أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثالث - السنة 13 - صـ 677

جلسة 29 من أكتوبر سنة 1962

برياسة السيد المستشار عادل يونس، وبحضور السادة المستشارين: توفيق الخشن، وأديب نصر، وحسين السركى، وأحمد موافى.

(167)
الطعن رقم 1134 لسنة 32 القضائية

قصد جنائى. مواد مخدرة. حكم "تسبيبه". إثبات "قرائن".
القصد الجنائى. فى جريمة إحراز المخدر. يجب لتوافره: أن يقوم الدليل على علم الجانى بأن ما يحرزه جوهر مخدر.
مجرد وجود المخدر فى حيازة شخص. لا يكفى لاعتباره عالما بكنه الجوهر المخدر. القول بغير ذلك: فيه إنشاء لقرينة قانونية - لا سند لها فى القانون - مبناها افتراض العلم من واقع الحيازة.
من المقرر أن القصد الجنائى فى جريمة إحراز المخدر لا يتوافر من مجرد تحقيق الحيازة المادية، بل يجب أن يقوم الدليل على علم الجانى بأن ما يحرزه هو جوهر من الجواهر المخدرة المحظور إحرازها قانونا، ولا حرج على القاضى فى استظهار هذا العلم من ظروف الدعوى وملابساتها - على أى نحو يراه - وإذ كان لطاعن قد دفع بأن المضبوطات دست عليه وأنه لا يعلم حقيقة الجواهر المضبوطة، فإنه كل من المتعين على الحكم، وقد رأى إدانته، أن يبين ما يبرر اقتناعه بعلم الطاعن بأن ما يحرزه من الجواهر المخدرة. أما قوله بأن مجرد وجود المخدر فى حيازة الشخص كاف لاعتباره محرزا له وأن عبء إثبات عدم علمه بكنه الجوهر المخدر إنما يقع على كاهله هو، فلا سند له من القانون. إذ أن القول بذلك فيه إنشاء لقرينة قانونية مبناها افتراض العلم بالجوهر المخدر من واقع حيازته، وهو ما لا يمكن إقراره قانونا ما دام القصد الجنائى من أركان الجريمة، ويجب أن يكون ثبوته فعليا لا افتراضا. ولما كان مؤدى ما أورده الحكم لا يتوافر به قيام العلم لدى الطاعن، ولا يشفع فى ذلك استطراده إلى التدليل على قصد الاتجار لأن البحث فى توافر القصد الخاص؛ وهو قصد الاتجار، يفترض ثبوت توافر القصد العام بداءة ذى بدء وهو ما قصر الحكم فى استظهاره وأخطأه فى التدليل عليه، لما كان ذلك، فإن الحكم يكون معيبا ويتعين نقضه والإحالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى يوم 28 يونيه سنة 1960 بدائرة مركز أبو حماد مديرية الشرقية: أحرز جواهر مخدرة "حشيشا وأفيونا" فى غير الأحوال المصرح بها قانونا. وطلبت من غرفة الإتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 1 و2 و33/ أ - ج و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والبندين 1 و12 من الجدول رقم 1 المرافق. فقررت الغرفة ذلك. ومحكمة جنايات الزقازيق قضت حضوريا بتاريخ 21/ 1/ 1961 عملا بالمواد 21 و34/ 1 و42 من القانون رقم 182 سنة 1960 والبندين 1 و12 من الجدول رقم 1 المرافق، باعتباره القانون الأصلح للمتهم عملا بالمادة 5/ 2 من قانون العقوبات: بمعاقبة المتهم "الطاعن" بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وتغريمه ثلاثة آلاف جنيه ومصادرة المضبوطات وأعفته من المصاريف. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ... الخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه انه - إذ دانه بجريمة إحراز المخدر بقصد الاتجار - قد شابه القصور كما أخطأ فى تطبيق القانون، ذلك أنه جعل من مجرد وجود المخدر فى مكان هو حيازة الطاعن قرينة على إحرازه إياه وعليه هو أن يدفع هذه القرينة بعدم العلم، وألقى بعبء إثبات ذلك على كاهله.
