أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثالث - السنة 13 - صـ 775

جلسة 26 من نوفمبر سنة 1962

برياسة السيد المستشار السيد أحمد عفيفى, وبحضور السادة المستشارين: عادل يونس، وتوفيق الخشن، وأديب نصر، وحسين السركى.

(189)
الطعن رقم 1904 لسنة 32 القضائية

عاهة مستديمة. خبرة. حكم "تسبيبه. ما لا يعيبه". إثبات "خبرة".
(أ) العاهة المستديمة بالعين. يكفى لتوفرها: أن تكون العين سليمة قبل الإصابة، وأن تكون قد أصيبت بضعف يستحيل برؤه. تحديد قوة الابصار قبل الاصابة: لا يلزم.
(ب) ندب الطبيب الشرعى خبيرا فى الدعوى. استعانته بتقرير طبيب أخصائى، وإبداؤه الرأى على ضوء ذلك التقرير. استناد الحكم إلى رأى الطبيب الشرعى المؤسس على تقرير الطبيب الإخصائى الذى لم يحلف اليمين. لا يعيب الحكم.
1- يكفى لتوافر العامة المستديمة - كما هى معرفة به قانونا - أن تكون العين سليمة قبل الإصابة، وأن تكون قد أصيبت بضعف يستحيل برؤه حتى ولو لم يتيسر تحديد قوة الإبصار قبل الإصابة. فإذا كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أثبت ما تضمنه التقرير الطبى بما مفاده أن الطاعن الأول قد أصيب بتمدد فى حدقة العين اليسرى نتيجة المصادمة بجسم صلب راض، وأنه شفى من إصابته وتخلف لديه منها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هى ضعف قوة إبصار تلك العين بما يقدر بحوالى 10% مما مؤداه أن العين كانت مبصرة قبل الإصابة وأن قوة إبصارها ضعفت على أثرها - لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن على الحكم فى هذا الخصوص يكون على غير أساس.
2- للطبيب المعين فى التحقيق أن يستعين فى تكوين رأيه بمن يرى الاستعانة بهم على القيام بمأموريته. فإذا كان الطبيب الشرعى الذى ندب فى الدعوى قد استعان بتقرير طبيب أخصائى ثم أقر رأيه وتبناه، وأبدى رأيه فى الحادث على ضوئه، فليس يعيب الحكم الذى يستند إلى هذا التقرير الذى وضعه الطبيب الشرعى كون الطبيب الإخصائى لم يحلف اليمين.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما فى يوم 11 من يناير سنة 1960 بدائرة مركز دسوق مديرية كفر الشيخ: المتهم الأول - ضرب فؤاد على الدناصورى عمدا بعصا على رأسه فأحدث به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته. والمتهم الثانى - ضرب المتهم الأول عمدا بعصا على عينه اليسرى فأحدث به الإصابة الموصوفة بتقرير الطب الشرعى والتى نشأت عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها وهى ضعف فى قوة ابصار هذه العين بنسبة 10%. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 236/ 1 و240/ 2 و242/ 1 من قانون العقوبات. فقررت الغرفة ذلك. وقد ادعى على على خير الدين الدناصورى بحق مدنى قبل المتهم الأول بمبلغ قرش واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات كفر الشيخ قضت حضوريا بتاريخ 18 يناير سنة 1961 عملا بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات للأول والمادة 240/ 1 من القانون المذكور للثانى: أولا - بمعاقبة المتهم الأول "الطاعن الأول" بالسجن لمدة خمس سنوات وبإلزامه بأن يدفع للمدعى بالحق المدنى قرشا واحدا على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المدنية. وثانيا - بمعاقبة المتهم الثانى "الطاعن الثانى" بالسجن لمدة ثلاث سنوات. فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض. ولم يقدم الطاعن الأول أسبابا لطعنه... الخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن الأول وإن قرر بالطعن فى الحكم فى الميعاد إلا أنه لم يقدم أسبابا لطعنه فيكون طعنه غير مقبول شكلا.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الثانى قد استوفى الشكل المقرر فى القانون.
وحيث إن مبنى طعنه هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمة الضرب العمد الذى أحدث عاهة مستديمة قد انطوى على خطأ فى الإسناد وقصور فى التسبيب وإخلال بحق الدفاع وفساد فى الاستدلال وخطأ فى تطبيق القانون. ذلك أنه حصل واقعة الدعوى بأن الطاعن الثانى هو الذى أحدث إصابة الطاعن الأول وأن الطاعن الأول هو الذى أحدث إصابة المتوفى عقب انتهاء المشاجرة مستندا فى ذلك إلى أقوال شاهد الإثبات سعد كامل أبو بريكه، بتحقيق النيابة وأمام المحكمة، مع أن هذا الشاهد لم يحدد الوقت الذى اعتدى فيه هذا الطاعن على الطاعن الأول. وواقع الحال أن كلا من الطاعن والمتوفى توجها لمكان