أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 3 ـ صـ 120

جلسة 29 أكتوبر سنة 1951
(47)
القضية رقم 886 سنة 21 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد حسني بك وإبراهيم خليل بك ومحمد أحمد غنيم بك وإسماعيل مجدي بك المستشارين.

(أ) استئناف. محكمة استئنافية. حكم ابتدائي في الدعوى العمومية لم تستأنفه النيابة صيرورته نهائياً لا تمنع المحكمة الاستئنافية من نظر الاستئناف المرفوع من المدعي بالحقوق المدنية عن الدعوى المدنية وحدها.
(ب) وديعة. إثباتها. عدم جواز تجزئة الإقرار. محل الأخذ بهذه القاعدة.
1 - الحكم الصادر بالبراءة من دعوى التعويض لا يقيد المحكمة الاستئنافية وهي تقضي في الاستئناف المرفوع من المدعي بالحقوق المدنية عن الدعوى المدنية وحدها ولو صار الحكم في الدعوى العمومية نهائياً لعدم استئنافه من النيابة لأن القانون قيد خول المدعي بالحقوق المدنية في المادة 176 من قانون تحقيق الجنايات أن يستأنف الحكم الصادر من محكمة أول درجة بالنسبة إلى حقوقه المدنية دون أن يقيده في ذلك بقيد سوى النصاب الجائز استئنافه.
2 - إن قاعدة عدم جواز تجزئة الإقرار إنما يؤخذ بها حيث يكون الإقرار هو الدليل الوحيد في الدعوى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من: (1) محمد محمد الشامي (الطاعن) و(2) عبد الفتاح محمد الشامي بأنهما بدائرة بندر دمنهور بدّدا سنداً قيمته 400 جنيه للطالب والذي كان مودعاً أمانة لدى الأول. وطلبت عقابهما بالمادة 341 من قانون العقوبات. وقد ادعى كمال عبد المقصود الشامي بحق مدني قبل المتهمين وطلب القضاء له عليهما متضامنين بمبلغ 21 جنيهاً بصفة تعويض مؤقت. ومحكمة دمنهور الجزئية قضت فيها حضورياً عملاً بالمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات ببراءة المتهمين ورفض الدعوى المدنية وإلزام رافعها بمصاريفها. فاستأنف المدعي المدني الحكم. ومحكمة دمنهور الوطنية "بهيئة استئنافية" قضت فيها حضورياً عملاً بمادة الاتهام بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام المتهمين متضامنين بأن يدفعا للمدعي بالحق المدني مبلغ 21 جنيهاً والمصروفات المدنية عن الدرجتين. مقابل أتعاب المحاماة عنهما. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض. ومحكمة النقض قضت فيه بقبوله شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة دمنهور الابتدائية للفصل فيها مجدداً من هيئة استئنافية أخرى وإلزام المدعي بالحقوق المدنية بالمصاريف المدنية 500 خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة للطاعنين. نظرت محكمة دمنهور الابتدائية هذه الدعوى "مرة ثانية" وقضت فيها حضورياً للمدعي المدني والمستأنف عليه الأول وغيابياً للمستأنف عليه الثاني بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفض الدفع بعدم اختصاص المحاكم الجنائية بنظر الدعوى وباختصاصها وبإلغاء الحكم المستأنف وإلزام المستأنف عليهما أن يدفعا متضامنين للمدعي بالحق المدني مبلغ واحد وعشرين جنيهاً والمصروفات المدنية عن الدرجتين ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة للمدعي المدني. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية... الخ.


