أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 3 ـ صـ 115

جلسة 29 أكتوبر سنة 1951
(46)
القضية رقم 885 سنة 21 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد حسني بك وإبراهيم خليل بك ومحمد أحمد غنيم بك وإسماعيل مجدي بك المستشارين.

استجواب. حظره. مقرر لمصلحة المتهم.
إن حظر الاستجواب إنما قرر لمصلحة المتهم. فللمتهم أن يقبل استجوابه ولو ضمنا، ولا بطلان إلا إذا حصل الاستجواب بعد اعتراض المتهم أو اعتراض محاميه. وإذن فإذا كان الثابت بمحضر الجلسة أن المتهمين قد ظلا يجيبان على أسئلة المحكمة دون اعتراض منهما أو من الحاضرين عنهما وأنه عندما اعترض الدفاع على الاستجواب لم تسترسل المحكمة فيه - فلا تثريب على المحكمة في ذلك.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين في قضية الجناية رقم 2852 جرجا سنة 1944 المقيدة بالجدول الكلي برقم 208 سنة 1944 بأنهما بزمام الرشايدة مركز ومديرية جرجا مع متهم آخر سبق الحكم عليه قتلوا ثابت عبد اللطيف دكروني عمدا مع سبق الإصرار على ذلك بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لهذا الغرض بنادق معمرة ولما أن ظفروا به أطلقوا عليه جميعاً أعيرة نارية من بنادقهم بقصد قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير حضرة الطبيب الشرعي والتي أودت بحياته وطلبت من قاضي الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمادتين 230 و231 من قانون العقوبات فقرر إحالتهما إليها لمعاقبتهما بالمادتين المذكورتين. ومحكمة جنايات سوهاج نظرت هذه الدعوى وقضت فيها حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات. بعد أن استبعدت ظرف سبق الإصرار بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض.. الخ


المحكمة

...حيث إن الوجه الأول من هذا الطعن يتحصل في قول الطاعنين بأن الحكم المطعون فيه، إذ دانهما بالقتل العمد، قد شابه بطلان في الإجراءات: فقد استجوبتهما المحكمة دون أن يطلبا ذلك وعلى الرغم من اعتراض محاميهما على الاستجواب بل لقد سألت الطاعن الثاني بعد هذا الاعتراض، سؤالاً فطلب محاميه ترك الإجابة عنه إليه.
وحيث إن حظر الاستجواب إنما تقرر لمصلحة المتهم ولذا فإن له أن يقبل استجوابه ولو ضمنا، مما مؤداه أنه لا بطلان إلا إذا حصل الاستجواب بعد اعتراض المتهم أو اعتراض محاميه. ولما كان ذلك وكان الثابت بمحضر الجلسة أن الطاعنين قد ظلا يجيبان على أسئلة المحكمة دون ما اعتراض منهما أو من الحاضرين عنهما وأنه عندما اعترض الدفاع على الاستجواب لم تسترسل المحكمة فيه. فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الوجه فلا يكون له ما يبرره.
