أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 3 ـ صـ 186

جلسة 12 فبراير سنة 1951
(69)
القضية رقم 1065 سنة 21 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد حسني بك وبحضور حضرات أصحاب العزة إبراهيم خليل بك ومحمد أحمد غنيم بك وإسماعيل مجدي بك و باسيلي موسى بك المستشارين.

إثبات. اعتراف. تجزئته جائزة.
يجوز في مواد العقاب تجزئة الاعتراف. فيكون للمحكمة أن تأخذ بجزء الاعتراف الذي اطمأنت إليه ولا تأخذ بالجزء الذي لم تطمئن إليه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بدائرة قسم عابدين أحدث عمداً بالدكتور فخر الدين الأحمدي الظواهري الإصابات الموضحة بالتقرير الطبي المرفق والتي أعجزته عن أعماله الشخصية مدة تزيد على العشرين يوماً وكان ذلك مع سبق الإصرار. وطلبت عقابه بالمادة 241/ 1 - 2 من قانون العقوبات. وادعى الدكتور فخر الدين الأحمدي الظواهري المجني عليه بحق مدني وطلب الحكم له قبل المتهم بمبلغ 25 جنيهاً على سبيل التعويض. ومحكمة عابدين قضت بحبس المتهم شهراً واحداً مع الشغل ووقف التنفيذ خمس سنوات تبدأ من اليوم الذي يصبح فيه الحكم نهائياً وإلزامه بأن يدفع للمدعي بالحق المدني 25 جنيهاً على سبيل التعويض، والمصاريف المدنية ومائتي قرش أتعاباً للمحاماة وذلك عملاً بمادة الاتهام سالفة الذكر وبالمادتين 55 و56 من قانون العقوبات. فاستأنف كما استأنفت النيابة ومحكمة مصر الابتدائية قضت بتأييد الحكم المستأنف مع إلزام المتهم بالمصاريف المدنية الاستئنافية جميعها وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة للمدعي المدني عن الدرجتين. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض وقضى فيه بتاريخ 18 من أبريل سنة 1949 بنقض الحكم المطعون فيه وإلزام المدعي بالحقوق المدنية بالمصاريف المدنية. ومحكمة الإعادة قضت بتأييد الحكم المستأنف مع تطبيق المادة 242/ 1 من قانون العقوبات وألزمت المتهم بالمصروفات المدنية الاستئنافية فطعن الطاعن للمرة الثانية في هذا الحكم بطريق النقض...الخ