المحكمة

...حيث إن الوجه الأول من هذا الطعن يتحصل في قول الطاعن إن الحكم المطعون فيه إذ قضى "برفض الدفع المقدم منه بعدم اختصاص المحاكم الجنائية بنظر الدعوى المدنية وبإلغاء الحكم المستأنف فيما يتعلق بهذه الدعوى وبإلزام الطاعن بالتعويض" قد اخطأ في تطبيق القانون: ذلك أن الدعوى المدنية لا تنظر أمام المحاكم الجنائية إلا تبعاً للدعوى العمومية وهذه قد صدر فيها حكم محكمة الدرجة الأولى بالبراءة لعدم ثبوت الواقعة وحاز هذا الحكم قوة الشيء المحكوم فيه انتهائها لعدم استئنافه من النيابة العمومية فانعدمت بذلك ولاية القضاء الجنائي على الدعوى المدنية.
وحيث إن الدعوى العمومية قد رفعت من المدعي بالحقوق المدنية بالطريق المباشر على الطاعن بأنه وآخر بددا سنداً قيمته 400 جنيه لكمال عبد المقصود الشامي كان مودعاً أمانة لدى الأول. ومحكمة أول درجة قضت فيها ببراءة المتهمين ورفض الدعوى المدنية بناء على أن التهمة غير متوفرة الدليل. فاستأنف المدعي بالحقوق المدنية هذا الحكم، فدفع الطاعن أمام المحكمة الاستئنافية بعدم جواز نظر الدعوى المدنية أمام المحاكم الجنائية لانقضاء ولاية هذه المحاكم عليها بصيرورة حكم البراءة المشار إليه انتهائها لعدم استئنافه من النيابة. فقضت المحكمة الاستئنافية بحكمها المطعون فيه برفض هذا الدفع وبإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض الدعوى المدنية وبإلزام المتهمين بالتعويض المطلوب. ولما كان الحكم الابتدائي الصادر بالبراءة ورفض دعوى التعويض لا يقيد المحكمة الاستئنافية وهي تقضي في الاستئناف المرفوع من المدعي بالحقوق المدنية عن الدعوى المدنية وحدها ولو صار الحكم في الدعوى العمومية نهائياً لعدم استئنافه من النيابة، لأن القانون قد خول للمدعي بالحق المدني في المادة 176 من قانون تحقيق الجنايات أن يستأنف الحكم الصادر من محكمة أول درجة بالنسبة إلي حقوقه المدنية دون أن يقيده في ذلك بقيد سوى النصاب الجائز استئنافه. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع المشار إليه وباختصاص محكمة الجنح المستأنفة بنظر الدعوى المدنية على الرغم من نهائية الحكم المستأنف فيما يختص بالدعوى الجنائية، لا يكون الحكم المذكور قد أخطأ القانون في شيء، ويكون الطعن عليه بهذا الوجه على غير أساس.
وحيث إن محصل الوجه الثاني أن الحكم المطعون فيه قد استند في ثبوت واقعة الاختلاس على الطاعن إلى ما لا وجود له في الأوراق بل وإلى ما يخالف الثابت بالمخالصة الكتابية المقدمة بملف الدعوى من المتهم الآخر. فقد قال الحكم "إن والد المدعي قد ردد إقراره بأن السند باسم ولديه وأنه رغم ذلك أعطى مخالصة بمبلغ 269 جنيهاً لأن المبلغ أصله له خاصة وزعم أن المتهم الأول (الطاعن) هو الذي أرغمه على تحرير السند باسم ولديه (المدعي وأخيه) واعترف في الوقت نفسه بأنه كان لزوجته وهي أم المدعي المدني نقود في ذمته" ثم إن الطاعن وقد اعترف بواقعة إيداع السند لديه وبأن هذا السند كان محرراً باسم أخيه والد المدعي، فقد دفع بعدم جواز تجزئة هذا الاعتراف عليه بحيث لا يجوز أن يؤخذ بشهادة الشهود فيما يضره على اعتبار أنه مقر بالوديعة، ولكن الحكم لم يرد على هذا الدفع. وعوّل في قضائه على شهادة الشهود، هذا وذاك إلى قصوره في بيان الملابسات التي تم فيها عقد الوديعة والظروف المحيطة به ومن هو صاحب الحق في تسلم السند.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على محاضر الجلسات أن ما استند إليه الحكم من إقرارات والد المدعي بالحقوق المدنية المشار إليها بوجه الطعن له أصله إذ أورده جميعه والد المدعي المشار إليه في شهادته أمام محكمة أول درجة بجلسة 25 من فبراير سنة 1947 كما أنه تبين من الاطلاع على المخالصة الصادرة من والد المدعي والمرفقة بالمفردات المضمومة يبين من الاطلاع على هذه المخالصة أن لا اختلاف بين ما أقر به والد المدعي المذكور وبين ما أثبت بالمخالصة إذ هي لم تشر إلى أسماء من تحرر السند لاسمه، ولما كان ذلك، وكان لا محل لما يثيره الطاعن من عدم جواز تجزئة اعترافه لأنه فضلاً عن تنازله عن الدفع بعدم جواز سماع الشهود في إثبات الوديعة، فإن قاعدة جواز تجزئة الإقرار إنما يؤخذ بها حيث يكون الإقرار هو الدليل الوحيد في الدعوي والحال على ما يبين من الحكم المطعون فيه وأقوال الطاعن في طعنه على غير ذلك. لما كان ما تقدم، وكان الحكم قد قال ما مؤداه أن الدين في الأصل كان واجب الأداء لوالد المدعي المدني ولكن السند حرر باسم هذا المدعي وأخيه وأنه قصد بهذا الاستبدال أن يكون الدين حقاً من حقوق المدعي المدني ليكفل به إتمام تعليمه وهو ما ينفي الوكالة الضمنية بينه وبين أبيه وبذلك لا يكون للوالد حق تسلم سند مثبت لدين ابنه وأن القول بأن المال كان مال الوالد فلم يقم عليه دليل من الأوراق وأن قصد المتعاقدين هو الوفاء بالمبلغ لصالح المدعي وشقيقه - مما تنتفي به عن الحكم دعوى الطاعن عليه بالقصور - فإن الحكم المطعون فيه يكون سليماً ولا يكون لما ينعاه الطاعن عليه في هذا الوجه ما يبرره.
وحيث من أجل ذلك كله يتعين رفض هذا الطعن موضوعاً.