وحيث إن المطعون فيه حصل واقعة الدعوى فى قوله "إن الملازم أول السيد/ فتحى السيد أحمد الديب ضابط مباحث مركز أبو حماد حرر محضرا مؤرخا 27/ 9/ 1960 بأن تحرياته السرية دلته على أن ابراهيم محمد سليمان اعرابى من القطاوية (الطاعن) يحرز أسلحة وذخائر بدون ترخيص، ولما عرض المحضر على النيابة أصدرت فى نفس اليوم الساعة 11.25 مساء إذنا للسيد ضابط مباحث المركز بتفتيش شخص ومسكن المتهم لضبط ما يحرزه من أسلحة وذخيرة غير مرخصة. وتنفيذا لذلك ذهب الضابط صحبة رجل المباحث محمد حسين عرفه إلى منزل المتهم فبلغاه الساعة الرابعة من صباح يوم 28/ 6/ 1960. وفى الحجرة التى إلى يمين الداخل وجد المخبر، وتحت بصر واشراف الضابط ، وفى قاع سلة كانت على الأرض وتحوى بعض الملابس حقيبة من القماش استحس بداخلها صوت ارتطام معادن، فناولها للسيد الضابط على اعتقاد أنها ذخيرة فوجد بداخلها ميزانا صغيرا بكفتين ملوثتين بالأفيون وسنجة زنة 6 دراهم وشفرة حلاقة بحد واحد وكيسين بأحدهما قطعة حشيش زنتها صافيا 40 جراما وبالآخر لفافة من السلوفان بها أفيون وزنتها قائما 95 جراما" وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة فى حق الطاعن أدلة مستمدة من أقوال الضابط ورجل المباحث ومن محضر المعاينة والتقرير الطبى الشرعى. ثم عرض للرد على ما دفع به الطاعن من انعدام القصد الجنائى العام لديه فقال - "ومن حيث إنه عمل ذهب إليه المتهم (الطاعن) من أنه ما كان يعلم بوجود المخدر لديه فى منزله وأن النيابة هى الملزمة بإقامة الدليل على ذلك - هذا الدفاع مردود بما هو مستقر عليه من أنه يكفى إثبات وجود المخدر فى مكان هو فى حيازة شخص ما حتى يعتبر هذا الشخص محرزا له بحيث أن من وجد فى متجره حشيش يعتبر محرزا له لمجرد وجوده في دكانه ,أما إقامة الدليل بعد هذا الوجود على علم المتهم نفسه بأن الحشيش موجود عنده فتكليف بالمستحيل, إنما للمتهم بعد ثبوت إحرازه بهذه القرينة أن يدفعها بعدم العلم بوجود الحشيش عنده ويقيم هو الدليل على ذلك". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القصد الجنائى فى جريمة إحراز المخدر لا يتوافر من مجرد تحقق الحيازة المادية بل يجب أن يقوم الدليل على علم الجانى بأن ما يحرزه هو جوهر من الجواهر المخدرة المحظور إحرازها قانونا ولا حرج على القاضى فى استظهار هذا العلم من ظروف الدعوى وملابساتها - على أى نحو يراه طالما أنه يتضح من مدوناته توافره توافرا فعليا. وإذ كان الطاعن قد دفع بأن المضبوطات دست عليه وانه لا يعلم حقيقة الجواهر المضبوطة، فانه كان من المتعين على الحكم - وقد رأى إدانته - أن يبين ما يبرر اقتناعه بعلم الطاعن بأن ما يحرزه من الجواهر المخدرة، أما قوله بأن مجرد وجود المخدر فى حيازة الشخص كاف لإعتباره محرزا له وأن عبء إثبات عدم علمه بكنه الجوهر المخدر إنما يقع علي كاهله هو فلا سند له من القانون إذ أن القول بذلك فيه إنشاء لقرينة قانونية مبناها إفتراض العلم بالجوهر المخدر من واقع حيازته وهو ما لا يمكن إقراره قانونا ما دام القصد الجنائى من أركان الجريمة ويجب أن يكون ثبوته فعليا لا افتراضا - لما كان ذلك، وكان مؤدى ما أورده الحكم لا يتوافر به قيام العلم لدى الطاعن ولا يشفع فى ذلك ما استطرد إليه الحكم فى صدد التدليل على قصد الاتجار لدى الطاعن من قوله "ومن حيث إنه عن قصد المتهم (الطاعن) من احراز المخدر فلا شك أنه للاتجار فيه، لما شهد به ضابط المباحث من أنه على بينة من اتجار المتهم فيه ولتعدد نوع ما ضبط لدى المتهم من مخدر من الحشيش والأفيون وبضبط ميزان صغير وسنجة وشفرة حلاقة لديه وهى عدة وقوام من يتجرون فى المخدرات" ذلك بأن البحث فى توافر القصد الخاص وهو قصد الاتجار فى المخدر يفترض ثبوت توافر القصد العام بداءة ذى بدء وهو ما قصر الحكم فى استظهاره وأخطأ فى التدليل عليه لما ساقه من تقريرات قانونية خاطئة. لما كان ذلك، فان ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه يكون سديدا ويتعين لذلك نقض الحكم والإحالة.