أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 3 ـ صـ 206

جلسة 26 من نوفمبر سنة 1951
(77)
القضية رقم 433 سنة 21 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة، وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد حسني بك وإبراهيم خليل بك ومحمد غنيم بك وإسماعيل مجدي بك المستشارين.

إثبات. دليل مباشر أو غير مباشر. جواز الأخذ به.
إن مدار الإثبات في المواد الجنائية هو اطمئنان المحكمة إلى ثبوت الواقعة المطروحة عليها أو نفيها وذلك سواء أكان دليلها على الرأي الذي أخذت به دليلاً مباشراً يؤدي بذاته إلى النتيجة التي انتهت إليها أم كان دليلا غير مباشر لا يؤدي إلى هذه النتيجة إلا بعملية عقلية منطقية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بدائرة قسم السيدة زينب محافظة القاهرة مع أخرى حكم ببراءتها - قتلا عمداً أمينة محمود إبراهيم محمد خنقاً وذلك بأن لفا حول عنقها قطعة قماش وضغطا بها عليه قاصدين قتلها فأحدثا بها الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أدت إلى وفاتها باسفكسيا الخنق وكان ذلك مع سبق الإصرار وطلبت إلى قاضي الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما طبقاً للمادتين 230 و231 من قانون العقوبات فقرر بذلك ومحكمة جنايات مصر قضت عملاً بالمادة 234 من قانون العقوبات بمعاقبة محمد فاروق إبراهيم بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة خمس عشرة سنة نافية بذلك عنه ظرف سبق الإصرار. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

وحيث إن الطعن يتحصل في أن الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بالقتل العمد تأسيساً على ما استنتجه مما ذكره بنص الشهود الذين سمعوا من استمرار النزاع بين الطاعن وزوجته القتيل أثناء حياتهما الزوجية، ومن أنه كان دائباً في إساءة معاملتها وضربها وإهانتها بالقول مما كان يؤدي إلى نزوحها إلى دار أخيها ولجوئها إليه غاضبة في كثير من الأحيان فقد قبل الحكم بعد عرضه لأقوال الشهود: "إنه يؤخذ من كل ما تقدم أن المتهم الأول (الطاعن) كان يسيء معاملة زوجته وكثيراً ما كان يعتدي عليها بالضرب الذي تضطر معه إلى هجره والالتجاء إلى أخيها جودة. وأنه في يوم الحادث وقبل اكتشاف جثتها قام المتهم الأول بمعاونة أخته المتهمة الثانية بإلقاء جسم كحجر أو نحو ذلك على المنور أحدث بالشقة صوت سقوط جسم وأيضاً قطعة قماش حمراء مرت أمام نافذة منزل محمد يوسف محمد وأذاعا على الكافة أن المجني عليها ألقت بنفسها من مسكنها بالدور الرابع إلى المنور بقصد الانتحار بسبب أنها تعشق شخصاً آخر غير زوجها وأوعز إلى من قام بتبليغ البوليس بما جاء بالبلاغ الذي أثبته محقق البوليس بصدر محضره ثم اكتشفت الجثة بمعرفة كاملة إبراهيم ونعيمة محمد عبد الغفور ومعهما المتهمان في المنور الذي تسكنه فاطمه خليل مما جعل جميع الناس يعتقدون أن المجني عليها انتحرت فعلاً". ثم انتهى إلى القول: "بأن ثبوت قيام النزاع بين المتهم والمجني عليها وعدم استقرار حياة الزوجية بينهما واستحداثه المظاهر التي أراد التمهيد بها لاكتشاف جثتها في المكان الخلفي الذي وجدت به ومعرفته لذلك المكان وثبوت عدم صحة دفاعه وعدم ثبوت وجود دافع لأي شخص آخر في قتل المجني عليها مع ثبوت حسن سيرها وسلوكها على ما شهدت به الشهود يقطع بأنه هو القاتل لها دون غيره وأن التهمة ثابتة قبله". ويقول الطاعن أنه لما كان ما أورده الحكم إنما يقوم على مجرد الاستنتاج دون أن يكون له أصل في أقوال الشهود ولم يكن فيما قاله أولئك الشهود ما يدل على أن الطاعن هو مرتكب الحادثة، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإدانة الطاعن بالاستناد إلى أسباب لا تؤدي إلى ذلك وإلى أدلة منتزعة من الحيال يكون قد أخطأ في تطبيق القانون على الواقعة الثابتة به كما جاء قاصراً في بيان الأسباب.
وحيث إن مدار الإثبات في المواد الجنائية هو اطمئنان المحكمة إلى ثبوت الواقعة المطروحة عليها أو نفيها وذلك سواء أكان دليلها على الرأي الذي أخذت به دليلاً مباشراً يؤدي بذاته إلى النتيجة التي انتهت إليها أم كان دليلاً غير مباشر لا يؤدي إلى هذه النتيجة إلا بعملية عقلية منطقية. ولما كان ذلك مقرراً، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتحقق به جميع الأركان القانونية لجناية القتل العمد التي دان الطاعن بها واستند في ذلك على الأسباب التي ذكرها والتي استخلصها استخلاصا مقبولاً سائغاً من أقوال الشهود والمعاينة التي أجرتها المحكمة ومن التقرير الطبي ومناقشة الطبيب الشرعي بالجلسة، وكان من شأن الأدلة التي ساقها الحكم أن تؤدي في العقل إلى ثبوت الواقعة قبل الطاعن، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون سليما ولا يكون لما يثيره الطاعن في طعنه إلا معنى معاودة البحث في أدلة الدعوى وهو مالا يجوز التعقيب فيه على محكمة الموضوع.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.