوص لتعلق الأمر بسلطة محكمة الموضوع فى وزن أدلة الدعوى وتقديرها بما لا معقب عليها فيه. لما كان ما تقدم، فإن ما يثيره الطاعن فى أوجه طعنه يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.
ثانيا: تقرير الأسباب المقدم من المدعى بالحقوق المدنية" سيد موسى المنير".
من حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر فى القانون.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بإدانة المتهم (الطاعن الأول) وبإلزامه التعويض دون متبوعيه "المسئولين عن الحقوق المدنية" قد أخطأ فى تطبيق القانون وشابه قصور فى التسبيب، ذلك بأنه أسس قضاءه برفض الدعوى المدنية قبل المسئولين عنها على أن ما أتاه الطاعن الأول بوصفه وكيل شيخ خفراء ومن كان معه من المتهمين لم يكن لحساب المسئولين عن الحقوق المدنية أو لصالح أحدهما، كما أنه لم يكن فى أثناء أداء عمله المنوط به أو بسببه وإنما كان لتحقيق أغراض وشفاء أحقاد خاصة. وما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من ذلك خاطئ فى القانون إذ أن ما حصل من الطاعن الأول قد وقع فى إبان خدمته وبالسلاح المسلم إليه من وزارة الداخلية بحكم وظيفته فاستغل بذلك شئون وظيفته وساعدته على إتيان فعله الضار غير المشروع وهيأت له الفرصة لارتكابه مما تقوم معه مسئولية المتبوع عما وقع من تابعه , بغض النظر عما إذا كان التابع قد ارتكب الفعل الضار لمصلحة خاصة أو لمصلحة المخدوم وسواء تعلقت البواعث التى دفعت إليه بالوظيفة أو لم تتعلق.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حين عرض إلى مسئولية المسئولية عن الحقوق المدنية قال: "ومن حيث إن المدعين قد أسسوا مساءلة عبد العزيز البدراوى ووزارة الداخلية على ما قالوه من قيام علاقة التبعية بين المتهمين وبينهما، ومن حيث إنه مهما يكن وجه الرأى فى قيام تلك التبعية فإن ما أتاه المتهم الأول (الطاعن الأول) ومن كان معه لم يكن لحساب أى من عبد العزيز البدراوى ووزارة الداخلية أو لصالح أحدهما، كما أنه لم يكن فى أثناء أداء عملهما المنوط به أو بسببه وإنما كان لتحقيق أغراض وشهوات وشفاء أحقاد خاصة". وخلص إلى القضاء بمبلغ التعويض المؤقت المطالب به قبل الطاعن الأول - وكيل شيخ الخفراء - وحده ورفض الدعوى المدنية قبل كل من عبد العزيز البدراوى ووزارة الداخلية. لما كان ذلك، وكان يبين من مدونات الحكم أنه إذ عرض للآلة التى استعملت فى الحادث أشار إلى أنها "بندقية من طراز حكومي" واستند إلى ما جاء بالتقرير الطبى الشرعى عن نتيجة فحص إحراز البنادق المضبوطة ومن بينها البندقية التى ضبطت لدى الطاعن الأول وهى من طراز "لى انفيلد" العهدة الأميرية المسلمة إليه من المركز بصفته وكيل شيخ خفراء وذلك على ما يبين من المفردات - من أنه يجوز حدوث إصابات المصابين جميعا من مثل البنادق الأنفيلد المضبوطة والتى لا يمكن معرفة أيها التى أحدثت الاصابات كما أنها تحدث من مثل مقذوفات تلك البنادق التى أطلقت فى وقت لا يمكن تحديده وقد يتفق وتاريخ الحادث، ثم جزم الحكم - وهو فى معرض التدليل على نية القتل وسبق الاصرار فى حق الطاعن الأول - باستعمال الأسلحة النارية الانفيلد التى ورد ذكرها بالتقرير الطبى الشرعى، وكان الحكم إذ رفض الدعوى المدنية قبل المطعون ضدهما - متبوعى الطاعن الأول - لم يعرض لمدى ما هيأته الوظيفة لهذا الأخير من استعمال السلاح المسلم إليه بسببها فى ارتكاب الفعل الضار الذى دين به، وكان من المقرر أن القانون المدنى إذ نص فى المادة 174/ 1 منه على أن "يكون المتبوع مسئولا عن الضرر الذى يحدثه تابعه بعمله غير المشروع، متى كان واقعا منه فى حال تأدية وظيفته أو بسببها"، وقد أقام هذه المسئولية على خطأ مفترض فى جانب المتبوع فرضا لا يقبل اثبات العكس مرجعه إلى سوء اختياره لتابعه وتقصيره فى رقابته. والقانون إذ حدد نطاق هذه المسئولية بأن يكون العمل الضار غير المشروع واقعا من التابع "حال تأدية وظيفته أو بسببها"، لم يقصد أن تكون المسئولية مقصورة على خطأ التابع وهو يؤدى عملا داخلا فى طبيعة وظيفته ويمارس شأنا من شئونها، أو أن تكون الوظيفة هى السبب المباشر لهذا الخطأ وأن تكون ضرورية لامكان وقوعه، بل تتحقق المسئولية أيضا كلما كان فعل التابع قد وقع منه أثناء تأدية الوظيفة، أو كلما استغل وظيفته أو ساعدته هذه الوظيفة على اتيان الفعل الضار غير المشروع، أو هيأت له بأية طريقة كانت فرصة ارتكابه، سواء ارتكب التابع فعله لمصلحة المتبوع أو عن باعث شخصى، وسواء كان الباعث الذى دفعه إليه متصلا بالوظيفة أو لا علاقة له بها، إذ تقوم مسئولية المتبوع فى هذه الأحوال على أساس استغلال التابع لوظيفته وإساءته استعمال الشئون التى عهد المتبوع إليه بها متكفلا بما افترضه القانون فى حقه من ضمان سوء اختياره لتابعه وتقصيره فى مراقبته. وهذا النظر الذى استقر عليه قضاء محكمة النقض فى ظل القانون المدنى القديم قد اعتنقه الشارع ولم ير أن يحيد عنه كما دلت عليه الأعمال التحضيرية لتقنين المادة 174 من القانون المدنى. لما كان ما تقدم، فإن الحكم إذ التفت عن دلالة استعمال البندقية الحكومية المسلمة إلى الطاعن الأول فى ارتكاب الفعل الضار الذى دين به ومدى ما هيأته له الوظيفة واستغلال شئونها فى مقارفة ذلك الفعل، يكون مشوبا بالقصور الذى يعيبه ويعجز هذه المحكمة عن مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم، ومن ثم يتعين قبول الطعن بالنسبة إلى الطاعن ونقض الحكم المطعون فيه نقضا جزئيا فيما قضى به من رفض الدعوى المدنية قبل المسئولين عن الحقوق المدنية وإلزامهما المصروفات.