أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثالث - السنة 13 - صـ 815

جلسة 3 من ديسمبر سنة 1962

برياسة السيد/ محمد متولي عتلم نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: عادل يونس، وتوفيق الخشن، وأديب نصر، وحسين السركى.

(197)
الطعن رقم 2674 لسنة 32 القضائية

أمر حفظ. أمر بألا وجه. تحقيق. دفاع. محاكمة "إجراءاتها". حكم "تسبيب غير معيب".
(أ) الأمر الصادر من النيابة بحفظ الشكوى إداريا. ليس ملزما لها، ويجوز الرجوع فيه بلا قيد ولا شرط. علة ذلك.
الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى. لا يمنع من العودة إلى التحقيق، إذا ظهرت أدلة جديدة، قبل سقوط الدعوى. ما دام المحقق لم يلتق بالدليل الجديد قبل التقرير بألا وجه. المواد 197 و209 و213 أ. ج.
(ب) طلب ضم شكوى. إستجابة المحكمة إلى هذا الطلب، وتأجيلها الدعوى مرارا لضم الشكوى. تعذر تنفيذ قرار المحكمة بسبب إرسال الشكوى للمستغنى لمضى المدة القانونية طبقا للائحة الحفظ بالمحاكم. ليس ثمت ما يلزم المحكمة بتتبع الشكوى أكثر من ذلك. ولا يعد إخلالا بحق الدفاع علة ذلك: إرسال الأوراق إلى المستشفى معناه إعدامها.
الحكم فى الدعوى مع التعرض لما تغياه المتهم من طلب ضم الشكوى بما يفنده. لا يعيب الحكم.
1- الأصل أن الأمر الصادر من النيابة بحفظ الشكوى إداريا الذى لم يسبقه تحقيق قضائى لا يكون ملزما لها، بل إن لها حق الرجوع في بلا قيد ولا شرط بالنظر إلى طبيعته الإدارية، كما أن المادة 213 إجراءات قد جرى نصها على أن الأمر الصادر من النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى وفقا للمادة 209 - أى بعد التحقيق - لا يمنع من العودة إلى التحقيق إذ ظهرت أدلة جديدة طبقا للمادة 197 - وذلك قبل انتهاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية. كما أن قوام الدليل الجديد هو أن يلتقى به المحقق لأول مرة بعد التقرير فى الدعوى بألا وجه لإقامتها.
2- إذا كان الثابت بمحاضر جلسات المحاكمة أن المحكمة لم تدخر وسعا فى إجابة الطاعن إلى ما طلبه من ضم شكوى وتعذر ذلك عليها بسبب إرسال الشكوى للمستغنى لمضى المدة القانونية عليها طبقا للائحة الحفظ بالمحاكم. وقد عرض الحكم إلى ما تغياه الطاعن من هذا الضم ففنده، فإن ما يثيره الطاعن من نعى على المحكمة قد أخلت بحقه فى الدفاع إذا لم تتبع هذه الشكوى لاعتقاده بأن الشكاوى ترسل بعد التحقيق إلى "الدفترخانة" لحفظها، نعى فى غير محله. ذلك أن المعنى الواضح من إرسال الأوراق إلى المستغنى طبقا للائحة محفوظات وزارة العدل هو إعدامها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنهم فى يوم 13/ 2/ 1955 بدائرة بندر أسيوط محافظتها: المتهمون الثلاثة - اشتركوا مع آخر مجهول بطريقي التحريض والاتفاق فيما بينهم وبطريق المساعدة مع موظف عمومى حسن النية هو الموثق محمد طاهر أبو المعالى فى إرتكاب تزوير فى ورقتين أميريتين هما دفتر التصديق على التوقيعات بمحضر التصديق رقم 587 سنة 1955 والإقرار الموثق المؤرخ 13/ 2/ 1955، وذلك بجعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة فى علمهم بتزويرها وانتحال شخصية الغير ووضع بصمة وختم مزورتين بأن اتفقوا معا وحرضوا المتهم المجهول على أن ينتحل اسم أبوزيد أحمد نصير فتقدم إلى