أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 3 ـ صـ 150

جلسة 6 نوفمبر سنة 1951
(56)
القضية رقم 866 سنة 21 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد حسني بك وإبراهيم خليل بك ومحمد أحمد غنيم بك وإسماعيل مجدي بك المستشارين.

أ - نقض. مبدأ عدم جواز أن يضار الطاعن بسبب تظلمه. حاوده فيما يتعلق بالطعن بطريق النقض. مقدار العقوبة. وصف الأفعال قانوناً. لا يدخل في نطاق هذا المبدأ.
ب - رأفة. تخوف المتهم أو توهمه غير المبني على أسباب معقولة. لا مانع من الاعتبار في أخذه بالرأفة .
1 - إن مبدأ عدم جواز أن يضار المحكوم عليه بسبب تظلمه عند الأخذ به في الطعن بطريق النقض لا يصح إعماله إلا من ناحية مقدار العقوبة الذي يعتبر حدا أقصى لا يجوز للهيئة الثانية أن تتعداه، ولا يجوز أن يتناول النواحي الأخرى من نحو تقدير وقائع الدعوى أو إعطاء الحادث وصفه الصحيح، فإذا كان الحكم المطعون فيه لم يتعد العقوبة التي قضى بها الحكم الذي سبق نقضه بناء على طعن المتهم وحده ولكنه قد اعتبر الفعل المسند إليه جناية قتل عمد بعد أن كان الحكم السابق قد اعتبره متجاوزاً حدود الدفاع الشرعي فإنه لا يعتبر قد سوأ مركز الطاعن.
2 - لا يوجد في القانون ما يمنع المحكمة من اعتبار تخوف المتهم أو توهمه غير المبني على أسباب معقولة والذي لا يعتبر معه في حالة دفاع شرعي ولا في حالة تجاوز لحدود هذا الدفاع - ما يمنع اعتبار هذا التوهم ظرفاً من ظروف الرأفة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بنجع العرب مركز دشنا قتل عمداً عمر عبد الرحمن محمد عمر وذلك بأن أطلق عليه مقذوفاً نارياً قاصداً قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية والتي أودت بحياته وطلبت إلى قاضي الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته طبقاً للمادة 234/ 1 من قانون العقوبات فقرر بذلك. وقد ادعى بحق مدني كل من أم أحمد حسن علي 2 - عبد اللاه عبد الرحمن محمد 3 - أحمد عبد الرحمن محمد وطلبوا الحكم لهم قبل المتهم بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات قنا قضت عملاً بمادة الاتهام المطلوبة مع تطبيق المادتين 250/ 4 و251/ 2 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم محمد علي محمد عوض بالحبس مع الشغل لمدة ثلاث سنوات وإلزامه بأن يدفع للمدعين بالحقوق المدنية مائة جنيه مصري والمصاريف المدنية وخمسمائة قرش أتعاب محاماة، وأضافت إلى وصف التهمة أنه قد تجاوز بنية سليمة حدود حق الدفاع الشرعي. فرفع المحكوم عليه طعنا بطريق النقض عن هذا الحكم. وهذه المحكمة قضت بتاريخ 23 مارس سنة 1948 بنقض الحكم المطعون فيه وألزمت المدعيين بالحقوق المدنية بالمصاريف المدنية. ومحكمة جنايات قنا قضت عملاً بالمادتين 234/ 1 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل ثلاث سنوات وإلزامه بأن يدفع للمدعيين بالحقوق المدنية عبد الله عبد الرحمن محمد عمر وأحمد عبد الرحمن محمد عمر فقط إذ أن المدعية الثالثة أم أحمد حسن علي توفيت مبلغ خمسين جنيهاً على سبيل التعويض والمصاريف المدنية جميعها ومبلغ ألف قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض..الخ.