وحيث إن محصل الوجهين الثاني والثالث أن المحكمة أخطأت في فهم الواقع من الدعوى فأدى بها ذلك إلى استخلاص نتائج فيها شطط ومجافاة لهذا الواقع. هذا إلى تناقضها في الأسباب. وفي بيان هذين الوجهين يقول الطاعنان إن المحكمة لم تعول على ما قرره الغلام خليل محمد عطيه في أقواله الأولى من أنه كان من شهود الحادث وقالت في ذات الوقت بأنه لا أهمية لذلك في اطمئنانها إلى ثبوت التهمة على المتهمين مع أن تلك الأقوال التي لم تعول عليها كانت هي التي قام عليها التبليغ عن الجناية وتحريك الدعوى بها، كما أنها - أي المحكمة - لم تحفل بعدول الشاهد "عمر حسب علي" عن أقواله الأولى ضد الطاعن الأول وأخذت هذا الطاعن بالأقوال المشار إليها وعللت ذلك بأن هذا الشاهد إنما قصد بعد له عن تلك الأقوال رد الجميل للمتهم المذكور لأنه كان سببا - على حد قول الشاهد نفسه - في نجاته ونجاة والده من براثن القتل، ثم إن المحكمة قد ردت على أدلة تفي الطاعن الثاني بما لا أصل له في التحقيقات ومحاضر الجلسات وبينما هي تستبعد شهادة عمر حسب في جزء منها، تعود فتأخذ بروايته في تعليل عدم تبليغه عن الحادثة وفيما قرره عن طريقة وقوعها ومناقشة المتهمين في اختيار الشخص الذي يقل من بين الحاضرين. وهما على حين أن تجزئة شهادة الشاهد غير جائزة لأن عدم الأخذ بجزء منها مما يبعث على الشك في جزئها الأخر.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتحقق فيه العناصر القانونية لجناية القتل العمد التي دان الطاعنين بها وتعرض لمختلف أقوال الشاهدين خليل محمد عطيه وعمر حسب علي، ورد على ما لم يأخذ به منها بما يفنده واستند في كل ذلك إلى الأسباب التي قام عليها والتي من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، كما تعرض لدفاع الطاعنين كليهما ولأدلة نفيهما ورد عليها بقوله "على أن ما أبداه المتهمان من دفاع بعد القبض عليهما في شهر يونيه سنة 1949 جاء في الواقع مؤيداً لصحة الاعتقاد بثبوت التهمة ضدهما إذ قررا أنهما كانا متغيبين عن بلدتهما وقت وقوع الحادث يسعيان على رزقهما وقرر كل منهما بالجلسة أن هذه أول مرة يسافران فيها إلى الجهات البحرية لهذا الغرض. فقرر المتهم الأول أنه كان بدمنهور منذ شهر أبريل سنة 1944 ولا تثق المحكمة بهذا الدفاع ولا تطمئن إلى شهادة الشاهدين اللذين استشهدهما إذ فضلا عن أنهما من ذوي قرباه ومن بلدته فإنه لم يقر أي دليل على أنهما كانا حقيقة بدمنهور يتوليان العمل الذي قالا عنه - وذكر المتهم الثاني أنه ذهب إلى القاهرة لأول مرة أيضاً في شهر يونيه سنة 1944 وهو الشهر الذي وقع الحادث صباح يوم 26 منه للمتاجرة في المواشي وأنه مرض هناك وعرض نفسه على أحد الأطباء وحصل منه على شهادة تتضمن مرضه تاريخها 24 يونيه سنة 1944- أي قبل وقوع الحادث بيومين - كما قدم برقية كان قد أرسلها لوالده من محطة الجيزة بتاريخ 27 من يونيه سنة 1944 - أي في اليوم التالي لوقوع الحادث وليس مفهوماً على الإطلاق سبب حصول المتهم على هذه الشهادة المرضية وهو ليس موظفاً حكومياً ولا غير حكومي حتى يحتاج إلى إثبات مرضه لأخذ إجازة أو لتبرير تغيبه عن عمله. كما أنه ليس من المفهوم أيضاً سبب احتفاظه بتلك الشهادة منذ سنة 1944 إلى سنة 1949 عندما قبض عليه. ولا مفهوماً كذلك سبب احتفاظه بالبرقية التي أرسلها لوالده في 27 من يونيه سنة 1944. وهو اليوم التالي للحادث منذ سنة 1944 إلى سنة 1949 أيضاً. مع عدم وضوح أية