الموثق منتحلا ذلك الإسم وأقر بتصريحه للمتهم الأول بصرف مبلغ 792 جنيها و570 مليما مودع على ذمته فى خزينة محكمة أبو تيج تحت شرط رهن فسخ عقد الرهن ووضع يده على الأرض المرهونة، فأثبت الموثق ذلك وبصم المتهم بإبهامه وبختم مزور باسم أبو زيد أحمد نصير ووقع المتهمان الثانى والثالث بصفتهما شاهدين تأييدا لتلك الواقعة المزورة، فوقعت الجريمة بناء على هذا الإتفاق والتحريض وتلك المساعدة. والمتهم الأول أيضا: 1- إستعمل المحرر الرسمى المزور سالف الذكر مع علمه بتزويره بأن قدمه إلى محكمة أبو تيج ليصرف بموجبه مبلغ 792 جنيها و570 مليما مودعا بخزينة المحكمة. 2ـ توصل بطريق الإحتيال إلى الاستيلاء على مبلغ 792 جنيها و570 مليما الذى أودعه أبوزيد أحمد نصير خزينة محكمة أوب تيج لذمته نظير فسخ عقد رهن أطيان بينهما، بأن تقدم إلى خزينة المحكمة بذلك الإقرار المزور سالف الذكر وتمكن بهذه الوسيلة من الاحتيال من الإستيلاء على المبلغ . 3 - إرتكب تزويرا فى محرر عرفى هو الإقرار المؤرخ 18/ 2/ 1955 المنسوب صدوره إلى أبو زيد أحمد نصير، بأن وضع عليه بصمة إبهام مزورة نسبها إليه. 4 - إستعمل المحرر العرفى المزور سالف الذكر مع علمه بتزويره، بأن قدمه إلى نيابة بندر أسيوط للتدليل به على صحة المحرر الرسمى المزور سالف الإشارة إليه. وطلبت النيابة من غرفة الإتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم طبقا للمواد 40 و41 و211 و212 و214 و215 و225 و336 من قانون العقوبات. فقررت الغرفة ذلك. وقد ادعى أبو زيد أحمد نصير بحق مدنى قبل المتهم الأول بمبلغ قرش واحد على سبيل التعويض المؤقت ثم عدل طلبه إلى 1500 جنيه. وأثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنايات أسيوط دفع المتهمون بعدم قبول الدعوى الجنائية لسابقة الفصل فيها من النيابة العامة فى الشكوى 1469 سنة 1955 إدارى أسيوط. ومحكمة الجنايات قضت حضوريا بتاريخ 21 ديسمبر سنة 1961 عملا بالمواد 40 و41 و211 و212 و214 و215 و225 و336 و32 و55 و56 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 من نفس القانون بالنسبة إلى المتهم الأول "الطاعن" أولا - بمعاقبة المتهم الأول بالحبس مع الشغل لمدة سنة وأمرت بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات وبإلزامه بأن يدفع للمدعى بالحقوق المدنية مبلغ 900 جنيه والمصروفات المناسبة ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. وردت على الدفع قائلة إنه لا يقوم على أساس سليم من القانون متعين الرفض. ثانيا - ببراءة المتهمين الثانى والثالث مما أسند إليهما. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن قد أخطأ فى تطبيق القانون وشابه قصور فى التسبيب وفساد فى الاستدلال كما أخطأ فى الاسناد وانطوى على إخلال بحق الدفاع. وفى تفصيل ذلك يقول الطاعن إنه دفع بعدم قبول الدعوى الجنائية لسبق تحقيقها بمعرفة النيابة العامة وقيدها برقم 1469 سنة 1955 إدارى قسم ثان أسيوط وحفظها إداريا وتمسك بضمها، ورد الحكم بأن هذه الشكوى لا تعدو أن تكون مجرد استدلالات أعقبها أمر من النيابة العامة بحفظ الأوراق إداريا بوصفها سلطة اتهام ولم تكن تحقيقا قضائيا ومن ثم فهو لا يقيدها فى إعادة تحريك الدعوى بعد ذلك، وأنه بفرض أن النيابة هى التى أجرت التحقيق قبل