المحكمة

...حيث إن الطعن يتحصل في قول الطاعن أنه دفع أمام المحكمة بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس تعفيه من العقاب. ذلك أن المجني عليه أنشب أظافره في عنقه وضربه وأن آخر معه كان يحاول إيقاعه، فخوفاً منه على نفسه من الإجهاز عليها أمسك بآلة حديدية ودافع بها حتى لا يستمر الاعتداء وقد أثبت الحكم أن اعتداء قد وقع على الطاعن وأن ما حدث منه كان حالة حصول هذا الاعتداء وفي أثناء التشابك وخلال ضغط المجني عليه على عنقه. ولكنه على الرغم من ذلك رفض هذا الدفاع وقضى بإدانة الطاعن مستنداً في ذلك إلى القول بأنه هو الذي أخذ بعنق المجني عليه تحت إبطه وضغط عليها ومعتمداً في هذا القول على شهادة عبد السلام الذي ذكر أنه يطمئن إلى شهادته في حين أنه يعتبر شريكاً للمجني عليه وخصماً للطاعن في حين أن الثابت مادياً أن الأول أطول قامة من الثاني مما لا يتصور معه عقلاً أن يتمكن الثاني من عنق الأول فيضغط عليها بل إن المعقول والثابت في الأوراق هو العكس تماماً - هذا إلى أن الحكم وهو ينسب إلى الطاعن البدء بالعدوان قد قال بافتعال إصابته دون أن يبين الدليل على ذلك كما أغفل أن موضع إصابة المجني عليه يدل بذاته على أنها إنما وقعت من الطاعن دفاعاً عن نفسه لحصولها في مكان مقابل لاتجاه يده وهو مضغوط على عنقه. ثم إن الحكم إذ قال بأن المتهم اعترف أمام المحكمة الاستئنافية بضرب المجني عليه مع أن الثابت بمحضر الجلسة أنه إنما اعترف بأنه كان في حالة دفاع شرعي، أما أن يكون قد أخذ الطاعن بما لا وجود له في الأوراق، أو يكون قد جزأ عليه اعترافه فاطرح ما ينفعه وأخذه بما يضره، مما يجعله في الحالتين معيباً. كما أنه إذ نفى عن الطاعن ركن سبق الإصرار ونفى استمرار علاج المجني عليه أكثر من عشرين يوماً، وطبق عليه الفقرة الأولى من المادة 242 من قانون العقوبات بدلاً من المادة 241 بفقرتيها ثم أنزل عليه نفس العقوبة يكون قد تناقض دون أن يدحض من هذا التناقض قوله بدخول هذه العقوبة في نطاق المادة التي طبقها إذ أن تغيير وصف التهمة يقتضى تغيير العقوبة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتحقق به الأركان القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها واستند في ذلك إلى الأدلة التي أوردها والتي من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها وتعرض لدفاع الطاعن بقيام حالة الدفاع الشرعي ورد عليها بقوله: "وحيث أن المحكمة لا تقيم وزناً لما يزعمه المتهم من قيام حالة الدفاع الشرعي بمقولة أن المجني عليه بدأه بالاعتداء وامسك بعنقه إلى حد ضايقه واضطره للاعتداء على المتهم بقصد تخليص نفسه منه ومنعه من مواصلة الاعتداء - لا تقيم المحكمة وزناً لهذا القول - إذ أن هذا الاعتداء المزعوم لم يشهد بحصوله أحد وقد شهد عبد السلام أفندي الظاهري الذي تطمئن المحكمة إلي أقواله خصوصاً وأنه باعتراف المتهم الوحيد الذي حضر الحادث -أن المتهم علي خلاف ما يزعم هو الذي بدأ المجني عليه بالاعتداء فقذفه ببعض زجاجات الأدوية فأخطأه ثم اشتبكا فأخذ المتهم برقبة المجني عليه تحت إبطه وضغط عليها وطعنه في هذا الوقت بالمشرط وثبت من أقوال من حضر من الشهود إلى محل الحادث عقب حصوله من الأطباء وغيرهم أن المتهم كان يستعطف المجني عليه ليصفح عنه إلى حد أنه قبله أمامهم - وأنه لم يذكر أمام أيهم في محل الحادث أن المجني عليه اعتدى عليه بل كان سلوكه أمامهم دالاً على أنه هو المعتدي وهو المخطئ وحده. وحيث إنه بفرض حصول تماسك بين المتهم والمجني عليه فإن مجرد هذا التماسك الذي لم يقترن بأي اعتداء من المجني عليه على المتهم لا يجعل هذا في حالة دفاع شرعي يبيح له أن يطعن المجني عليه بآلة حادة وحيث إنه عن الإصابات التي وجدت بالمتهم فإنها كما أثبت الحكم المستأنف بحق مفتعلة وهي إذن لا تدل على وقوع الاعتداء المزعوم من المجني عليه - كما أنه بفرض التسليم جدلاً بأن السحجات الظفرية التي وجدت بالمتهم من فعل المجني عليه فإنه قد أحدثها بالمتهم في سبيل تخليص نفسه من المتهم بعد أن ضغط هذا على رقبته على النحو الذي ذكره عبد السلام الظواهري. وحيث إنه وقد اقتنعت المحكمة بأن المتهم هو الذي كان البادئ بالاعتداء وأنه إذا صح حصول تماسك بينه وبين المجني عليه إلا أن هذا التماسك على خلاف ما يزعم المتهم لا يجعل الأخير في حالة دفاع شرعي عن النفس". ولما كان ما قاله الحكم سائغاً وله أصله في التحقيقات ومحاضر الجلسات وينتفي به في القانون قيام حالة الدفاع الشرعي، كما كانت تجزئة الاعتراف جائزة في مواد العقاب بحيث يجوز للمحكمة أن تأخذ بجزء الاعتراف الذي اطمأنت إليه ولا تأخذ بالجزء الذي لم تطمئن إليه، وكان ما يثيره الطاعن بشأن تقدير العقوبة في غير محله ما دامت العقوبة التي أوقعها الحكم عليه داخلة في نطاق النص القانوني الذي طبقه. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون سديداً ولا يكون الطعن عليه بهذه الأوجه، إلا جدلاً موضوعياً بحتاً مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لذلك يتعين رفض الطعن موضوعاً.