أهمية للاحتفاظ بهذه البرقية مع أنها كانت مرسلة لوالده لشأن ليس له أية أهمية توجب الاحتفاظ بها. ولا قيمة لما ذكره المتهم المذكور والدفاع عنه من أنه كان قد حصل على الشهادة المرضية ليحاسب والده بمقتضاها علي مصاريف العلاج. إذ ليس في الشهادة المذكورة أية إشارة لما دفع للطبيب المعالج من أتعاب. كما أنه حتى لو فرض جدلاً وكان الحصول عليها راجعاً لهذا السبب، فليست هناك أية حكمة ظاهرة للاحتفاظ بها هذه السنين العديدة التي لا يغفل أن لا يكون الحساب المزعوم قد صفى في خلالها - والذي تستخلصه المحكمة ويطمئن إليه وجدانها من الاطلاع على هاتين الوثيقتين المقدمتين من المتهم الثاني هو أن المتهم بعد أن اشترك في ارتكاب الحادث صباح يوم 26 من يونيه سنة 1944 بادر بالقرار إلى القاهرة في نفس اليوم. وفي اليوم التالي أرسل البرقية المشار إليها لوالده بالبلدة لمجرد إثبات وجوده بمصر. ولعلمه بأن وجوده بمصر يوم 27/ 6/ 1944 لا ينفي قطعاً وجوده ببلدته في يوم 26/ 6/ 1944 واشتراكه في حادث القتل سعي للحصول على هذه الشهادة المرضية كما سعى في جعل التاريخ المدون فيها سابق لتاريخ الحادث بيومين وهذا أمر إن لم يكن سهلاً فهو غير صعب ولا يحتاج إلى كثير من الجهد، خصوصاً إذا أدخل في ذهن الطبيب أن هذا التغيير في تاريخ الشهادة إنما هو لسبب مشروع وكان غرض المتهم من اصطناع هاتين الوثيقتين هو إعداد دفاع ملفق ومزور يحاول به تبرئة نفسه من جناية قتل المجني عليه إذا حدث ضبطه فيما بعد. وترى المحكمة أن هذا هو التفسير الصحيح لاحتفاظه بهاتين الورقتين خمس سنوات كاملة حتى قدمهما للمحقق بعد القبض عليه" لما كان ذلك، وكان ما قاله الحكم يعتبر رداً كافياً على دفاع الطاعنين وأدلة نفيهما وقد استخلصه الحكم من هذا الدفاع على ما ثبت بمحضر الجلسة مما لا محل معه للقول بالرد على أدلة النفي بما لا أصل له في الأوراق، وكان لمحكمة الموضوع أن تجزئ أقوال الشاهد الواحد فتأخذ بالجزء الذي تطمئن إليه وتطرح ما عداه كما كان لها أن تأخذ بأقوال شاهد في التحقيقات الأولية وأن لا تعول على عدوله أمامها عن تلك الأقوال - إذ الأصل في الاستدلال الجنائي هو حرية القاضي في الاستناد إلى ما يطمئن إليه من كافة العناصر المعروضة عليه والمطروحة للبحث عند نظره للدعوى، لما كان كل ذلك، كان الطعن على الحكم بهذين الوجهين لا يعدو في واقعة أن يكون جدلاً موضوعياً حول وقائع الدعوى وأدلتها مما تمتنع إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن المحامي الحاضر عن الطاعنين أضاف أمام المحكمة بالجلسة سبب طعن جديداً فقال إنه علم من زميله المحامي الأصلي عن الطاعنين في مساء اليوم السابق على نظر الطعن أن حضرة رئيس محكمة الجنايات التي سمعت الدعوى كان مصاباً بضعف في سمعه يبلغ درجة الصمم وأنه يستند في ذلك إلى القول بأنه عندما بدأ الرئيس يستجوب المتهمين في جلسة نظر الدعوى اعترض هو - أي المحامي - على هذا الاستجواب ولكن الرئيس استمر فيه دون ما التفات منه إلي اعتراضه فقال له الحاضرون بالجلسة إن الرئيس لا يسمع مما اضطره إلى الاقتراب من مكانه وإبداء الاعتراض إليه بصوت مسموع وحينئذ فقط أثبت الاعتراض.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على محضر الجلسة أنه خلو مما يؤيد ما يثيره محامي الطاعنين في هذا الوجه الجديد، ومن ثم فلا يكون لهذا الوجه محل.
وحيث إنه من أجل ما تقدم يتعين الحكم برفض هذا الطعن موضوعاً.