الأمر بحفظ الدعوى فإن من حقها أن تعود إلى رفع الدعوى الجنائية إذا ظهرت أدلة جديدة، وهو ما تكشف لها من سؤال الشهود الذين لم يسبق سؤالهم ومن تقرير الخبير عن مضاهاة البصمات والأختام المطعون عليها بالتزوير. وما ذهب إليه الحكم من ذلك أساسه فروض واستنتاجات مرجعها الظن، إذ أن أوراق الشكوى لم تكن تحت بصر المحكمة بسبب إرسالها للمستغنى. فضلا عن أن الحكم قد نسب إلى المتهم الثانى فى الدعوى أنه قرر بمحضر جلسة المحاكمة أنه سئل لأول مرة عند تحقيق الجناية المطروحة ولم يسأل قبل ذلك فى تحقيق آخر، فى حين أن الثابت بمحضر الجلسة أنه أقر لدى استجوابه بمعرفة المحكمة أنه سبق أن سئل بمعرفة "الصول يس" بعد عام 1955 بفترة بسيطة وذلك ردا على سؤال المحكمة إياه عما إذا كان قد سئل قبل تحقيقات هذه الدعوى، ولما كان هذا الصول من مأمورى الضبط القضائى وقد باشر التحقيق بانتداب من النيابة فكان من المتعين على الحكم أن يقيم الدليل على أنه لم يكن مكلفا بالتحقيق من النيابة وهو ما لم يدلل عليه الحكم. هذا إلى أن مجرد إرسال الشكوى إلى المستغنى لا يفيد إعدامها فكان من المتعين على المحكمة تكليف النيابة بتعقب الشكوى والتحقق من مصيرها أما وأنها لم تفعل، فتكون قد أهدرت دفاعا جوهريا للطاعن. كما أسس الحكم التعويض الذى قضى بإلزام الطاعن به علي أن من بين عناصره مبلغ 792 جنيها و570 مليما صرفه الطاعن من خزينة المحكمة بدون وجه حق، فى حين أن الطاعن كان قد قدم عقد صلح مؤرخا 31/ 10/ 1951 - وهو تاريخ لا حق لتاريخ إيداع المبلغ المذكور فى عام 1949 - وموقعا عليه من المدعى بالحقوق المدنية يتضمن فسخ عقد الرهن وأحقية الطاعن فى صرف مبلغ 605 ج و 500 م من المبلغ المودع خزينة المحكمة على ذمة الرهن، كما يتضمن تبادل الطرفين أطيانا زراعية. واستند الحكم فى الالتفات عن دلالة هذا العقد إلى مجرد زعم المجنى عليه أن هذا الصلح لم ينفذ وهو قول يجافى التطبيق الصحيح للقانون، إذ أنه يهدر محضر الصلح بما ترتب عليه من التزام واستقرار مراكز قانونية وكان من المتعين على الحكم ألا يركن لزعم المجنى عليه وحده دون تحقيق صحة هذا الزعم والتدليل على فسخ عقد الصلح رضاء أو قضاء. هذا فضلا عن أن الحكم قد أغفل شهادة شهود النفى الذين أشهدهم الطاعن على نفاذ عقد الصلح وجاء تبرير الحكم لإطراح شهادتهم غير سائغ. وذهب الحكم إلى أن الطاعن لم يقدم أى دليل على فسخ الرهن وهو قول غير سديد، إذ أن الطاعن قدم سند التصالح الذى أقر المجنى عليه بصحة توقيعه عليه وأصر الطاعن على أنه قدم هذا المستند فى أوراق الشكوى الادارية التى حفظت وقدم معه أصل محضر العرض وقسيمة الإيداع وهو ما يؤيد دفاعه، إذ أن أصل إنذار العرض وقسيمته تكون أصلا بيد العارض أى المودع وهو المجنى عليه ووجودهما فى يد الطاعن دليل على أنه تسلمها من المدعى المدنى نفاذ للصلح الحاصل فى 31/ 10/ 1951، إذ لم يدع هذا الأخير فقد السندين منه ولم يعلل سبب وصولهما إلى يد الطاعن. وأخيرا فإن الحكم لم يدلل على توافر القصد الخاص فى جريمة التزوير التى دان الطاعن بها وخاصة أنه دفع بانعدام مصلحته فى التزوير مع قيام الصلح مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين الواقعة بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجرائم الاشتراك فى تزوير