المحكمة

.... حيث إن الوجه الأول من أوجه الطعن يتحصل في قول الطاعن بأن الحكم المطعون فيه قد سوأ مركزه إذ اعتبر الفعل المسند إليه جناية قتل عمد وعقابه بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات في حين أن الحكم الذي نقض بناء على طعنه الأول قد اعتبره متجاوزاً بحسن نية حدود حق الدفاع الشرعي وعاقبه بعقوبة الجنحة عملاً بالمادتين 250/ 4 و251/ 2 ولا يدحض من هذا القول أن الحكم أوقع عليه نفس العقوبة السابقة مستنداً في ذلك إلى ظروف قضائية مخففة بالتطبيق لنص المادة 17 وذلك لاختلاف أثر الحكم في كل من الحالتين بالنسبة للمحكوم عليه.
وحيث إن مبدأ عدم جواز الإضرار بالمحكوم عليه بسبب تظلمه عند الأخذ به في الطعن بطريق النقض لا يصح إعماله إلا من ناحية مقدار العقوبة التي يعتبر حدا أقصى لا يجوز للهيئة الثانية أن تتعداه، ولا يجوز أن يتناول النواحي الأخرى من نحو تقدير وقائع الدعوى أو إعطاء الحادث وصفه الصحيح. ولما كان الحكم المطعون فيه لم يتعد العقوبة التي قضى بها الحكم الذي سبق نقضه فإن الحكم المذكور لا يكون قد سوأ مركز الطاعن ويكون الطعن عليه بهذه الوجه على غير أساس.
وحيث إن محصل الوجه الثاني أن الحكم المطعون فيه جاء قاصر البيان فقد دفع الطاعن أمام المحكمة بأن الأدلة المادية في الدعوى تكذب قول شاهدها ذلك بأنه لم توجد في المكان الذي كانت به الجثة ولا بالمكان الذي قيل أنها نقلت إليه ولا في الطريق بين المكانين آثار من دماء القتيل، كما لم يعثر بملابس المتهم ولا بأظافره، على ما ثبت من نتيجة التحليل آثار دماء. هذا إلى تمسك الدفاع بغياب الطاعن عن مكان الحادث ليلة وقوعه مستدلاً في ذلك بأقوال شهود نفيه، ولكن المحكمة لم تلتفت لهذا الدفاع ولم تضمن حكمها ردا ًعليه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما يتوافر فيه عناصر الجريمة التي دان الطاعن بها واستند في ذلك إلي الأدلة التي أوردها والتي من شأنها أن تؤدي في العقل إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد تعرض لما دفع به الطاعن من غيابه عن مكان الحادث ليلة وقوعه ورد عليه وعلى أقوال شهود نفيه في هذا الخصوص بما يفندها، وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة بأن تناقش كل الشبه والاستنتاجات التي يتمسك بها المتهم ولا بأن ترد عليها صراحة وكان ما قالته المحكمة من ثبوت التهمة على الطاعن بناء على الأدلة التي أوردتها وما ردت به على ما رأت الرد عليه من أوجه دفاعه يتضمن الرد الكافي على أوجه دفاعه الأخرى. لما كان ذلك، فإن الطعن على الحكم بهذا الوجه لا يكون في واقعه إلا جدلاً موضوعياً ومناقشة لوقائع الدعوى وأدلتها مما لا شأن لمحكمة النقض به
وحيث إن الوجه الثالث يتحصل في القول بأن الحكم قد تناقض: ذلك أنه بعد أن نفي في أسبابه قيام الظروف التي تجعل الطاعن معذوراً لتجاوزه حدود حق الدفاع الشرعي عاد فقال في صدد استعمال الرأفة ما يفيد قيام تلك الظروف. هذا إلى خطئه في عدم تطبيق عقوبة الجنحة على الطاعن عملاً بالمادتين 250/4 و251/ 2 بعد أن ذكر فيما أورده من الوقائع ما كان يوجب تطبيق هاتين المادتين عليه باعتبار أنه تعدى بنية سليمة حدود حق الدفاع الشرعي.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى تعرض لدفاع الطاعن بقيام حالة الدفاع ورد عليه بقوله: "وثابت مما اعتمدته المحكمة من وقائع القضية وظروفها أنه لم تكن هناك جناية سرقة حالة أو شروع فيها للاستيلاء على مال المتهم كما أنه لم يكن ثمة فعل يتخوف منه حدوث الموت أو الجراح البالغة وقع من جانب المجني عليه أو شريكه في الزراعة حسين علام، إذ هما كانا يعملان في سد مجرى المياه بجوار زريبة المتهم وإذا كان المتهم قد توهم أنهما لصوص فإنه لم يكن لهذا التخوف سبب معقول يدفعه إلى الاندفاع إلى إطلاق النار بغير روية أو استقصاء معقول خصوصاً والدنيا مظلمة وهو يعلم أن حول زريبته زراعات لغيره من الناس ومجرى مياه يروون منها وزرائب يؤوون فيها مواشيهم كما هو ثابت من معاينة النيابة فلا يكفي مجرد سماعه حركة بجوار حائط زريبته أو صوت نباح الكلاب لكي يتوهم وجود اللصوص فيطلق النار على غير تحقق من نتائج فعلته بقصد القضاء على حياة هذا اللص كما تقدم بيانه وكان يسعه أن ينادي أو يطلق عياراً في الهواء أو يفعل ما من شأنه الاستيثاق من صحة ارتيابه في وجود لص حول زريبته ولكنه لم يفعل شيئاً غير الاندفاع وراء توهمه ولا يمكن أن يكون التوهم أساسا لحماية القانون عن طريق استعمال حق الدفاع الشرعي الذي ينبغي أن يقوم على أسباب معقولة تدعو إلى درء الخطر من فعل يتخوف منه الموت أو الجراح البالغة وهو ما لم يثبت في هذه القضية عندما ارتكب المتهم جريمة القتل الثابتة عليه كما أنه لا محل للقول بأنه تجاوز حق الدفاع الشرعي عن النفس أو المال طبقاً لحكم المادة 251 عقوبات طالما أنه لم يثبت قانوناً وجود هذا الحق في ذاته، وبهذا يتعين اعتبار المتهم مسئولاً عن جريمة القتل العمد الذي لم تتوافر معه شروط الدفاع الشرعي عن المال أو النفس" ولما كان هذا الذي قاله الحكم صحيحاً في القانون وبه ينتفي قيام حالة الدفاع الشرعي لدى الطاعن مما يلزم عند عدم إمكان القول بأنه فيما فعل قد تعدى بنية سليمة حدود هذه الحالة وكان ما قالته المحكمة بصدد استعمال الرأفة مع الطاعن من "أنها ترى من ظروف القضية وعدم وجود باعث يدعو إلى القتل سوى ما توهمه المتهم من أن المجني عليه لص حضر لسرقة مواشيه أن تستعمل الرأفة" لا يدل على أن هذا التوهم كانت له أسباب معقولة فيبرر قيام حالة الدفاع الشرعي ويسوغ الفعل الذي اقترفه المتهم أن يعتبر المتهم فيه معذوراً لتجاوزه حدود حق الدفاع، وكان لا يوجد في القانون ما يمنع المحكمة من اعتبار تخوف المتهم أن توهمه غير المبني على أسباب معقولة والذي لا يعتبر معه في حالة دفاع شرعي ولا في حالة تجاوز لحدود هذا الدفاع، لا يوجد في القانون ما يمنع اعتبار المحكمة هذا التوهم ظرفاً من ظروف الرأفة. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد تناقض في الأسباب أو أخطأ في تطبيق القانون، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الوجه في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.