أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثالث - السنة 13 - صـ 672

جلسة 23 من أكتوبر سنة 1962

برياسة السيد المستشار السيد أحمد عفيفى، وبحضور السادة المستشارين: محمود حلمي خاطر، وعبد الحليم البيطاش، وأديب نصر، ومختار رضوان.

(166)
الطعن رقم 304 لسنة 32 القضائية

حكم "بياناته. ما لا يبطله. تسبيبه". إثبات "بوجه عام".
(أ) بيانات الحكم. لم يشترط القانون إثباتها فى مكان معين منه. ورودها فى ديباجته. لا يبطل الحكم. القول باشتراط إيرادها فى الجزء المحرر بعد كلمة "المحكمة" وليس فى الجزء السابق عليها. لا سند له من القانون.
(ب) أدلة الدعوى. حرية القاضى فى تقديرها لتكوين عقيدته. ولو ترتب على حكمه قيام تناقض بينه وبين حكم سابق أصدرته هيئة أخرى على متهم آخر فى ذات الواقعة.
1- إذا كان الحكم المطعون فيه قد أوضح فى ديباجته جميع البيانات الخاصة بسماع أمر الإحالة وطلبات النيابة والمدعى المدنى وأقوال المتهمين وشهادة الشهود والمرافعة والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا، وكان القانون لم يشترط إثبات هذه البيانات فى مكان معين من الحكم، فإن ما ينعاه الطاعن من اشتراط إيراد تلك البيانات فى الجزء المحرر بعد كلمة "المحكمة" لا فى الجزء السابق عليها هو شرط لا سند له من القانون.
2- من المقرر أن القاضى وهو يحاكم متهما يجب أن يكون مطلق الحرية فى هذه المحاكمة، غير مقيد بشئ مما تضمنه حكم صادر من ذات الواقعة على متهم آخر، ولا مبال بأن يكون من وراء قضائه على مقتضى العقيدة التى تكونت لديه قيام تناقض بين حكمه والحكم السابق صدوره على مقتضى العقيدة التى تكونت لدى القاضى الآخر.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر بأنهم فى ليلة 5/ 10/ 1957 بدائرة مركز ساقلته مديرية سوهاج: المتهم الأول "الطاعن الأول" قتل عمدا حمزة عبد الله مهران، واشترك معه المتهمان الثانى "الطاعن الثانى" والثالث فى ارتكاب هذه الجناية التى اقترنت بجناية أخرى تنطبق عليها المادة 316 عقوبات، وذلك بأن اتفق ثلاثتهم على سرقة ملابس المجنى عليه وقصدوا إلى داره يحمل كل منهم سلاحا ظاهرا "بندقية" وأخذوا فى إخراج الملابس من ثقب أحدثوه بجدار الدار وقد تصدى لهم المجنى عليه وطاردهم وهم يحملون المسروقات فأطلق عليه أولهم عيارا ناريا من بندقية قاصدا قتله فأحدث به الإصابة المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته، ثم اضطر المتهمون إلى التخلى عن المسروقات والفرار وكان القتل نتيجة محتملة لاتفاقهم على السرقة. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهم على محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 234/ 2 ، 40/ 2 و43 و45 و46 و316 عقوبات. فقررت الغرفة ذلك. ومحكمة جنايات سوهاج سمعت الدعوى وقضت فيها بتاريخ 16/ 4/ 1958 حضوريا للأول والثانى "الطاعنين" وغيابيا للثالث بمعاقبة المتهمين الثلاثة بالأشغال الشاقة المؤبدة وأعفتهم من المصروفات الجنائية. وأعيدت الإجراءات للمتهم الغائب وقضى بتاريخ 20 يناير سنة 1959 حضوريا ببراءته. فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنهما برقم 1315 سنة 29 قضائية. وقضى فيه بجلسة أول مارس سنة 1960 بقبوله شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات سوهاج للفصل فيها مجددا من دائرة أخرى. وفى أثناء نظر الدعوى للمرة الثانية إدعى محمد حمزة ابن المجنى عليه بحق مدنى قبل المتهمين متضامنين بمبلغ مائة جنيه. وبعد أن أتمت المحكمة نظرها قضت فيها حضوريا بتاريخ 24 ديسمبر سنة 1960 عملا المواد 234/ 1 - 2 و43 و45 و46 و313 و17 من قانون العقوبات - أولا - برفض الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية وبقبولها. ثانيا - بمعاقبة كل من المتهمين "الطاعنين" بالأشغال الشاقة المؤبدة بلا مصروفات جنائية. ثالثا - بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعى بالحق المدنى مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض والمصاريف المدنية ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم للمرة الثانية بطريق النقض ولم يقدم الطاعن الثانى أسبابا لطعنه ... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن الثانى وإن قرر بالطعن فى الحكم فى الميعاد إلا أنه لم يقدم أسبابا لطعنه فيكون طعنه غير مقبول شكلا.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الأول قد استوفى الشكل المقرر فى القانون.
وحيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن المقدم من الطاعن الأول هو بطلان الحكم ذلك أن الجزء المحرر بعد كلمة المحكمة جاء خلوا من البيانات الواجب ذكرها فيه وهى سماع أمر الإحالة وطلبات النيابة والمدعى المدنى وأقوال المتهمين وشهادة من شهد والمرافعة والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أوضح فى ديباجته واشتمل على جميع البيانات التى يقول الطاعن إنه جاء خلوا منها، وكان القانون لم يشترط إثبات هذه البيانات فى مكان معين من الحكم , فإن ما ينعاه الطاعن من اشتراط إيراد تلك البيانات في الجزء المحرر بعد كلمته "المحكمة" لا فى الجزء السابق عليها هو شرط لا سند له فى القانون ومن ثم فإن هذا الوجه من الطعن يكون على غير أساس.
وحيث إن محصل الوجه الثانى هو الفساد فى الاستدلال والتناقض فى التسبيب، ذلك أن دفاع المتهمين بنى على أن وقت الحادث كان ظلاما تستحيل فيه الرؤية فردت المحكمة على هذا الدفاع ردا فاسدا، فضلا عن أنه يتناقض مع الأسباب التى أقامت عليها المحكمة - بهيئة أخرى - قضاءها ببراءة متهم ثالث هو - أحمد عثمان محمود - مستندة فيها إلى عدم إمكان الرؤية بسبب الظلام.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض لدفاع الطاعن بشأن استحالة الرؤية بسبب الظلام وأثبت سهولة الرؤية ووضوحها فى قوله "إن الحادث بدأ فى الساعة الخامسة صباحا كما قرر الشهود ولا شك أنه وقت تسهل فيه رؤية الأشخاص ومعرفتهم، وقد استمر الحادث وقتا من الزمن، وهو وقت مطاردة المتهمين وإطلاق المتهم الأول العيار النارى الذى أصاب المجنى عليه، وهذه الفترة كشفت بشكل أوضح وأجلى عن أشخاص المتهمين المطاردين لأنها كانت تسبق شروق الشمس بوقت لا يزيد عن نصف ساعة الأمر الذى يؤكد صحة أقوال المجنى عليه والشهود عندما ذكروا أسماء المتهمين وعندما عينوا المتهم الأول بأنه هو الذى أطلق العيار النارى على المجنى عليه". ثم ناقش الحكم زمن الحادث وساعة الفجر وساعة الشروق وسهولة الرؤية ووضوحها فى قوله" ومن حيث إن الثابت من حكم محكمة النقض أنه فى يوم الحادث - وهو 5 من أكتوبر سنة 1957 الموافق 11 من ربيع الأول سنة 1377 - كان موعد الفجر الساعة 4 والدقيقة 23 صباحا وموعد شروق الشمس فى الساعة 5 والدقيقة 50 صباحا، أى أن الفارق الزمنى بين الفجر والشروق هو ساعة وسبعة وعشرون دقيقة ولكن الثابت من بلاغ الحادث أنه أبلغ إلى المركز فى الساعة السادسة وعشرين دقيقة من صباح يوم الحادث، وقد ذكر نائب العمدة فى إشارة الحادث أنه تلقى البلاغ من محمد عبد الله وهران حوالى الساعة 5 و45 دقيقة صباحا ولا نزاع فى أن الحادث قد وقع قبل ذلك مباشرة - فإذا ذكر الشهود بأن الشهود كان بين الساعة الخامسة والخامسة والنصف صباحا يكون قولهم صدقا وحقا، وفى هذا الوقت تكون الرؤية سهلة يسيرة خصوصا لشخص عرف اللص من قبل وتتبعه وطارده، وفى خلال الزمن من الساعة الخامسة حتى الخامسة والنصف صباحا يكون الضوء قد تجلى فى الوضوح رويدا رويدا مما يقطع بصحة أقوال المجنى عليه والشهود - وأن ما قرره المجنى عليه وشاهداه دليل ما بعده دليل على إمكان الرؤية وصحة الشهادة ...". لما كان ما تقدم، فإنه لا سبيل إلى مصادرة المحكمة فى اعتقادها ما دامت قد بنت اقتناعها على أسباب سائغة - لما كان ذلك، وكان لا وجه لقالة التناقض التى آثارها الطاعن مستندا فيها إلى الحكم الصادر ببراءة متهم آخر فى نفس الدعوى فإن الأمر يتعلق بتقدير الدليل، ولا يتعدى أثره شخص المحكوم لصالحه. ذلك بأنه من المقرر أن القاضى وهو يحاكم متهما يجب أن يكون مطلق الحرية فى هذه المحاكمة غير مقيد بشئ مما تضمنه حكم صادر فى ذات الواقعة على متهم آخر، ولا مبال بأن يكون من وراء قضائه على مقتضى العقيدة التى تكونت لديه قيام تناقض بين حكمه والحكم السابق صدوره على مقتضى العقيدة التى تكونت لدى القاضى الآخر - لما كان ذلك، فإن هذا الوجه من النعى يكون على غير أساس ويكون الطعن برمته فى غير محله متعين الرفض موضوعا.