المحررات الرسمية والعرفية واستعمالها والنصب التى دين الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة مستمدة من أقوال المجنى عليه - المدعى بالحقوق المدنية - والموثق والمتهمين الثانى والثالث فى الدعوى ومن تقريرى قسم بحوث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعى والمضاهاة بمصلحة تحقيق الشخصية ومن اعتراف الطاعن بصرف المبلغ المودع خزانة محكمة أبو تيج، وهى أدلة تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض إلى ما أثاره الطاعن من دفع بعدم قبول الدعوى الجنائية لسابقة الفصل فيها من النيابة العامة فى الشكوى رقم 1469 سنة 1955 إدارى أسيوط - التى طلب ضمها - فأطرحه بما مؤداه أنه ثبت لدى المحكمة أن هذه الشكوى سبق قيدها برقم شكوى إدارية ولم تكشف التحقيقات التى أجرتها المحكمة عما تم بشأنها لتعذر ضمها بسبب إرسالها للمستغنى. وقد أكد المجنى عليه والمتهمان الثانى والثالث والموثق الذى أجرى توثيق الاقرار المطعون عليه بالتزوير أمام المحكمة أنهم لم يسألوا فى تحقيق أجرته النيابة العامة خلاف التحقيق الذى انتهى بإحالة الدعوى المطروحة عليها، وخلص الحكم من ذلك إلى أن أقصى ما يمكن استنباطه أن استدلالا قامت به الشرطة أعقبه صدور أمر بحفظ الأوراق من النيابة العامة فى الشكوى سالفة الذكر مما يعتبر منها أمرا إداريا بصفتها سلطة اتهام بعدم الرغبة فى السير فى إجراءات الدعوى وهو ما لا يقيدها فيما بعد، إذا أجرت تحقيقا، فى أن ترفع الدعوى الجنائية بناء على ما تكشف لها من التحقيق الذى أجرته من الأدلة والبينات والقرائن الأمر الذى وقع فى هذه الدعوى إذ أجرت تحقيقا كشف عن وجود التزوير فى الإقرارين الرسمى والعرفى. ولم يلق الحكم بالا إلى ما ارتكن عليه الدفاع عن الطاعن من إقرار المدعى بالحقوق المدنية فى المحضر الذى حررته شرطة الغنايم فى 9/ 2/ 1957 من أنه تقدم بشكوى سابقة من مدة وثبت جزء من التزوير الذى أجراه المشكو فى حقهم وقامت النيابة بإعادة التحقيق فى هذا الموضوع؛ وأنه سئل شخصيا بنيابة صدفا ولا يعلم ما تم فى الأوراق. واستند الحكم فى الالتفات عن هذا القول إلى ما قرره المدعى بالحقوق المدنية أمام المحكمة من أنه لم يسأل فى تحقيق سابق بمعرفة النيابة وأن التحقيق السابق تم فى النقطة. ثم استطرد الحكم إلى القول بأنه "مع الافتراض جدلا بحصول تحقيق سابق لم تر معه النيابة العامة أن تسير فيه وتسأل شهود الحادث محمد طاهر أبو المعالى الموثق والمتهمين الثانى والثالث اللذين شهدا على الإقرار المصدق عليه موضوع الطعن بالتزوير ولم تنتدب خبيرا لتحقيق ومضاهاة البصمات والأختام المطعون بتزويرها، فإن لها أن تعود إلى إقامة الدعوى متى تكشف لها من مضاهاة البصمات وسؤال الشهود الذين لم يسألوا فى التحقيق الأول أن هناك وجها لإقامة الدعوى الجنائية". وما انتهى إليه الحكم فيما تقدم سائغ وصحيح فى القانون، ذلك بأنه لا تثريب على المحكمة بعد أن استحال عليها تحقيق دفاع الطاعن فى شأن ضم الشكوى رقم 1469 سنة 1955 إدارى قسم ثان أسيوط والاطلاع عليها لما ثبت لها من إرسالها للمستغنى لمضى المدة المقررة لحفظها، أن تقلب الأمر على وجوهه المختلفة لما هو مقرر لها من حق تبين الوقائع على حقيقتها وردها إلى صورتها الصحيحة من مجموع الأدلة المطروحة ولو كان ذلك بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية، ما دام ذلك سليما متفقا مع موجب الاقتضاء العقلى والمنطقى. وإذ كان تعذر تحقيق ذلك الدفاع لا يسلب المحكمة حقها فى أن تعرض للصور المحتملة لتصرف النيابة العامة فى الشكوى التى طلب الدفاع ضمها - تأييدا لدفعه بعدم جواز رفع الدعوى الجنائية لسبق الفصل فيها بالأمر المقول بصدوره من النيابة - وأن تقول فيها كلمتها فى نطاق التأويل الصحيح للقانون، وكان الحكم قد أسس عقيدته بأن الشكوى الإدارية موضوع الدفع لم تتضمن تحقيقا قضائيا على ما استخلصه من أقوال الشهود بالجلسة من أنهم لم يسبق سؤالهم بمعرفة النيابة العامة فى غير التحقيق الذى انتهى بإحالة الدعوى المطروحة وهو استخلاص سائغ لا يقبل معاودة الجدل فيه، لما هو مقرر من حق محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى وأدلتها والاطمئنان إلى أقوال الشهود فى أية مرحلة من مراحلها، وكان ما جزم به الحكم من حفظ الشكوى إداريا وتعذر ضمها يسانده فيه ما جرت عليه "لائحة محفوظات وزارة العدل والمصالح التابعة لها والمحاكم وتنظيم غرف الحفظ" المنشورة فى مطبوعات المطبعة الأميرية سنة 1954 من أن الشكاوى الإدارية المحفوظة ودفاترها تحفظ بغرف الحفظ بالمحاكم لمدة ثلاث سنوات ثم يستغنى عنها - دون أن ترسل إلى دار المحفوظات العمومية لحفظها بها كما هو الحال بالنسبة إلى الأنواع المعينة الأخرى من القضايا والأوراق والدفاتر. والأصل أن الأمر الصادر من النيابة بحفظ الشكوى إداريا الذى لم يسبقه تحقيق قضائى لا يكون ملزما لها، بل لها حق الرجوع فيه بلا قيد ولا شرط بالنظر إلى طبيعته الإدارية، كما أن المادة 213 من قانون الإجراءات الجنائية قد جرى نصها على أن الأمر الصادر من النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى وفقا للمادة 209 أى بعد التحقيق - لا يمنع من العودة إلى التحقيق إذ ظهرت أدلة جديدة طبقا للمادة 197 - وذلك قبل انتهاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية، وكان قوام الدليل الجديد هو أن يلتقى به المحقق لأول مرة بعد التقرير فى الدعوى بألا وجه لإقامتها، وكان الحكم قد أصاب الصواب حينما استطرد إلى الغرض الجدلى الذى ساقه بصدد تسليمه بحصول تحقيق سابق لم تر النيابة العامة أن تسير فيه وإقراره إياها على العودة إلى استعمال الدعوى الجنائية بعد أن تكشف لها من تلك الأدلة الجديدة التى ساقها الحكم والتى لم تكن قد عرضت على النيابة العامة وقت اصدار قرارها السابق، فلا تقبل المجادلة فى هذا التقدير. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من قالة الاخلال بحق الدفاع مردود بما هو مثبت بمحاضر جلسات المحاكمة من أن المحكمة لم تدخر وسعا فى اجابة الطاعن الى ما طلبه من ضم الشكوى سالفة الذكر وتعذر ذلك عليها بسبب ارسالها للمستغنى لمضى المدة القانونية عليها طبقا للائحة الحفظ بالمحاكم وقد عرض الحكم إلى ما تغياه الطاعن من هذا الضم ففنده على ما سلف بيانه. أما ما يثيره من نعى على المحكمة لعدم تتبعها هذه الشكوى فإنه فضلا عن أنه لم يثر شيئا من هذا القبيل أمام محكمة الموضوع بل إن كل ما قاله المدافع عنه فى هذا الشأن أنه يعتقد أن الشكاوى ترسل بعد التحقيق إلى "الدفترخانة" لحفظها، وهو قول مرسل لا يستأهل من الحكم