الحادث بعد أن تشتت شمل المتشاجرين فانبرى لهما الطاعن الأول ووكز المتوفى فقضى عليه فأوجد بذلك حالة خطر حملت الطاعن على دفعه بضربه الطاعن الأول. ولو كان الحكم قد حصل واقعة الدعوى على هذه الصورة الصحيحة لاستبان له توفر حق الدفاع الشرعى للطاعن. كما أن المدافع عن هذا الطاعن نفى وجوده بمكان المشاجرة إبان وقوعها، واشهد على ذلك شهود الطاعن الأول فأيدوه، ورغم ذلك دانه الحكم دون أن يرد على هذا الدفاع. كذلك أخذ الحكم فى ثبوت تخلف العاهة بعين المجنى عليه بالتقرير الطبى الذى افترض أن قوة إبصار العين اليسرى قبل الإصابة كانت تماثل قوة إبصار العين اليمنى دون أن يكون له سند فى ذلك، إذ أنه ليس من اللازم أن تتماثل قوة إبصار العينين، فضلا عن أن هذا التقرير قد صدر عن أخصائي فى الرمد لم يؤد اليمين القانونية قبل أداء مأموريته.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فى قوله. "إنه فى حوالى الساعة الثانية والنصف من بعد منتصف ظهر يوم الحادث نزلت ماشية عبد الرحمن الدهمه أحد أفراد عائلة الدهمه فى زراعة سعد كامل أبو بريكه أحد أفراد عائلة أبو بريكه وقامت بسبب ذلك مشاجرة بين هاتين العائلتين تبودل فيها الاعتداء وأصيب فيها بعض أفراد الفريقين بإصابات مختلفة تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوما. وحدث فى أثناء المشاجرة أن اعتدى المتهم الثانى "الطاعن الثانى" بالضرب على المتهم الأول "الطاعن الأول" بأن ضربه بعصا على عينه اليسرى فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبى الشرعى والتى تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هى ضعف فى قوة إبصار تلك العين بما يقدر بحوالى 10%. ولما تناهى نبأ المشاجرة إلى سمع المجنى عليه فؤاد على الدناصورى هرع إلى مكانها للمساهمة فى فضها فقابله المتهم الأول (الطاعن الأول) وضربه بعصا كانت معه على رأسه ضربة واحدة فأحدث به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته، وكانت المشاجرة قد انقضت وحيل بين المتشاجرين. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استند فى تحصيل الواقعة على النحو السالف إلى أقوال شهود الإثبات والتقارير الطبية، وكان لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر فى الدعوى، وكان لها أن تأخذ بأقوال الشاهد فى أى مرحلة من مراحل التحقيق، وكان ما أورده الحكم عن شهادة سعد كامل هو ما حصله من مجموع أقواله بالتحقيقات وبالجلسة. وإذ كان الطاعن لا ينازع فى أن ما لم يرد على لسان الشاهد بالجلسة كان له أصله الوارد بتحقيقات النيابة، فلا شئ يعيب الحكم من هذه الناحية. ولما كان قيام حق الدفاع الشرعى هو من الأمور الموضوعية التى تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها بغير معقب ما دام تقديرها يكون سائغا، وكانت الوقائع كما أوردها الحكم لا ترشح لقيام هذه الحالة بل تنفيها، فانه لا وجه لإثارة هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة بأن تتبع الدفاع فى كل شبهة يثيرها وأن ترد عليه، بل يكفى أن يكون ردها على الدفاع الموضوعي مستفادا من الأخذ بأدلة الثبوت التى أوردتها. ولما كان يكفى لتوافر العاهة المستديمة كما هى معرفة به قانونا أن تكون العين سليمة قبل الإصابة وأن تكون قد أصيبت بضعف يستحيل برؤه حتى ولو لم يتيسر تحديد قوة الابصار قبل الإصابة، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أثبت ما تضمنه التقرير الطبى المتوقع على المصاب (الطاعن الأول) بما مفاده أنه أصيب بتمدد فى حدقة العين اليسرى نتيجة المصادمة بجسم صلب راض، وأنه شفى من إصابته وتخلف لديه عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هى ضعف قوة إبصار تلك العين بما يقدر بحوالى 10% مما مؤداه أن العين كانت مبصرة قبل الإصابة وأن قوة إبصارها ضعفت على أثرها - لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن على الحكم فى هذا الخصوص يكون على غير أساس سليم. لما كان كل ذلك، وكان للطبيب المعين فى التحقيق أن يستعين فى تكوين رأيه بمن يرى الاستعانة بهم على القيام بمأموريته فإذا كان الطبيب الشرعى الذى ندب فى الدعوى قد استعان بتقرير طبيب أخصائى ثم أقر رأيه وتبناه وأبدى رأيه فى الحادث على ضوئه فليس يعيب الحكم الذى يستند إلى هذا التقرير الذى وضعه الطبيب الشرعى كون الطبيب الاخصائى لم يحلف اليمين، ومن ثم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.