ردا، فإن المعنى الواضح من إرسال الأوراق إلى المستغنى طبقا للائحة محفوظات وزارة العدل السالف الإشارة إليها هو إعدامها، ومن ثم تكون مجادلة الطاعن فى هذا الخصوص غير سديدة - أما ما يثيره الطاعن من دعوى الخطأ فى الإسناد فى خصوص ما نسبه الحكم إلى المتهم الثانى فى الدعوى فى معرض استجوابه وما أقربه من سؤاله قبل ذلك بمعرفة "الصول يس" - ما يثيره من ذلك مردود بأن ما حصله الحكم من أقوال المتهم المذكور له مأخذه من أقواله بمحضر جلسة المحاكمة. أما ما يقوله الطاعن من أن الإجراء الذى قام به الصول المذكور كان بناء على انتداب النيابة إياه فلا سند له. وما ينعاه على الحكم من قصوره فى التدليل على عدم قيام هذا الندب هو الزام بما لا يلزم إذ أنه لا يجوز مطالبة المحكمة باتباع قاعدة معينة فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها منها. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن فى صدد منازعته فى عناصر التعويض الذى قضى بالزامه بأدائه إلى المدعى بالحقوق المدنية مردودا بما أورده الحكم من عناصر سائغة استند إليها فى تكوين عقيدته واستقرارها على أن الصلح المقول بإبرامه بين الطرفين لم ينفذ لعدم قيامهما بالتزاماتهما المتبادلة، فلا يقبل مصادرة الحكم فى اعتقاده أو مطالبته بالأخذ بدليل دون غيره، لما هو مقرر من حرية القاضى فى المواد الجنائية فى تكوين عقيدته من عناصر الدعوى المطروحة، وهو بعد فى حل من عدم الأخذ بالدليل المستمد من أية ورقة حتى لو كانت رسمية ما دام هذا الدليل غير مقطوع بصحته ويصح فى العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التى استخلصها القاضى من باقى الأدلة - لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم من التفاته عن شهادة شهود النفى مردودا بما هو مقرر لمحكمة الموضوع من سلطة وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها الشهادة تنزلها المنزلة التى تراها وتقدرها التقدير الذى تطمئن إليه، والأصل أن المحكمة ليست ملزمة بأن تشير صراحة فى حكمها إلى عدم أخذها بما قرره شهود نفى المتهم بل إن تعويلها على أدلة الإثبات معناه أنها أطرحت شهادة شهود النفى فلم تر فيها ما يصح الركون إليه. ولما كان تعليل اطراح الحكم لشهادة شهود النفى سائغا، فلا يقبل مجادلته فيما انتهى إليه من ذلك. كما أن ما ينعاه الطاعن على الحكم من إغفاله الرد على ما أثاره فى خصوص دلالة الأوراق التى قال بأنه أودعها أوراق الشكوى التى حفظت، مردود بأن الأصل أن محكمة الموضوع لا تلتزم بتعقب دفاع المتهم فى شتى مناحيه والرد على كل جزئية يثيرها بل يكفى أن يكون ردها عليه مستفادا من قضائها بالإدانة للأدلة التى بينها. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم فى مدوناته من تعمد الطاعن تغيير الحقيقة فى المحرر تغييرا من شأنه أن يسبب ضرر للغير وبنية استعمال المحرر فيما غيرت من أجله الحقيقة فيه، يتوافر به القصد الجنائى فى جريمة التزوير كما هو معرف به فى القانون، ولا يلزم بعد ذلك التحدث صراحة واستقلالا فى الحكم عن هذا الركن ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل على قيامه - فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه يكون فى غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.